[right]
الزواج العرفي
بقلم الشيخ ندا أبو أحمد
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ( 70 ) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } أما بعد:
الزواج العرفي من المشكلات الخطيرة التي طرحت نفسها بقوة علي الساحة وخصوصاً في الآونة الأخيرة بعد أن أصبحت ظاهرة تفشت وعمَّت وطمَّت في فئات المجتمع المختلفة .
ومشكلة الزواج العرفي اقتربت من أن تكون كارثة أخلاقية وتشريعية واجتماعية لما تخلفه من آثار خطيرة علي الزوجة باعتبارها الضحية الأولى من هذا الزواج وعلى المجتمع أيضاً ، وازداد الإحساس بخطرها عندما تفشت بين طلاب وطالبات الجامعة وكأن الأمر لا شيء فيه ......
فلقد كنا نسمع عن هذه المشكلة في أوساط اجتماعية خاصة كرجال الأعمال والفنانين والفنانات ثم بدأت تنتشر انتشار النار في الهشيم بين طلاب وطالبات الجامعة.
فما أسهل أن يتفق الطالب مع زميلته في الكلية على الزواج عرفياً في السر دون علم الأهل ثم يقوما بكتابة ورقة عرفية يوقع عليها شاهدان من زملائهما في الجامعة وبذلك يعتقدان ( خطأ ) أن زواجهما العرفي أصبح حلالاً شرعاً.
ونظراً لجهل الكثير ممن قَدِموا علي هذا الزواج خاصة الشباب المراهق من طلاب وطالبات الجامعة بحقيقة هذا الزواج والحكم الشرعي الصحيح له بسبب ثقافتهم الدينية المتدنية وبسبب اعتمادهم على رأي بعيد عن الصواب مما أوجد لهم مبرراً وتكأة للإقدام على هذا الزواج .
وسنبين بمشيئة الله في هذا البحث حكم الزواج العرفي وموقف الشرع منه ...........
الزواج العرفي في ميزان الشرع
بدايةً هناك أصول يجب الوقوف عليها : أن الزواج الشرعي له أركان وشروط :
•أولاً: أركان الزواج الشرعي
وهي صيغة العقد
قال ابن قدامة كما في ( المغني 7 / 428)
وإذا قال الخاطب للولي أزوجت ؟
فقال : نعم
وقال للزوج أقبلت ؟
قال : نعم
فقد أنعقد النكاح إذا حضره الشاهدان .
قال الشافعي
لا تنعقد حتى يقول معه زَوَّجتك ابنتي ، ويقول الزوج قبلتُ هذا التزويج لأن هذين ركنا العقد ولا ينعقد بدونهما .
وينعقد الزواج بكل لفظ دلَّ عليه لا يختص بلفظ الإنكاح والتزويج .
قال ابن تيمية( رحمه الله) في ( مجموع الفتاوى 20 / 513)
والتحقيق : أن المتعاقدين إن عَرِفا المقصود .. فأي لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدين مقصودهما انعقد به العقد .
- فأصبح قولي العلماء أنه ينعقد بكل لفظ يدل عليه لا يختص بلفظ الإنكاح والتزويج وهذا مذهب جمهور العلماء .
•ثانياً : شروط صحة عقد النكاح
لصحة الزواج لبد من وجود شروط وانتفاء موانع حتى يُعتد بعقد الزواج وتترتب عليه الحقوق والأحكام .
وتكلمنا فيما سبق عن الموانع من نسب أو رضاع أو مصاهرة وهذا أوان الشروع في الكلام عن شروط صحة عقد النكاح وهي التي يتوقف عليها صحة عقد النكاح وترتب آثاره عليه ويبطل العقد بتخلف أحدهما وهذه الشروط هي :
1)موافقة الولي على الزواج
الولي: و الذي يلي عقد النكاح علي المرأة ولا يدعها تستبد بالعقد دونه .
وقد ذهب الجماهير من السلف والخلف ( منهم : عمر وعليًّ وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة ) ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد والثوري وأهل الظاهر إلي :
أن الولي شرط لصحة النكاح
فإذا زوجت المرأة نفسها فنكاحها باطل واستدلوا بما يلي :
النصوص القرآنية التي جعلت أمر التزويج والإعضال إلي الرجال ومنها :
1. قوله تعالي : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } ( النور 32 )
فخاطب الرجال بإنكاح الأيامى ولو كان التزويج عائد إلي النساء لما وجه الخطاب للرجال .
- واستشهد البخاري بهذه الآية في صحيحه من ( كتاب النكاح 9 / 182 باب لا نكاح إلا بولي )
- واستدل البغوي ( رحمه الله) كما في ( شرح السنة 9 / 38) علي رد النكاح بغير ولي .
قال القرطبي ( رحمه الله) في تفسيره
وفي هذا دليل على أن المرأة ليس لها أن تنكح نفسها بغير ولي وهو قول أكثر العلماء .
2. قوله تعالى : { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ }
مع قوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } ( البقرة 221 )
قال إمام المفسرين وشيخ المحدثين ابن جرير الطبري ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية (2/379)
هذا القول من الله تعالى ذكره دلالة على أن أولياء المرأة أحق بتزويجها من المرأة .
قال الإمام القرطبي ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية (3/72)
في هذه الآية دليل بالنص على أنه لا نكاح إلا بولي .
قال ابن عطية ( رحمه الله) ت 541 في تفسير هذه الآية ( 2/248)
إن الولاية في النكاح نص في لفظ هذه الآية .
قال أبو بكر بن العربي ( رحمه الله) في ( أحكام القرآن 1/158)
قال محمد بن علي بن حسين : النكاح بولي في كتاب الله تعالى ثم قرأ { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ }
وهي مسألة بدعية ودلالة صحيحة .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية ( 1/ 164)
دليل على اعتبار الولي في النكاح :
فإن قليلاً من التدبر في ورود الفعل المضارع " تنكحوا " مرتين في الآية بصورة مختلفة عن الأخرى لهو القول الفصل في هذا الشأن وليس بعد قول الله تعالى قول .
فقد جاء الفعل " تنكحوا " وماضيه " نكح " وبعده " المشركات" فكأنه يخاطب الذين يريدون الزواج ألا يتزوجوا المشركات حتى يؤمن .
وأما في المرة الثانية :
فإنه لا يخاطب الزوجات ولكنه يخاطب الأولياء ، ذلك لأن وروده في المرة الثانية جاء وقد ضُم فيه حرف المُضارعة التاء " تنكحوا " وماضيه " أنكح" فهو إلي الأولياء ألا ينكحوا مولياتهم للمشركين حتى يؤمنوا .
فهل بعد هذا البلاغ بلاغ آخر...!؟
3. قوله تعالى : { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } ( النساء 25)
فاشترط إذن ولي الأمة لصحة النكاح فدل على أن لا يكفي عقدها لنفسها .
4. وقوله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } ( النساء 34 )
والولاية من القوامة المنصوص عليها .
5. قول الشيخ الكبير لموسى ص { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } ( القصص 27 )
6. ما أخرجه البخاري من حديث عائشة ( رضي الله عنها) أنها قالت في قوله تعالى :
{ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنّ }
قالت : هذا في اليتيمة التي تكون عند الرجل لعلها أن تكون شريكته في ماله ( وهي أولى به) فيرغب عنها أن ينكحها فيعضلها لما لها ولا ينكحها غيره كراهية أن يشركه أحدٌ في مالها .
7) وقوله تعالى :
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ }
- وسبب نزول هذه الآية ما أخرجه البخاري عن الحسن قال :
" حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه ( هذه الآية) قال : زوجتُ أختاً لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها فقلت له :
زوجتُكَ وفرشتكً وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليها أبداً وكان رجلاً لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فأنزل الله هذه الآية " فلا تعضلوهن(1) "
فقلت : الآن أفعل يا رسول الله
قال : فزوجتها إياه ".
تنبيه
زوج أخت معقل يسمى أبي البدَاح
ففي هذه الآية نهي الأولياء عن عضل النساء عن العودة إلي أزواجهن وفي هذا أصرح دليل علي اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معني ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلي أخيها .
لذا قال الحافظ ابن حجر في ( الفتح)
ومن أقوى الحجج هذا السبب المذكور في نزول الآية المذكورة ، وهي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله ( أي لمنعه) معنى ، ولأنها لو كان لها أن نزوج نفسها لم تحتج إلي أخيها
ومن كان أمره إليه لا يُقال : إن غيره منعه منه .
وقال القرطبي في تفسيره (2 /666)
في الآية دليل علي أنه يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل كانت ثيباً ولو كان الأمر إليها لزوجت نفسها ولم تحتج إلي وليها معقل .
قال الشافعي ( رحمه الله ) في تفسير هذه الآية ( 2/488 )
وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقا .
____________________________________________________________
(1) العضل : هو أن يمنعها وليها من الزواج وهو من معني التضييق والتعسير .
قال الطبري ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية ( 2/ 488)
وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة قول من قال : " لا نكاح إلا بولي من العصبة ".
وذلك أن الله تعالى ذكره ومنع الولي عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك .
فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها لم يكن نهي وليها عن عضلها معني مفهوم إذ كان لا سبيل له إلي عضلها ، وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله بإنكاحها فلا عضل هنالك لها من أحد فينهي عاضلها عن عضلها ، وفي فساد القول: بأن لا معني لنهي الله عما نهي عنه .
صحة القول بأن لولي المرأة في تزويجها حقاً لا يصح عقدها إلا به .
قال القرطبي ( رحمه الله) في تفسيره هذه الآية ( 3/ 158)
ففي الآية دليل على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيباً ولو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها .
قال ابن عطية ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية ( 2/290)
وهذه الآية تقتضي ثبوت حق الولي في إنكاح وليته وأن النكاح يفتقر إلي ولي خلاف قول أبي حنيفة " إن الولي ليس من شروط النكاح ".
قال الحافظ ابن كثير ( رحمه الله) في تفسير الآية ( 1/267)
وفيها دلالة على أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها وأنه لابد في النكاح من ولي .
قال ابن العربي في ( أحكام القرآن 1/201)
وهو دليل قاطع علي أن المرأة لا حق لها في مباشرة النكاح وإنما هو حق الولي خلافاً لأبي حنيفة ولولا ذلك لما نهاه الله عن منعها .
قال السعدي ( رحمه الله) في تفسير هذه الآية (1/174)
وفي هذه الآية دليل علي أنه لابد من الولي في النكاح لأنه نهي الأولياء عن العضل ولا ينهاهم إلا عن أمر هو تحت تدبيرهم ولهم فيه حق .
قال ابن عاشور في ( التحرير والتنوير 2/427)
واسمه كاملاً ( تحرير المعني السديد وتنوير العقل الجديد في تفسير الكتاب المجيد )
للعلامة : محمد الطاهر بن عاشور قال:
وفي هذه الآية إشارة إلي اعتبار الولاية للمرأة في النكاح بناءً على غالب الأحوال يومئذ لأن جانب المرأة جانب ضعيف مطموع فيه معصوم من الأمتهان فلا يليق تركها تتولى مثل هذا الأمر بنفسها لأنه ينافي نفاستها وضعفها فقد يَستخِف بحقوقها الرجال حرصاً على منافعهم وهي تضعف عن المعارضة.
قال أبو عيسى الترمذي ( رحمه الله) في ( جامعه 8/325)
وفي هذا الحديث دلالة علي أنه لا يجوز النكاح بغير ولي لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيباً فلو كان الأمر إليها دون وليها لزوجت نفسها ولم تحتج إلي وليها معقل بن يسار وإنما خاطب الله في هذه الآية الأولياء فقال : {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } ففي هذه الآية دلالة على أن الأمر إلي الأولياء في التزويج مع رضاهن.
- واستدل البخاري ( رحمه الله) في صحيحه بهذا الحديث علي أنه لا نكاح بغير ولي .
قال ابن العربي في ( عارضة الأحوذي 5/ 13)
حديث معقل فإن منع أخته أن يردها زوجها بعد أن طلقها فنزلت :
{فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }
أخرجه البخاري وغيره وهذا نص لا تأويل فيه ولا غبار عليه .
•أما الأدلة النبوية وهي مصدر التسريع الثاني جاء فيها :
1) ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد عن أبي موسى الأشعري أن النبي ص قال :
" لا نكاح إلا بولي " حديث صحيح صححه الألباني في الأرواء ( 6/235)
2) وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد عن عائشة ( رضي الله عنها) أن النبي ص قال :
" أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل ( ثلاثاً) ولها مهرها بما أصاب منها فإن اشتجروا فإن السلطان ولي من لا ولي له ".
قال ابن العربي ( رحمه الله) في ( عارضة الأحوذي 5/14)
وقوله ثلاثة أقوال : (فيفسخ بعد العقد ، ويفسخ بعد الدخول ، ويفسخ الثالثة بعد الطول والولادة).
- وهذا الحديث والذي قبله صريحان في الشرطية ، وقد ثبت هذا المعنى من قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس ( جامع أحكام النساء)
3) أخرج البخاري من حديث عائشة ( رضي الله عنها) في وصف نكاح الجاهلية قالت :
" فنكاح منها كنكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلي الرجل وليته أو ابنته فيُصدقها ثم ينكحها ".
4) وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عن أبي هريرة قال :
" لا تنكح المرأة نفسها فإن الزانية تنكح نفسها ".
5) أخرج ابن ماجة الدراقطني والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ص :
" لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها "(1)
قال الحافظ في ( بلوغ المرام)
رواه ابن ماجة الدراقطني ورجالة ثقات دون ذكره الجملة الأخيرة
( والشطر الأخير من الحديث ضعيف مرفوعاً صحيح موقوفاً علي أبي هريرة )
- ومما يدل على الحديث السابق ما أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عائشة ( رضي الله عنها) :
" أنها أنكحت رجلاً من بني أخيها جارية من بني أخيها فضربت بينهما بستر ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا النكاح أمرت رجلاً فأنكح ثم قالت: ( ليس إلي النساء نكاح) ".
- من هنا نعلم أن العقد لا ينعقد بعبارتها فلا يصح منها عقدها وتزويجها لنفسها ، فلا يصح تزويجها لغيرها من باب أولى .
- هذا وقد ذهب الحافظ في ( الفتح) عن ابن المنذر أنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك .
______________________________________
(1) صححه الألباني في الأرواء .
•ثالثاً: المذاهب
بعد أن تكلمنا عن الأدلة القرآنية والسنة النبوية بقي أن نتكلم عن المذاهب الفقهية.
أولاً: المذهب المالكي
قال الأُبيَّ المالكي (رحمه الله) في (شرحه على مسلم 4/30)
أوجب مالك الولي مطلقاً ، والحجة لمالك قوله تعالى:
{ وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ } مع قوله تعالى : {وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ }}
لأن الخِطاب للأولياء فلولا أن لهم حقاً لم يُخاطبوا .
- وقوله : " لا نكاح إلا بولي ".
والنفي في مثل هذا التركيب في النكاح والمعاملات إنما هو لنفي الصحة .
قال ابن رشد المالكي (ت: 520ﻫ) في ( البيان والتحصيل 4/379)
سُئِلَ مالك عن المرأة تزوج نفسها أو تزوجها امرأة أخرى فقال: يُفرق بينهما دخل بها أو لم يدخل .
ثانياً: المذهب الشافعي
قال الشافعي ( رحمه الله) في ( الأم 5/13)
فإن امرأة نكحت بغير إذن وليها فلا نكاح لها ، وقال أيضاً في نفس المصدر (5/ 169 ) : فالنكاح لا يثبت إلا بأربعة أشياء ( الولي ، ورضا المنكوحة ، ورضا الناكح ، وشاهدي عدل ) .
قال البيهقي ( رحمه الله) في ( معرفة السنن والآثار 10/28)
في حديث معقل الدلالة الواضحة على حاجتها إلي الولي الذي هو غيرها في تزويجها ومن حمل عضل معقل علي أنه كان يزهدها في المراجعة فمُنع من ذلك كان ظالماً لنفسه في حمل كتاب الله عزَّ وجلَّ علي غير وجهه فلا عضل في التزهيد إذا كان لها التزويج دونه ولا فائدة في يمينه لو كان لها التزويج دونه ولا حاجة إلي الحنث والتكفير .
قال النووي ( رحمه الله) في ( شرحه علي مسلم 9/205)
قال مالك والشافعي يشترط ولا يصح نكاح إلا بولي .
وفي كتابه ( الأخيار 2/48)
ولا يصح عقد النكاح إلا بولي ذكر وشاهديّ عدل.
ثالثاً: المذهب الحنبلي
سُئِل الإمام أحمد
عن المرأة أرادت التزويج فجعلت أمرها إلي الرجل الذي يتزوج بها وشاهدين:
قال: هذا ولي وخاطب لا يكون هذا والنكاح فاسد ، ولكن تجعل أمرها إلي السلطان فيزوجها .
قال ابن قدامه في ( المغني 3/337 مسألة 1099)
( لا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمين)
النكاح لا يصح إلا بولي ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها ولا توكيل غير وليها في تزويج فإن فعلت لم يصح النكاح .
روى هذا عن عمر وعليّ وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وإليه ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري والشافعي وإسحاق وأبو عبيد.
وروى عن ابن سيرين والقاسم بن محمد والحسن بن صالح وأبي يوسف:
( لا يجوز لها بغير إذن وليها).
وفي ( المعتمد علي فقه الإمام أحمد 2/159)
( الجامع بين نيل المآرب للشيباني ومنار السبيل لابن ضويان)
الولي شرط من شروط صحة النكاح.
- وقالوا في قول النبي ص : " فنكاحها باطل ".
لأن المرأة غير مأمونة على البُضع لنقص عقلها وسرعة انخداعها فإن زوجت نفسها أو غيرها لم يصح.
- وقالوا في قوله تعالى : {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ }
لا يدل علي صحة نكاحها نفسها بل على أن نكاحها إلي الولي ، فلو لم يكن لمعقل ولاية النكاح لما عاتبه تعالى علي ذلك.
رابعاً: المذهب الظاهري
قال ابن حزم في ( مسألة رقم 1821)
ولا يحل للمرأة نكاح ثيباً كانت أو بكراً إلا بإذن وليها.
وقال أيضاً كما في المُحلى ( 9 / 453)
ولا يحل للمرأة نكاحٌ ثيباً كانت أو بكراً إلا بإذن وليها الأب أو الإخوة أو الجد أو الأعمام أو بني الأعمام وإن بعدوا الأقرب فالأقرب أولى .
خامساً: المذهب الحنفي
ولكن الإمام أبو حنيفة كان له رأى آخر ، فذهب إلي أن المرأة الحرة العاقلة البالغة لا يشترط لصحة العقد عليها وجود الولي وإنما يُشترط في إنكاح الصغيرة وحجته في هذا ما يلي:
قوله تعالى : {فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } ( البقرة 230)
قالوا: فأضاف النكاح إليهن فدلَّ على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي.
قوله تعالى : {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ } ( البقرة 232)
وقالوا الاستدلال بأن النكاح إليهن من وجهين:
أ- أنه أضاف النكاح إليهن.
والرد على ذلك الأدلة الصحيحة التي مرت معنا ترد على ذلك .
ب-أن النهي عن العضل في الآية يحتمل أن يكون للأزواج فنهتهم عن منع أزواجهم المطلقات وبعد قضاء عدتهن بمن شِئن من الأزواج.
الرد على ذلك
تقدم معنا سبب نزول الآية وأنها ترد هذا التأويل الفاسد.
ثانياً استدلوا كذلك بما أخرجه الإمام مسلم من حديث ابن عباس عن النبي قال:
" الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تُستأذن في نفسها وإذنها صِماتها "
وفي رواية
" الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تُستأمر وإذنها سُكوتها ".
ولا يصفو لهم الاستدلال بهذا الحديث على عدم اشتراط الولي لأمرين:
1)أن غاية ما يدل عليه الحديث أن للولي حقاً في تزويج الثيب وللثيب حق تزويج نفسها وحقها أرجح من حقه فلم يجيز تزويجها بدون استئمارها وموافقتها أما البكر فحق الولي أعظم من حقها ولذا اكتفى بصمتها وهذا كله حاله الإجبار فلا يجوز للولي أن يجبر الأيم على ما تكره.
2)أنه لو كان معنى الحديث ما أرادوا للزم أفضلية الزواج بدون الولي وهذا مخالف ما عليه الحنفية من استحباب وجود الولي.
وقال الترمذي ( في جامعه 4/244) في تعليقه على الحديث السابق
الذي أخرجه مسلم من حديث ابن عباس:
" الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تُستأمر وإذنها سكوتها ".
قال: واحتج بعض الناس في إجازة النكاح بغير ولي ( بهذا الحديث) وليس في هذا الحديث ما احتجوا به لأنه جاء عن ابن عباس عن النبي أنه قال:
" لا نكاح إلا بولي ".
وهكذا أفتى ابن عباس بعد النبي وإنما معنى قول النبي :
" الأيم أحق بنفسها من وليها".
عند أكثر أهل العلم : أن الولي لا يزوجها إلا برضاها وأمرها فإن زوجها فالنكاح مفسوخ لحديث خنساء بنت خِدَام حيث زوجها أبوها وهي ثيب فكرهت ذلك فرد النبي نكاحها ( والحديث عند البخاري)
وقال النووي في ( شرح مسلم 9/203)
أحق بنفسها يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها في كل شيء من عقد وغيره كما قاله أبو حنيفة وداود ( وهذا مرجوح)
- الاحتمال الثاني : أنها أحق بالرضا أي لا تزوج حتى تنطق بالأذن بخلاف البكر وهذا هو الراجح وذلك لما صح عنه أنه قال:
" لا نكاح إلا بولي ".
وغير ذلك من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي.
وقد استوفى ابن حزم ( رحمه الله) في ( المحلى 9/457) الرد على هذه الشبهة.
ثالثاً: ومما استدلوا به كذلك على عدم اشتراط الولي:
- ما أخرجه الإمام أحمد عن ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أم سلمة:
" أن رسول الله ص خطب أم سلمة فقالت: يا رسول الله إنه ليس أحد من أوليائي ( تعني شاهداً)
فقال: إنه ليس أحدٌ من أوليائك شاهد أو غائب يكره ذلك
فقالت: يا عمر زَوّج النبي ص فتزوجها النبي ص " .
فاستشهد بهذا الحديث أبو جعفر الطحاوي ( رحمه الله) في ( شرح معاني الآثار) على أنه يجوز أن تزوج المرأة نفسها دون ولي.
ولكن الرد بسيط جداً وهو : أن الحديث ضعيف.
فوائد وتنبيهات
1)مع أن أبا حنيفة أجاز للمرأة أن تزوج نفسها بدون ولي ، ولكنه جعل للولي حق فسخ العقد إذا تزوجت بغير كفء.
2)من المعروف أن أبا يوسف ومحمد هما صاحبي أبي حنيفة وأتبع الناس له وأعلمهم بقوله لكن خالفاه في هذه المسألة كما خالفاه في مسائل لا تكاد تحصى وهذه منقبة لهما لأنهما مع الدليل حيث كان.
فقد نقل الطحاوي ( رحمه الله) في ( شرح معاني الآثار الجزء الثالث ص7) :
عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن (رحمهما الله) أنهما قالا:
على أنه يجوز تزويج المرأة نفسها إلا بإذن وليها :
وأيضاً هذا رد علي الطحاوي نفسه الذي قال في نفس الكتاب أنه يجوز أن تزوج المرأة نفسها بدون وليها كما مرَّ معنا في الشبهة الثالثة.
3)قال ابن تيمية ( رحمه الله) في ( مجموع الفتاوى 19/191)
وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة ، إما الأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها ، وإما الرأي رأوه ، وإما في المسألة نصوص لم تبلغهم.
- ولعل الأخير هو الذي أصاب أبا حنيفة ومن وافقه من الحنفية ، لأننا نجد أن الحنفية خالفوا أحاديث صحيحة صريحة ولعلهم لم تبلغهم منها .
- ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله :
" نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن ".
- وعند مسلم من حديث رافع بن خديج عن رسول الله قال:
" ثمن الكلب خبيث ، ومهر البغي خبيث ، وكسب الحجام خبيث ".
لكننا نجد أبا حنيفة يرخص في ثمن الكلب .
قال الشافعي ( رحمه الله)
أبو حنيفة يضع أول المسألة خطأ ثم يقيس الكتاب كله.
وقال ابن أبي حاتم
لأن الأصل كان خطأ فصارت الفروع ماضية على الأصل.
ملحوظة بالنسبة لكسب الحجام
أخرج الإمام مسلم:
" أن رسول الله ص أحتجم وأعطي الحجام أجره واستعط ".
فهذا دليل الإباحة على أخذ الحجام أجر.
4)هذا وقد رد علي الإمام أبي حنيفة علماء كثيرون في مسألة الولي منهم:
ابن كثير حيث قال في ( تفسيره 1/491)
في قوله تعالى : {فإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ} ( النساء 59)
قال مجاهد وغير أحد من السلف أي إلي كتاب الله وسنة رسوله وهذا أمر من الله عزَّ وجلَّ بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلي الكتاب والسنة.
- كما قال تعالى : {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } ( الشورى 10)
فما حكم به الكتاب والسنة وشهد له بالصحة فهو الحق ، وما بعد الحق إلا الضلال .
- ولهذا قال تعالى : { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ( النساء 59)
أي ردوا الخصومات والجهالات إلي كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليها فيما شجر بينكم ،
{ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}
فدل على أنه من لم يتحاكم في محل النزاع إلي الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر.
ثم قال ( رحمه الله) فتوى أبي حنيفة في إباحة الزواج دون ولي لا شأن لها في شريعتنا لمن يريد إباحة الزواج العرفي دون ولي حتى وإن أفتى بذلك أحد الصحابة فلا يصح العقد دون ولي.
وقال ابن العربي في ( عرضة الأحوذي 5/13)
وأي عذر لأبي حنيفة في أن يعرض عن هذه الأدلة كلها.
وقال أيضاً كما في ( أحكام القرآن 1/201)
وهذا دليل قاطع على أن المرأة لا حق لها في مباشرة النكاح وإنما هو حق الولي خلافاً لأبي حنيفة ولولا ذلك لما نهاه الله عن منعها.
وقال ابن حزم ( رحمه الله) في ( المحلى 9/456)
قول أبي حنيفة فظاهره التناقض والفساد لأنها أقوال لا متعلق لها بقرآن ولا سنة لا صحيحة ولا سقيمة ولا بقول صاحب ولا بمعقول ولا قياس ولا رأي سديد
وهذا لا يقبل إلا من رسول الله ص الذي لا ينطق عن الهوى إلا عن وحي من الخالق الذي لا يُسأل عما يفعل وأما من غيره فهو دين جديد.
رابعاً: كلام أهل السلف والخلف في الزواج بدون ولي ( الزواج العرفي)
بعد أن تكلمنا عن الأدلة القرآنية وبعد ذلك عن السنة النبوية وبعدُ بالمذاهب الفقهية ها نحن نسرد كلام أهل العلم في هذا الأمر ولنبدأ بخير القرون:
1) فقد نقل عنهم ببطلان الزواج بدون ولي وقد ردَّ فاروق الأمة عمر بن الخطاب هذا الزواج وجلد عليه.
2)وقال حبر الأمة ابن عباس
البغية هي التي تزوج نفسها.
3)وصحَّ هذا أيضاً عن أبي هريرة ص حيث قال:
" الزانية هي التي تزوج نفسها أو غيرها ".
- هذا وقد حكى بن المنذر ( رحمه الله) أنه لا يعرف عن الصحابة سوى ذلك .
4)قال الترمذي ( رحمه الله) في ( جامعه 4/232)
والعمل في هذا الباب علي حديث النبي ص :
" لا نكاح بغير ولي ".
عند أهل العلم من أصحاب النبي ص منهم عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة وغيرهم.
وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا لا نكاح إلا بولي ومنهم:
سعيد بن المسيب ، الحسن البصري، وشريح ، وإبراهيم النخعي ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.
وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي ومالك وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد.
5)وقال البخاري ( رحمه الله) في ( صحيحه 9/182)
باب لا نكاح بغير ولي.
6)قال الطبري
في حديث حفصة حين تأيمت وعقد عليها عمرُ النكاح ولم تعقده هي إبطال قول من قال :
إن للمرأة البالغة المالكة لنفسها تزويج نفسها وعقد النكاح دون وليها ، ولو كان ذلك لها لم يكن رسول الله ليدع خِطبة حفصة لنفسها إذ كانت أولى بنفسها من أبيها وخطبها إلي من لا يملك أمرها ولا العقد عليها.
7)وقال ابن عبد البر في ( التمهيد 19/90)
في حديث معقل بن يسار هذا أصح شيء وأوضحه في أن للولي حقاً في الإنكاح ولا نكاح إلا به لأنه لولا ذلك ما نهى عن الفصل ولأستغني عنه.
- وقد صرح الكتاب والسنة بأن لا نكاح إلا بولي فلا معنى لما خالفهما.
- والأولى أن يُحمل قوله ص " لا نكاح إلا بولي " على عمومه.
وكذلك قوله ص" أيما امرأة نكحت بغير وليها فنكاحها باطل " على عمومه أيضاً.
وأما الحديث " الأيم أحق بنفسها من وليها " فإنما ورد للفرق بين الثيب والبكر في الأذن والله أعلم.
قال البغوي ( رحمه الله) في ( شرح السنة 9/40)
والعمل على حديث النبي ص " لا نكاح إلا بولي " عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي ص ومَن بعده.
9)وقال النووي في ( شرح مسلم 9/305)
قال مالك والشافعي يشترط ولا يصح نكاح إلا بولي للحديث المشهور " لا نكاح إلا بولي "
وهذا يقتضي نفي الصحة.
10)وقال ابن المنذر ( رحمه الله) في ( السنن الكبرى 7/113)
واجمعوا أن للسلطان أن يُزوج المرأة إذا أرادت النكاح ودعت إلي كفء وامتنع الولي أن يزوجها.
11)قال البيهقي ( رحمه الله) في ( السنن الكبرى 7/113)
نقلاً عن الفقهاء الذين ينتهي إلي قولهم من تابعي أهل المدينة كانوا يقولون:
لا تعقد المرأة عقدة النكاح في نفسها ولا في غيرها والله أعلم.
12) قال ابن حزم ( رحمه الله) في ( المحلى مسألة رقم 1821 " 9/ 451")
لا يحل للمرأة نكاح ثيباً كانت أو بكراً إلا بإذن وليها.
13) قال ابن حبان (رحمه الله) في ( صحيحه (6/152)(6/153)
باب: ذكر نفي إجازة عقد النكاح بغير ولي وشاهدي عدل.
باب: ذكر البيان بأن الولاية في الإنكاح إنما هي للأولياء دون النساء.
باب: نفي إجازة عقد النساء النكاح على أنفسهن بأنفسهن دون الأولياء.
14)وقال شيخ الإسلام ( رحمه الله) في ( مجموع الفتاوى 32/ 21 ، 102)
- فإن جمهور العلماء يقولون النكاح بغير ولي باطل.
- إذا تزوجها بلا ولي ولا شهود وكتم النكاح فهذا نكاح باطل باتفاق الأئمة.
بل الذي عليه العلماء أنه: " لا نكاح إلا بولي "
" أيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ".
ونكاح السر هو من جنس نكاح البغايا.
قال ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ج 32 ص131)
فإنه قد دلَّ عليه ( أي الولي) القرآن في غير موضع والسنة في غير موضع وهو عادة الصحابة إنما كان يزوج النساء الرجال لا يُعرف أن امرأة نفسها وهذا مما يفرق فيه بين النكاح ومتخذات أخدان ولهذا قالت عائشة:
" لا تزوج المرأة نفسها فإن البغي هي التي تزوج نفسها ".
لكن لا يكتفي بالولي حتى يعلن فإن من الأولياء من يكون مستحسناً على قرابته.
قال تعالى : { وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } ( النور 32 )
وقال تعالى: { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ } ( البقرة 221)
فخاطب الرجال بإنكاح الأيامى كما خاطبهم بتزويج الرقيق وفرق بين:
قوله تعالى : { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ } وقوله تعالى: { وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ }
وسُئِلَ شيخ الإسلام
عن رجل له بنت وهي دون البلوغ فزوجوها في غيبة أبيها ولم يكن لها ولي وجعلوا أن أباها توفى وهو حي وشهدوا أن خالها أخوها فهل يصح العقد أو لا ؟
فأجاب شيخ الإسلام:
إن شهدوا أن خالها أخوها فهذه شهادة زور ولا يصير الخال ولياً بذلك بل هذه قد تزوجت بغير ولي فيكون نكاحها باطلاً عند أكثر العلماء والفقهاء كالشافي وأحمد وغيرهما وللأب أن يجدده ومن شهد أن خالها أخوها وأن أباها مات فهو شاهد زور يجب تعزيره ويعزر الخال.
وإن كان قد دخل بها فلها المهر ويجوز أن يزوجها الأب في عدة النكاح الفاسد عند أكثر العلماء كأبي حنيفة والشافعي وأحمد في المشهور عنه.
وسُئِلَ شيخ الإسلام أيضاً
عن امرأة خلاها أخوها ( أي وضعها في خلوة) في مكان لتوفي عدة زوجها فلما انقضت العدة هربت إلي بلد مسيرة يوم وتزوجت بغير إذن أخيها ولم يكن لها ولي غيره فهل يصح العقد أم لا ؟
فأجاب:
إذا لم يكن أخوها عاضلاً لها وكان أهلاً للولاية لم يصح نكاحها بدون إذنه والحال هذه والله أعلم.
15) قال الكِرماني ( رحمه الله) في ( شرحه علي البخاري 9/95)
في قوله تعالى { فَلاَ تَعْضُلُوهُن } الآية تدل على أن المرأة لا تزوج نفسها ولو أن لها ذلك لم يتحقق معنى العضل.
16) وقال الحافظ ابن حجر (رحمه الله) في ( شرحه علي البخاري 9/187)
في الآية نفسها: هي أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى وقال الجمهور:
لا تزوج المرأة نفسها أصلاً.
17)وقال القسطلاني ( رحمه الله) في ( إرشاد الساري شرح البخاري 11/412)
حديث معقل: من أقوى الأدلة وأصرحها على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلي أخيها ومن كان أمره إليه لا يُقال إن غيره منعه منه.
18)وقال المناوي ( رحمه الله) في ( فيض القدير 6/437)
لا نكاح إلا بولي أي لا صحة له إلا بعقد ولي ، فلا تزوج امرأة نفسها فإن فعلت فهو باطل.
( لا نكاح: صحيح) وحمله على نفي كماله لكونه على صدد فسخ الأولياء لعدم الكفاءة عدول عن الظاهر من غير دليل.
19) قال الصنعاني في ( سبل السلام 3/117)
والحديث ( معقل بن يسار) دلَّ على أنه لا يصح النكاح إلا بولي لأن الأصل في النفي الصحة لا الكمال
- فالجمهور على اشتراطه وأنها لا تزوج المرأة نفسها.
- وذهبت الحنفية إلي أنه لا يشترط مطلقاً محتجين بالقياس على البيع ، فإنها تستقل ببيع سلعتها وهو قياس فاسد الاعتبار ، إذ هو قياس مع نص.
- بالإضافة إلي أنه قياس مع الفارق.
وقال أيضاً الصنعاني في ( سبل السلام ص118 المجلد الثالث)
عند قول النبي ص " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها "
في الحديث دليل على اعتبار إذن الولي في النكاح بعقده لها أو عقد وكيله وظاهره أن المرأة تستحق المهر بالدخول وإن كان النكاح باطلاً لقوله: " فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ".
وفيه دليل على أنه إذا أختل ركن من أركان النكاح فهو باطل مع العلم والجهل وأن النكاح يسمى باطلاً وصحيحاً ولا واسطة.
20) قال الشوكاني في (نيل الأوطار 6/143) وأيضاً في ( السيل الجرار 2/259)
وقد ذهب إلي اعتبار الولي جمهور السلف والخلف.
21) قال صديق حسن خان ( رحمه الله) في ( الروضة الندية 2/11)
الأدلة الدالة على اعتبار الولي وأنه لا يكون العاقد سواه وأن العقد من المرأة لنفسها بدون إذن وليها باطل قد رويت من طريق جماعة من الصحابة فيها الصحيح والحسن وما دونهما فاعتباره متحتم وعقد غيره مع عدم عضله باطل بنص الحديث لا فاسد على تسليم أن الفاسد واسطة بين الصحة والبطلان ولا يعارض هذه الأحاديث حديث :
" الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تُستأذن ".
22) قال صاحب عون المعبود 6/101 ( رحمه الله)
والحق أن النكاح بغير الولي باطل كما يدل عليه أحاديث الباب.
23) قال المباركفوري ( رحمه الله) في ( تحفة الأحوذي 4/232)
القول القوي الراجح " لا نكاح إلا بولي" وهو قول الجمهور.