الزيارة بمفهومها اللغوي و الإصطلاحي رؤية شخص بمكان إقامته المعتادة و ليس إخراجه لمكان آخر للتواصل معه و حق رؤية المحضون شرعا مخول للوالد الغير حاضن في حالة الطلاق و إذا كان من حق الأم رؤية أولادها الصغار كل يوم مرة و الكبار كل أسبوع مرة لقول خليل في مختصــره"وقُضِي للصغار كل يوم مرة و للكبار كل جمعة "فإنه من باب أولى أن يكون للأب بإعتباره المكلف بالنفقة هو الآخر الحق في رؤية الأبناء الصغار على الأقل مرة في الأسبوع للتعاطف معهم و التعهد لما يحتاجونه لكن مع مراعاة مصلحة الطفل بدرجة أكبر و المذهب المالكي يفرّق بين رؤية الأب أو الأم لأولادهم المحضونين في حالة الطلاق إذا كانوا تحت حضانة أحدهما في ثلاث حالات أولا إذا كانوا صغارا ثانيا إذا كانوا كبارا قبل سن التعليم ثالثا إذا كانوا كبارا بعد سن التعليم فبالنسبة للصغار للأم حق رؤيتهم كل يوم مرة أما الكبار قبل سن التعليم في كل أسبوع مرة و للأب نفس الأحكام قبل بلوغ سن التعليم و في الحالة الثالثة أي بعد بلوغ سن التعليم للأب مطالعة الأبناء من حين لآخر و من ثم ضيّق حق الرؤية(الزيارة) على الأب كلما كانوا صغارا و يزول هذا القيد تدريجيا مع تقدم سن المحضون كما سبق ذكره و من أهداف و مقاصد الدين و الشرع المحافظة على الأرحام و التواصل و ليست الحضانة مختزلة في التمويل المادي فحسب مع مراعاة مصلحة الصغير لقول إبن القيم " فأيهما كان أنفع له و أصون و أحفظ روعي" و من ثم مصلحة المحضون لا ترتبط فقط بالطرف المعني بحضانته بل تتعدى حتى لحق الزيارة بالنظر لسِنِه و حالته الصحية فمن يبلغ من العمر أقل من سنتين ليس كمن هو في الأربع أو الخمس سنوات فأكثر و من هو مريض ليس كمن هو معافى و قد نصت المادتين 09/3 و 16 من إتفاقية حقوق الطفل المصادق عليها بالمرسوم الرئاسي 92/461 على حق الطفل المنفصل عن والديه أو عن أحدهما في الإحتفاظ بصورة منتظمة بعلاقات شخصية و إتصالات مباشرة بكلا والديه إلا إذا تعارض ذلك مع مصالح الطفل الفضلى و أنه لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته و لا أي مساس غير قانوني بشرفه و سمعته و من ثم يتعين عدم التعرض للطفل بأي شكل من أشكال التعسف المادي أو المعنوي على حد سواء بإعتبار أن الإبن المحضون الصغير السن يحتاج لتنظيف عند قضاء حاجته و رضاعة و رعاية طوال ساعات اليوم و كذا تعلق الرضيع من الجنسين بأمه أكثر من أبيه و أن لا يستعمل الأب حقه في الزيارة للإضرار بالحاضنة و المحضون على حد سواء بإعتبار أن تعلّق الأم بولدها ذكرا كان أو أنثى لا يضاهي تعلّق الأب بولده من الجانب النفسي و قد لوحظ كثيرا أن الآباء يتعسفون في إستعمال حقهم في الزيارة بإخراج المحضون من سكن الحضانة رغم أن سنه لا يسمح بذلك في حين أن الحكم يقضي بالزيارة فقط دون الأخذ و عليه يجوز للأب زيارة المحضون في بيت حاضنته على أن تكون هذه الزيارة في الحدود الشرعية لقول إبن قدامة في المغني"إذا كانت الجارية عند الأم أو عند الأب فلا يمنع أحدهما من زيارتها عند الآخر من غير أن يخلو بأمها و لا يطيل المكث و لا ينبسط لأن الفرقة بينهما تمنع تبسط أحدهما في منزل الآخر" و الجارية في اللغة بمعنى الفَتِيّة من النساء أي البنت و جاء في مغني المحتاج" الصغير غير المميز و المجنون الذي لا تستقل الأم بضبطه فيكونان عند الأم ليلا و نهارا و يزورهما الأب..."و لقول الدردير في الشرح الصغير"و على الأب النظر لحاله من يوم أو جمعة أو شهر أو أعيان أو أثمان و ليس للأب أن يقول للحاضنة :ابعثيه ليأكل عندي ثم يعود لك لما فيه من الضرر بالطفل و إخلال بصيانته و ليس لها موافقته على ذلك ..."و عليه يستخلص من رأي المالكية حسب العلامة الدردير أن تتم رؤية المحضون ذكرا أو أنثى بسكن الحاضنة حفاظا عليه مع شمول الرؤية التأديب و التعليم و الرعاية و عدم الإضرار به و من ثم يُشكّل إخراج المحضون(ذكرا كان أو أنثى) لم يبلغ بعد أو لم يفطم من سكن حاضنته(الأم) ضررا صحيا له و لإحتياجه المتواصل لها و عليه تطبيقا للقاعدتين الفقهيتين "الضرر يُزال" و "الحَاجَةُ تُقَدَّرُ بِقَدَرِهَا" يتعين القضاء بعدم إخراجه من سكنه غير أنه من جهة أخرى هناك من يقول بعدم جواز زيارة المحضون بمكان إقامة الأم نظرا لحرمة الخلوة ليس له محل فيشترط فقط إحترام آداب الزيارة شرعا و آدابها و هي : أولا ألا تكون الزيارة متكررة في كل يوم بل يلزم أن تكون متباعدة في حدود المعقول ولا تكون متكررة إلا في حالة الضرورة ثانيا عدم إطالة المكوث مدة تزيد عن الحاجة ثالثا تجنب الخلوة المحرمة و رابعا تحلي الزائر بالآداب المتعلقة بالزيارة من حيث وجوب الاستئذان أما فيما يخص مكان زيارة المحضون هو المقر الذي يقيم فيه الطفل المحضون وهذا يكون على حالات ثلاث الأولى مرحلة ما قبل سن التمييز سن السابعة شرعا -13 سنة قانونا- فإن الطفل المحضون يكون عند أمه لأنها هي الأحق بحضانته و مكان زيارته هو محل إقامة الأم وهذا باتفاق العلماء من أصحاب المذاهب الأربعة الحالة الثانية بعد سن التمييز فإن الطفل المحضون سواء كان ذكرًا أو أنثى فإن مكان إقامته يختلف حيث إنه يخيّر بين والديه وبناء عليه فإن مكان الزيارة يختلف تبعًا لهذا التخيير و في مسألة تخيير المحضون في البقاء مع أحد الوالدين جاء في قول الإمام مالك"لا يُخَيّر الولد ذكرا كان أو أنثى و الأم أحق بالغلام حتى يحتلم و بالأنثى حتى تتزوج" أما الحالة الثالثة إذا مرض الطفل المحضون سواء كان ذكرًا أو أنثى فإن كان قبل سن السابعة تكون زيارته بمنزل الأم لأنها الأحق به وإن كان بعد سن السابعة فإن كان عند أبيه فإن الأحق في تمريضه هي الأم لأنها أقدر على رعايته والصبر عليه في حال المرض فإن رضي الأب أن يكون ذلك في بيته فهو جائز مع تجنب الخلوة إلّا أن يكون التمريض في بيت الأم ويكون مقر زيارة الأب لولده سواء كان الذكر أو الأنثى هو منزل الأم أيضًا مع تجنب الخلوة و بحضور محرم و الله ولي التوفيق.