أحببت أن انثر هذه القصة المتواضعة بين طيات منتداي الحبيب ، من باب الفائدة لا غير ..
وإن شاء الله تنال اعجابكم .. وكما يقال .. أول السيل قطرة .. وإن شاء الله نتوفق في طرح المزيد والجديد
وإلى القصة
:-
-----------------------------------------------------
كوخ صغير .. نجتمع فيه نحن عشرة أطفال .. جدتي تجلس على مكان مرتفع ما في أحد أركان هذا الكوخ .. وبقربها مدفئة حطبية تلتهم الخطب بنهم .. القطع الحطبية الأخرى التي تنتظر دورها تصغي إلى أحاديثها الدافئة
كانت هذه الليالي تؤنسنا جدا خاصة في ليالي الشتاء الباردة .. وعندما تشتد الريح ويعلو عوائها المخيف مثل صوت الأشباح .. وكذلك يشتد سقوط المطر في خارج الكوخ .. ونرتجف بسماع صوت الرعد المرعب .. وضوء البرق الشديد اللمعان الذي سرعان ما يختفي ..يوجد قريب منا قنديل جدتي الكازي التي تقوم بإشعاله بنفسها .. فتقوم جدتي إلى اجتماع قريب المدفئة، التي تحمي أجسامنا الضئيلة من قسوة البرد وشدته .. بعد أن تضع بعض سنابل الهند على سطح المدفئة، تسند ظهرها إلى جدار الكوخ الغير مستوي مما يزيد من الآمه .. وتبدأ الجدة الحبيبة في سرد حكايات تنسينا برودة الشتاء فيتخلل سردها صوت العواصف التي تبدو لنا مثل سيفونة هادئة تداعب كلمات الجدة التي تطيل في نثر الحكايات .. وفي هذه الحكايات الجميلة دائما ينتصر فيها المظلوم على الظالم .. والحق على الباطل .. وتختتم حكايتها بحكمة من وحي ما حكت .. ولعل حكمتها الشهيرة التي تقول : ( إذا رفعت صوتك هذا لا يعني انك على حق ، فالحق صوته أعلى من كل الأصوات ).. وهذه الحكمة ما زالت في الميزان الذي نضع عليه العديد من المواقف التي تواجهنا يوم بعد يوم فيحكم بعدله الصادق والهادئ .
قطع الحطب تنتج أصوات في قلب النار .. تنضح حبات الهند .. تقوم بتوزيعها الجدة وتعطي كل واحد منا قسمه .. وتأخذ هي أخيرا نصيبها منها إن بقي .. نحوطها بأجسادنا .. يغالبنا النعاس ولا نقدر أن نترك أنس جلستها الرائعة والجميلة والممتعة .. فتدّعي هي النعاس .. وتغلق ذاكرة حكاياتها الدافئة .. وتخفض ضوء القنديل .. وتمضي إلى أحد أركان الكوخ الدافئ بعد أن يتغلب علينا سلطان النوم .. فنهجد في نوم عميق ، وبرودة الشتاء تتخلل أجسادنا البالية .. وصوت العواصف تسمعنا من أصواتها من يذهب اللب من الخوف والجزع ..
يا للأسف.. ويا للخيبة والألم .. اليوم لم يعد الشتاء ممتعا .. وصارت لياليه ليست رائعة .. وإنما كريهة .. متعبة .. مملة .. كهولة ..
وأمطاره قليلة وثلوجه ضعيفة .. تذوب مع نسمة هواء .. ولفحة حرارة ..
جدتي الغالية .. صارت في عالم غير عالمنا .. ورحلت عنا .. وتركتنا بين جدران ذلك الكوخ الذي أنهكنا الملل ونحن نتربع بين أركانه ..
فتركت لنا الجدة في زوايا أحد أركان الكوخ الدافئ دفتر حكاياتها الذي تعلوه وتتصدره حكمة شهيرة :
(صوت الحق أعلى من كل الأصوات ).
فرحمك الله أيتها الجدة الحبيبة .. فحتى لا نزعجك بأصواتنا وضحكاتنا نتركك في نومك البرزخي .. تتوسدين حفرة قبرك ..وترحلين إلى حياة غير حياتنا التي نحن نعيشها ..(النهاية )
تقبلوا مني خالص تحاياي