القائد النرجسيّ قد يصل ويزدهر.. ولكن
إلى متى تنتظرون من الشوك عنباً؟
برايان آمبل
فخور متغطرس ومسكونٌ بالرؤى المتضخّمة لأهمّية ذاته الجليلة..
يعتقد أنّه فريد عصره وأنّ لديه من المواهب ما لم يؤته أحد. إنّه يشعر بوجوب تمجيده وتعظيمه على كل من يلقاه، وبعد أن يستغلّ كل فرصةٍ ممكنةٍ لتسخير الآخرين، تجده لا يرى أحداً ولا يشعر بأحد... هل عرفته؟
إن أثار هذا الوصف لديك ذكرياتٍ عن زميل عمل، أو عن ربِّ عملٍ تشتغل لديه فلا أظنّك بحاجةٍ إلى من يخبرك أنّ أصحاب الشخصيات النرجسية قد لا يعدّون إلاّ حفنةٌ ضئيلةٌ في أمكنة العمل، ليس لأنّهم لا يرحب بهم طويلاً وحسب، بل ولأنّهم يرون أنفسهم أرفع من أن يطيلوا البقاء مع الآخرين في مكانٍ واحد. وبغضّ النظر عن العدد فإنّ السؤال المهمّ الآن هو:
ما تأثير القائد النرجسيّ في المؤسسة؟
هل للقائد النرجسيّ أي آثار إيجابيّة، أم إنّ حضوره لا يمكن أن يأتي بخيرٍ أبداً؟
كيف يصل النرجسيّون إلى مواقع القيادة
وماذا يقدّمون للناس والمؤسسات؟
في دراسةٍ حديثةٍ نشرت نتائجها التفصيلية في مؤتمرٍ تخصصي بأتلانتا بداية مايو- أيار الماضي، شرعت كاثي شنور أخصائية علم النفس والسلوك في مؤسسات الأعمال بالإجابة على هذا السؤال. حيث قارنت مستويات الأداء القياديّ بين أصحاب مستويات النرجسيّة المرتفعة، وبين من يبدون مستوياتٍ منخفضة أو متوسّطة.
وجدت الباحثة أنّ الأشخاص الذي يظهرون نزعات نرجسية قويّة مثل: الانتهازية/ أو تسخير الآخرين، والتسلّط/ أو القيادة، والشعور بالتفوّق/ أو الغطرسة، والتركيز المطلق على الذات/ أو الإعجاب بالنفس، هؤلاء لديهم مؤشرات قدرات قيادية أعلى من أصحاب نزعات النرجسيّة المتوسّطة أو المنخفضة.
وحسب قول الباحثة، تشير هذه النتائج إلى أنّ ما لدى هؤلاء النرجسيّين من الرؤية، والثقة، والافتخار بالذات و بالمنجزات ربما يمكن أن يترجم إلى قيادةٍ فعّالة في فرقهم ومؤسساتهم.
وتضيف الباحثة:
من ناحيةٍ أخرى، بينما يفلح النرجسيون في احتلال مواقع قيادية وهو ما يحدث في كثير من الأحيان اعتماداً على جاذبيتهم واحترامهم الشخصيّ (الكاريزما) ومقدرتهم في إقناع الآخرين، فإنّ بعض الاستعدادات الكامنة "أو الجوانب المظلمة" سوف تطفو في النهاية وتعيق القيام بأيّ ممارسة قياديةّ جيّدة.
وأمّا تيموثي جدج باحث علم النفس التنظيميّ في جامعة فلوريدا فيقول: إنّ أحد أبرز الأمثلة على طفو "الجوانب المظلمة" هو الإحساس المتضخّم بقيمة الذات.
إنّ النرجسيّين مهووسون هوساً بالتنافس، متمحورون حول ذواتهم، انتهازيّون واستعراضيّون. وهكذا تراهم يميلون إلى إحاطة أنفسهم بذيول من المنتفعين ويمارسون استعلاءهم عليهم.
وعندما يجابه النرجسيّون بالتحدّيات أو بالمنافسة أو يتصوّرون ذلك تصوّراً فإنّهم يلجؤون إلى التصغير والحطّ من شأن أيّ أحد يهدّدهم حتّى لو كان أقرب المقرّبين إليهم. ولسوء الحظ فإنّ الطين يزداد بلّة بأنّ النرجسيين لديهم حساسيةٌ ومقدرةٌ مضاعفةٌ على استكشاف التهديدات أو تصوّرها!
قد يفلح النرجسيّ في الوصول ولكنّه لا يعمّر..
وقد تمتدّ فروعه ولكنّها لا تثمر
في الجانب المقابل تبيّن الباحثة شنور أن القادة الكاريزميين ليسوا بالضرورة نرجسيّين. وتقول:
"القادة الكاريزميّون ليسوا بالانتهازيين، إنّهم لا يتلاعبون بالآخرين لتحقيق أغراضهم. بل بالعكس! إنّهم يبدون التفهّم والمؤازرة لكل من حولهم من الموظّفين"
إذاً: بينما يتمكّن النرجسيّ من مشاهدة الصورة الكاملة وصياغة رؤية محكمة فإنّه يبقى ضعيفاً في العمل مع الآخرين يداً بيد، وفي النهاية يصبح وجوده مصدر إمراض وتخريب للمؤسسة.
أجل قد يصلح النرجسيّ للعب دور الرأس الرمزيّ المسيطر المقدّم للتعليمات والمعلومات، ويرجع ذلك جزئياً إلى مقدرته على صياغة الأهداف، واجتذاب الناس إلى طريقته في التفكير. ولكن!.. تتابع الباحثة شنور التوضيح:
في سياق العمل القياديّ الميدانيّ، يمكن أن يصبح هذا القائد النرجسيّ مصدراً لتسميم الأجواء وإحباط العاملين قربه. ويبدو هذا الأثر بجلاء خصوصاً بعد أن يتعرّف الموظّفون على أسلوب عمل القائد النرجسيّ. إنّ الانطباعات الأولى الحسنة التي يفلح النرجسيّون في تكوينها لدى الناس لا يمكن أن تعمّر طويلاً، ولا يمكن أن تتكرّر لدى من ذاق وخزها وتألّم من سمّها.
فضلاً عمّا سبق يشيرُ بحثٌ آخر لتيموثي جدج أنّ النرجسيّين نادراً ما ينجحون بالفعل في تجسيد ما يعتقدونه في أنفسهم من تصوّراتٍ تناطح السحاب.
قد يعتقد أحدهم أنّه الأفضل في عمله متقدّماً بأشواط شاسعة عمّن وراءه، ولكنّ زملاءهم ومديريهم يرون بأعينهم أداءهم العاديّ أو الأدنى من أداء أقرانهم.
لا يمكنك تغيير النرجسيّين يمكنك الهرب منهم وحسب
إن ظننت غير ذلك فأنت الجاني على مؤسّستك!
بعد الإشارة إلى مخاطر القادة النرجسيّين تخلص الباحثة كاثي شنور إلى القول:
إنّ فشل النرجسيين في العمل مع الناس مباشرةً لسببٌ قويّ ينبغي أن يجعل مديري التوظيف أكثر حذراً وترصّداً لهذه السمة الشخصيّة.
أجل، قد تكون المظاهر الأولى لهذا الصنف محبّذةً، ولكن من يدرك تطوّرات المستقبل يعلم كم ينبغي عليه الاحتياط والتدبير قبل التورّط بتوظيف قائد نرجسيّ.
يجب على المؤسسات بذل مزيد من الاهتمام من أجل تقييم "النرجسيّة" قبل التوظيف أو قبل الترقية حتّى توفّر على أنفسها عناء وتكاليف معالجة الأضرار الناجمة عن وجود النرجسيّين عموماً وفي مواقع القيادة خصوصاً.
وتأكيداً لذلك يقول الباحث تيموثي جدج: إنّ الظنّ بأنّ النرجسية يمكن أن تعتدل أو تنصلح مع مرور الوقت من خلال تدخّل المؤسّسة ما هو إلاّ وهمٌ خادع باهظ التكاليف.
والحقيقة هي أنّ المؤسّسة لا تستطيع في أحسن الأحوال سوى احتواء النرجسيّ أو فرض السيطرة عليه. ولمديري التوظيف يشدّد الباحثون التحذير:
إن أعجبكم النرجسيّ في البداية وشعرتم بالميل إلى توظيفه فاعلموا أنّكم تغامرون مغامرةً خطيرة عمياء، وتذكّروا: إنّ الأبحاث والتجارب الدالّة على سمّيّة النرجسيّة في مكان العمل لا يمكن تجاهلها أو الاستخفاف بها إلاّ لدى المصرّين على إغماض أعينهم ومحاولة توظيف الدبّ القويّ حارساً لكرومهم.