الباحث : أشرف محمود محفوظ المحامي
كلمة الباحث : يسعدنى تلقى ارائكم واقتراحاتكم على الايميل الخاص بالمكتب
ملخص البحث
استطاعت المرأة عبر العصور المختلفة تحقيق بعض طموحاتها فى مساواتها بالرجل إلا أنه ما زال العديد من المجالات الأخرى التى لم تستطع للمرأة ولوجها مثل القضاء وهذا يرجع إلى عدم قبول الثقافة العربية المرأة كقاضى وذلك له جذوره البعيدة التى تمتد إلى العصور الجاهلية وما قبل ظهور الإسلام ؟ فالمرأة التى كانت تدفن حية عند ميلادها قبل الإسلام قد أنصفها الإسلام وعززها وكرمها وجعل لها الشخصية المستقلة وساوى بينها وبين الرجل وهناك العديد من الأدلة على ذلك من القرآن والسنة والإجماع التى سوف نذكرها فى مكانها من هذا البحث ، واهتم أيضاً الإسلام بالمرأة أبلغ عناية وكان ذلك بالأسلوب النبوى الشريف وهو التدرج فى وضع الأحكام فلا يأتى بالحكم الشرعى فجأة فيحدث الصدمة لدى جموع الناس وإنما يتدرج فى وضع الأحكام فكانت أول خطوة خطاها الإسلام هو تحريم دفن البنت حية وتحريرها من العبودية واستقلال ذمتها المالية عن ذمة الرجل سواء كان والدها أو زوجها أو أبنها أو أخيها ووضع لنا الإسلام أيضاً أسانيد المساواة وأدلتها الصريحة فى القرآن والسنة ، إلا أنه مازالت تلك الفكرة التى تنتقص قدر المرأة لصالح الرجل هى الفكرة المسيطرة على أغلب صانعى القرار فى الوطن العربى وذلك تحت مسمى أنها خلقت من ضلع آدم فهى أقل درجة منه ونسوا قول الله عز وجل فى سورة البقرة الآية (228) " ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف " صدق الله العظيم .
فلا شك أن مشكلة تولى المرأة منصب القضاء لاقت العديد من الخلافات والتناقضات منها المؤيد ومنها المعارض ، إلا أن الجدل حول صلاحية المرأة للقضاء لازال مفتوحاً.
إن وجود المرأة فى كافة مجالات الحياة أصبح ضرورة ملحة إذ إنها تشارك الرجل فى كل جزيئات الحياة ، ولكن هناك الأعراف والمعتقدات البالية و التى تواجه أى تقدم وتعوق أى تطور مازالت تؤثر على أسلوب الحياة فى المجتمع العربى والمسلم .
بالرغم من كثرة الجدل والنقاش حول مشكلة تولى المرأة منصب القضاء ،فإن باب الاجتهاد لايزال مفتوحاً فيها و لا يزال هناك بعض من فقهاء الإسلام معارضين ، وآخرون مؤيدين وجميعهم يأتى بأسانيد وحجج دينية وشرعية ، ما هى إلا تحصيل فهم للشرع حيث أجمع الفريقان على عدم وجود نص صريح سواء بالمنع أو الاباحة ، ومن هناك كان لنا أيضاً نفس الحق فى محاولة إعمال العقل والفهم لاستخلاص الرأى الصحيح من أصول الدين التى لا خلاف عليها وهى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .
وهناك جانب آخر يرى من ناحية قانونية أنه إذا كان الدستور والقانون لا يوجد فيهما نص يحظر تولى المرأة القضاء ، فإن الأصل فى الأشياء الإباحة والاستثناء هو التقييد ، ومن ثم فلا توجد مشكلة وينبغى النظر فى هذا الأمر بعين المساواة بين الرجل والمرأة بلا تمييز ، وهناك فريق آخر يرى إلى جانب ما تأخذ به السياسة الحكومية فى مصر من عدم تناسب وظيفة القاضى للمرأة وعدم ملائمتها لها وهناك فريق آخرين يرون عدم صلاحية المرأة نظراً لتكوينها الفسيولوجى ولأنها تكون بحالة اضطراب بعض أيام الشهر فلا تصلح لأن تحكم وهى بهذه الحالة ، وهناك أراء كثيرة تناولت هذه المشكلة من جوانب مختلفة ، من هنا كانت صعوبة ولوج مثل هذا الموضوع الشاق و الذى تحوطه صعوبات مرجعية وصعوبات اجتماعية وثقافية إلى ثقافة هذا المجتمع .
وإذا ما حاولنا النظر فى معظم الأنظمة القضائية فى الدول العربية والإسلامية نجد أن العديد منها قد ساوى بين المرأة والرجل فى تولى منصبة القضاء . ففى سوريا نجد أن النائب العام السورى سيدة ، وأول قاضية سورية تم تعيينها فى عام 1975 بقرار من السياسة وتدرجت المرأة فى السلك القضائى حتى تولت فى جميع درجات المحاكم ونسبة النساء فى القضاء السورى 11% من مجموع القضاة وكذلك كان أول تعيين للمرأة فى الوزارة كان عام 1976 حيث تعيين وزير للثقافة .
- وفى لبنان عينت أول امرأة فى القضاء عام 1966 وكانت على سبيل الاستثناء وتعدل وضعها الآن وأصبح على شكل دائم .
- وفى الأردن تأخر تعيين المرأة فى القضاء حتى عام 1996 .
- وفى اليمن أصبح عدد القاضيات بالمحاكم المختلفة يصل إلى 14% من عدد القضاة .
- وفى السودان أيضاً عينت المرأة فى أوائل الستينات فى القضاء المدنى فقط ،
ثم فى أول قاضية فى عام 1968 ، ونسبة القضاة فى المحاكم التونسية هى 22.62% من القضاة وتولت فى محاكم الأسرة و الأحداث .
وفى بعض الدول الأخرى تولت المرأة منصب القضاء مثل المغرب والجزائر والعراق وكذلك فى البلدان الأجنبية هناك أمثلة عديدة لتولى المرأة منصب القضاء مثال ذلك انجلترا 16% من القضاة سيدات وقد أثبتن كفاءتهن فى أداء المهام المطلوبة منهن . أما عن مشكلات عدم الصلاحية الفنية أو العلمية ، فمن المفترض أن هناك معايير صلاحية للقضاء تطبق على الرجل والمرأة بدون تمييز مثل اختبارات كفاءة أو امتحانات شفوية أو تحريرية وكذلك هناك دورات تدريبية ودراسية مختلفة لتدريب القضاة على كيفية أداء عملهن الإجرائى و الموضوعى ومن ثم فهذه المعايير تؤدى إلى اختيار الأصلح لعمل القضاء سواء كان رجلاً أو سيدة دون تمييز فلا يوجد مانع سواء دينى أو قانونى أو اجتماعى خاصة وأنه تم تعيين المرأة محكماً سواء دولى أو داخلى والمحكم هو قاضى يقوم بعمل القضاء تماماً ، فالمشكلة تكمن فى ضرورة دراسة المشكلة بأبعادها المختلفة دراسة متأنيه وحلها يكون بقرار سياسى ولابد من مساندة جميع الجمعيات الأهلية والنسائية المهتمة بقضايا المرأة فمعظم البلدان العربية وهى أقل تقدماً من مصر قد أدخلت المرأة إلى القضاء .
ومن ثم ،فإن هذا البحث يحاول الغوص فى أعماق المشكلة للوقوف على حقيقة الأمر وخاصة فى هذا التوقيت بالذات التى اعتلت المرأة فيه منصبة القضاء فى أكثر من تسع دول عربية إسلامية وما زال الموضوع مرفوضاً فى مـــصـــر. وتنبع أهمية موضوع هذا البحث فى أن منع المرأة من اعتلاء منصبة القضاء إنما يشكل فى حقيقة الأمر تمييزاً ضدها من الرجل وانتهاكاً لحقها فى المساواة مع الرجل سواء بسواء .
ويقتصر هذا البحث على دراسة المشكلة من الناحية الدينية والناحية القانونية فقط فى محاولة للوقوف على رأى كل منهما من هذه المشكلة .
ومن هنا ، فقد رأينا تقسيم هذا البحث إلى ثلاثة فصول نتناول فى أولها البحث فى الأسباب والمبررات التى يستند عليها القائلين بعدم تولى المرأة منصب القضاء على أن نناقشها بالعقل والمنطق والحجة بلا تحيز أو تعصب ، أما فى الفصل الثانى فسوف نناقش موقف الإسلام من هذه المشكلة ، وفى الفصل الثالث سوف نبحث فى موقف القانون والقضاء من المشكلة .