منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس
إعادة النظر في الإلتزامات المرهقة الجزء الثاني Reg11
منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس
إعادة النظر في الإلتزامات المرهقة الجزء الثاني Reg11
منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  



منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباسإعادة النظر في الإلتزامات المرهقة الجزء الثاني

FacebookTwitterEmailWindows LiveTechnoratiDeliciousDiggStumbleponMyspaceLikedin
شاطر | 
 

 إعادة النظر في الإلتزامات المرهقة الجزء الثاني

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
avatar

MOOH
عضو فعال
عضو فعال

إعادة النظر في الإلتزامات المرهقة الجزء الثاني 115810
تَارِيخْ التَسْجِيلْ: : 30/03/2010
العُــمـــْـــــر: : 53
المُسَــاهَمَـــاتْ: : 210
النـِقَـــــــــاطْ: : 5980

إعادة النظر في الإلتزامات المرهقة الجزء الثاني Vide





مُساهمةموضوع: إعادة النظر في الإلتزامات المرهقة الجزء الثاني   إعادة النظر في الإلتزامات المرهقة الجزء الثاني Emptyالأربعاء مارس 31, 2010 12:32 pm




[right]بسبب حوادث استثنائية لم يمكن توقعها، فلهذا المتعاقد أن يطلب فسخ العقد ويسقط هذا الطلب إذا تقدم الطرف الآخر بقبول تسوية عادلة وفقا لأحكام المادة 1458".
كما نصت المادة 388 من القانون المدني اليوناني على أنه " إذا طرأ حادث استثنائي غير متوقع على العقد المبرم وفقا لما يوجبه حسن النية ويتفق مع العرف في المعاملات وكان سيجعل التزامات الطرفين المتعاقدين مرهقة تزيد على الحد المألوف فيجوز للمحكمة، بناء على طلب المدين أن ترد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ولها أن تقضي بفسخ العقد كله أو بفسخ الجزء الذي لم ينفذ منه. فإذا قضت المحكمة بالفسخ انقضت التزامات الطرفين وعلى كل منهما أن يعيد إلى الآخر ما أداه إليه وفقا للأحكام المتعلقة بالإثراء بلا سبب".
وقد قارن الأستاذ اسعد الكوراني هذه المواد فوجدها تختلف فيما بينها من أربعة وجوه.
الوجه الأول: يتعلق بالمحل الذي تقع عليه النظرية، فالقانون البولوني قد حدد ذلك المحل بالعقود عامة دون أن يميز في طبيعتها، وهذا ما أخذ به القانون اليوناني، لكنه أضاف إليها شرطا آخر هو أن تكون تلك العقود مبرمة وفقا لما يقتضيه حسن النية في التعامل وما يتفق مع ما يوجبه العرف في المعاملات. أما القانون الإيطالي فقد اعتبر أن محل النظرية – إعادة النظر في العقود للظروف الطارئة – هو العقود المستمرة أو الدورية أو المؤجلة التنفيذ دون أن يربط ذلك الأجل بمدة معينة. فهو قد استبعد في ذلك من إطار النظرية العقود الفورية التي سبق تنفيذها، وهو أمر تفترضه القواعد العامة، كما سنرى.
الوجه الثاني: يعود إلى الظرف الطارئ نفسه، فهو ظرف غير متوقع على ضوء تلك القوانين مختلفة، ولكن المشرع البولوني انفرد بإعطاء أمثلة لذلك الظرف: كالحرب أو الوباء، أو تلف المحاصيل، أو أية كارثة طبيعية أخرى، مع أن تلك الظروف قد تكون متوقعة لذاتها. أما المشرعان الإيطالي واليوناني فقد اشترطا إلى جانب عدم التوقع شرطا آخر هو أن يكون الحادث استثنائيا، مما يحمل على التساؤل هل المشرع البولوني بعدم نصه على صفة "الاستثناء" للحادث المذكور قد اعتبر أنه شرط يفترض شرط عدم التوقع الذي أشار إليه، أم أنه قد اكتفى بكون الظرف غير متوقع ولو كان بذاته طرفا غير استثنائي، كان يكون مألوفا وعاديا؟
الوجه الثالث: يتناول النتيجة التي تترتب على وقوع ذلك الظرف، فهي في القانون البولوني صعوبات مرهقة تهدد أحد المتعاقدين بخسارة فادحة، وهي في القانون الإيطالي حصول الإرهاق في التنفيذ بصورة فاحشة، دون تحديد. أما المشرع اليوناني فقد أوضح المقصود بالخسارة الفادحة والإرهاق الفاحش: بأنها خروج الخسارة والإرهاق عن الحد المألوف في العادة.
الوجه الرابع: هو في كيفية التعديل القضائي للتعاقد، فإذا كانت تلك القوانين تتفق فيما بينها على أن الإرادة في التعديل هي الإرادة القضائية، إلا أنها تختلف من ناحية درجة ومدى تلك الإرادة، فهي ضيقة في التشريع الإيطالي وشبه مطلقة في التشريع اليوناني، ومطلقة في التشريع البولوني.
فالقاضي على ضوء النص الإيطالي لا يملك سوى السلطة بفسخ العقد بناء على طلب المدين، ويفقد تلك السلطة إذا تقدم الطرف الآخر بقبول تسوية عادلة وفقا لأحكام المادة 1458 من القانون المدني. أما في القانونين: البولوني واليوناني، فللقضاء سلطة أوسع. فهو يملك في التشريع اليوناني سلطة فرض التعديل على مقدار التزامات أي من المتعاقدين إذا ما وجد ضرورة لذلك فينقص التزامات الطرف المدين أو يزيد في التزامات الطرف الدائن بغية رد الالتزام المرهق إلى حده المعقول. وله لذلك سلطة فسخ العقد كله أو بجزئه الذي لم ينفذ. ولكن عند حكمه بالفسخ تنقضي التزامات الطرفين، وعلى كل منهما أن يعيد إلى الطرف الآخر ما أداه إليه وفقا للأحكام المتعلقة بالإثراء بلا سبب. أما التشريع البولوني فقد جاء أكثر إطلاقا: فهو بالإضافة إلى إعطائه للقضاء سلطة التعديل في مختلف صورها: الإمهال في التنفيذ، أو الحكم بالتنفيذ الفوري أو بالتنفيذ الجزئي كما يراه ضروريا، أو إعطائه لسلطة التعديل في مقدار التزامات أي من المتعاقدين، أو فسخ العقود كليا أو جزئيا... إلا أنه لم يقيده لجهة النتائج المترتبة على تقريره لذلك الفسخ، بل وضع له توجيهات عامة بإمكانه اتباعها عند إعادته للنظر في التعاقد، وهي الاستعانة بمبادئ حسن النية ومصلحة الطرفين" .
المطلب الثاني: النظرية في التشريعات العربية
إن البلاد العربية كانت تخضع في أنظمتها القانونية إلى الشريعة الإسلامية فتأخذ بأحكامها. وقد بقيت كذلك في العهد العثماني. إلا أن المذهب الذي كان معتمدا هو المذهب الحنفي، فكان لذلك أثره على النظرية فلم تطبق إلا في صورة واحدة: هي الصورة التي تكرست في ذلك المذهب: نظرية العذر.
وبالفعل، فقد نصت مجلة الأحكام العدلية في المادة 443 على أنه: "لو وجد عذر مانع لإجراء موجب العقد تنفسخ الإجارة، مثلا لو استأجر طباخ للعرس ومات أحد الزوجين تنفسخ الإجارة وكذا لو كان في سنه آلام فقاول الطبيب على إخراجه بخمسين قرشا ثم زال الألم بنفسه تنفسخ الإجارة. وكذلك تنفسخ الإجارة بوفاة الصبي أو الظئر ولا تنفسخ بوفاة المسترضع" . ولكنها لم تأخذ بنظرية الجوائح. كما أن الدفع ينبغي أن يتم بنفس العملة المتفق عليها، وقت التعاقد دون الالتفات إلى ما قد يطرأ على سعر تلك العملة من تقلب. وذلك لأن المجلة هي على المذهب الحنفي مذهب الدولة الرسمي.
لقد طبقت المجلة في معظم البلاد العربية، وبقي معمول بها إلى الوقت الذي صدرت فيه تشريعاتها الحديثة، فتأثرت تقنيناتها المدنية بالنسبة لنظرية العقد بالتقنينات المدنية الأخرى، ولكن على اختلاف في الدرجة: فمنها من اعتمد التشريع الفرنسي في صورته المتقدمة، فاعتبر العقد شريعة بين المتعاقدين لا يجوز الخروج عنها إلا بنص أو اتفاق ولم يأت بنص عام يكرس التعديل القضائي للعقد في الظروف الطارئة . ومنها من تأثر بالتشريع الفرنسي، ولكنه تأثر بصورة أوضح بالتقنيات الحديثة الأخرى، فجاء بنص عام يفرض ذلك التعديل. من ذلك: التشريع المصري ثم التشريعات العربية الأخرى التي تدور في فلكه .
في التشريع المصري، لقد سجلت النظرية انتقالا سريعا من منطقة الرفض إلى منطقة التكريس: فالنظرية لم تعرف حديثا في مصر إلا ابتداء من سنة 1947. فقد كانت غائبة عن التشريع الوطني، ولم تطبقها المحاكم على أي من العقود مهما اختلفت طبيعتها وأغراضها، فكانت غريبة عن العقود الإدارية شأنها في ذلك شأن العقود الخاصة. فمصر لم تعرف القانون الإداري، مجال النظرية، بمفهومه العام إلا حديثا. فالقضاء المصري كان قضاء موحدا يرتبط بالمبادئ التقليدية كما هي موروثة عن القضاء الفرنسي، يطبقها على كافة العقود بمعزل عن وصفها أو طبيعتها. وتطبيقا لذلك، فقد رفضت المحاكم المختلطة تعديل عقود ذات ارتباط وثيق بتنفيذ المرافق العامة رغم اختلال توازنها للظروف الطارئة . "فدور القضاء في نظرها هو تفسير الاتفاقات وإعطاؤها مفعولها وليس له الحق بتعديلها الذي هو من حق الأفراد والمتعاقدين . كما سارت المحاكم الوطنية في نفس الاتجاه: ففي غياب النص الواضح بإيجاد نظام خاص ينطبق على العقود الإدارية، فإن تلك العقود تبقى خاضعة للقواعد العامة والمبادئ التي تسود العقود المبدئية، ومنها رفض أي تعديل للعقد بسلطة القضاء ولو كان ذلك للظروف الطارئة ، إلا أن هذا الاتجاه رفض أي قبول بالنظرية. فقد خرج المشرع المصري عن إطاره في نوعين من النصوص: خاصة وذلك بقانون التزامات المرافق العامة لسنة 1947، وعامة في التشريع المدني الصادر في سنة 1949 فقد نصت المادة 6 من قانون التزامات المرافق العامة على أنه " عند حصول أحداث غير منتظرة ومستقلة عن إرادة المتعاقدين نتج عنها الإخلال في التوازن المالي للعقد أو التعديل في اقتصادياته الملحوظة وقت إبرامه، يكمن للإدارة أن تعدل في السعر أو في قوائم الأسعار. وإذا اقتضى الحال أن تعدل أركان تنظيم المرفق العام وقواعد استغلاله، وذلك لتمكين الملتزم من أن يستمر في استغلاله أو بخفض الأرباح الباهضة إلى القدر المقبول: كما نصت المادة 147في فقرتها الثانية، من القانون المدني على ما يأتي:
"..... ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تم تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلا صار مرهقا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعا للظروف، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك". وهذا النص قد نقل إلى التشريعات العربية الأخرى، فأخذت به المادة 148 من القانون المدني السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 تاريخ 8 ايار سنة 1949. والمادة 146 ف 2 من القانون المدني العراقي تاريخ 4 حزيران سنة 1954 وفي المادة 147 ف 2 من القانون المدني الليبي .
إذن فإن الموجة الغالبة في التشريع العربي الحديث هي في اعتماد النظرية كمبدإ عام، لا ينحصر تطبيقها على النوع الواحد من العقود، بل تتناول العقود على اختلافها.
المبحث الثاني: الأخذ بها في بعض الأنظمة القانونية عن طريق المحاكم
خلافا للأنظمة القانونية التي أشرنا إليها في البحث السابق هناك أنظمة قانونية مقابلة لم تذكر النظرية كمبدإ عام، وإنما بتأثير مقتضيات الضرورة التي خلفتها الحروب والأزمات. فقد تولى القضاء في تلك الدول إكمال المهمة التي أغفلها المشرع، فعدل العقد عند اختلال توازنه بظروف طارئة من ذلك: القضاء الإنكليزي والألماني والسويسري.
أ- النظرية في القضاء الإنكليزي:
إن القانون الإنكليزي لم يعترف بأي تعديل للعقد أو تدخل خارج عن بنوده، حتى في الحالة التي يصبح فيها التنفيذ مستحيلا للقوة القاهرة أو للحادث المفاجئ . وقد التزم القضاء بهذا المبدإ، فلم يفسخ عقد إيجاره وأصبح تنفيذه مستحيلا لاجتياح الجيوش المتحاربة للمأجور موضوع التعاقد . "إلا أن القضاء الإنكليزي وبتأثير الظروف قد خفف من قساوة القاعدة التي قررها. فاعتبر أن إلغاء حفلة تنصيب الملك تؤدي إلى إلغاء عقود إيجارة الأمكنة المعدة للمشاهدة ، رغم قانونيتها وصحتها. ولكنه حصر الإلغاء لجهتين: جهة الإنشاء: فهو إلغاء للمستقبل، لا يؤثر على الفترة السابقة التي تبقى قائمة بذاتها.و من جهة النتيجة: إذ أنه يفترض في الظرف الطارئ، أن يكون قد أدى إلى قلب اقتصاديات العقد وأخل بتوازنه .
ثم ما لبث القضاء الإنكليزي- أن تساهل في تحديد الاستحالة، فتوصل عمليا إلى تكريس التعديل القضائي للعقود الخاصة في حالة تغير الظروف. فقد قضى بإعفاء الناقل من عملية نقل البضائع التي التزم بها من مدينة إلى أخرى إذ أضحت كلفته مرتفعة نتيجة للحرب، فأدت إلى الإخلال في التوازن العقدي . كما أعفى المدين في العقود التجارية من تنفيذه لالتزاماته إذا أضحى تنفيذها صعبا ومرهقا بسبب حوادث طرأت أثناء تنفيذ العقد لتوقعها الرجل البصير حين إبرامه لما أقدم على التعاقد، وهذه الحالة تسمى في القضاء الإنكليزي Frustration.
ب- النظرية في القانون الألماني
لقد بقي المبدأ الغالب في التشريع والقضاء الألماني هو اعتبار العقد شريعة بين المتعاقدين، له قوة إلزامية لأطرافه على نفس المستوى الذي كرسه التشريع والقضاء في فرنسا، ولكن ابتداء من الحرب العالمية الأولى خرج القضاء الألماني بماله من سلطة، عن تلك القوة الإلزامية في التعاقد، عند حدوث ظروف طارئة. وذلك بتأثير نوعين من الاعتبارات: عملية كامنة في التحولات النقدية والاقتصادية " العاصفة" التي أصابت ألمانيا إبان الحرب وقانونية ترد في أسسها إلى مبدإ حسن النية في التعاقد الذي يعلق عليه القضاء في ألمانيا أهمية خاصة. ويقسم الأستاذ جعفر عبد السلام المراحل التي مرت بها النظرية إلى مرحلتين: الأولى تحضيرية، والثانية بنائية. في المرحلة الأولى تلمس القضاء طريقة إلى بلوغ التعديل القضائي للعقود التي أخلت بتوازنها الظروف الاستثنائية المستجدة، وذلك بتأثير العوامل الاقتصادية الضاغطة. فقد ابتدأ أولا في البحث عن تبرير يسند إليه الحق بالتعديل. فتوسع في مفهوم القوة القاهرة: فالقوة القاهرة لا تعني الاستحالة المادية فحسب، وإنما تتضمن الاستحالة الاقتصادية كذلك. ثم التجأ إلى مبدإ " زوال العلاقة المتبادلة" Destruction du rapport d’équivalence لتبرير ذلك التعديل، ولتلافي النتائج القاسية التي تتركها نظرية القوة القاهرة. فإن العقد الذي تغيرت ظروفه يفقد كل توازن في التزاماته، فالتزامات المدين لم تعد تقابل بصورة واضحة وظاهرة التزامات الدائن، مما يخول القضاء سلطه ردها إلى حد معقول. وقد أوجد القضاء الألماني سندا قانونيا للمبدإ الذي أطلقه، وهو فكرة عدم اختفاء الأساس التعاقدي وفكرة حسن النية ودورها الأساسي في كل تعاقد.
إن مفهوم نظرية "اختفاء الأساس التعاقدي" يعني أن المتعاقدين يفترضون في كل تعاقد سلسلة من الظروف والأوضاع ويفترضون بقاءها. وإنهم لا يبرمون العقد إلا إذا كانوا على بينة مسبقة بعدم تغير العناصر الأساسية للاتفاق، أو الأسس العامة للتعاقد كعنصر التوازن بين الالتزامات في العقود المتبادلة، وعنصر ثبات الأسعار المتفق عليها... فحسب مقتضيات حسن النية لا يمكن للقضاء بأن يطلب التنفيذ العقدي، عندما يكون الأساس التعاقدي قد فقد أساسا، أو أنه انقلب لاحقا بصورة غير مألوفة. ففقد العقد للأساس التعاقدي يعطي المدين حق المطالبة بإلغاء العقد أو بفسخه حسبما يكون الفقدان قد وجد بصورة دائمة أو بصورة لاحقة. ولكن ما هو المعيار الذي يحدد على ضوئه الأساس التعاقدي الذي يؤدي زواله إلى التعديل القضائي للتعاقد؟
أخذ الأستاذ أوترمان Borris Starack بمعيار شخصي يقوم على البحث عن ذلك الأساس من خلال الإرادة العقدية وتوقعاتها عند إبرامها للعقد، فالأساس العقدي بحسب هذه النظرة تؤسسه "التوقعات المغذاة" من المتعاقدين والتي " استدرجت إرادتهم، وبالعكس فإن الأستاذ Carbonne قد اعتمد لذلك معيارا موضوعيا، واعتبر أن " الأوضاع"Les circonstances التي تدخل في الأساس العقدي هي تلك الأوضاع التي إذا أفقدها أي عقد يصبح فاقدا "لأي معنى"Dépourvu de sens " . "فالأساس العقدي" في نظر الأستاذ مصطفى الجمال ينبغي أن نفهم به " كل الظروف والأوضاع Les événements المفترض وجودها ودوامها Persistance وقت التعاقد بحسب محتواه وهدفه ومفهومه الاقتصادي. وقلما يهم أن الأطراف قد عرفوا بها Songé أم لا. ويقصد بذلك الظروف التي تسمح وحدها باعتبار العقد حاملا لمعناه وتؤدي إلى معاملته كوسيلة للتبادل النافع Un moyen d’agencement utile فيخضع لقواعد "نظام الشعب" وبين هذين المعيارين الشخصي والموضوعي- أوجد الفقه الألماني معيارا مختلطا: شخصي وموضوعي في آن واحد، فيؤدي إلى التساؤل عما إذا كان المتعاقد على ضوء اعتبارات حسن النية والهدف من المتعاقد، سيقدم على إبرام العقد إذا علم بعدم ثبات الأوضاع التي اختلت و الوضع الذي دفع الإرادة العقدية على إبرام العقد، لا يشكل "الأساس التعاقدي" إلا باجتماع شروط ثلاثة:
أولا: أن يكون المفهوم القاطع للوضع ودوره الأساسي في إبرام العقد قد ظهر للمتعاقدين
ثانيا: إن الثقة وحدها من ثبات ذلك الوضع أن لجهة وجوده أو استمراره قد منعت المتعاقد من تضمينه كشرط في التعاقد.
ثالثا: إن التعاقد الآخر كان سيقبل بحسن نية ذلك الطلب إذا كانت حالة عدم ثبات ذلك الوضع قد بحثت جديا وقت التعاقد.
إن أهمية ذلك المعيار المختلط كما يقول الأستاذ (صليب بك سامي) تظهر من ناحيتين: - من ناحية منطلقها فهي تتصل بنظرية أوترمان لأنها تفتش عن العنصر القاطع في الإرادة – أي الأسباب الدافعة للتعاقد-. ومن ناحية نتيجتها، فهي تتصل بنظرية لارنز لأنها تحاول المحافظة على استقرار التعامل وأمانة بتصحيحها للمعيار الشخصي على أساس عوامل موضوعية تحدث عنها لارنز، كحسن النية وهدف العقد. ولكن الاجتهاد يبدو ميالا إلى اعتماد المعيار الشخصي بقرارات متعددة .
إذن فالقضاء في ألمانيا قد توصل مستندا إلى نظرية "فقدان الأساس التعاقدي" إلى تكريس التعديل القضائي للعقد عند حدوث ظروف طارئة. فالحالات التي يسمح فيها للقضاء بتعديل العقد عند اختلال توازنه بسبب التغيرات الاقتصادية تتطلب ذات الشروط التي تتطلبها إعادة النظر في العقد للظروف الطارئة: من حصول اختلال "فاضح" في الالتزامات يمكن معه القول بأن العقد قد فقد معناه وصفته كعمل متبادل، ومن أن يكون التعديل الحاصل في الظروف والأوضاع غير متوقع لأحد المتعاقدين في حصولها. ومن أن يترتب على ذلك وضع جديد لا يمكن احتماله بالنسبة للمدين في الالتزام. وهذه الواقعة لابد من تدقيقها على ضوء حسن النية.
ونتيجة القول، أن هذه النظرية – إعادة النظر في العقود المدنية بسبب الظروف الطارئة – قد وجدت طريقها إلى التشريع المدني والأعمال القضائية بعد أن أبرزتها النزعات الدينية والإنسانية، وبعد أن كان وقفا على القانون العام بفرعيه: الإداري والدولي العام، ولكن السؤال الذي لابد من طرحه، هو ما هو المقصود بنظرية إعادة النظر في العقود بسبب تغير الظروف، وما هي مقوماتها؟ وهل أن لهذه النظرية تقنية متميزة، وما هي هذه التقنية عند وجودها؟
هذا ما سنبينه في الفصلين اللاحقين.

الفصل الأول
مفهوم إعادة النظر في العقود
حين اعترف الرومان للمؤسسات القانونية بإطلاقية وأبدية مثلى لا تتغير مع التطور وإنما هي ذاتها في كل عصر، تبقى محتفظة بكيانها الثابت والمستمر، برزت مع الواقع نظريات بدأت تخط طريقها بتؤدة، أولا، ثم ما لبثت أن استقرت في نفس المستوى مع تلك النظريات التي رسختها الذهنية الرومانية واللاحقة، على الرغم من أنها قد تشكل إذا ما قيست بتلك المبادئ – التي اعتبرها الرومان أبدية – نقطة تحول هامة في القواعد الثانوية الراسخة .
إن تلك النظريات التي أحدثتها الحاجة وأكدها التغير المستمر في الحياة الاجتماعية وجوانبها، إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الحياة القانونية كأية حياة أخرى، هي عرضة دائما لمجاراة التطور ولو كان ذلك بواسطة خلق قواعد ومبادئ جديدة قد تتعارض مع ما هو معترف به كأمر ثابت . "فالعقد مثلا الذي كان لا ينتج آثاره إلا بين طرفيه، أصبح من شأنه في حالات خاصة، أن يجعل الغير مستفيدا مباشرة من بنوده ( نظرية التعاقد لمصلحة الغير)، والحق الذي كان يترك لصاحبه حرية استغلاله حتى أقصى الحدود تحول إلى حق محدود ونسبي قد يؤدي إلى مسؤولية صاحبه إذا ما تجاوز تلك الحدود – حدود حسن النية أو الغرض الذي وجد من أجله هذا الحق – ( نظرية التعسف باستعمال الحق). وحق الملكية الذي كان مقدسا لا يجوز تعديله، فأصبح حقا مباحا في إطار المصلحة الاجتماعية العامة، بل إن الحدود التي وضعت أمامه تحمل على التساؤل على صحة تسمية ذلك الحق بالملكية الفردية بدلا من الملكية ذات الإشراف الفردي. والخطأ الذي كان في صميم أركان المسؤولية إذا به يتحول بنتيجة تطور الآلة والاقتصاد إلى خطأ – إن صحت التسمية – من نوع آخر هو أقرب لنظرية المخاطر منه إلى نظرية الخطأ في مفهومها التقليدي. ولعل أهم مؤسسة أصابها ذلك التحول – وجميعها قد أصيبت به – هي مؤسسة العقد الذي وضع له التقليديون، أسسا تخطاها التطور الحديث. فالرضا، الذي هو في كيان العقد وسبب وجوده، قد برزت له صور جديدة، رغم المحاولة باعتبارها عرضا وقبولا فعليين، إلا أنها في الواقع عرض وقبول مصطنعان (من ذلك عقود الإذعان أو الموافقة). وحرية النقاش والتفاوض للتوصل إلى تحديد شروط العقد وآثاره قد فقدت في أنواع من العقود التي نراها في الحياة اليومية، فالمتعاقد إزاءها لا يستطيع سوى القول أو الرفض، وهو مضطر للقبول، ومكره على عدم الرفض، لما تؤمنه من إشباع لحاجات ضرورية وملحة والغبن الذي لم يكن ليبطل العقود أصلا اتخذ صورا تجعله يخالف ذلك المبدأ الذي ما زال يتردد في كتب الشراح سواء أكانت تلك الصور قانونية أم اجتهادية من وضع القضاء. وسلطان الإرادة ذلك المبدأ الذي توصلت الثورة الفرنسية بدافع من فلاسفتها إلى اعتباره سيدا مطلقا قد تغيرت طبيعته وتبدلت مفاهيمه، فكثرت استثناءاته وأصبح خطرا تقلصه يزداد بازدياد التطور.
إن العقد على حد تعبير سافاتييه، قد "انفجر" وليس ذلك بفعل التحول الحاصل فحسب بنتيجة تكاثر أنواعه من عقود فردية وعقود جماعية ، بل وأيضا بفعل التحول في قواعده وأسسه، فالعقد لم يعد شريعة مطلقة بين المتعاقدين، ولم يعد ينبعث ويتحرك بفعل الإرادة التي أوجدته فحسب، بل وأيضا بفعل إرادة خارجية تفرض عليه إتباع خط سير محدد مسبقا. فتمتزج الإرادة العقدية الداخلية بالإرادة الغريبة في كثير من أنواع التعاقد، بل وفي أماكن متعددة وتترك تلك الإرادة الداخلية للعقد مركزها إطلاقا للإرادة الخارجية التي تصبح الموجه والآمر دون سواها .
ومن خلال هذا الوضع الجديد المتمثل في توجيه العقد وفرض الالتزامات من مصدر خارجي بإرادة غير عقدية استنسابية، تبرز نظرية إعادة النظر في العقود المدنية لتكون وسطا بين نظريات كلاسيكية تسود آثار العقود وزوالها.
إذن، إن نظرية إعادة النظر في العقود تتكون في نطاق آثار العقد (فهي بذلك تختلف عن نظرية البطلان التي تتكون في مرحلة إبرام العقد)، وهي نظرية وسط بين نظرية زوال العقد ( بإبطاله أو فسخه أو إلغائه...) وبين نظرية صحته وسلامته، وهي لا تجد مصدرها في الإرادة التعاقدية، وإنما في إرادة خارجية، قد تكون قضائية (وتسمى إعادة نظر قضائية) وقد تكون تشريعية (تسمى إعادة النظر تشريعية). وهذا ما سنبينه فيما يلي:
الفرع الأول: إعادة النظر في العقود وسط بين صحة العقد وزواله
إن العقد بحسب النظرة التقليدية كائن حي، يولد ليبقى ولا يجوز تغيير خط استمراره إلا للإرادة التي منحته الحياة، أو لقوة خارجية تفرض سلطتها على تلك الإرادة: هي القانون، ولكن بحسب تلك النظرة، فإن ذلك التغيير لا يستطيع أن يجد مصدره في إرادة خارجية غير القانون: فالقضاء لا يمكنه سوى المحافظة على العقد وعدم مساسه، وليس له الحق بتعديله أو مراجعته. ولكن الواقع اثبت عجز هذه النظرة: فالقضاء سواء بسلطة القانون، أو بغير سلطته، لم يتوان عن التدخل في التعامل الفردي، وخاصة في نطاق التعاقد ليفرض إرادته على المتعاقدين كلما أوجبته لذلك ضرورات عملية مبررة.
لقد حدد المشرع للعقد شروطا تكفل له الحياة، أو تؤدي إلى إزالتها، ولكنه لم يضع الشروط التي تقوم عليها عملية التغيير في نمط تلك الحياة، كأن يعدل طبيعتها بإرادة غير الإرادة التعاقدية أو سلطة القانون، لتجاهله لمثل تلك العملية، مع أنه كرسها في كثير من الحالات، يكون كأي كائن حي، عرضه للزوال ولكنه لا يكون إطلاقا قابلا لإعادة النظر فيه بواسطة القضاء، ومن هنا تبرز الشروط القانونية لصحة العقد، وحياته، والشروط القانونية لزوال العقد وانتهائه، وتبقى نظرية إعادة النظر في العقد غير محددة تشريعيا، مع أنها واقع معمول به في بعض التعامل.
المبحث الأول: صحــــــــة العقــــــد
إن العقد لكي يولد صحيحا لابد له من توافر أركانه، وهي الرضا- والمحل والأهلية والسبب، يضاف إليها ركن الشكلية في العقود الشكلية، وكذلك التسليم في العقود العينية. وقد أشارت المادة 3 من قانون الالتزامات والعقود المغربي إلى شروط أربعة، لابد من توافرها لوجود العقد هي: التراضي والأهلية في التعاقد والمحل والسبب. وجزاء عدم توافر هذه الشروط، بطلان العقد، وانعدام وجوده برد المتعاقدين إلى الحالة التي كانوا عليها قبل انعقاده . فالعقد عند نقض أحد تلك الشروط قد ولد معيبا، لم يتمكن من التواجد فهو غير قابل للحياة – باطل. وقد توجد تلك الأركان، إلا أن ركنا منها قد يكون قائما، مستوفيا لشروطه، ولكن لا تتوافر له أسباب الصحة في هذه الحالة،و هو قائم ولكنه معيب وليس معنى ذلك بطلان العقد – أي عدم قابليته أساسا للحياة – بل قابليته للأبطال لو طلب من عيب رضاه ذلك . فالعقد ولد حيا مستوف لأركانه، وهو في هذه الحالة منعقد ومنتج لآثاره. إلا أن كيانه مهدد دائما بالزوال. ولا ينتهي ذلك التهديد إلا بسببين: بإجازته ممن يملك حق الإجازة، أو بمرور الزمن على حق المطالبة بالاتصال . ولكن قبل ورود ذلك التأييد، أو اكتمال مرور الزمن قد يتقرر إبطاله فينعدم وجوده القانوني انعداما تاما وتزول آثاره مبدئيا أي آثاره القانونية التي أنشأها .
المبحث الثاني: زوال العقــــــــــــــد
من هنا تبرز لنا الخطوط الأولى للوجه الثاني لحياة العقد وهو الزوال، فالعقد يكون تبعا لهذه النظرة زائلا أولا ببطلانه لعيب أصابه أثناء ولادته، وقد يكون هذا العيب إما عدم توافر ركن من أركان العقد أو شرط من شروط صحته فيما لو طلب من وجد ذلك الشرط لمصلحته ذلك الإبطال. فالصورة الأولى للزوال هي إذن البطلان كجزاء لعيب ولد مع العقد ورافق تكوينه. والصورة الثانية للزوال تظهر عندما يكون العقد صحيحا تتوافر أركانه وتكتمل شروطه، ومع ذلك قد يوضع حد له قبل انتهاء مدته الاتفاقية أو الطبيعية، ويتم ذلك إما بفسخه بمشيئة المتعاقدين لان السلطة التي أنشأت العقد تملك الحق بإزالته وإما بمشيئة أحدهما المنفردة، وذلك في حالتين: حالة احتفاظه بهذا الحق صراحة بموجب بند وارد في العقد، أو بمشيئة القانون كما هي الحالة بالنسبة للعقود غير المحددة المدة، كعقود الشركات ذات المدة غير المحددة، أو حدوث طارئ اثر في شخصية أحد المتعاقدين كوفاته، وذلك في العقود التي يعول فيها على شخصية المتعاقد كما في عقد المزارعة أو الوكالة أو العمل .
وقد يزول العقد بإلغائه في حال امتناع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزاماته دون أن يكون بالإمكان إلزامه بالتنفيذ العيني. فالعقد الملزم للجانبين يجوز المطالبة بإلغائه كجزاء لعدم تنفيذ المدين لالتزامه، كما أنه من الجائز المطالبة بالتعويض النقدي، ولكن ليس على أساس إلغاء العقد، بل على أساس استبقائه والمطالبة بتنفيذه بدلا- أي بالمطالبة بالتعويض -، وهذه هي المسؤولية العقدية. وقد يزول العقد أخيرا بانفساخه بحكم القانون كما هي الحالة بالنسبة لانقضائه العقد بسبب انقضاء التزام أحد المتعاقدين بفعل قوة قاهرة مما يحل بالتالي المتعاقد الآخر من التزامه. وقد عبر المشرع اللبناني عن هذه النزعة بنص جامع هو نص المادة 232 م.ع. فاعتبر أنه "يمكن حل العقد قبل حلول أجله وقبل نفاذه التام. إما بسبب عيب ناله وقت إنشائه، وإما بسبب أحوال تلت إنشاءه . ففي الحالة الأولى يبطل وفي الحالة الثانية يلغى أو يفسخ". وهكذا يتبين بأن المسألة بالنسبة للذهنية التقليدية، تكون كما بينا أحد أمرين: إما أن يكون العقد صحيحا ولد مكتملا يحتوي على شروط تكوينه مجتمعة، وإما أن يكون العقد زائلا قبل انقضاء مدته لأنه باطل أو قابل للإبطال، منذ نشوئه، أو لبروز عامل جديد وضع حدا له قبل أجله سواء أكان مصدره إرادة المتعاقدين أو نص القانون أو خطأ المدين. فزوال العقد إذن مرده: إما جزاء لمخالفة قاعدة من قواعد إنشائه، وإما إرادة المتعاقدين أو إرادة أحدهما أم بفعل القانون .
نخلص من هذا العرض إلى نتيجة هامة تتعلق بهذا البحث، وهي التجاهل التشريعي لنظرية إعادة النظر في العقود المدنية: فمسألة إعادة النظر كنظرية عامة قد بقيت مستغربة من جانب الذهنية التقليدية مع أنه قد جرى تكريسها بتطبيقات متعددة على ما سنرى. فإذا ما أشير إليها عرضا، فذلك لبيان مساوئ ذلك التدخل القضائي في التعاقد وعواقبه، وللوصول إلى قاعدة لا تجيز السماح بمثل ذلك التدخل، فالعقد هو شريعة للمتعاقدين يدور في فلك الإرادة التعاقدية. فهو تكريس واضح لتلك الإرادة: فالفسخ مصدره الإرادة، والفسخ بإرادة منفردة هو نتيجة بند ضمني في بعض العقود ، والإلغاء هو نتيجة لمخالفة ما اتفقت عليه تلك الإرادة. بل إن العقد بحسب تلك النزعة يسمو على القانون: فالقانون الجديد ولو عدل شروط بعض العقود لا يؤثر كمبدإ على تلك التي سبقت صدروه . كما أن النصوص التكميلية ما وجدت إلا لتكون في خدمة المتعاقدين يحق لهم مخالفتها أو الاستعانة بها. إما أن نسمح للقضاء ببسط سلطته على التعاقد، فذلك معناه الإخلال بالقواعد القانونية الموضوعة والقضاء إطلاقا على مبدأين: سلطان الإرادة وثبات التعامل واستقرار العقود. فالاتفاقات لا يجوز كمبدأ عام تعديلها إلا بإرادة الطرفين، ولا يملك القاضي سلطة ذلك التعديل لعلة تغير الأوضاع، ولا يمكنه ذلك حتى ولو كان الاتفاق المطلوب تعديله مخالفا للنظام العام، إذ عليه في هذه الحالة إبطاله لا مراجعته فالقاضي هو المنفذ لإرادة المتعاقدين كما ينفذ إرادة المشرع .

الفرع الثاني: إعادة النظر في العقود: التعريف بها وتمييزها عن النظريات المقاربة
إن إعادة النظر في العقود معناها، تعديل العقد بسلطة خارجية عنه: فالإرادة التعاقدية التي أوجدت العقد أساسا بدلا من أن تقوم بفرض الالتزامات التي قبلت بها، تصبح عرضة على ضوء هذه النظرية لفرض الالتزامات عليها. ولكن لتوضيح هذه العملية – عملية فرض التزامات غير اتفاقية على الإرادة العقدية – لابد من تمييز إعادة النظر في العقود عن نظريات أخرى عرفها القانون المدني، وقد ترسخت مبادئها.
المبحث الأول: التعريف بإعادة النظر في العقود
إن البحث عن إيجاد تعريف لنظرية تغير الظروف وآثارها في العقود لا يمكن أن نجده من خلال البحث في الأعمال التشريعية أو في أعمال المحاكم مع أن تاريخ العقود يظهر بوضوح تلازم التدخل التشريعي والقضائي في الاتفاقات الفردية مع ولادة العقد ونبوغه وتطوره بل لابد من البحث عن ذلك التعريف من خلال الأعمال الفقهية – وهي قليلة – التي درست موضوع العقد عامة ومرحلة تنفيذه خاصة. ولعل السبب في ذلك هو التخوف التشريعي والقضائي من إطلاق ذلك المبدأ وتعميمه. فكلاهما من حيث المبدأ، يشعر بتبعيته لمؤسسة العقد وضرورة إعماله لسلطان الإرادة، فالمشرع ألزم بالتدخل في تلك المؤسسة، وليس ذلك إلا في الحالات الاستثنائية، وتحت تأثير ضغوط خارجية قاهرة، في حين أن القضاء بحسب النزعة التقليدية عليه الارتباط ارتباطا كليا بإرادة الطرفين، وكل تعديل لها من خلال التدخل في العقد الذي أبرمته مهما كان مصدره (قواعد العدالة، المحافظة على المدين) معناه إحلال إرادته – القضائية – محل الإرادة العقدية وهذا أمر لا يتفق مع المبادئ القانونية الراسخة .
لقد وضع المشرع المدني نظرية عامة لزوال العقود كما بينا: فالعقد قد يبطل لعيب رافق تكوينه وقد يفسخ أو يلغى بسبب أحواله تلت إنشاءه، بيد أنه لم يعرض شأن المشرع الفرنسي لنظرية عامة لإعادة النظر في العقود، بل اكتفى بإيراد تطبيقات قليلة لها على ما سنرى. كما أن النظرة العامة إلى أعمال المحاكم تدل على أن تلك النظرية ما برحت في طورها الفتي. فبالرغم من أن القضاء قد كرس النظرية في حالات متعددة كإنقاصه لأجر الوكيل، أو تفسيره المصطنع لبعض النصوص، أو للإرادة العقدية... إلا أنه لم يجرؤ على البوح بأنه يقوم بتعديل العقد. بل اكتفى بإيجاد مبررات لذلك التعديل من خلال القواعد التقليدية المقبولة. ولا نجد الوصف لذلك العمل القضائي – الذي يسري في نظريات تخفف وطأة ذلك العمل على الذهنية التقليدية إلا في الأعمال الفقهية التي تتصف بروح النقد والتحليل المنطقي.
"إن الفقه وحده قد لمس الحاجة إلى الانطلاق من تلك التطبيقات المستترة لمراجعة العقود إلى وضع أسس عامة لتلك النظرية كفيلة برفعها إلى المرتبة التي تستحقها، بفعل انسجامها في الكثير من الحالات مع مبادئ– قانونية، أو مع التطور، وخاصة الاقتصادي منه. فعدم السماح للقاضي بتعديل العقد عند الاختلال بتوازنه بصورة غير مألوفة – وبفعل الظروف الطائرة خاصة من شأنه تكريس الاستغلال ورفض العدالة" . فالإرهاق الذي يصيب المدين بنتيجة ذلك يفرض مراجعة العقد ويبرر إعادة النظر به. ففكرة الحق هي في صميم ذلك التعديل ومن مسبباته. كما أن المصلحة الاقتصادية العامة تفرض البحث عن وسائل ترمي إلى إبقاء العقود والعمل على عدم إزالتها أو على الأقل على عدم إيقافها بسبب العجز الذي قد يقع به المدين نتيجة لذلك الاختلال. "فالعقد هو نواة في سلسلة متماسكة يقوم عليها البنيان الاقتصادي الشامل، وما يؤثر في ذلك العقد لابد من أن تتأثر به تلك السلسلة. إذن لا بد، من العمل على إزالة تلك المؤثرات بفرض مساعدة للمدين يتحملها الدائن تمكن من متابعة العقد واستمرار تنفيذه" .
ومن هنا برز الاهتمام الفقهي بالنظرية: فالعوامل الإنسانية العليا تضاف إليها النزعة المادية والاقتصادية الماثلة دفعت إلى إجراء بعض المحاولات في دراسة تلك النظرية، وعليه فأية محاولة لوضع تعريف بإعادة النظر في العقود لابد من إيجادها في تلك الأعمال الفقهية رغم حداثتها.
إن التعريف الأولي الذي يمكن وضعه لنظرية تغيير الظروف وآثارها على العقود هي كونها المرادف لفكرة تعديل العقد بغير الإرادة التي أوجدته. فما هو المقصود بهذا التعديل الخارجي للعقد؟ لقد بينا أن التعديل الطبيعي للعقد كما يراه الفقه التقليدي لا يكون إلا عن طريق المتعاقدين، فكيف يمكن تفسير التعديل الذي يصدر عن مثل تلك الإرادة الخارجية عن العقد؟ يجيب الأستاذ تناغو في كتابه عن الالتزام القضائي بأن المقصود بذلك التعديل – أي بإعادة النظر – "هو إحلال التزامات جديدة غير عقدية، في محل الالتزامات السابقة التي تستمد من التعاقد بعبارة أوضح: إن الالتزام العقدي الذي وضعه أطراف العقد بإرادة واعية سليمة يترك مكانه بفعل ذلك التعديل لالتزام آخر مفروض ينبع من مصدر خارج عن تلك الإرادة، ويفرض نفسه على تلك الإرادة، وقد يكون أصل ذلك المصدر قضائيا بحثا، فنكون أمام إعادة نظر قضائية، وقد يكون تشريعيا بحثا، فنكون أمام إعادة النظر تشريعية تحتكر فيها الإرادة التشريعية سلطة الفرض والتعديل. فإعادة النظر في العقود تؤدي إلى إنشاء التزام جديد هو الالتزام القضائي – عندما يكون ذلك التعديل مصدره القضاء، أو الالتزام التشريعي – عندما يكون ذلك التعديل مصدره القانون –. فالقرار القضائي – أو التشريعي – قد حل بنتيجة ذلك التعديل في محل التقرير الاتفاقي" . ولو تتبعنا جليا هذا التحليل إلى نهايته، لتبين لنا، أن الطبيعة القانونية لإعادة النظر في العقود، ليست غريبة عن النظريات القانونية المعروفة. فهي بنتيجتها – أي إحلال الالتزام القضائي (أم تشريعي) في محل الالتزام الاتفاقي – ليست إلا صورة جديدة من صور "التجديد" الوارد في المادة 347 الالتزامات والعقود المغربي. فالتجديد على ضوء النظرية العامة هو استبدال الالتزام الأول ( الالتزام الاتفاقي ) بالتزام جديد وهو هنا الالتزام القضائي أم التشريعي" وليست نظرية إعادة النظر في العقود بعيدة عن هذه التقنية القانونية المكرسة: فالواقع أن القضاء عندما يعدل العقد- أي يعيد النظر فيه– إنما ينشئ للعقد محتوى جديدا في مكان المحتوى الذي أراده المتعاقدون. فالالتزام الأول وهو الالتزام الاتفاقي قد ترك مكانه أي استبدل بالتزام آخر، يصدر عن القضاء مباشرة أم عن المشرع.
والتجديد في حالة إعادة النظر قد حتم ثانيا بإدخال عنصر جديد في الموجب، فجاء بذلك متفقا مع نص المادة 350 من قانون الالتزامات والعقود التي أشارت على أنه " يحصل التجديد باتفاق الدائن والمدين على إحلال التزام جديد محل القديم..." ، وفي حالة إعادة النظر، فأن العنصر الجديد الذي تم إدخاله في الالتزام قد تم بإبدال السند القانوني للالتزامات التي جرى تعديلها: فبعد أن كان العقد أو بالأحرى الإرادة التعاقدية هي في مصدر ذلك الالتزام الاتفاقي يستمد منها وجوده، أصبحت الإرادة القضائية – أو التشريعية -، أي الإرادة المفروضة هي التي تؤسس تلك الالتزامات. فمصدرا جديدا للالتزام قد أصبح ملزما للأطراف المتعاقدة يفرض عليها، فإذا بالالتزامات التعاقدية أصلا والتي كانت تعتبر في العقد شريعة للمتعاقدين، قد سقطت بفعل تلك الإرادة الخارجية التي أوجدت التزاما آخر هو في حقيقته شريعة مفروضة على المتعاقدين.
فتقنية إعادة النظر في العقود إذن تدور في فلك تجديد الالتزام، إلا أنه تجديد له طابعه الخاص كما سنرى. فالقرار القاضي بتعديل العقد سواء أكان مصدره إرادة القضاء أم المشرع يؤدي عمليا، كما بينا إلى إسقاط الالتزام التعاقدي لينشئ في مكانه التزاما جديدا مفروضا لا يمكن تفسيره أو تحديد محتواه إلا بالرجوع إلى تلك الإرادة التي أعلنتها الأطراف المتعاقدة في التعاقد، وإنما على العكس من ذلك بفعل إرادة تكون في واقعها، مغايرة للإرادة العقدية، هي إرادة السلطة التي فرضت، قضائية كانت أم تشريعية. فعندما لا ينشأ التعديل من بند وارد في العقد، أو تطبيقا لما ارتضاه المتعاقدون ضمنا، أو إعمالا لنص مكمل أو مفسر لنية المتعاقدين بل من قواعد يضعها القاضي أو المشرع وتلازم المتعاقدين، وقد تكون موجهة ضد إرادتهم،لذلك فإن التعديل المفروض يصبح في واقع










التوقيع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

إعادة النظر في الإلتزامات المرهقة الجزء الثاني

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1



صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس :: قسم العلوم الانسانية والاجتماعية :: || منتدى الحقوق~-

 
©phpBB | Ahlamontada.com | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع