منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس
أحــكام الحلــف بالطَّـــلاق (دراسة فقهية) Reg11
منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس
أحــكام الحلــف بالطَّـــلاق (دراسة فقهية) Reg11
منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  



منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباسأحــكام الحلــف بالطَّـــلاق (دراسة فقهية)

FacebookTwitterEmailWindows LiveTechnoratiDeliciousDiggStumbleponMyspaceLikedin
شاطر | 
 

 أحــكام الحلــف بالطَّـــلاق (دراسة فقهية)

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
avatar

MOOH
عضو فعال
عضو فعال

أحــكام الحلــف بالطَّـــلاق (دراسة فقهية) 115810
تَارِيخْ التَسْجِيلْ: : 30/03/2010
العُــمـــْـــــر: : 52
المُسَــاهَمَـــاتْ: : 210
النـِقَـــــــــاطْ: : 5742

أحــكام الحلــف بالطَّـــلاق (دراسة فقهية) Vide





مُساهمةموضوع: أحــكام الحلــف بالطَّـــلاق (دراسة فقهية)   أحــكام الحلــف بالطَّـــلاق (دراسة فقهية) Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2013 12:46 pm






أحــكام الحلــف بالطَّـــلاق (دراسة فقهية)
د. عزّ الدِّين أحمد محمد إبراهيم

مُقَدِّمَة:
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصَّمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وصلَّى الله وبارك على نبيّنا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه وسلّم، وبعد،،،
هذه صفحات يسيرة تناولت فيها بالبحث والدّراسة مسألة تُعَدُّ من المعضلات، وهي: ما يترتّب على الحلف بالطَّلاق إذا حنث الحالف. وقد فشا وكَثُرَ جداً في الأزمنة والعصور المتأخرة الحلف بالطَّلاق في المجتمعات المسلمة. أسال الله أنْ ينفع بها المسلمين عامّة، وطلاب العلم خاصّة وأنْ تكون ممَّا يزيد في عملي خيراً بعد مماتي، وجعلته في ثلاثة مباحث:
المبحث الأوّل: بيان المقصود بالحلف بالطَّلاق عند الفقهاء:
المقصود بالحلف بالطَّلاق عند جماهير الفقهاء تعليق الطَّلاق على نحو يفيد المنع من الفعل أو الحمل عليه أو يبعث على التَّصديق فإنْ كان التَّعليق لا يفيد شيئاً ممَّا ذكر كأنْ يكون التَّعليق على أمر غير اختياريّ نحو: إنْ طلعت الشَّمس فأنت طالق، لا يُعَدُّ التَّعليق حينئذ يميناً بالطَّلاق؛ بل يقال له: "الطَّلاق بصفة".
قال النَّوويّ ـ رحمه الله تعالى ـ: "والطَّلاق بصفة أنْ يعلّق طلاقها بشرط لا تقدر على دفعه، كأنْ يقول لها: أنت طالق إذا طلعت الشَّمس أو إذا دخل أول الشَّهر أو جاء المطر أو قدم الحاج أو حضت أو إنْ ولدت أو إن شئت. وأمَّا اليمين بالطَّلاق فما قصد بها المنع من فعل أو الحثّ على فعل أو التَّصديق على فعل على الشَّكل التَّالي: فما قصد بها المنع من فعل كقوله: إنْ دخلت الدَّار فأنت طالق، وما قصد بها الحثّ على فعل كقوله: إنْ لم تدخلي الدَّار فأنت طالق، وما قصد بها التَّصديق على فعل كقوله: إنْ لم أكن دخلت الدَّار فأنت طالق، وهذا كُلّه حلف بالطَّلاق)( ).
وقال ابن قدامة ـ رحمه الله تعالى ـ وقال القاضي في "المجرّد": "هو تعليقه على شرط يقصد به الحثّ على الفعل أو المنع منه كقوله: إنْ دخلت الدَّار فأنت طالق، وإنْ لم تدخلي فأنت طالق أو على تصديق خبره مثل قوله: أنت طالق لو قدم زيد أو لم يقدم، وأمَّا التَّعليق على غير ذلك كقوله: أنت طالق إنْ طلعت الشمس أو قدم الحاج أو إنْ لم يقدم السُّلطان، فهو شرط محض ليس بحلف"( ).
شيخ الإسلام ابن تيمية يضيف قيداً آخر للتَّعليق الذي يُعَدُّ يميناً:
أضاف شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ قيداً آخر لتعليق الطَّلاق الذي يُعَدُّ يميناً بالطَّلاق، وهو أنْ يكون كراهية الزَّوج للطَّلاق أشدّ من كراهيته لوقوع الشَّرط؛ لأنَّ الحالف يلتزم أعظم المكروهين عنده ليمتنع به من أدنى المكروهين، فأمَّا إنْ كان كراهيته التَّمسُّك بعصمة الزَّوجيّة عند وجود الشَّرط أشدّ من كراهيته لوقوع الطَّلاق فإنَّ هذا النَّوع من التَّعليق عنده من باب الطَّلاق عند الصِّفة أو الطَّلاق بالصِّفة وليس من الحلف بالطَّلاق. أي إنَّه من حيث الصُّورة يقال له: "حلف بالطَّلاق"، أمَّا حقيقته وحكمه فطلاق بصفة، وحكمهما مختلف عنده خلافاً للجمهور فإنَّه يسوى بينهما في الوقوع، وهو فرق دقيق ينم إدراكه عن قوّة النَّظر وحدة الذِّهن التي امتاز بها شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ، وترتَّب على هذه التَّفرقة خلافه الشَّهير مع جماهير أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم في حكم الحلف بالطَّلاق. قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ في فتاويه: "فصل في التَّفريق بين التَّعليق الذي يقصد به الإيقاع والذي يقصد به اليمين: فالأوَّل: أنْ يكون مريداً للجزاء عند الشَّرط، وإنْ كان الشَّرط مكروهاً له، لكنه إذا وجد الشَّرط فإنَّه يريد الطَّلاق، لكون الشَّرط أكره إليه من الطَّلاق، فإنَّه وإنْ كان يكره طلاقها ويكره الشَّرط لكن إذا وجد الشَّرط فإنَّه يختار طلاقها، مثل أنْ يكون كارهاً للتَّزوُّج بامرأة بغى أو فاجرة أو خائنة أو هو لا يختار طلاقها، لكن إذا فعلت هذه الأمور اختار طلاقها، فيقول: "إنْ زنيت أو سرقت أو خُنت فأنت طالق"، ومراده: إنْ فعلت ذلك أنْ يطلقها، إمَّا عقوبة لها وإمَّا كراهة لمقامه معها على هذا الحال، فهذا موقع للطَّلاق عند الصِّفة لا حالف. وأمَّا التَّعليق الذي يُقصد به اليمين فإنَّما يكون إذا كان كارهاً للجزاء وهو أكره إليه من الشَّرط، فيكون كارهاً للشَّرط وهو للجزاء أكره، ويلتزم أعظم المكروهين عنده ليمتنع به من أدنى المكروهين، فيقول: "إنْ فعلتُ كذا فامرأتي طالق أو عبيدي أحرار أو عليَّ الحج"، ونحو ذلك، أو يقول لامرأته: "إنْ زنيت أو سرقت أو خُنت فأنت طالق"، يقصد زجرها أو تخويفها باليمين لا إيقاع الطَّلاق إذا فعلت؛ لأنَّه يكون مريداً لها وإنْ فعلت ذلك، لكون طلاقها أكره إليه من مقامها على تلك الحالة، فهو علق بذلك لقصد الحظر والمنع، لا لقصد الإيقاع، فهذا حالف ليس بموقع، وهذا هو الحالف في الكتاب والسُّـنَّة، وهو الذي تجزئه الكفارة، والنَّاس يحلفون بصيغة القَسَم، وقد يحلفون بصيغة الشَّرط التي في معناها، فإنْ علم هذا وهذا سواء باتّفاق العلماء والله أعلم"( ).
إطلاق اليمين على الطَّلاق المعلَّق مجاز لا حقيقة:
ذكر غير واحد من الأئمة الأعلام أنَّ إطلاق اليمين على الطَّلاق المعلَّق على الوجه الذي تقدّم ذكره عند الفقهاء هو مجاز لا حقيقة، من ذلك قال العلامة ابن دقيق العيد( ) ـ رحمه الله تعالى ـ عند شرح الحديث المتفق عليه: (من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمّداً فهو كما قال)( ): "الحلف بالشَّيء حقيقة هو القَسَم به وإدخال بعض حروف القَسَم عليه، كقوله: "والله"، "والرحمن"، وقد يُطلق على التَّعليق بالشَّيء "يمين"، كقولهم: مَنْ حلف بالطَّلاق، فالمراد تعليق الطَّلاق، وأطلق عليه الحلف لمشابهته باليمين في اقتضاء الحثّ والمنع".
وجاء "المغني" لابن قدامة من كلام القاضي: "وإنَّما سُمِّيَ تعليق الطَّلاق على شرط: "حلفاً" تجوّزاً، لمشاركته الحلف في المعنى المشهور، وهو: الحثّ أو المنع أو تأكيد الخبر"( ).
صور الحلف بالطَّلاق( ):
للحلف بالطَّلاق صورتان من حيث الصِّيغة، هما:
[1] التَّعليق اللَّفظي أو الحسَّيّ:
وهو ما تمّ الحلف فيه بصيغة التَّعليق وذُكرت فيه أداة من أدوات الشَّرط في الصِّيغة نفسها، كأن يقول الزَّوج: "إنْ اغتبتُ مسلماً فزوجتي طالق"، أو "إنْ آذت والدتي فهي طالق".
[2] التَّعليق المعنويّ أو القَسَميّ:
وهو أنْ يتم التَّعليق دون ذكر أداة من أدوات الشَّرط لفظاً، وإنَّما يوجد معناها، كقول الزَّوج: "عليَّ الطَّلاق لا أفعل كذا" أو "عليَّ الحرام لم أغبنك في السِّعر" أو "الطَّلاق يلزمني إنْ أخذت متاعك".
وهذا النَّوع يشتمل على التَّعليق ضمناً؛ لأنَّ معناه: إنْ فعلت كذا أو إنْ غبنتك في السِّعر أو أخذت متاعك فزوجتي طالق. جاء في "حاشية ابن عابدين" عند شرحه قول المصنّف: "ونقل السَّيّد الحموي عن الغاية معزياً إلى الجواهر: الطَّلاق لي لازم يقع بغير نيّة: قلت: لكن يحتمل أنْ يكون مراد الغاية (اسم كتاب ما) إذا ذكر المحلوف عليه لِمَا علمت من أنَّه يُراد به في العرف التَّعليق، وإنَّ قوله: عليَّ الطَّلاق لا أفعل كذا، بمنزلة قوله: إنْ فعلت كذا فأنت طالق"( ).
المبحث الثَّاني: حكم الإقدام على الحلف بالطَّلاق:
قول أئمة الفقه في حكم الحلف بالطَّلاق دائر بين الكراهة والتَّحريم، قال القاضي أبو الوليد ابن رشد ـ رحمه الله تعالى ـ: "وأمَّا اليمين المكروهة فهى اليمين بغير الله تعالى، قال رسول الله : (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)( ).
وهى على وجهين أحدهما: أنْ يوجب على نفسه شيئاً من الأشياء إنْ فعل فعلاً أو إنْ لم يفعله ... إلى أنْ قال: فأمَّا ما يلزمه باتّفاق فاليمين بالطَّلاق( ).
وفرَّق الحنابلة بين الحلف بذوات المخلوقات ـ كالحلف بالآباء والمشايخ واللَّيل والنَّهار ـ فجزموا فيه بالتَّحريم، والحلف بالطَّلاق والعتاق فقالوا: مكروه( ). ويبدو كذلك أيضاً حكم الحلف بالطَّلاق مكروهاً عند الشَّافعيّة، فقد صرَّح النَّوويّ ـ رحمه الله تعالى ـ أنَّ النَّهي الوارد في الحلف بغير الله تعالى عند أئمة الشَّافعيّة محمول على الكراهة، وقال: "ليس للقاضي أنْ يستحلف مسلماً بالطَّلاق".
قال النَّوويّ ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح حديث: (إنَّ الله تعالى ينهاكم أنْ تحلفوا بآبائكم، فَمَنْ كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، قال: "وفى هذا الحديث إباحة الحلف بالله تعالى وصفاته كُلّها، وهذا مجمع عليه، وفيه النَّهيّ عن الحلف بغير أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته، وهو عند أصحابنا مكروه ليس بحرام"( ).
وقال عند شرح الحديث: (يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك)( ): "وسواء في هذا كُلّه اليمين بالله تعالى أو بالطَّلاق والعتاق، إلاَّ أنَّه إذا حلَّفه القاضي بالطَّلاق أو بالعتاق تنفعه التَّورية ويكون الاعتبار بنيّة الحالف؛ لأنَّ القاضي ليس له التَّحليف بالطَّلاق والعتاق، وإنَّما يستحلف بالله تعالى"( ). فظاهر قوله هذا أنَّه يرى النَّهيّ عن الحلف بغير الله تعالى في الحديث يشمل: الحلف بذوات المخلوقات، والحلف بالطَّلاق والعتاق على السَّواء، وقد صرَّح أنَّ الحلف بالمخلوقات على الكراهة عند أصحابهم الشَّافعيّة.
وجزم العلامة أبو محمد ابن حزم الظَّاهريّ ـ رحمه الله تعالى ـ بحرمة الحلف بالطَّلاق كالحلف بذوات المخلوقات سواء، فقال: "واليمين بالطَّلاق لا يلزم وسواء برَّ أو حنث لا يقع به طلاق، ولا طلاق إلاََّ كما أمر الله عزَّ وجلَّ، ولا يمين إلاَّ كما أمر الله عزَّ وجلَّ على لسان رسوله ، وذكر حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النَّبيّ : (مَنْ كان حالفاً فلا يحلف إلاَّ بالله)، ثُمَّ قال: "فارتفع الإشكال في كل حلف بغير الله عزَّ وجلَّ، فإنَّه معصية وليس يميناً"( ).
وأمَّا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ فإنَّ الحلف بالطَّلاق عنده مشروع؛ لأنَّه قسَّم الأيمان التي يحلف بها النَّاس قسمين: أيمان المسلمين، وأيمان أهل الشِّرك، وعدَّ الحلف بالطَّلاق والعتاق من أيمان المسلمين، وقال: "إنَّه في معنى الحلف بالله تعالى"، وقال ـ رحمه الله تعالى ـ: "وأيمان المسلمين التي هي في معنى الحلف بالله مقصود الحالف بها تعظيم الخالق لا الحلف بالمخلوقات، كالحلف بالنَّذر، والحرام، والطَّلاق، والعتاق"( ).
نعم الحلف بالطَّلاق مشروع عند شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ ولكن هل هو مكروه أم مباح؟
لم أقف على جواب صريح من كلام شيخ الإسلام، وكُلّ ذلك محتمل، إذ الكراهة لاتنافي المشروعيّة كما هو الحال في حكم الإقدام على النَّذر عند الجمهور مكروه ومشروع، والله أعلم.
المبحث الثَّالث: حكم اليمين بالطَّلاق:
اختلف الفقهاء في اليمين بالطَّلاق أو الطَّلاق المعلَّق على ثلاثة أقوال، هي( ):
القول الأوّل: يقع الطَّلاق المعلّق متى وجد المعلّق عليه سواء أكان فعلاً لأحد الزَّوجين أم كان أمراً سماوياً وسواء أكان التَّعليق قَسَمياً وهو الحثّ على فعل شيء أو تركه أو تأكيد الخبر أم شرطياً، يُقصد به حصول الجزاء عند حصول الشَّرط، وهذا قول أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم.
والقول الثَّاني: اليمين بالطَّلاق أو الطَّلاق المعلّق إذا وجد المعلّق عليه لا يقع أصلاً، سواء أكان على وجه اليمين ـ وهو ما قصد به الحث على فعل شيء أو تركه أو تأكيد الخبر ـ أم لم يكن على وجه اليمين ـ وهو ما قصد به وقوع عند حصول المعلّق عليه ـ وهو المُسمَّى: "الطَّلاق بالصِّفة". وهذا قول الظَّاهريّة والشِّيعة الأماميّة.
والقول الثَّالث: إنْ كان التَّعليق قَسَمياً أو على وجه اليمين ووجد المعلّق عليه لا يقع، ويجزيه كفارة يمين، وأمَّا إنْ كان التَّعليق شرطياً أو على غير وجه اليمين فيقع الطَّلاق عند حصول الشَّرط. وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية، ووافقه تلميذه ابن القيم على هذا التَّفصيل، وخالفه في وجوب الكفارة.
يقول شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ في بيان وإيضاح قوله هذا، وهو يعرض الصِّيغ الثَّلاث التي يتكلّم بها النَّاس في: الطَّلاق، والنَّذر، والظِّهار، والحرام، وهى صيغة التَّنجيز نحو: أنت طالق، وصيغة الحلف نحو: الطَّلاق يلزمني لا أفعل كذا، وصيغة التَّعليق نحو: إنْ خرجت فأنت طالق. قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ: "والنَّوع الثَّالث من الصِّيغ: أنْ يعلّق الطَّلاق أو العتاق أو النَّذر بشرط فيقول: إنْ كان كذا فعليَّ الطَّلاق أو الحج أو فعبيدي أحرار، ونحو ذلك، فهذا ينظر إلى مقصوده، فإنْ كان مقصوده أنْ يحلف بذلك ليس غرضه وقوع هذه الأمور ـ كمن ليس غرضه وقوع الطَّلاق إذا وقع الشَّرط ـ فحكمه حكم الحالف، وهو من باب اليمين، وأمَّا إنْ كان مقصوده وقوع هذه الأمور ـ كمن غرضه وقوع الطَّلاق عند وقوع الشَّرط ـ مثل أنْ يقول لامرأته: إنْ أبرأتني من صداقك فأنت طالق، فتبرئه أو يكون غرضه أنَّها إذا فعلت فاحشة أنْ يطلقها، فيقول: إذا فعلت كذا فأنت طالق، بخلاف مَنْ كان غرضه أنْ يحلف عليها ليمنعها، ولو فعلته لم يكن له غرض في طلاقها، فإنَّها تارة يكون طلاقها أكره إليه من الشَّرط، فيكون حالفاً وتارة يكون الشَّرط المكروه أكره إليه من طلاقها، فيكون موقعاً للطَّلاق إذا وجد ذلك الشَّرط فهذا يقع به الطَّلاق"( ).
وقال: "فالحالف هو الذي يلتزم ما يكره وقوعه عند المخالفة كقوله: إنْ فعلت كذا فأنا يهوديّ أو نصرانيّ، ونسائي طوالق، وعبيدى أحرار، وعليَّ المشي إلى بيت الله، فهذا ونحوه يمين"( ).
أدلة الأقوال ومناقشتها:
أدلة القول الأوَّل ومناقشتها:
أوّلاً: استدلوا بإطلاق الآيات الدَّالة على مشروعيّة الطَّلاق وتفويض الأمر فيه إلى الزَّوج، مثل قوله تعالى الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ [البقرة: 229]، فهي لم تفرّق بين منجز ومعلّق، ولم تقيّد وقوعه بشيء، والمطلق يعمل به على إطلاقه، فيكون للزَّوج إيقاع الطَّلاق حسبما يشاء منجزاً أو مضافاً أو معلّقاً على وجه اليمين أو غيره ما دام كُلّ ذلك من أساليب لغة العرب في الكلام.
قال العلامة القاضي الشَّوكانيّ ـ رحمه الله تعالى ـ رداً على العلامة ابن حزم وأصحابه الظَّاهريّة ومَنْ وافقهم في القول بعدم وقوع الطَّلاق المعلّق مطلقاً: "ومَنْ شكَّك في وقوع الطَّلاق المشروط فهو لم يأت تشكيكه بطائل؛ فإنَّ التَّقييد بالشُّروط في الكتاب والسُّـنَّة لا يحيط به الحصر، فضلاً عن كلام العرب، وليس هذا التَّشكيك مختصاً بالطَّلاق؛ بل يجرى في جميع الأبواب، وفي كُلّ شرط مستقبل في اللُّغة العربيّة بأسرها، وهذا دفع للشَّرع بالصَّدر، فضلاً عن كونه رداً للغة العرب"( ).
ثانياً: الحالف بالطَّلاق التزم الطَّلاق عند الشَّرط فيلزمه عملاً بالآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة: 1]. قال القاضي أبو الوليد بن رشد القرطبيّ( ) ـ رحمه الله تعالى ـ: "الأصل في وجوب الأيمان بالطَّلاق قول الله عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم يريد: عقد اليمين، وعقد النَّذر، وسائر العقود اللازمة في الشَّرع"( ).
ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ على هذا الاستدلال بقوله: "وأمَّا قول القائل: إنَّه التزم الطَّلاق عند الشَّرط فيلزمه، فهذا الباطل من أوجه:
أحدها: أنَّ الحالف بالكفر والإسلام، كقوله: إنْ فعلت كذا فأنا يهوديّ أو نصرانيّ، وقول الذِّميّ: إنْ فعلت كذا فأنا مسلم، هو التزام للكفر والإسلام عند الشَّرط، ولا يلزمه ذلك بالاتّفاق؛ لأنَّه لم يقصد وقوعه عند الشَّرط، بل قصد الحلف به، وهذا المعنى موجود في سائر أنواع الحلف بصيغة التَّعليق.
ثانيها: أنَّه إذا قال: إنْ فعلت كذا فعليَّ أنْ أطلق امرأتي، لم يلزمه أنْ يطلقها بالاتّفاق إذا فعله.
ثالثها: أنَّ الملتزم لأمر عند الشَّرط أنَّما يلزمه بشرطين: أحدهما أنْ يكون الملتزم به قربة، والثَّاني أنْ يكون قصده التَّقرُّب إلى الله تعالى به لا الحلف به، فلو التزم ما ليس بقربة كالتَّطليق، والبيع، والإجارة، والأكل والشُّرب، لم يلزم، ولو التزم قربة كالصَّلاة، والصِّيام، والحج، على وجه الحلف بها لم يلزم؛ بل تجزيه كفارة يمين عند الصَّحابة وجمهور السَّلف، وهو مذهب مالك، وهنا الحالف بالطَّلاق هو التزم وقوعه على وجه اليمين، وهو يكره وقوعه إذا وجد الشَّرط كما يكره وقوع الكفر إذا حلف به، وكما يكره وجوب تلك العبادات إذا حلف بها( ).
ثالثاً: استدلوا بالحديث المرفوع: (المسلمون عند شروطهم)( )، وبآثار كثيرة مروية عن الصَّحابة رضوان الله عليهم، من ذلك:
[1] ما أخرجه البخاريّ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: "طلّق رجل امرأته البتة إنْ خرجت، فقال ابن عمر: إنْ خرجت فقد بتّت منه، وإنْ لم تخرج فليس بشيء"( ).
[2] وما رواه البيهقيّ عن ابن مسعود  في رجل قال لامرأته: إنْ فعلت كذا وكذا فهي طالق، ففعلته، فقال: هي واحدة وهو أحقّ بها.
[3] وما صحَّ عن أبي ذر الغفاري  أنَّ امرأته لَمَّا ألّحت عليه في السُّؤال عن السَّاعة التي يستجيب الله تعالى فيها الدُّعاء يوم الجمعة، قال لها: إنْ عدت سألتني فأنت طالق.
[4] وما أسنده ابن عبد البر عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: "كُلّ يمين وإنْ عظمت ففيها الكفارة إلاَّ العتق والطَّلاق".
[5] وما رواه البيهقيّ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في رجل قال لامرأته: هي طالق إلى سنة، قال: "يستمتع بها إلى سنة".
[6] وعن الحسن البصريّ فيمن قال لامرأته: أنت طالق إنْ لم أضرب غلامي فأبق الغلام قال: "هي امرأته يستمتع بها ويتوارثان حتَّى يفعل ما قال، فإنْ مات الغلام قبل أنْ يفعل ما قاله فقد ذهبت منه امرأته.
[7] وروى البيهقيّ عن أبي الزناد عن فقهاء المدينة أنَّهم كانوا يقولون: أيّما رجل قال لامرأته: أنت طالق إنْ خرجت حتَّى اللَّيل، فخرجت امرأته قبل اللَّيل بغير علمه طلقت امرأته.
رابعاً: القياس على العتق إلى أجل، فإنَّ السَّيّد إذا قال للمملوك: إذا مضى شهر من اليوم فأنت حُرٌّ صار حُرَّاً بعد مضى الشَّهر، جاء في متن "المهذب" للشّيرازيّ ـ رحمه الله تعالى ـ: "ولأنَّ الطَّلاق كالعتق لأنَّ لكُلّ واحد منهما قوّة وسراية، ثُمَّ العتق إذا علّق على شرط وقع بوجوده، ولم يقع قبل وجوده، فكذلك الطَّلاق".
أدلة القول الثَّاني ومناقشتها:
استدلَّ الظَّاهريّة على قولهم وقول الإماميّة بأنَّ تعليق الطَّلاق يمين بغير الله تعالى مُحرَّم لا يجوز، والطَّلاق لا يقع إلاَّ إذا كان على الوجه الذي شرعه الله تعالى، وكذلك الكفارة لا تلزم إلاَّ في اليمين بالله تعالى، ورغم أنَّ الظَّاهريّة لا يقولون بالقياس إلاَّ إنَّه ورد في كلام العلامة أبي محمد بن حزم ـ رحمه الله تعالى ـ ما يُعَدُّ احتجاجاً بالقياس، قال ـ رحمه الله تعالى ـ في "المحلَّى": "واليمين بالطَّلاق لا يلزم، وسواء برَّ أو حنث لا يقع به طلاق، ولا طلاق إلاَّ كما أمر الله عزَّ وجلَّ، ولا يمين إلاَّ كما أمر الله عزَّ وجلَّ على لسان رسوله ، برهان ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ [ المائدة : 89]، وجميع المخالفين لنا هنا لا يختلفون في أنَّ اليمين بالطَّلاق، والعتاق، والمشي إلى مكة، وصدقة المال، فإنَّه لا كفارة عندهم في حنثه في شيء منه إلاَّ بالوفاء بالفعل أو الوفاء باليمين، فصحَّ بذلك يقيناً أنَّه ليس شيء من ذلك يميناً، إذ لا يمين إلاَّ ما سماه الله تعالى يميناً، وقول رسول الله  الذي رويناه عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن رسول الله  قال: (مَنْ كان حالفاً فلا يحلف إلاَّ بالله)( )، فارتفع الإشكال بأنَّ كُلّ مَنْ حلف بغير الله عزَّ وجلَّ فإنَّه معصية وليس يميناً".
وقال في موضع آخر: "ثُمَّ نقول لهم: من أين أجزتم الطَّلاق بصفة، ولم تجيزوا النِّكاح بصفة والرَّجعة بصفة؟ كمن قال: إذا دخلت الدَّار فقد راجعت زوجتي المطلقة أو قال: فقد تزوجتك، وقالت هي مثل ذلك، وقال الولي مثل ذلك، ولا سبيل إلى فرق، وبالله تعالى التَّوفيق( ).
وأجاب شيخ الإسلام ابن تيميه عن استدلاله بأنَّ الحلف بالطَّلاق حلف بغير الله مُحرَّم غير مشروع، ولا كفارة إلاَّ في اليمين المشروع، بقوله: "وأمَّا قول القائل: هذا حالف بغير الله فلا يلزمه كفارة، فيقال: النَّص ورد فيمن حلف بالمخلوقات، ولهذا جعله شركاً؛ لأنَّه عقد اليمين بغير الله تعالى، فمن عقد اليمين لله فهو أبلغ مِمَنْ عقدها بالله، ولهذا كان النَّذر أبلغ من اليمين فوجوب الكفارة فيما عقد لله أولى من وجوبها فيما عقد بالله، والله اعلم"( ).
وذكر أبو محمد بن حزم الخلاف في المسألة عند المتقدمين من الصَّحابة والتَّابعين ومَنْ بعدهم، فقال: "وهذا مكان اختلف فيه، فصحَّ عن الحسن فيمن قال لامرأته: أنت طالق إنْ لم أضرب غلامي فأبق الغلام، قال: هي امرأته ينكحها ويتوارثان حتَّى يفعل ما قال، فإنْ مات الغلام قبل أنْ يفعل ما قال فقد ذهبت منه امرأته، ومن طريق عبد الرَّزاق عن محمد عن مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيّب في رجل طلق امرأته إنْ لم يفعل كذا؟ قال: لا يقرب امرأته حتَّى يفعل ما قال. فإنْ مات قبل أنْ يفعل فلا ميراث بينهما، وصحَّ خلاف هذا عن طائفة من السَّلف، كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء في رجل قال لامرأته: أنت طالق إنْ لم أتزوج عليك، قال: إنْ لم يتزوّج عليها حتَّى تموت أو يموت توارثا، ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثَّوريّ عن غيلان بن جامع عن الحكم بن عتيبة قال في الرجل يقول لامرأته: أنت طالق إنْ لم أفعل كذا ثُمَّ مات أحدهما قبل أنْ يفعل، فإنَّهما يتوارثان، قال سفيان الثَّوريّ: إنَّما وقع الحنث بعد الموت.
قال أبو محمد: هذا عجيب! ميت يحنث بعد موته( )؟.
وما ذكره أبو محمد ـ رحمه الله تعالى ـ عن الحسن وسعيد بن المسيّب، وكذلك قول سفيان: الثَّوريّ إنَّما وقع الحنث بعد الموت، كُلّ ذلك ظاهر بيِّن الدَّلالة على أنَّهم يقولون: اليمين بالطَّلاق يقع به الطَّلاق إذا حنث الحالف، وأمَّا ما ذكره عن عطاء والحكم فليس بصريح؛ بل هو محتمل، ويحتمل الوجه الذي ذكره سفيان الثَّوريّ وإنْ لم يوافقه ابن حزم ـ رحمه الله تعالى ـ، فالجزم بأنَّ عطاء والحكم لا يقولان بوقوع الطَّلاق بالحلف بالطَّلاق إذا وقع الحنث بناءً على هذا النَّقل قول بالمتشابه، والله أعلم.
قال أبو محمد ابن حزم ـ رحمه الله تعالى ـ: "ومِمَنْ روى عنه مثل قولنا كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أنَّ رجلاً تزوج امرأة وأراد سفراً، فأخذه أهل امرأته فجعلها طالقاً إنْ لم يبعث بنفقتها إلى شهر، فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشيء، فلمَّا قَدِمَ خاصموه إلى علي، فقال علي: اضطهدتموه حتَّى جعلها طالقاً فردّها عليه، ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسّان عن محمد بن سيرين عن شريح أنَّه خوصم إليه في رجل طلّق امرأته إنْ أحدث في الإسلام حدثاً فاكترى بغلاً إلى "حمام أعين"( ) فتعدى به إلى "أصبهان"( )، فباعه واشترى به خمراً، فقال شريح: إنْ شئتم شهدتم عليه أنَّه طلقها، فجعلوا يرددون عليه القصة ويردد عليهم، فلم يره حدثاً"( ).
قال أبو محمد: "لا متعلّق لهم بما رُوِيَ من قول علي : "اضطهدتموه"؛ لأنَّه لم يكن هنالك إكراه، وإنَّما طالبوه بحقّ نفقتها فقط، فإنَّما أنكر علي اليمين بالطَّلاق فقط، ولم ير الطَّلاق يقع بذلك"( ).
قلت: ما رواه عن علي  أظهر في القول بأنَّه لم ير الطَّلاق واقعاً لأجل الإكراه، وذلك من وجهين:
الوجه الأوَّل: قول الرَّاوي : "فقال علي: اضطهدتموه حتَّى جعلها طالقاً، فردها عليه"، ذِكْر الردّ مقترناً بالفاء مشعر بالتَّرتيب والتَّعقيب، فيكون الحكم بردّ الزَّوجة مترتباً على قول علي : "اضطهدتموه حتَّى جعلها طالقاً". والاضطهاد هنا: الإكراه.
والوجه الثَّاني: لو كان ردّ الزَّوجة بناءً على أنَّ الحلف بالطَّلاق لا يقع به طلاق لم يكن مناسباً ذكر الاضطهاد الذي لا تأثير له في الحكم، وإغفال ذكر ما توهّمه المدعون حقّاً ـ وهو وقوع الطَّلاق بالحلف ـ إذ المدعون لم يخاصموا الزَّوج بشأن أنَّه أتى منكراً هو الحلف بالطَّلاق، وإنَّما خاصموه يريدون تخليص ابنتهم منه بالطَّلاق الذي ظنّوا وقوعه بالتَّعليق، لذا انتظروا حتَّى وقع الحنث ثُمَّ خاصموه.
قال أبو محمد ـ رحمه الله تعالى ـ: "وكذلك لا متعلّق لهم بما في خبر شريح من قول أحد مَنْ رواه فلم يره حدثاً، فإنَّما هو ظنّ من محمد بن سيرين أو من هشام وهو ظن خطأ"( ).
قلت: وليس لأبي محمد بن حزم ـ رحمه الله تعالى ـ كذلك التَّمسُّك بهذا الخبر؛ لأنَّ غاية ما فيه أنَّ شريح توقَّف في القضاء في المسألة بالطَّلاق، إذ لم يقل لهم: هذا لا يُعَدُّ طلاقاً، وحينئذ يحتمل الأمر ما قاله الرَّاوي، ويحتمل أمراً آخر، فالجزم بأنَّه لم يرَ الحلف بالطَّلاق طلاقاً قول بالمتشابه والظَّنّ الذي يرفضه
أبو مُحَمَّد ـ رحمه الله تعالى ـ.
أدلة القول الثَّالث ومناقشتها:
أوَّلاً: الاستدلال بالمنقول من الكتاب والسُّـنَّة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ في الاستدلال لقوله بعد أنْ بيَّن أنَّ في الحلف بالطَّلاق ثلاثة أقوال هي:
القول الأوَّل: يلزمه الطَّلاق إذا حنث.
والقول الثَّاني: يمين غير منعقدة، فلا شيء فيها إذا حنث.
والقول الثَّالث: إنَّه إذا حنث لزمته كفارة يمين.
ثُمَّ قال بعد ذلك: "والقول الثَّالث هو الذي يدلُّ عليه الكتاب والسُّـنَّة والاعتبار، وعليه تدلُّ أقوال أصحاب رسول الله  في الجملة، كما قد بسط في موضعه، وذلك أنَّ الله تعالى قال في كتابه: وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ
أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ [المائدة: 89]، وقال تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التَّحريم: 2].
وثبت في الصَّحيح عن النَّبيّ  أنَّه قال: (مَنْ حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير، وليكفِّر عن يمينه)( ).
وهذا يتناول جميع أيمان المسلمين لفظاً ومعنى. أمَّا اللَّفظ فلقوله تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ، وقوله: ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ، وهذا خطاب للمؤمنين، فكُلّ ما كان من أيمانهم فهو داخل في هذا. والحلف بالمخلوقات شرك ليس من أيمانهم لقول النَّبي : (مَنْ حلف بغير الله فقد أشرك)( ). فلا تدخل هذه في أيمان المسلمين.
وأمَّا ما عقده بالله أو لله فهو من أيمان المسلمين، فيدخل في ذلك، ولهذا لو قال: أيمان المسلمين أو أيمان البيعة تلزمني، ونوى دخول الطَّلاق والعتاق دخل في ذلك، كما ذكر ذلك الفقهاء، ولا أعلم فيه نزاعاً، ولا يدخل في ذلك الحلف بالكعبة وغيرها من المخلوقات، وإذا كانت من أيمان المسلمين تناولها الخطاب"( ).
وأمَّا من جهة المعنى فهو إنَّ الله تعالى فرض الكفارة في أيمان المسلمين لئلا تكون اليمين موجبة عليهم أو محرَّمة عليهم لا مخرج لهم، كما كانوا عليه في أوَّل الإسلام قبل أنْ تشرع الكفارة، لم يكن للحالف مخرج إلاَّ الوفاء باليمين، فلو كان من الأيمان ما لا كفارة فيه كانت هذه المفسدة موجودة.
وأيضاً فقد قال الله تعالى: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ [البقرة: 22]، نهاهم الله تعالى أنْ يجعلوا الحلف بالله مانعاً لهم من فعل ما أمر به؛ لئلا يمتنعوا عن طاعته باليمين التي حلفوها، فلو كان في الأيمان ما ينعقد ولا كفارة لكان ذلك مانعاً لهم من طاعة الله تعالى إذا حلفوا به( ).
وردَّ على استدلال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ بعموم الآيات والأحاديث في أحكام الأيمان بأنَّ الطَّلاق المعلَّق لا يُسمَّى: "يميناً" لا شرعاً ولا لغة، وإنَّما هو يمين على سبيل المجاز، لمشابهة اليمين الشَّرعيّة في إفادة الحثّ على الفعل أو المنع منه أو تأكيد الخبر، فلا يكون له حكم اليمين الحقيقيّ ـ وهو الحلف بالله تعالى أو صفة من صفاته ـ؛ بل له حكم آخر: وهو وقوع الطَّلاق عند حصول المعلَّق عليه( ).
قلت: قولهم في الردّ: "الطَّلاق المعلَّق لا يُسمَّى: "يميناً" لا شرعاً ولا لغة، وإنَّما هو يمين على سبيل المجاز"، يرد عليه أمران:
الأمر الأوَّل: الحديث المتفق عليه أنَّ النَّبيّ  قال: (مَنْ حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال)( )، وفي رواية مسلم: (...كاذباً متعمّداً فهو كما قال)، وجاء في تفسير: "الحلف بغير ملة الإسلام" كأنْ يقول الحالف: إنْ فعل كذا فهو يهوديّ أو إنْ كان فعل كذا فهو يهوديّ. ففي هذا الحديث على هذا التَّفسير إطلاق اليمين أو الحلف على التَّعليق بشرط، فكيف يُقال: تعليق الطَّلاق لا يُسمَّى "يميناً" في الشَّرع، فما الفرق بين هذا وذاك؟
والأمر الثَّاني: يرد على قولهم الطَّلاق المعلَّق ليس بيمين في اللُّغة، وإنَّما سُمِّيّ: "يميناً" من باب المجاز، يرد على هذا أنَّ المجاز من لغة العرب، وإنَّما يتجه قولهم أنَّه لا يشمله عموم النُّصوص في أحكام اليمين إذا ثبت أنَّ إطلاق اليمين على التَّعليق بشرط أحدث أو عرف عند العرب بعد عصر النَّبوة، وقد أومأ شيخ الإسلام إلى أنَّ الحلف أو اليمين بصيغة الشَّرط معلوم، كالعلم باليمين بصيغة القَسَم، فقال: "والنَّاس يحلفون بصيغة القَسَم، ويحلفون بصيغة الشَّرط التي في معناها، فإنْ علم هذا وهذا سواء باتّفاق العلماء، والله أعلم"( ).
ثانياً: القياس على فتوى بعض الصَّحابة بلزوم كفارة اليمين على مَنْ حلف بالعتق فحنث، كمن قال: عبيدي أحرار إنْ فعلت كذا، وفعل ما حلف ألاَّ يفعله، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ: "بل الصَّحابة ـ الذين هم خير هذه الأُمَّة ـ ثبت عنهم أنَّهم أفتوا في الحلف بالعتق الذي هو أحبّ إلى الله تعالى من الطَّلاق: إنَّه لا يلزم الحالف به؛ بل يجزيه كفارة يمين، فكيف يكون قولهم في الطَّلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله؟ وهل يُظَنّ بالصَّحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أنَّهم يقولون فيمن حلف بما يحبّه الله من الطَّاعات ـ كالصَّلاة، والصِّيام، والصَّدقة، والحج ـ أنَّه لا يلزمه أنْ يفعل هذه الطَّاعات؛ بل يجزيه كفارة يمين، ويقولون فيما لا يحبّه الله بل يبغضه: إنَّه يلزم مَنْ حلف به؟ ( ).
وقال في موضع آخر: "وكذلك قال أصحاب رسول الله  مثل: ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة، وزينب ربيبة النَّبيّ ، وغير واحد من الصَّحابة في مَنْ قال: إنْ فعلت كذا فكُلّ مملوك لي حُرّ، قالوا: يُكفِّر عن يمينه ولا يلزمه العتق، هذا مع أنَّ العتق طاعة وقربة، فالطَّلاق لا يلزمه بطريق الأوْلَى)( ).
وأجيب عن هذا الاستدلال بأنَّ الآثار المروية عن الصَّحابة في وقوع الطَّلاق المعلَّق على وجه اليمين أقوى ممَّا روى عن بعضهم في الحلف بالعتق؛ لأنَّ رواة تلك الآثار من رجال الصَّحيح( ).
ثالثاً: ما رواه البخاريّ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (الطَّلاق عن وطر، والعتق ما ابتغى به وجه الله)( ).
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ في بيان المقصود من قول ابن عباس مستدلاً به: "بيَّن ابن عباس أنَّ الطَّلاق إنَّما يقع بمَنْ غرضه أنْ يوقعه، لا لمن يكره وقوعه، كالحالف به والمكره عليه"( ).
وأجيب عن هذا بأنَّ المعنى ليس كما ذكرتم؛ بل معناه لا ينبغي للرجل أنْ يطلق امرأته إلاَّ عند الحاجة كالنُّشوز، قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ المذكور: "أي أنَّه لا ينبغي للرجل أنْ يطلق امرأته إلاَّ عند الحاجة كالنُّشوز، بخلاف العتق فإنه مطلوب دائماً".
قلت: كلا التَّفسيرين محتمل، وكلام شيخ الإسلام أقرب إلى الصَّواب عندي، وأكثر ملاءمة للسِّياق؛ لأنَّ الجامع بين الطَّلاق والعتاق أنَّ الاثنين يُحْلَف بهما، فإنْ قيل بلزوم الجزاء عند الحنث وقع الطَّلاق مِمَنْ ليس له غرض ولا حاجة في إيقاع الطَّلاق، ووقع العتق مِمَنْ ليس غرضه وقصده التَّقرُّب بالعتق إلى الله تعالى، وكلام ابن عباس ينفى كُلّ هذا بمفهومه.
وأمَّا على تفسير الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالىـ فلا تظهر مناسبة الاقتران بين الطَّلاق والعتق في كلام ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ثُمَّ لو كان المعنى: الطَّلاق لا يكون دائماً؛ بل عند الطَّارئ الذي يستدعيه، بخلاف العتق فإنَّه يكون دائماً، لو كان هذا هو المعنى المقصود لكان الأنسب في العبارة: الطَّلاق عن وطر، وأمّا العتق فما أريد به وجه الله. والله اعلم.


ترجيحات واختيارات لبعض العلماء المتأخرين:
أظهر العلامة القاضي محمد بن علي الشَّوكانيّ ـ رحمه الله تعالى ـ ميلاً إلى القول بعدم وقوع الطَّلاق بمجرّد الحلف به إذا كان بصيغة: علىَّ الطَّلاق لأفعلنَّ كذا أو الطَّلاق يلزمني إنْ فعلت كذا، قال ـ رحمه الله تعالى ـ: فاعلم أنَّ إيقاع الطَّلاق على الزَّوجة قد يكون بانشاء لفظ يدلُّ عليه أو بالإخبار عن وقوع طلاق منه متقدّم أو بالشَّرط نحو: إنْ دخلت الدَّار فأنت طالق. وأمَّا قول القائل عليه الطَّلاق أو يلزمه الطَّلاق ونحو ذلك فليس من ذلك في شيء، ولم يجعله الله تعالى على رجل طلاقاً، ولا ألزم أحداً من عباده به، ولا يصح من العبد أنْ يجعل على نفسه غير ما جعله الله تعالى عليه، ويلزمها غير ما ألزمه الله تعالى به، وهو لم يكن مريداً بالحلف بالطَّلاق فراق زوجته وإخراجها من حباله حتَّى يكون هذا اللَّفظ بمنزلة كنايات الطَّلاق؛ بل هو لم يرد إلاَّ تأكيد وقوع ما حلف على وقوعه أو تأكيد نفي ما حلف على نفيه، فمن قال: عليه الطَّلاق ليفعلنَّ كذا أو عليه الطَّلاق ما فعل كذا أو يلزمه الطَّلاق ليفعلنَّ كذا أو عليه الطَّلاق ما فعل كذا أو يلزمه الطَّلاق ليفعلنَّ أو ما فعل فليس المراد له والمقصود منه عند التَّكلُّم بهذا الكلام إلاَّ وقوع ذلك الأمر أو عدم وقوعه، ولكنه أراد أنْ يشعر السَّامع بحرصه وتكالبه على الوقوع أو عدمه. وإذا تقرَّر لك هذا علمت أنَّ وقوع الطَّلاق بمجرّد الحلف به في حيز الإشكال لأنَّه ألزم نفسه بما لا يلزمها، لا من جهة الشَّرع ولا من جهة الشَّخص نفسه، ولم يكن في لفظه ما يدلُّ على الفرقة، ولا ظهر منه حال الحلف أنَّه يريد الطَّلاق بهذا اللَّفظ الذي جاء به حال التَّكلُّم به، ولا أنَّه مريد له في المستقبل إلاَّ الإخبار بحرصه على وقوع ما حلف عليه بالطَّلاق أو عدم وقوعه. وبالجملة فليس في الشَّرع ما يدلُّ على وقوع هذا الطَّلاق، ولا في اللَّفظ ولا في القصد، فتدبَّر هذا"( ).
وأمَّا التَّعليق بذكر أداة الشَّرط إنْ قصد منه الحلف فقد سكت عنه الشَّوكانيّ، ولم يظهر ميلاً لا إلى قول الجمهور بوقوع الطَّلاق به، ولا إلى قول شيخ الإسلام بعدم وقوع الطَّلاق به، ولا يبعد أنْ يكون موقفه ورَأْيه من هذا يختلف عن رَأْيه الذي أبداه في الحلف بصيغة الطَّلاق: يلزمني وعلىَّ الطَّلاق لأفعلنَّ كذا، وذلك لأنَّ الحلف بهذه الصِّيغة ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية الخلاف في وقوع الطَّلاق به في مذهبي أبى حنيفة والشَّافعي، بخلاف الحلف بصيغة التَّعليق فإنَّه لم يذكر فيه خلافاً في أحد من المذاهب الأربعة؛ بل ذكر غير واحد( ) أنَّه لا يعلم فيه خلافاً بين أهل العلم كافّة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ بعد ذكره الخلاف في وقوع الطَّلاق بصيغة الطَّلاق: يلزمني لأفعلنَّ كذا ونحوها، قال: "وهذا بخلاف الذي ذكرته في مذهب أبى حنيفة والشَّافعيّ، وهو فيما إذا حلف بصيغة اللّزوم مثل قوله: الطَّلاق يلزمني، ونحو ذلك، وهذا النِّزاع في المذهبين سواء كان منجزاً أو معلّقاً بشرط أو محلوفاً به ففي المذهبين هل ذلك صريح أو كناية أو لا صريح ولا كناية فلا يقع به الطَّلاق، وإن نواه ثلاثة أقوال، وفي مذهب أحمد قولان: هل ذلك صريح أو كناية، وأمَّا الحلف أو التَّعليق الذي يقصد به الحلف فالنِّزاع فيه من غيرهم بغير هذه الصِّفة"( ).
وذكر العلامة الدّكتور/ وهبة الزُّحيليّ صاحب الموسوعة الفقهيّة: "الفقه الإسلاميّ وأدلته" أنَّه يميل إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله تعالى ـ رغم أنَّ أدلة الجمهور أصحاب القول الأوَّل أقوى عنده، قال: "وفي تقديري أنَّ القول الأوَّل هو الأصح دليلاً، لكن يلاحظ أنَّ الشُّبان غالباً يستخدمون اليمين بالطَّلاق للتَّهديد لا بقصد الإيقاع، وهذا يجعلني أميل إلى القول الثَّالث، لاسيما وقد أخذ به القانون رقم (25) لسنة 1929م في مصر في المادة الثانية، وكذلك المادة (90) من القانون السُّوري على الأخذ برَأْي ابن تيمية وابن القيم: لا يقع الطَّلاق غير المنجز إذا لم يقصد به إلاَّ الحلف على فعل شيء أو المنع منه، و استعمل استعمال القَسَم لتأكيد الأخبار لا غيره"( ).
قال الباحث: وهو المعمول به في كُلّ من السُّـودان والأردن أيضاً.
خلاصة رَأْى الباحث:
ينبغي التَّنبُّه جيّداً إلى محل النِّزاع بين الجمهور وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وهو وقوع الطَّلاق بالتَّعليق إنْ قصد به مجرّد الحلف، فلا نزاع بينهم في وقوع الطَّلاق بقول الزَّوج: إنْ طلعت الشَّمس فأنت طالق، وإنْ كان هذا الطَّائر القادم غراباً فأنت طالق، ونحو هذا إنْ وقع الشَّرط؛ لأنَّ هذا التَّعليق لا يُسمَّى: "يميناً" عندهم، بل يقال له: "الطَّلاق بصفة".
ولا نزاع بينهم كذلك فيما إذا قال الزَّوج مثلاً: إنْ زنيت فأنت طالق أو إنْ سرقت فأنت طالق، وهو يقصد أنَّها إنْ فعلت شيئاً من ذلك فإنَّه لا يطيقها بغضاً، وإنَّ كراهيته للإقامة معها إنْ قارفت شيئاً من ذلك أشدّ من كراهيته للطَّلاق، فالتَّعليق في مثل هذه الحالة يقع به الطَّلاق عند الجميع أيضاً، والجمهور يسميه: "يميناً بالطَّلاق"، وشيخ الإسلام يراه "يميناً" من حيث الصُّورة، وأمَّا حقيقته عنده فهو: "الطَّلاق بالصِّفة".
وإنَّما موضع النِّزاع في نحو حلف أهل الأسواق يستسلف أحدهم من أخيه مالاً ليردّه في أمد معلوم، فلا يجيبه إلى طلبه مشكّكاً في الوفاء، فيحلف المستسلف: زوجتي طالق إنْ لم آت به، ونحو قول الرجل لزوجته: إنْ خرجت اليوم من البيت فأنت طالق، يريد منعها من الخروج وهو يكره طلاقها، بحيث إنْ رآها عمدت إلى الباب للخروج سبقها فأغلق الباب لئلا تخرج فتطلّق، ففي نحو هذا فقط النِّزاع بين الجمهور القائلين بوقوع الطَّلاق، وشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم القائلين بعدم وقوع الطَّلاق. وعليه فما تقدّم من استدلال الجمهور بإطلاق الآيات في الطَّلاق نحو: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ [البقرة: 229] دون تقييد بصيغة التَّعليق أو التَّنجيز، واستدلالهم ببعض الآثار الواردة عن الصَّحابة في تعليق الطَّلاق نحو قول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ في البخاريّ فيمن طلق امرأته البتة إنْ خرجت، فقال: إنْ خرجت فقد بتّت منه"( ). كُلّ هذا يُعَدُّ دليلاً للجمهور ولشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في مواجهة الظَّاهريّة أو أبي محمد بن حزم في القول بمنع وقوع الطَّلاق بصيغة التَّعليق مطلقاً، وليس أدلة للجمهور في خلافهم مع شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ـ رحمهم الله جميعاً ـ.
وعليه فإنَّ قول العلامة الدّكتور/ وهبة الزُّحيليّ: "إنَّ قول الجمهور أصح دليلاً"، فيه نظر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ في بيان عمدة ما استدلّ به الجمهور، وقد سُئِلَ عمن حلف بالطَّلاق فحنث: "المسألة فيها نزاع بين السَّلف والخَلَف على ثلاثة أقوال: أحدها: أنَّه يقع الطَّلاق إذا حنث في يمينه، وهذا هو المشهور عند أكثر الفقهاء المتأخرين، حتَّى اعتقد طائفة منهم إنَّ ذلك إجماع، ولهذا لم يذكر عامتهم عليه حُجَّة، وحُجَّتهم عليه ضعيفة جداً، وهى: إنَّه التزم أمراً عند شرط، فلزمه ما التزمه، وهذا منقوض بصور كثيرة، وبعضها مجمع عليه كنذر الطَّلاق والمعصية والمباح، وكالتزام الكفر على وجه اليمين، مع أنَّه ليس له أصل يقاس به إلاَّ وبينهما فرق مؤثِّر في الشَّرع، و لا دلَّ عليه عموم نص ولا إجماع"( ).
مقصود شيخ الإسلام بـ "نذر الطَّلاق والمعصية والمباح الذي يعارض دليل الجمهور" نحو: إذا قال المسلم: لله عليَّ أنْ أطلق زوجتي إنْ عدت سالماً إلى أهلي أو لله عليّ أنْ أقتل فلاناً ـ لشخص معصوم الدّم شرعاً ـ أو لله عليَّ أنْ أسير من الكوفة إلى بغداد راجلاً، فكُلّ هذا إذا التزمه المسلم لا يلزمه الوفاء به؛ لأنَّه لا يلزم المسلم من النَّذر إلاَّ نذر طاعة لله. ويُقصد بـ "التزام الكفر على وجه اليمين" نحو قول المسلم: أنا يهوديّ أو نصرانيّ إنْ فعلت كذا، ثُمَّ حنث بفعل ذلك الشَّيء فإنّه لا يصبح يهوديّاً ولا نصرانيّاً بلا خلاف.
وما ذكره شيخ الإسلام دليلاً أوحد للجمهور هو الذي اقتصر عليه ابن رشد ـ رحمه الله تعالى ـ في المقدمات وصدّر به صاحب "متن المهذب"، قال ابن رشد ـ رحمه الله تعالى ـ: "الأصل في وجوب الأيمان بالطَّلاق قول الله عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [المائدة: 1]. يريد: عقد اليمين، وعقد النَّذر، وسائر العقود اللازمة في الشَّرع"( ).
وجاء في "متن المهذب" للشَّافعيّة: "إذا علّق الطَّلاق بشرط لا يحتمل كدخول الدَّار ومجيء الشَّهر تعلَّق، فإذا وجد الشَّرط وقع، وإذا لم يوجد لم يقع، لِمَا رُوِيَ أنَّ النَّبيّ  قال: (المؤمنون عند شروطهم)( )، ولأنَّ الطَّلاق كالعتق... الخ".
فالمعنى الذي قصده ابن رشد من الآية وصاحب "المهذب" من الحديث هو الذي ذكر خلاصته شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ دليلاً للجمهور، وحكم بضعفه، وعارضه بجملة من الصُّور في الشَّرع.
كنت أرى أنَّ مِمَّا يرجِّح قول الجمهور على قول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أنَّ الجمهور استطاعوا إيراد فتاوى للصَّحابة صريحة في لزوم الطَّلاق بالحلف بالطَّلاق، ولم يستطع شيخ الإسلام وتلميذه العثور على فتوى أو قول صريح لبعض الصَّحابة في عدم الاعتداد بالحلف بالطَّلاق، فاضطر إلى القياس على فتواهم بعدم لزوم النَّذر إذا حلف به الرجل فحنث، وإنَّما عليه الكفارة فقط، ثُمَّ وقفتُ على تنبيه لشيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ مفاده أنَّ ما نُقِلَ عن الصَّحابة إنَّما هو إيقاع الطَّلاق بالتَّعليق، الذي يسميه الجمهور: "يميناً بالطَّلاق"، ويسميه هو: "يميناً من حيث الصُّورة وحقيقته الطَّلاق بصفة"، وليس ذلك محل خلاف بينه والجمهور في وقوع الطَّلاق به، ثُمَّ تأملت ما ذكر عن الصَّحابة في أدلة الجمهور، فلم أجد فيه ما يُعِدّه شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ يميناً بالطَّلاق، قال ـ رحمه الله تعالى ـ: "لم يكونوا يحلفون بالطَّلاق، ولهذا لم يُنْقَل عن الصَّحابة نقل خاص في الحلف، وإنَّما نُقِلَ عنهم الكلام في إيقاع الطَّلاق لا في الحلف به. والفرق ظاهر بين الطَّلاق وبين الحلف به، كما يُعرف الفرق بين النَّذر وبين الحلف بالنَّذر، فإذا كان الرجل يطلب من الله تعالى حاجة فقال: إنْ شفى الله تعالى مرضي أو قضى دَيْني أو خلصني من هذه الشِّدة فلله عليَّ أنْ أتصدّق بألف درهم أو أصوم شهراً أو أعتق رقبة، فهذا تعليق نذر يجب عليه الوفاء به بالكتاب، والسُّـنَّة، والإجماع، وإذا علّق النَّذر على وجه اليمين، فقال: إنْ سافرت معكم، إنْ زوجت فلاناً، إنْ أضرب فلاناً، إنْ لم أسافر من عندكم فعليَّ الحج أو فمالي صدقة أو فعليَّ عتق، فهذا عند الصَّحابة وجمهور العلماء هو حالف بالنَّذر، ليس بناذر( ).
لكُلّ ما تقدّم أرى أنَّ هذه المسألة: (وقوع الطَّلاق بتعليق الطَّلاق) إنْ قصد به الحلف ووقع الحنث هذه المسألة مسكوت عنها في الشَّرع، وقول شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم بعدم وقوع الطَّلاق به هو الأقوى دليلاً، والأيسر والأرفق بالأُمَّة، ويعتضد بعموم الحديث : (إنَّما الأعمال بالنِّيَّات)( )، ومن ثَمّ يصبح الطَّلاق المعلَّق نحو: إنْ فعلت كذا فأنت طالق، من كنايات الطَّلاق لا من صريحه، ينظر فيه إلى نيّة الزَّوج ومقصوده، لكن ينبغي لأهل الفتوى الالتفات إلى القرائن التي تحفّ بالقائل للتَّمييز بين ما يُعَدُّ حلفاً في الحقيقة، وما يُعَدُّ إيقاعاً للطَّلاق على الصِّفة، وعدم التَّعويل على إفادة الزَّوج وحده لكثرة الفسوق والجهل، وقلة الورع اليوم في النَّاس، وظنّ الكثيرين أنَّ الح










التوقيع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

أحــكام الحلــف بالطَّـــلاق (دراسة فقهية)

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1



صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات طلاب جامعة جيلالي ليابس سيدي بلعباس :: قسم العلوم الانسانية والاجتماعية :: || منتدى الحقوق~-

 
©phpBB | انشاء منتدى | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | آخر المواضيع