الفصل الرابع
أساليب مواجهة ظاهرة المخدرات
تمهيد وتقسيم
نتعرض فى هذا الفصل لأساليب مواجهة تعاطى المخدرات وظاهرة انتشار المواد المخدرة فى المجتمع من الناحية الدينية والناحية القانونية ( بشقيها الإجرائي والعقابي ) وأخيرا من الناحية الشرطية فى ثلاثة مباحث متتالية على النحو التالي:
المبحث الأول
أسلوب مواجهة ظاهرة المخدرات من الناحية الدينية
موقف الأديان السماوية من المخدرات
إن وقاية الفرد من الوقوع فى خطر الإدمان هو الشغل الشاغل للدعاة ورجال الدين لذا يعتمد أساسا على تعريفه بالوهم الذى يقدمه المخدر . وتحذيره من مضاره الصحية المتعددة. وانه يؤدى إلى تدمير جيل بأكمله . وسنوضح رفض الأديان السماوية لهذا الانحراف .
الإسلام يرفض المخدرات
يتبع الرأى الدينى فى رفض الإدمان ومحاربته من منبع أصيل وهو ذلك التعارض الصارخ والتناقض الكامل بين الإدمان وجوهر الوجود الانسان فى الكون على عقيدة ثابتة وهى أن الانسان هو خليفة الله فى الأرض قال تعالى ( وإذ قال ربك للملائكة انى جاعل فى الأرض خليفة ) ([1]) استخلفه الله عليها لبناءها وعمارتها والقيام بأمورها التى تتفق مع العقل الانسانى . وهو استخلاف لاسبيل للقيام بأعبائه إلا بالعقل السليم . والعقل هو اداة الانسان فى استقبال تكاليف الله وفهمها والعمل بموجبها قال تعالى ( قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لايعلمون، إنما يتذكر أولو الألباب ) ([2]) وبالعقل يؤدى دوره فى بناء وعمارة الكون .ومن هنا كان كل خراب أو تخريب لهذا العقل أو أى مساس به لتغييبه وأى اهدار لسلامة الانسان أو أى فعل يؤدى الى وجود خطر على صحة العقل هو نقضاً لشرع الله تعالى وتعدياً على خلق الله لأن العقل من خلق الله وبيانه . ولذا يكون هذا الفعل منبوذا من قبل الانسان لأنه يجعل وجوده حراما([3]) . ولم يؤد الهدف الذى خلق من أجله وهو خلافة الله فى أرضه . وهو السبب الحقيقى الذى خلق الانسان من أجله القائم على عمارة الكون بواسطة العقل السليم الصحيح الذى يكون أهلا لتلقى التكليف الإلهى والعمل بموجباته .
ولذا حذر الله تعالى فى كتابه العزيز من الخمور وتعاطيها وهى احدى مذهبات العقل استجابة للفاروق عمر بن الخطاب حين قال " اللهم اجعل لنا فى الخمر بيانا شافيا " فأنزل الله تعالى فى كتابه ( ياأيها الذين أمنوا انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ، انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فان توليتم فاعلموا انما على رسولنا البلاغ المبين ) ([4])
ويقول ابن رشد عن ذلك .
انه قد وجب ان كل ما وجدنا فيه علة الخمر يلحق بالخمر " قياسا " والقياس مصدر من مصادر التشريع الاسلامى " فيحرم " أكل البانجو والحشيش والأفيون . وذلك كله حرام لأنه يفسد العقل حتى يصير الرجل صاحب خلاعة وفساد وبعيدا عن ذكر الله والصلاة .
ويقول أيضا فى ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية :- ان الحشيش من أعظم المنكرات وهو أشد من الخمر وأخبث لأنه يفسد العقل .
وهكذا فان الرأي الصحيح الذي لايعتريه شك فى الدين الاسلامى هو أن تعاطى المخدرات حرام حرمة تزيد وتشتد عن حرمة الخمر كما ذهب شيخ الاسلام ابن تيميه ، لأن ضرره على الانسان أشد وأنكى . وهى اذهب لعقله وصحته ودوره فى الوجود من أى منكر أخر .
المسيحية ترفض المخدرات
وكما ذكرنا موقف الدين الاسلامى وتعاليمه من المخدرات فان الدين المسيحيى هو أيضا يرفضها تماما.
لأن العقيدة واحدة تدعوا الى مكارم الأخلاق واعتبرت المسيحية الإدمان كأي خطيئة تتسلل إليه كما لو كانت أمرا صغيرا ثم تصبح قيدا شديدا لا يمكن التخلص منه إلا بصعوبة . ولذلك نرى الكتاب المقدس يحذر بقوله ( ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته ثم الشهوة إذا صلبت تلد خطية والخطية اذا اكملت تنتج موتا ) ([5])
واخطر ما فى الامر انه عندما يتم عرضها لأول مرة تكون واعدة بالحرية ولكن مدمنها يصير أسيرا لها فى عبودية مره .
(واعدين اياهم بالحرية وهم أنفسهم عبيد الفساد لأن ما انغلب منه أحد فهو له مستعبدا أيضا)([6]) والكتاب المقدس يمنع الانسان من الاقتراب من هذا اللهب الحارق للنفس وللجسد لأن فى هذا الاقتراب خسارة فى الدنيا والآخرة .
( لا تنظر إلى الخمر إذا احمرت حين تظهر حبابها فى الكأس وساغت مرقرقه ، فى الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان ) ([7])
( الخمر مستهزئة والمخدر عجاج والترنح به ليس حكيم ) ([8])
( لاتكن بين شاربى الخمر ، بين المتلفين لأجسادهم ، لأن السكير والمدمن يفتقران ) ([9])
( خمرا ومسكرا ، لاتشرب أنت وبنوك معك ) ([10])
ويوضح الكتاب المقدس ان الذين يدمنون الخمر والمخدرات من الفئات التى لاتدخل الجنه وتفقد الحياة الابدية فيقول .
( لاتضلوا ، لازناة ولاعبدة أوثان ولافاسقون ولامأبونون ولا مضاجعون ذكورا ولا سارقون ولاطامعون ولا سكيرون ولامدمنون ولا شتامون ولا خطافون يرثون ملكوت الله ) ([11]).
(والاختيار الآن فى يد الانسان . أشهد عليكم السماء والأرض ، قد جعلت قدامك الحياة والموت البركة واللعنة فاختر الحياة لكى تحيا أنت وتسلك )
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) سورة البقرة الآية رقم 3.
([2]) سورة الزمر الآية رقم 9
([3]) د. زكريا البري، أصول الفقه الإسلامي، القاهرة، دار النهضة ، 1982.
([4]) سورة المائدة ، الآية رقم 9. وما بعدها.
([5]) (يعقوب 1: 14: 15).
([6]) ( 2 بط 2: 9).
([7]) (أم 23: 31)
([8]) (أم 1.: 1).
([9]) (أم 23: 2.).
([10]) ( لا 1.: 9).
([11]) ( تثنية 3.: 19).