الفرع الثالث: الحقوق الفكرية أو حقوق الإبتكار
لم يعد تقسيم الحقوق
المالية التقليدية إلى شخصية وعينية يستوعب الآن كل الحقوق المالية، بعد أن
ظهر نوع ثالث من حقوق المالية هو حق المؤلف على مصنفاته الأدبية أو
الفنية: كتب و أشعار، وحق المخترع على اختراعه، وحق التاجر في الإسم
التجاري والعلامة التجارية، فإنّ لهؤلاء حقا في الإحتفاظ بنسبة ما اخترعوه
أو انتجوه إليهم، وفي احتكار المنفعة المالية التي يمكن استغلالها من نشره
وتعميمه. وهذا النوع من الحقوق المالية أوجدته أوضاع الحياة المدنية
والإقتصادية والثقافية الحديثة، ونظمته القوانين الحديثة والإتفاقات
الدولية، يسميه بعض القانونيين: الحقوق الأدبية. ولاشك أن هذه التسمية تضيق
ولا تتلاءم مع كثير من أفراد هذا النوع، كالعلامات التجارية، وبراءة
الإختراع، وعناوين المحال التجارية، ممّا لا صلة له بالأدب والنتاج الفكري.
ونرجح تسميتها بحقوق الإبتكار فيشمل بحقوق الحقوق الأدبية كحق المؤلف في
استغلال كتابه، والصحفي في امتياز صحيفته، كما يشمل الحقوق الصناعية
والتجارية ممّا يسمونه اليوم بالملكية الصناعية، كحق المخترع، ومبتدع
العلامة التجارية،ومبتكر العنوان التجاري الذي أحرز الشهرة..
وقد
عرّف القانونيون الحق المعنوي بأنه سلطة لشخص على شيء غير مادي هو ثمرة
فكره أو خياله أو نشاطه كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية و حق الفنان في
مبتكراته الفنية و حق المخترع في مخترعاته و حق التاجر في الاسم التجاري و
العلامة التجارية و ثقة العملاء. والغرض من إقرار هذه الحقوق هو تشجيع
الإختراع والإبداع، كي يعلم من يبذل جهده فيهما أنه سيختص
باستثمارهما،وسيكون محميا من الذين يحاولون أن يأخذوا ثمرة ابتكاره
ويزاحموه في استغلالها. وفي الشريعة الإسلامية متسع لهذا التدبير عملا
بقاعدة المصالح المرسلة في ميدان الحقوق الخاصة.
وللحقوق
الفكرية أو حقوق الإبتكار جانبان: أحدهما أدبي أو معنوي، والآخر مادي أو
مالي، فهو حق ذو طبيعة مزدوجة، والجانب الأدبي منه وثيق الصلة بالشخص، فله
وحده حق اطلاع الناس على أفكاره أو حبسها عنهم وتعديلها، وأن تنسب إليه دون
غيره، وهذا الجانب يعتبر من حقوق الشخصية كحق الإنسان في سلامة جسمه
وشرفه، فلا يقوّم بمال ولا يقبل التصرف فيه ولا الحجز عليه. والجانب المالي
هو حقه في الإفادة ماليا ممّا يجيء ثمرة أفكاره أو حقه في احتكار
استغلالها، وهذا الجانب يعتبر حقا ماليا لأنه يقبل التقويم بالمال والتصرف
فيه وينتقل من شخص لآخر أثناء حياته أو بعد وفاته.
وهذا النوع من
الحقوق وإن كان حقا ماليا إلاّ أنّه يصعب ادماجه تحت أحد نوعي الحقوق
المالية التقليدية، فلا يدخل في الحقوق العينية لأنه لا يرد مثلها مباشرة
على شيء مادي معين، فضلا عن أنه حق مؤقت، كما أنه لا يدخل في الحقوق
الشخصية لأنه لا يفرض تكليفا خاصا على شخص معين آخر غير صاحب الحق.
وقد نصّ القانون المدني الجزائري في المادة 687 منه على أن" تنظم قوانين خاصة الحقوق التي ترد على أشياء غير مادية".