[right]المـقدمـة
أصبحت الجريمة المنظمة بعناصرها الجديدة تمثل خطرا كبيرا يواجه الدول كافة ، سواء كانت دولاً متقدمة أو نامية ، فبالرغم من أن الجريمــــــة المنظمة تعتبر ظاهرة قديمة كان يطلق عليها فـي السابق جماعات المافيا سواء كانـت مافيا إيطالية أو أمريكية أو روسية إلا أن أخطارها كانت قليلة نسبيا وتستهدف دول محددة.
ولكن في السنوات الأخيرة ومع نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة وما شهده العالم مـن تغيرات كثيرة اقتصاديــة وسياسية واجتماعية وانفتاح اقتصادي وحريـة للتجارة وتلاشي معظم حـدود الدول (كالاتحاد الأوروبي) وسهولة تنقل الأشخاص والبضائع بين الدول ليصبح العالم قرية واحدة كل ذلك أدى إلى تطور الجريمة المنظمة وانتشارها لتصبح عابرة للحدود الوطنية وخطراً يهـدد معظم دول العالم ، ولاسيما الدول النامية كالـدول العربية وذلـك لقيامها بتقديم التسهيلات الاقتصادية كافة لجذب رؤوس الأموال والمستثمرين وهو ما يكون على حساب رقابة مصدر هـذه الأموال ،
إضافة إلى استغلالها لتطور وسائل الاتصال الحديثة كالانترنت والأقمار الصناعية لصالح أنشطتها وجرائمها التي تسعى من ورائها إلى تحقيق الربح ، كتجارة المخدرات والسلاح والآثار والتحف والاتجار بالأشخاص والأعضاء البشرية وغسيل الأموال وغيرها من الجرائم .
ولا يقتصر اثر الجريمة المنظمة على الصعيد الدولي بل يتعداه ليهـدد الأمن والاستقرار داخل الدول وذلك لعدم ترددها في استخدام وسائلها لتحقيق أغراضها من عنف وتهديد ورشوة ، وهو ما يؤدي إلى فشل النظام السياسي والإداري في الدولة ، فضلا عـن نشرها الفساد بين أفراد المجتمع .
كما تقوم عصابات الجريمة المنظمة بتوظيف الأموال الطائلة التي تحققها في السيطرة على الاقتصاد أو على قطاع منـه، وتخفي أنشطتها غير المشروعه بالاستعانة بذوي الخبرة في مختلف المجالات كالقانون والاقتصاد والمحاسبة وهو ما يؤدي في النهاية إلى التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية فـي الدول ، وزعزعة الأمن والاستقرار فيها وبالأخص في الدول النامية وهذا ما جعل دول العالم وهيئة الأمم المتحدة تعطي لهذه الجريمة أهمية كبيرة .
وسنقسم هذا البحث إلى فصل تمهيدي نتناول فيه تعريف الجريمة المنظمة وخصائصها وأهدافها وآثارها ، وفصلين آخرين نتناول في الفصل الأول بعض جرائم عصابات الجريمة المنظمة ، والتي تمس أمن المشرع الكويتي كغسيل الأمـوال والاتجار بالرقيق والإرهاب وعلاقة ذلك بالجريمة المنظمة
وفي الفصل الثاني والأخير سنتناول الجهود الدولية والتعاون القضائي في مكافحة الجريمة المنظمة .
الفصل التمهيدي
مفهوم الجريمة المنظمة وخصائصها وأهدافها وآثارها
تعتبر الجريمة المنظمة شكلا من أشكال الإجرام الجسيم الذي يشكل تحديا خطيرا لأجهزة العدالــة الجنائيـة فـي العديد مـن بلدان العالم ، حيث أصبحت الجريمة المنظمة بعناصرها الإجرامية الجديدة تجني أموالا طائلة غالبا ما تكون من مصادر غير مشروعـة كالاتجار بالمخدرات أو الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل أو استغلال النساء والأطفال أو غسيل الأموال وإدخالها في إطار الاقتصاد المشروع لتصبح أموالا مشروعة وغيرها من الأنشطة الإجرامية ، وهو ماجعل قوة الجريمة المنظمة تزداد يوما بعد يوم ولم تعد مقتصرة على الدول الفقيرة بل أصبحت آثارها تطال الدول الغنية ، مما جعل هـذه الجريمة أحد المشاكل الرئيسة والهامة التي تواجـه المجتمع الدولي.
ولذلك فـي هــذا الفصل سنتناول. تعريف الجريمة المنظمة في المبحث الأول ومـن ثم نبين خصائصها وأهدافها في مبحث ثان ومن ثم سنتناول آثارها في مبحث ثالث .
الـمبـحـث الأول
مـفـهـوم الـجـريـمـة الـمنـظـمـة عـبـر الــوطـنيــة
على الرغم من الخطورة البالغة للجريمة المنظمة ومع تعدد الدراسات التي تناولت ظاهرة الإجرام المنظم سواء كانت هذه الدراسات على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي إلا انه لا يوجد حتى الآن تعريف جامع متفق عليـه لهذه الجريمة وذلك بسبب تعدد أنواع وأشكال الجريمة المنظمة .
وبناء عليه سوف نتناول التعريف اللغوي ، وبعض آراء الفقه في المطلب الأول ، كما سنتناول الجهود والمساعي الدولية لتعريف الجريمة المنظمة في المطلب الثاني.
المـطلـــب الأول
الـمـفهـوم اللغـوي والفقـهي
أولا التعريف اللغوي:
تفيد كلمة الجريمة والجرم لغة: الذنب ، تقول منه ( جرم و أجرم و اجترم ) والجِِرم بالكسر للجسد وقولة تعالى( ولا يجرمنكم شنآن قوم )
أي لايحملنكم و ( تجرم) علية أي ادعى علية ذنبا لم يفعله .
كما يطلق لفظ الجريمة على المخالفة القانونية التي يقرر القانون لها عقاباً بدنيا أو معنوياً.
أما كلمة المنظمة فهي مشتقة من ( نظم) اللؤلؤ جمعه في السلك ومن( نظم) الشعر و( الانتظام) الاتساق ويفيد فعل نظم التدليل على الوضع أو الحالة التي تكون عليها الجماعة أو الاتحاد الذي تجمعت إرادة الأعضاء فيه على تحقيق أغراض معينة .
ثانيا التعريف الفقهي:
توالت الجهود الفقهية للبحث عن صيغة مثلى لتعريف هذه الجريمة لذلك تعددت التعريفات التي يتميز كل منها بالتركيز على عنصر قانوني من عناصر الجريمة المنظمة بهدف تيسير الأمر للسلطات التشريعية والقضائية .
ومن هذه التعريفات التعريف بأنها الظاهرة الإجرامية التي يكون وراءها جماعات معينة تستخدم العنف أساسا لنشاطها الإجرامي وتهدف إلى الربح ، وقد تمارس نشاطها داخل إقليم الدولة أو تقوم بأنشطة إجرامية عبر وطنية ، أو تكون لها علاقات بمنظمات متشابهة في دول أخرى .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن كون الجريمة المنظمة عابرة للأوطان هو صفة قد تلحق بالجريمة المنظمة وقد لاتلحق بها فإن توافرت هذه الصفة اعتبرت الجريمة المنظمة عبر وطنية وإن لم تتوافر اعتبرت جريمة منظمة ترتكب داخل حدود الدول .
كما حددت المادة (3) فقرة (2) من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والموقعة في باليرمو من عام 2000م متى تعتبر الجريمة المنظمة عبر وطنية، حيث تكون الجريمة المنظمة عبر وطنية ، إذا ارتكبت في أكثر من دولة أو إذا تم التخطيط أو الإعداد أو الإشراف في دولة وارتكبت في دولة أخرى ، أو إذا ارتكبت في دولة وارتكبتها جماعة إجرامية منظمة تمارس نشاطها الإجرامي في أكثر من دولة أو إذا ارتكبت في دولة وكان لها آثار شديدة في دولة أخرى.
كما عرفت الجريمة المنظمة بأنها فعل أو أفعال غير مشروعة ترتكبها جماعة إجرامية ذات تنظيم هيكلي متدرج ، وتتمتع بصفة الاستمرارية ويعمل أعضاؤها وفق نظام داخلي يحدد دور كل منهم ، ويكفل ولاءهم وإطاعتهم للأوامر الصادرة من رؤساهم وغالبا ما يكون الهدف من هذه الأفعال الحصول على الربح ، وتستخدم الجماعة الإجرامية التهديد أو العنف أو الرشوة لتحقيق أهدافها كما يمكن أن يمتد نشاطها الإجرامي عبر عدة دول .
ويعرفها البعض بأنها مشروع إجرامي يقوم على أشخاص يوحدون صفوفهم للقيام بأنشطة إجرامية دائمة ومستمرة ، ويتميز هذا التنظيم بكونه يشبه البناء الهرمي وتحكمه لوائح ونظم داخلية لضبط سير العمل داخله في سبيل تحقيق أهدافه بإستخدام وسائله من عنف وتهديد وابتزاز ورشوة لإخضاع وإفساد المسؤلين سواء في أجهزه إدارة الحكم أو أجهزة إدارة العدالة وفرض السيطرة عليهم بهدف تحقيق الاستفادة القصوى من النشاط الإجرامي ، سواء كان ذلك بوسائل مشروعة أو غير مشروعة .
كما عرفت على أنها جريمة جماعية لايرتكبها شخص واحد ، تهدف إلى تحقيق أرباح مادية من خلال ممارستها لعدد من الأنشطة المشروعة وغير المشروعة واستخدامها للعنف أو التخويف أو أي أدوات ترغيب أخرى كدفع الرشاوى وتقديم الخدمات لمن يتعاون معها في تحقيق أهدافها الإجرامية ، فضلا عن النظام الصارم الذي يقوم عليه هيكلها الداخلي .
المـطلـب الـثـاني
الجهود الدولية لتعريف الجريمة المنظمة
تعددت الجهود الدولية لتعريف الجريمة المنظمة وسنتناول فيما يلي أهم الجهود التي قيل بها في هذا الصدد:-
(1) تعريف الأنتربول للجريمة المنظمة:
انتهت الندوة الأولية التي عقدها الأنتربول حول الجريمة المنظمة بفرنسا في (مايو من سنة 1988م) إلى تعريف الجريمة المنظمة بأنها جماعة من الأشخاص تقوم بحكم تشكيلها بارتكاب أفعال غير مشروعة بصفة مستمرة ، وتهدف بصفة أولية إلى تحقيق الربح ، ولو تجاوزت أنشطتها الحدود الوطنية .
إلا أن هذا التعريف وردت علية ، ملاحظات من عدة دول ، كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا ، حيث انه لم يشر إلى استخدام العنف لتحقيق أهداف الجماعة المنظمة ، مما جعل الأنتربول يعيد تعريفه للجريمة المنظمة ويضيف شرطاً في تكوين الجماعة المنظمة وهو الهيكل التنظيمي ويضيف عنصراً جديداً وهو الاعتماد غالبا على التخويف والفساد في تنفيذها لأهدافها .
(2) تعريف الاتحاد الأوروبي للجريمة المنظمة :
وضعت في( سنة 1993) مجموعة مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة بالاتحاد الأوروبي تعريفا للجريمة المنظمة بأنها (جماعه مشكلة من أكثر من شخصين تمارس نشاطاً إجراميا بارتكاب جرائم جسيمة لمدة طويلة أو مدة غير محددة ويكون لكل عضو فيها مهمة محددة في إطار التنظيم الإجرامي ، وتهدف للحصول على السطوة أو تحقيق الأرباح وتستخدم في ارتكابها الجريمة العنف والتهديد ، والتأثير على الأوساط السياسية والإعلامية والاقتصادية والهيئات القضائية .
(3) تـعـريـف المـؤتمـر الـدولي الـسـادس عشر:
اهتم المؤتمر الدولي السادس عشر والمنعقد في( بودابست في سبتمبر من عام 1999م ) بتحديد عدة خصائص تتوافر في الجريمة المنظمة يسبقها شرط ضروري هو الهدف من الجريمة وهو الحصول على الربح أو الوصول إلى السلطة أو الاثنين معا ، وذلك من خلال استخدام مستوى عال من التنظيم .
وتتمثل هذه الخصائص فيما يلي:
1- تقسيم العمل داخل التنظيم
2- تكييف أعضاء التنظيم مع أهدافه
3- السرية
4- الخلط بين الأنشطة المشروعة وغير المشروعة
5- تفادي تطبيق القانون من خلال التخويف والفساد
6- القدرة على نقل الأرباح .
(4) تعريف الأمم المتحدة للجماعة الإجرامية المنظمة:
بسبب الخطر العالمي الذي تمثله الجريمة المنظمة أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والتي عرفت هذه الجريمة في مادتها الثانية بأنها جماعه ذات هيكل تنظيمي تتألف من ثلاثة أشخاص فأكثر ، موجودة لفترة من الزمن وتعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية ، من اجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى .
وبالنظر إلى التعاريف السابقة نستخلص أن تعريف الجريمة المنظمة عبر الوطنية يعتمد على تحديد عدة عناصر ، وهي أن ترتكب الجريمة من مجموعة أشخاص يجمعهم تنظيم هرمي محدد بهدف تحقيق الربح بممارستها لأنشطة مشروعة وغير مشروعة وغالبا ماتستخدم التهديد والعنف والرشوة إضافة إلى إمكانية امتداد أنشطتها إلى خارج حدود الدولة.
المـبحـث الـثـانـي
خـصائـص وأهداف الجـريمـة المـنظـمـة
يتضح لنا من تعريف الجريمة المنظمة عدة أشياء تبين لنا خصائصها ، فالجريمة المنظمة تضم مجموعة أفراد لكل منهم دور محدد ، الأمر الذي يعني أن هذه الجريمة من قبيل الجرائم الجماعية التي يشترك عدد من الناس في التحضير لها وارتكابها ، وتستخدم العنف والإرهاب لتحقيق أهدافها التي تسعى إليها بالطرق المشروعة وغير المشروعة كافة .
وتأتي الخطورة في هذه الجريمة من كون القائمين عليها من رؤساء ومخططين ومنظمين يحصنون أنفسهم مما يجعل من الصعب مواجهتهم بالوسائل التقليدية لمكافحة الجريمة مالم يتم العلم بما يميز هذه الجريمة من خصوصية .
لذلك سنتناول في هذا المبحث خصائص الجريمة المنظمة في المطلب الأول كما سنتناول أهداف الجريمة المنظمة في المطلب الثاني.
المــطلــب الأول
خصائص الجريمة المنظمة
أولا: من حيث الهيكل والبنيان:
(1) عدد الأعضاء
اشترطت بعض التشريعات عدداً معيناً من الأشخاص لكي توصف الجماعة الإجرامية على أنها منظمة ، مثل قانون العقوبات الإيطالي وتعريف الاتحاد الأوروبي والذي اشترط أن تكون الجماعة مكونه من ثلاثة أشخاص فأكثر لكي توصف بأنها جماعة إجرامية منظمة .
في حين أن هناك عدداً من التشريعات لم تضع عدداً معيناً من الجناة حتى توصف الجماعة الإجرامية على أنها منظمة مثل القانون الفرنسي والألماني .
واشترطت اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في المادة الثانية أن تكون الجماعة مؤلفه من ثلاثة أشخاص فأكثر لكي توصف بأنها منظمة وهو في نظرنا العدد اللازم لكي توصف الجماعة الإجرامية بأنها منظمة نظرأً لما يقتضيه البناء الهيكلي للجماعة.
( 2) الـتنـظـيـم:
يعتبر التنظيم الصفة الرئيسة للجريمة المنظمة عبر الوطنية ويقصد به : ترتيب وتنسيق وجمع الأعضاء داخل بنيان أو هيكل شامل ومتكامل قادر على القيام بأعمالها الإجرامية ،ويكفل هذا التنظيم خضوع الأعضاء إلى نظام سلطوي رئاسي ، بحيث يكون الأعضاء تحت قيادة زعيم أو قائد أو لجنة عليا تكون مسئولة عن اتخاذ القرارات وتوجيه الأعضاء لتحقيق أهداف الجماعة الإجرامية ، كما يتيح التنظيم لأعضاء الجماعة الإجرامية علاقة تكون قائمة على التدرج في القوة طبقا لمدى كفاءة تنظيمها. لذلك تتميز الجماعة المنظمة بتوزيع العمل بين أعضائها وهذا التوزيع هو من أنماط ظاهرة الإجرام المنظم ولا يشترط أن يتخذ الهيكل التنظيمي شكلاً معيناً أو أن يعلم كل عضو باختصاص أو أدوار بقية الأعضاء ، لذلك عادة ما تكون هذه الهياكل التنظيمية سرية .
(3) التخطيط:
يعتمد أسلوب العمل داخل عصابات الجريمة المنظمة بالدرجة الأولى على التخطيط ، بحيث لا تعتمد على عمل شخص واحد بل على عمل جماعي يقوم على تقسيم الأدوار بدءا من الإعداد حتى التنفيذ ، حيث تقوم بدراسة ماهو متوافر من إمكانيات ووضع خطط دقيقة لتنفيذها بكفاءة ، وتستعين لأجل ذلك بذوي الخبرة والاختصاص في المجالات والتخصصات المختلفة والتي تفيدها ، سواء كانت إدارية أو قانونية أو اقتصادية أو حتى سياسية وذلك بهدف تطوير أسلوب عملها وتنمية قدراتها .
(4) البناء الهرمي المتدرج:
يعتبر الهيكل التنظيمي الهرمي من الخصائص المهمة التي تميز معظم المنظمات الإجرامية ، وهو مايجعل من الاستحالة ضبط قادة هذه المنظمات متلبسين بارتكاب عمليات إجرامية ، كما يجعل من الصعب إثبات ارتباطهم بأية أنشطة إجرامية محددة .
ويختلف هيكل تلك الجماعات باختلاف نشاطها وطبيعتها والبيئة الثقافية التي تنبع منها ، فهناك الجماعات المؤلفة من عدد من العائلات والتي يكون لها تسلسل هرمي وهي تشبه في ذلك النقابات ، مع ملاحظة أن اختيار الأعضاء في السابق كان يتم على أساس عائلي ، ولكن في الوقت الحالي هناك تنظيمات إجرامية تضم مجرمين من أصحاب السوابق دون أن يكون الأساس العائلي ضروريا ، كما أن هناك جماعات تقوم على أساس عرقي ، ويكون الانتساب فيها على هذا الأساس .
ويحكم هذا البناء نظام صارم لا يعرف الرحمة أو التسامح وهو ماعبر عنه البعض بقاعدة الصمت ، حيث يلتزم أعضاؤها لأجل خدمة أغراضها بعدم إفشاء الأسرار والولاء التام حتى الموت .
ثانيا من حيث طبيعة النشاط:
(1)الاحـتـراف:
يعتبر الاحتراف من أخطر نماذج العمل الإجرامي ، حيث عادة ما يكون أعضاء الجماعة الإجرامية المنظمة من فئة المحترفين في ارتكاب الجرائم ، ويملك هؤلاء المحترفون مهارة وقدرة فائقة ودناءة في تنفيذ الأعمال الإجرامية وقد يصل هذا الاحتراف إلى تخصص أعضاء المنظمات الإجرامية في نشاط معين بحيث يكون كل تنظيم إجرامي متخصصاً في ارتكاب جرائم معينه ، فتجد من هو متخصص في المخدرات أو الرقيق أو السلاح وغيرها من الجرائم المختلفة التي تمارسها تلك المنظمات ، وتجد أن معظم الذين لا يملكون هذه الصفة سرعان ما ينكشف أمرهم ويجدون أنفسهم في قبضة العدالة .
(2)الاسـتمـراريـة:
يقصد بالاستمرارية : استمرار عمل المنظمة بغض النظر عن حياة أي فرد فيها حتى ولو كان رئيسا وهو ما يعني أن الرؤساء الذين يتوفون يأتي بدلا منهم رؤساء جدد ، لذلك تستمد هذه التنظيمات الإجرامية صفة الاستمرارية من نشاطها وليس حياة أعضائها ورؤسائها ، لأن العبرة في استمرارية الجماعة الإجرامية المنظمة هي مباشرتها لأنشطتها المشروعة وغير المشروعة وليس حياة أي فرد فيها .
(3) استـخـدام الـعنـف:
عادة ماتقوم التنظيمات الإجرامية باستخدام العنف أو التهديد باستخدامه ويصل هذا العنف في أغلب الأحوال إلى القتل أو خطف الأشخاص وهي قد تمارس هذا العنف على الأشخاص العاديين لإخضاعهم لسيطرتها أو تجاه أعضاء التنظيم الذين يخالفون الأوامر سواء بإبلاغ السلطات العامة أو الحصول على منفعة شخصية على حساب أعضاء التنظيم كما يمكن أن تمارسه على المنافسين الجدد من التنظيمات الإجرامية الأخرى والتي تدخل مناطق تخصص أو نفوذ العصابة ، ولا يقتصر عنف هذه التنظيمات على الأشخاص بل يمتد إلى ذويهم وممتلكاتهم كما تمارس الجماعات الإجرامية المنظمة عنفها على كل من يشكل عقبة في طريقها لتحقيق أغراضها المشروعة وغير المشروعة .
المـطلـب الـثـانـي
أهداف الجريمة المنظمة
(1) الــربــح:
يعتبر هدف الربح هو الدافع والمحرك الأساسي لأعضاء الجريمة المنظمة ، وهو ما يميزها عن غيرها من التنظيمات الإجرامية ويجعلها تمارس نشاطاتها المشروعة وغير المشروعة والتي تدر الأرباح الطائلة كتجارة المخدرات والسلاح والاتجار بالبشر ، ولا توجد حتى الآن إحصائيات وأرقام مؤكدة تقدر حجم الأرباح الهائلة التي تحققها هذه التنظيمات على مستوى الدولة ، إلا أن بعض الخبراء الدوليين يؤكدون أن قيمة هذه الأرباح تتراوح بين (300 إلى 500 بليون دولار) في العام الواحد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه قد يتم استثمار هذه الأموال في مشاريع مشروعة مثل الفنادق والمطاعم .
(2)الدخول في تحالفات استراتيجية:
بسبب زيادة الأعمال الإجرامية التي تمارسها المنظمات الإجرامية في مناطق متعددة من العالم كان لابد لهذه التنظيمات أن تدخل في تحالفات استراتيجية بين بعضها وذلك من خلال إبرام اتفاقيات فيما بينها حتى تحمي نشاطها الذي تمارسه في الدول الخاضعة إلى نفوذ تنظيم إجرامي آخر أو تنظيم عمليات التسويق لما تنتجه من مواد مشروعة وغير مشروعة وكان لهذه التحالفات الإستراتيجية الأثر في تعزيز قدرتها على المواجهات الأمنية والقضاء على العنف الذي كان دائرا بينها بالاضافه إلى الشراكة في اقتسام الأرباح والخسائر .
هذه خصائص الجريمة المنظمة والتي تميزها عن غيرها من الجرائم لما حققته لها من نفوذ وقوة وذلك لقيامها على أسس قوية أدت إلى تماسك بنيانها الداخلي وأسهمت في تفاقم خطرها والأضرار الناجمة عنها.
المـبحث الـثـالـث
آثار الجريمة المنظمة
أصبحت الجريمة المنظمة عبر الوطنية تمثل أحد الأخطار التي تهدد الأمن ، والاستقرار على المستويين الدولي والوطني ، وذلك بسبب مايصدر عنها من أعمال تؤدي إلى ضعف مؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، فضلا عما تسببه من فقدان الثقة في العملية الديمقراطية ، لتأثيرها على أصحاب النفوذ السياسي.
ولا يقتصر أثرها على المستوى الوطني بل يتعداه إلى المستوى الدولي لما تقوم به من أنشطة غير مشروعه عابره للحدود الوطنية .
إذاً: الجريمة المنظمة عموما والجريمة المنظمة عبر الوطنية على وجه الخصوص تمثل أثارهما خطرا كبيرا على جميع دول العالم وذلك لاستغلالهما سهولة التنقل بين دول العالم فضلا عن العولمة وحرية التجارة.
وسنتناول في هذا المبحث آثار الجريمة المنظمة على المستويين الدولي والوطني على النحو التالي:
المطلب الأول: آثار الجريمة المنظمة على المستوى الدولي
المطلب الثاني: آثار الجريمة المنظمة على المستوى الوطني