[right]آثار الجريمة المنظمة على المستوى الدولي
تمثل الجريمة المنظمة عبر الوطنية على المستوى الدولي خطراً على سيادة الدولة واستقرارها الأمني من خلال قيام عصابات الجريمة المنظمة باختراق سيادة الدول على أراضيها عن طريق أنشطتها غير المشروعة سواء كانت تعتبر هذه الدول ممراً لأنشطتها أو هدفاً رئيساً لها وهو مايستلزم اختراق أجهزة هذه الدول القانونية والإدارية وغيرها للمحافظة على أنشطتها .
كما أصبحت الجريمة المنظمة تهدد كيان الدول واستقلالها ، فنظرا للأموال الطائلة التي تحققها من أنشطتها المشروعة وغير المشروعة وتنظيمها الدقيق وقدرتها على اختراق أجهزة الدولة مماقد يولد دولة غير شرعية داخل دولة. وقيل : أن الجريمة المنظمة دولة داخل دولة .
فضلا على أنها قد تؤثر الجريمة المنظمة على العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول . حيث ساعدت العولمة والانفتاح الاقتصادي بين الدول على ظهور عصابات للجريمة المنظمة تمارس أنشطتها متخفية وراء شركات دولية مما يؤثر على العلاقات بين الدول .
المـطلـب الـثـانـي
آثار الجريمة المنظمة على المستوى الوطني
للجريمة المنظمة آثار كبيرة على المستوى الوطني سواء كانت من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو حتى على مستوى الأفراد ومن هذه الآثار:-
الـنـاحـيـة الاقـتـصاديـة :
تقوم عصابات الجريمة المنظمة على المستوى الاقتصادي ، بالسيطرة على قطاع ما من الاقتصاد أو على الاقتصاد بأكمله وذلك بسبب ماتملكه من مبالغ طائلة ، فضلا عن قيامها بالسيطرة على المسئولين في القطاع الخاص عن طريق الرشوة أو الابتزاز ، وكذلك تقوم عصابات الجريمة المنظمة بالتهرب الضريبي والتشجيع على المعاملات المشبوهة ، كما تقوم بعمليات غسيل الأموال لإخفاء مصادر أموالها غير المشروعة وهو ما يؤدي في النهاية إلى الخسائر الاقتصادية على مستوى الأفراد والشركات وحتى على مستوى الاقتصاد بأكمله .
مـن الـنـاحـيـة الـسـياسـية:
تؤدي الجريمة المنظمة على المستوى السياسي إلى فقدان الثقة في العملية الديمقراطية ، لقيامها بالسيطرة على هذه العملية وإفسادها عن طريق رشوة وابتزاز المسئولين وأصحاب القرار السياسي في الدولة ، واختراق الأحزاب والتنظيمات السياسية للوصول للسلطة والحفاظ على مصالحها مما يؤدي في النهاية إلى تشويه العملية الديمقراطية وسقوط الأنظمة السياسية في هذه الدول .
من الـنـاحـيـة الاجـتمـاعـيـة:
تؤدي الجريمة المنظمة إلى تفشي الفساد بين أفراد المجتمع ، وانتشار الرشوة وظهور اللاأخلاقيات وضياع القيم مما يؤدي إلى هدم كيان الأسرة وتفكيكها إضافة إلى ما تسببه أنشطة الجريمة المنظمة كتجارة الرقيق من إهدار لآدمية الإنسان وكرامته وتفش للأمراض كما تؤدي تجارة المخدرات إلى تدمير المجتمع وبالأخص فئة الشباب .
بالإضافة إلى فقدان الأمن وانتشار العنف نتيجة ضعف الأجهزة الأمنية في مواجهة الجريمة المنظمة .هذه لمحة بسيطة عن آثار الجريمة المنظمة والتي توضح لنا مدى خطورة هذه الجريمة على الصعيدين الدولي والوطني.
الفصل الأول
صور بعض الجرائم المنظمة
تتعدد صور الجريمة المنظمة بحيث لايمكن حصرها ، و قد عبرت الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية عن صور بعض الجرائم المنظمة على سبيل المثال لا الحصر وهي الاتجار بالأشخاص وتزييف الأموال والاتجار غير المشروع بالأسلحة والمتفجرات والاتجار بالسيارات المسروقة وإفساد الموظفين العموميين.
ونظرا لكثرة هذه الجرائم فإننا سنتناول ثلاث جرائم ، وقد راعينا في اختيار هذه الجرائم مايمس أمن المشرع الكويتي ، وعرضها بشكل موجز دون تعمق ، نظرا لأن كل جريمة من هذه الجرائم تحتاج إلى دراسة كاملة.
لذلك فإن هذا الفصل سوف نتناول فيه صور بعض الجرائم المنظمة على النحو الآتي:
المبحث الأول: غسيل الأموال وعلاقته بالجريمة المنظمة
المبحث الثاني: تجارة الرقيق وعلاقته بالجريمة المنظمة
المبحث الثالث: الإرهاب والجريمة المنظمة
المبحث الأول
غسيل الأموال وعلاقته بالجريمة المنظمة
يعتبر تحقيق الربح المالي هو الهدف الأساسي والرئيسي للجرائم المنظمة الوطنية والعابرة للحدود الوطنية كما يعتبر الدافع الأول لكل صور الإجرام المنظم ، إلا أن الاحتفاظ بهذا القدر الكبير من الأرباح المتحصلة من مصادر غير مشروعة لا يأتي إلا إذا تم تغطيته بعمليات غسيل أموال ، والتي أصبحت في وقتنا الحاضر تمثل نشاطاً حيوياً وهاماً لجماعات الجريمة المنظمة لما تسببه من اتساع لقوتها ونفوذها وتوفير المزيد من الأمن والثروة.
وقد ساهم الانفتاح الاقتصادي و تحرير التجارة العالمية بتسهيل عمليات غسيل الأموال عبر الحدود الوطنية والذي قدر الخبراء حجمها بنحو (بليون) دولار يتم تحويلها يوميا من خلال الأسواق المالية العالمية .
وسوف نتناول في هذا المبحث تعريف عمليات غسيل الأموال وعلاقتها بالجريمة المنظمة في المطلب الأول ، ومن ثم سنتناول في المطلب الثاني مكافحة غسيل الأموال في الاتفاقيات الدولية والتشريع الكويتي.
المطلب الأول
تعريف جريمة غسيل الأموال
وعلاقتها بالجريمة المنظمة
أولا: تعريف جريمة غسيل الأموال :
تعددت التعاريف لهذه الجريمة : فمنها ما أتى به الفقه ، ومنها ما أتت به القوانين والاتفاقيات ، أما الفقه فقد عرف البعض هذه الجريمة بأنها مجموعة عمليات معينة ذات طبيعة مالية أو اقتصادية تؤدي إلى ضم أموال ناتجة عن أنشطة غير مشروعة وإدخالها في دائرة الاقتصاد المشروع .
وقد عرفت اتفاقية فيينا عام 1988م غسيل الأموال بأنه إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال ومصدرها ومكانها .أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها أو في ملكيتها ، مع العلم بأنها مستمدة من فعل من أفعال الاشتراك في مثل الجريمة أو الجرائم ، ولقد أصدر المشرع الكويتي بتاريخ 12/6/2000م القانون رقم (25) لسنة 2000م بالموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية (فيينا لعام 1988م) والتي تضمنت في المادة الثالثة أحكاماً ذات صلة بجرائم غسيل الأموال .
كما أصدر المشرع الكويتي القانون رقم (35) لسنة2002م بشأن مكافحة غسيل الأموال والذي نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى على تعريف عمليات غسيل الأموال بأنها (عملية أو مجموعة من عمليات مالية ، أو غير مالية ، تهدف إلى إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال ، أو عائدات أي جريمة ، وإظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصله من مصدر مشروع .
وفي حكم حديث لمحكمة التمييز في جريمة غسل الأموال ، حيث قرر أنه لازم إثبات وجود مال متحصل عن جريمة مع ما يقتضيه من تحديد لمقدار هذا المال ومكان وجوده والحائز له فعليا أو قانونيا وتحديد الجريمة التي نشأ عنها أو تحصل منها هذا المال .
ثانيا: مظاهر العلاقة بين الجريمة المنظمة وغسيل الأموال
تعتبر العلاقة وثيقة بين الجريمة المنظمة وغسيل الأموال إلى الحد الذي جعل بعض الباحثين يربط بين ظهور مصطلح ( غسيل الأموال) وبين ماقامت به عصابات الجريمة المنظمة( المافيا) في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي حيث قامت بإخفاء الأموال غير المشروعة والمتحصلة من الجرائم وإدخالها في أنشطة مشروعة وبخاصة في (مجال الغسيل الأتوماتيكي) أو تهريبها خارج البلاد ومن ثم إعادتها على أنها أموال متحصله من أنشطة مشروعة ولبيان العلاقة بين الجريمة المنظمة وغسيل الأموال نجد أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الهدف الرئيس للجريمة المنظمة وهو ( تحقيق الربح) وغسيل الأموال باعتبار غسيل الأموال ضرورة لإخفاء مصدر الأرباح غير المشروعة والتي تحققها عصابات الجريمة المنظمة ، إضافة إلى كون جريمة غسيل الأموال تعتبر صورة للجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية .
إذاً يعد غسيل الأموال أمراً ضرورياً ومهماً في كل جريمة تهدف إلى الحصول على أرباح .
ولما كان هدف الجريمة المنظمة الرئيس هو تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح غير المشروعة, فإن هذا يظهر لنا أهمية غسيل الأموال بالنسبة لهذه التنظيمات ذلك لأن غالبية الأموال التي تحصل عليها هي عبارة عن مبالغ نقدية عادة ماتكون ضخمة ، مما يظهر لنا حاجة هذه التنظيمات إلى إخفاء مصدرها وإدخالها في أنشطة مشروعة تحقق لهذه التنظيمات الانتفاع بالأموال غير المشروعة براحة وطمأنينة ، وإخفاء الجرائم الأصلية التي تحصلت منها الأموال .
وهو ما يزيد من قوة ونفوذ هذه التنظيمات ويوسع من أنشطتها لتتمكن من السيطرة على الدوائر المالية ، فضلا عما تسببه من انهيارات في الأنظمة الاقتصادية لبعض الدول بسبب حركة الأموال غير العادية والتي تمارس دون مراعاة للاعتبارات الاقتصادية .
وتأتي الخطورة في قيام الدول النامية بتقديم تسهيلات كبيرة لاجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار فيها وهذه التسهيلات تكون على حساب رقابة هذه الأموال مما يعطي مساحة كبيرة لعصابات الجريمة المنظمة للقيام بعمليات غسيل الأموال بحرية في هذه الدول .
ويلاحظ أن عمليات غسيل الأموال لا يقتصر أثرها على الدول النامية بل يمتد أثرها إلى الدول الغنية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا. حيث قدر بعض الخبراء بأنه يتم في الولايات المتحدة الأمريكية سنويا غسيل حوالي مائة مليار دولار من الأموال المتحصلة عن جرائم المخدرات فقط ، وهو مايبين لنا خطورة غسيل الأموال .
المطلب الثاني
مكافحة غسيل الأموال في الاتفاقيات
الدولية والتشريع الكويتي
لم تدخر دول العالم أي جهد في مكافحة جريمة غسيل الأموال بل تطور أسلوب مكافحة هذه الجريمة مع تطورها كما لم تقف الدول العربية مكتوفة الأيدي أمام هذه الجهود في مكافحة عمليات غسيل الأموال بل سارعت إلى اللحاق بها ، وكذلك كان للمشرع الكويتي موقف من جريمة غسيل الأموال .
لذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين : سنتناول في الأول منه أهم الاتفاقيات الدولية التي اهتمت بمكافحة غسيل الأموال وموقف الدول العربية من هذه الجريمة ، كما سنتناول في الفرع الثاني موقف المشرع الكويتي من هذه الجريمة .
الفرع الأول
مكافحة غسيل الأموال في الاتفاقيات الدولية
بعد أن أدركت دول العالم خطورة جريمة غسيل الأموال وبسبب الطبيعة الخاصة لهذه الجريمة والأضرار البالغة التي تسببها لها من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية ، فقد تضافرت جهود الكثير من الدول لمكافحة هذه الجريمة عن طريق عقد العديد من الاتفاقيات الدولية وسنتناول أهمها على النحو الآتي:
(1) اتفاقية فيينا:
صدرت هذه الاتفاقية من الأمم المتحدة في 20/12/1988م ودخلت حيز التنفيذ في نوفمبر من عام 1990م ، وقد ضمت هذه الاتفاقية أحكاماً تتعلق بتجريم أنشطة غسيل الأموال الناتجة عن الاتجار في المخدرات والمواد الشبيهة ، ويعيب هذه الاتفاقية أنها اقتصرت على تجريم غسيل الأموال الناتج عن تجارة المخدرات دون غيرها من الجرائم .
(2) توصيات بازل لسنة 1988م:
هي لجنة اشترك فيها عدد من الدول بالإضافة إلى عدد من البنوك المركزية وبعض المؤسسات المالية ذات الطابع الإشرافي ، وقد تضمنت العديد من التوصيات التي يتعين على المصرفيين اتباعها للسيطرة على عمليات غسيل الأموال ومنع استخدام البنوك لإخفاء مصادر الأموال غير المشروعة .
(3) توصيات مجموعة السبع:
وهي الدول الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية-كندا-اليابان-فرنسا-ألمانيا-انجلترا-الصين) وقد أسفرت تلك التوصيات عن إنشاء لجنة عمل مالية تسمى فاتف (fatf) تهدف إلى اتخاذ خطوات لمكافحة غسيل الأموال ، وأقرت هذه اللجنة أربعين توصية في هذا الخصوص وقد انضم إلى هذه اللجنة العديد من الدول بالإضافة إلى منظمتين إقليميتين هما المجلس الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي .
(4) اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية :
صدرت هذه الاتفاقية في باليرمو عام 2000م ، وقد تعرضت إلى جريمة غسيل الأموال حيث اهتمت المادة السادسة بتحديد مفهوم غسيل الأموال واعتبارها من الجرائم العابرة للحدود الوطنية كما اهتمت المادة السابعة بالتدابير اللازمة لمكافحة هذه الجريمة وإلزام الدول الأطراف بإنشاء نظام رقابة داخلي على البنوك والمؤسسات المالية .
* موقف الدول العربية من جريمة غسيل الأموال
لقد كان للدول العربية جهود واضحة في مكافحة غسيل الأموال سواء على المستوى الفردي أو الجماعي فقد وقعت كافة الدول العربية على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة غسيل الأموال الناتج عن الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية(اتفاقية فيينا) كما وقعت الدول العربية على الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية (تونس1994م) والتي أوجبت على الدول الموقعة اتخاذ التدابير اللازمة في إطار القوانين الداخلية لمكافحة غسيل الأموال ومصادرة الأموال المتحصلة من غسيل الأموال ، كما وقعت معظم الدول العربية على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وعممتها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب ، كما أصدرت معظم الدول العربية قوانين وتعليمات في مكافحة عمليات غسيل الأموال ومنها مصر والكويت ولبنان وقطر وعمان وغيرها من الدول العربية .
الفرع الثاني
مكافحة غسيل الأموال في التشريع الكويتي
لقد بذلت الكويت جهوداً كثيرة في مجال مكافحة غسيل الأموال فأصدرت في 10 مارس من عام 2002م القانون رقم 35 لسنة 2002م في شأن مكافحة غسيل الأموال ، والذي يتوافق مع نصوص تجريم غسيل الأموال الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، والذي عاقب مرتكب الجريمة بالسجن لمدة تصل إلى سبع سنوات وبغرامة مالية لا تقل عن نصف قيمة الأموال المضبوطة محل الجريمة ولا تزيد عنها بالإضافة إلى مصادرتها .
كما أصدر وزير المالية القرار الوزاري رقم(17) لسنة 2002م في شأن مكافحة عمليات غسيل الأموال وعمليات تمويل الإرهاب والذي قرر إنشاء لجنة وطنية لمكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب برئاسة وكيل وزارة المالية ، وتقوم هذه اللجنة برسم الاستراتيجيات والسياسات العامة للدول في مكافحة جريمة غسيل الأموال وإعداد مشاريع القوانين اللازمة لهذا الغرض.
ولبنك الكويت المركزي جهود في شأن مكافحة غسيل الأموال فقد أخضع بنك الكويت المركزي البنوك والشركات الاستثمارية والصرافة لرقابته ، كما أصدر محافظ البنك المركزي قراراً بإنشاء وحدة تسمى ( وحدة التحريات المالية الكويتية ) وتكون برئاسته وتختص باستلام البلاغات عن عمليات غسيل الأموال في النيابة العامة وعمل التحريات اللازمة لتلك البلاغات .
ويلاحظ في قانون مكافحة غسيل الأموال الكويتي أنه انتبه إلى خطورة هذه الجريمة في حال إذا ما ارتكبت من قبل جماعة منظمة ، فشدد العقوبة في المادة السابعة لتصل إلى الضعف (14) سنة وشدد في الغرامة بحيث لا تقل عن قيمة الأموال المضبوطة محل الجريمة ولا تزيد عن الضعف في حالة ارتكابها من قبل جماعة منظمة.
المبحث الثاني
تجارة الرقيق وعلاقتها بالجريمة المنظمة
أصبح المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة يعاني من تزايد الاتجار في الأشخاص , وبخاصة النساء و الأطفال ، فبعد انهيار الدول الشيوعية ووجود العديد من الدول التي تعاني الفقر والاضطرابات الداخلية وعدم الاستقرار ، وهو ما سهل لعصابات الجريمة المنظمة عبر الوطنية استغلال الضحايا في هذه الدول عن طريق اختطافهم أو تجنيدهم أو الاحتيال عليهم بغرض استغلالهم في أنشطة غير مشروعة مثل الاستغلال الجنسي أو السخرة أو نزع الأعضاء .
ويشمل الاتجار في الأشخاص صوراً عديدة منها:
الاتجار في النساء لاستغلالهم في أعمال الدعارة وهو ماسنتناولة في دراستنا تهريب المهاجرين بطرق غير مشروعة ، والاتجار في الأطفال للاستغلال الجنسي أو التبني أو المتاجرة بأعضائهم أو لاستخدامهم في بعض الأنشطة الإجرامية لجماعات الجريمة المنظمة كنقل المخدرات أو الأسلحة .
وسنتناول في هذا المبحث تجارة الرقيق وعلاقتها بالجريمة المنظمة في المطلب أول ومن ثم سنتناول الموقف الدولي من هذه الجريمة وموقف المشرع الكويتي منها في المطلب الثاني.
المطلب الأول
تجارة الرقيق وعلاقتها بالجريمة المنظمة
لقد أصبح الاتجار في النساء بغرض تشغيلهم في أعمال الدعارة جزءا من نشاط العديد من الجماعات الإجرامية المنظمة العابرة للحدود الوطنية نظرا لما تحققه هذه التجارة من أرباح طائلة حيث احتلت المركز الثالث عالميا من حيث الأرباح بعد تجارتي المخدرات والسلاح ، بالإضافة إلى كونها أقلها خطورة .
وقد عرفت المادة الثالثة من البروتوكول الملحق في اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة والخاص بمكافحة الاتجار بالأشخاص بأنه يقصد بمصطلح الاتجار بالأشخاص (نقل أو تجنيد أو إيواء أو استقبال الأشخاص بالقوة أو التهديد أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو تقديم أو تلقي مبالغ مالية للحصول على موافقة شخص يملك سلطة على الغير المراد استغلال ويشمل الاستغلال في حده الأدنى ، الاستغلال للدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي ، والاسترقاق والممارسات الشبيهة بالرق .
وتقوم عصابات الجريمة المنظمة باستغلال الفقر الذي يعد من أهم أسباب زيادة هذه الظاهرة ، أو إيهام النساء بالحصول على وظائف ذات دخل مرتفع ، أو تقوم بخطفهن ونقلهن إلى دول أخرى لإجبارهن على القيام بأعمال الدعارة أو تقوم ببيعهن إلى منظمات إجرامية أخرى ، وتقوم هذه الجماعات الإجرامية المنظمة بإجبار النساء على أعمال الدعارة بعدة طرق كالحجز المقترن بالتعذيب أو الاغتصاب أو إجبارهن على إدمان المخدرات للسيطرة عليهن وضمان عدم الهروب .
المطلب الثاني
التعاون الدولي في مكافحة تجارة الرقيق
وموقف المشرع الكويتي من هذه الجريمة
نظرا لما تشكله ظاهرة تجارة الرقيق من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرمانه من الحياة بكرامة وشرف لم يكن من المستغرب أن تكون هناك جهود دولية عديدة لمحاولة الحد من تفاقم هذه الظاهرة وانتشارها.
كما كان للمشرع الكويتي موقف من هذه الجريمة وهو ما سنتناوله في الفرعين القادمين
الفرع الأول
التعاون الدولي في مكافحة
تجارة الرقيق
كما ذكرنا سابقا فان هناك جهوداً دولية عديدة لمكافحة هذا النوع من الجرائم والذي أدرك المجتمع الدولي أنه يجب التعاون من أجل القضاء عليها فأبرم بعد الحرب العالمية الأولى وتحت مظلة عصبة الأمم المتحدة الاتفاقية الخاصة بمنع الرق عام 1926م وتم تعديل هذه الاتفاقية عن طريق الأمم المتحدة ببروتوكول تعديل اتفاقية الرق عام 1953م وفي عام 1956م تم التوسع بإضافة بعض الممارسات إلى مفهوم الرق عن طريق اتفاقيات تكميلية .
كما أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الرابعة منه على أنه لايجوز استرقاق أحد أو استعباده ويحظر الاتجار بالرقيق بجميع صوره .
ولكن الواقع العملي أثبت أن هناك قصوراً دولياً في مكافحة هذه الجريمة سواء من ناحية الانضمام إلى الاتفاقيات أو مكافحتها على المستوى الوطني من ناحية أخرى ، وما يدل على ذلك هو تصديق خمسة وعشرين بالمائة فقط من دول العالم على اتفاقية عام 1949م والخاصة بمكافحة الاتجار بالأشخاص أو الدعارة في صورها كافة .
وإضافة إلى موقف الدول من هذه الظاهرة فإن هناك دولاً تقوم خشية الإحراج الدولي بإخفاء وجود حالات اتجار بالأشخاص لديها ، كما أن هناك دولاً تضفي صفة الشرعية على هذه الممارسات فتصدر قوانين تسمح بأعمال الدعارة كأي وظيفة أخرى مقابل أجر مادي ، وهناك دول تعامل الضحايا في هذه الجرائم في حال هربهم على أنهم مهاجرون غير شرعيين أو منتهكون لقانون الإقامة وهنا تكمن الخطورة فبدلا من تلقيهم المساعدة كضحايا تقوم هذه الدول بسجنهم وترحيلهم إلى بلادهم مما يجبرهم على البقاء في هذه الأعمال خوفا منقيام الدولة بترحيلهم .
لذلك فقد تبنت هيئة الأمم المتحدة في اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بروتوكولا عن الاتجار بالأشخاص من قبل عصابات الجريمة المنظمة ، وعلى الرغم من عدم تغطيته لجوانب هذه الظاهرة كافة إلا أنه اهتم بالتحديد في حماية المجني عليهم في حال لو تمكنوا من الهرب وهو مايعبر عن الاهتمام الدولي بهذه الظاهرة وبصفة خاصة في حال ارتكابها من قبل جماعة إجرامية منظمة .
الفرع الثاني
موقف المشرع الكويتي من تجارة الرقيق
لقد اتخذت الكويت عدة خطوات في مواجهة تجارة الرقيق ، فصدر القانون رقم (16) لسنة 1960م والذي يجرم أعمال الخطف والحجر والاتجار بالبشر واستغلالهم جنسيا في المواد من (178 حتى 185) ، والذي تنص المادة (185) على أن كل من يدخل في الكويت أو يخرج منها إنسانا بقصد التصرف فيه كرقيق وكل من يشتري أو يعرض للبيع أو يهرب إنسانا على اعتبار أنه رقيق يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لاتتجاوز خمسة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين كما صدر القانون رقم(36) لسنة 1968م بالموافقة على ميثاق منع الاتجار بالأشخاص واستغلالهم في البغاء.
وقد قامت الكويت في 12 مايو 2006م بالتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين المرتبطين بها وهما بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال ، وبروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو ، وتم إيداع وثائق تصديق الحكومة الكويتية لدى سكرتير عام المنظمة الدولية كوفي عنان .