[
الالتزامات اللاحقة للبيع
إن عقد البيع عقد ملزم للجانبين، لأنه ينشئ بمجرد انعقاده التزامات في ذمة البائع وأخرى في ذمة المشتري، أي أن إرادة الطرفين تتجه نحـو إنشاء التزامات معينة، مما يجعل كلا منهما دائنا ومدينا في نفس الوقت.
المطلب الأول :
ضمـان التعـرض و ضمـان الاستحقاق:
ولما كان المشتري يهدف من البيع إلى الحصول على المبيع للتمتع بكافة السلطات التي يخولها له القانون تمتعا كاملا. فلا يكفي لذلك أن ينقل البائع إلى المشتري الحق المبيع وأن يقوم بالتسليم بل يلزم فضلا عن ذلك أن يضمن البائع الحق المبيع و الانتفاع به انتفاعا هادئا أي يضمن عدم منازعته فيه.
ويشمل هذا الضمان شقين هما: ضمان التعرض وضمان الاستحقاق.
الفرع الأول:
ضمـــان التعــــرض
ينص القانون المدني الجزائري في المادة 371:
" يضمن البائع عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعله أو من فعـل الغير، يكون له وقت البيع حق على المبيع يعارض به المشتري..."
كما ينص القانون المدني المصري في المادة 439:
"يضمن البائع عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعلـه أو من فعل أجنبي يكون له وقت البيع حق على المبيع يحتج به على المشتـري ويكـون البائع ملزما بالضمان ولو كان الأجنبي قد ثبت حقه بعد البيع إذا كان هذا الحق قد آل إليـه من البائع نفسه".
وفي القانون المدني الإماراتي في المادة 534: "يضمن البائع سلامة المبيع من أي حق للغير يعترض المشتري إذا كان سبب الاستحقاق سابقا على عقد البيع، كما يضمن البائع سلامة المبيع إذا استند الاستحقاق إلى سبب حادث بعد البيع ناشئ عن فعله".
يتضح من خلال هذه النصوص أن البائع مطالب بأن يضمن للمشترى حيازة المبيع الهادئة، وهذا الضمان من طبيعة البيع، فلا يلزم لوجوده اشتراط خاص في العقد، فللمشترى هذا الضمان بمقتضى نصوص القانون التي جاءت تفسيـرا لإرادة المتعاقدين والتي تبين مدى الالتزامات التي يضعها العقد على عاتق البائع و النصوص المذكورة ليست من النظام العام، فللمتعاقدين حق تعديلها بالتشديـد أو التخفيف، أو النزول عنها بالاتفاق على عدم الضمان .
و ينبني على ذلك أنه لا ضمان إذا ظهر أن العين المبيعة مؤجرة بعقد ثابت التاريخ قبل البيع، لأن ضمان البائع لا يشمل إلا الحقوق العينية .
فالقول بأن البائع يلتزم بنقل حيازة هادئة للمشتري يعني أن البائع يلتزم بضمان التعرض و الاستحقاق، ولا يلتزم بهذا إلا إذا وقع تعرض يعكر هدوء هذه الحيازة.
و تختلف دعوى العجز عن دعوى الضمان، فدعوى العجز متفرعة من التزام البائع بتسليم ما باعه بأكمله للمشتـرى، وفيها يظهـر للمشترى أن المبيـع أقل مقدارا مما تبين في العقد، و يسقط حق المشتـرى في المطالبة بفسخ البيـع أو إنقاص الثمن بالسكوت عليه مدة سنة من تاريخ التسليم.
أما دعوى الضمان فمتفرعة من التزام البائع تمكين المشترى من الانتفاع بالمبيع و حيازته حيازة هادئة، و فيها يجد المشترى المبيع بمقداره، و إلا أن الغير ينازعه فيه، وهي لا تسقط إلا بمضي 15 سنة على المنازعة أو على الحكم النهائي الصادر باستحقاق الغير للمبيع على الرأي الأرجح.
ويشمل ضمان البائع ناحيتين ، فالبائـع يضمن للمشترى فعله هو، كما يضمن الفعل الصادر من أجنبي.
(I ـ أنـــــواع التعـــرض
استنادا لنص المادة 371 من القانون المدني الجزائري يفهم بأن هناك نوعين من التعرض، التعرض الشخصي والتعرض من الغير ونص المادة كالآتي:
"يضمن البائع عدم التعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع كله أو بعضه سواء كان التعرض من فعله أو من فعل الغير، يكون له وقت البيع حق على المبيع يعارض به المشتري ويكون البائع مطالبا بالضمان ولو كان حق ذلك الغير قد ثبت بعد البيع وقد آل إليه هذا الحق من البائع نفسه".
أولا: ضمان التعرض الشخصي
من القواعد القانونية أن من يجب عليه الضمان يحرم عليه التعرض فيجب على البائع أن يمتنع عن كل عمل ينشأ منه تعرض مادي أو قانونـي لانتفاع المشترى بالمبيع كله أو بعضه.
أي أن البائع يلتزم بعدم منازعة المشتري في ملكية المبيع، وبعبارة أخرى لا يجوز له أن يتعرض للمشتري في الانتفاع بالمبيع سواء كان تعرضه قانونيا أو ماديا، ويكون التزامه سلبيا.
أ ـ أما التعرض القانوني: فهو أن يستعمل البائع حقا ادعاه على المبيع وكان ذلك يؤدي إلى نزع المبيع من يد المشتري، ومثاله أن يطلب البائع الذي لم يكن مالكا للمبيع وقت البيع استرداد المبيع من المشتري بحجة أنه كسب حق للملكية بعد البيع، ولكن لا يعتبر تعرضا تمسك البائع تجاه المشترى بحق يقره القانون لمصلحته كإقامته دعوى بطلان مطلق مؤسس على باعث من النظام العام أو دعوى بطلان نسبى مبناه حماية البائع، أو دعوى فسخ مبناها عدم قيام المشترى بتنفيذ التزاماته، وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية بأن ليس للبائع أن يدعي لنفسه سبب عدم تسجيل العقد وتراخي نقل الملكية ـ ملكية المبيع ـ .
ب ـ أما التعرض المادي: يكون بأي فعل مادي يعكر به البائع حيازة المشتري، دون أن يستند في القيام به إلى أي حق يدعيه على المبيع، وحتى ولو كان الفعل المكون لهذا النوع من التعرض ليس في ذاته خطأ و لا تتوافر فيه شروط الفعل الضار بل يعتبر فعلا جائزا للغير، أي أن الفعل المادي الذي يقوم به البائع يعتبر تعرضا شخصيا في حين أن غيره يستطيع القيام به، فإذا كان فعله إخلالا بالتزام ناشئ عن العقد فهي مسؤولية عقدية، أما إذا كان فعله إخلال بالواجب العام فالمسؤولية تكـون تقصيرية.
و التزام البائع بضمان أفعاله الشخصية التزام دائم، فليس للبائع، حتى بعد انقضاء 15 سنة أن يدعى تخلصه منه.
ـ شروط التعرض الشخصي: يجب لقيام التعرض الشخصي أن يصدر من البائع عمل من شأنه أن يحول كليا أو جزئيا دون انتفاع المشتري بملكية المبيع.
فيجب إذن توافر شرطين:
1-أن ينشأ من فعل البائع نفسه إخلال بانتفاع المشترى.
2-أن يكون التعرض الذي وقع فعلا من شأنه أن يحول كليا أو جزئيا دون انتفاع المشتري بالمبيع، و يضاف عادة إلى
ذلك أن يكون العمل مما يتعارض مع التزامات البائع.
الشرط الأول وقوع التعرض فعلا: فمجرد احتمال وقوعه لا يكفـي لقيام الضمان، مثلا إذا هدد البائع المشتري بالتعرض له فلا يكفى هذا التهديد لقيام ضمان التعـرض ما دام البائع لم ينفذ تهديده، إذن يجب أن تقع فعلا الأعمال المؤدية إلى حرمان المشتري من الانتفاع بالعين المبيعة.
مثلا: إذا باع البائع العقار المبيع مرة ثانية، وبادر المشتري الثاني إلى التسجيل قبل المشتري الأول فانتقلت إليه الملكية دون المشتري الأول، لكن المشتري الثاني لم يتخذ أي إجراء لنزع العقار من يد المشتري الأول، فليس لهذا الأخير أن يحتج على البائع بضمان التعرض الناشئ من بيعه العقار مرة ثانية، وليس له أن يحتج عليه ويطلب إبطـال بيـع ملك الغير، لأن البيع الذي صدر من البائع إلى المشتري الثاني قد صدر من مالك ولكن له أن يرفع دعوى فسخ البيع لعدم قيام البائع بتنفيذ التزامه بنقل الملكية إليه.
فالقسم الأول من التعرض الشخصي يقوم على أعمال مادية محضة تقع من البائع، كأن يبيع شخص متجرا لآخر ثم يعمد إلى إنشاء متجر مجاور من نفس النوع، يجتذب إليه زبائن المحل المبيع بحكم تعودهم على التعامل مع البائع، فإن هذا العمل يعتبر منافسة غير مشروعة و إخلالا بالتزام البائع بعدم المنافسة، في حين أنه لو أن أجنبيا هو الذي أنشأ المتجر المجاور فإن منافسته تكون مشروعة ، ما دامت في حدود المنافسة المألوفة بين التجار.
(أما إذا قام البائع يعمل من أعمال العنف و التعدي على المشتري في حيازته للعين، فإنه يكون مسؤولا عنه كمسؤولية أي شخص أجنبي عن أعماله غير المشروعة وليس باعتباره بائعا ملزما بالضمان).
أما القسم الثاني من التعرض فيقوم على تصرفات قانونية، كأن يبيع البائع العقار مرة ثانية، ويبادر المشتري الثاني إلى التسجيل قبل المشتري الأول فتنتقل الملكية إليه دون الأول، فينتزع منه العقار، فهنا تعرض من جانب المشتري الثاني وهو تعرض صادر من الغير، وفي نفس الوقت تعرض شخصي صادر من البائع نفسه، لأن المشتري الثاني في تعرضه قد استمد حقه من البائع، ونفس الشيء بالنسبة لبيع المنقول، كأن يبيع البائع سيارة مرة ثانية وسلمها للمشتري الثاني، فتنتقل إليه الملكية بموجب الحيازة بحسن النية، فهنا تعرض صادر من كل من المشتري الثاني و البائع في وقت واحد للمشتري الأول.
هذا كله عن التعرض المادي الصادر من البائع سواء كان قائما على أعمال مادية محضة وقعت من البائع، أو كان قائما على تصرفات قانونية صادرة منه.
وقد قضت محكمة النقض المصرية بأن التزام البائع بعدم التعرض التزام مؤبد بمعنى أنه يتولد من عقد البيع باستمرار ويلتزم به البائع ولو بعد البيع بأكثر من 15 سنة، ولكن إذا حدث هذا التعرض من جانب البائع ووضع يده على المبيع وسكـت المشتري عن هذا التعرض بعد وقوعه ومضى على وضع يد البائع 15 سنة انقلب وضع اليد سببا مشروعا للتملك يحول دون ضمان البائع.
وإذا ما حصل تعرض من البائع كان للمشترى أن يطلب وقف التعرض و المطالبة بتعويض الضرر الحاصل فالضمان إما أن يكون تعويض، أو بالامتناع من تجديد بعض الأعمال المادية مع تهديده بغرامة مالية، أو عدم الاحتجاج على المشترى ببعض الأعمال القانونية التي باشرها البائع.
وضمان الفعل الشخصي لا يلتزم به البائع فحسب، بل يكون أيضا على الخلف العام للبائع وكل من التزموا معه فورثه البائع ملزمون مثله بالضمان، ولا يجوز لهم إقامة دعوى الاستحقاق على المشتري إذا كان البائع قد باع من غير حق شيئا مملوكا لهم، كذلك يقع الضمان على كفيل البائع و ورثته.
و إذا تعدد الملتزمون بالضمان فالرأي أن التزام البائع يعتبر غير قابل للانقسام فيما يختص بالضمان عن الفعل الشخصي، فمحل الالتزام هو ضمان الحيازة الهادئة للمشتري، و الحيازة الهادئة لا تقبل الانقسام حتى لو كان الشيء قابلا للتجزئة.
خصائص الالتزام بضمان التعرض الشخصي
1- هو التزام أبدي: ذهب محكمة النقض المصرية في حكم لها إلى أن التزام البائع بعدم التعرض للمشتري التزام أبدي كما يتنقل هذا الالتزام أيضا إلى الورثة، فيمتنع عليهم أبدا التعرض للمشتري فيما كسبه من حقوق بموجب العقد إلا إذا توفرت لديهم ـ من تاريخ عقد البيع ـ شروط وضع اليد على الأرض المبيعة المدة الطويلة المكسبة للملكية.
ويذهب القضاء الفرنسي وعلى رأسه محكمة النقض الفرنسية، ويسانده عدد كبير من الفقهاء أمثال أوبري، ورو وليدان، كولان، كابيتان، إلى القول بأن البائع الذي يحتفظ بحيازة المبيع لا يمكنه التعرض للمشتري بالاستناد إلى التقادم المكسب، لأن الالتزام بالضمان التزام مؤبد، فيكون الاستناد إلى التقادم المكسب من قبيل التعرض.
لكن الدكتور المصري خميس خضر يرى بأن هذه الحجة منتقدة لأنه إذا كان التزام البائع بضمان التعرض التزاما أبديا، كان للمشتري في حالة التعرض الرجوع على البائع بدعوى الضمان.إلا أن هذه الدعوى تسقط كغيرها من الدعاوي بانقضاء 15 سنة من وقت وقوع التعرض فعلا.
2-عدم قابلية الالتزام بضمان التعرض للانقسام: التزام البائع بضمان تعرضه الشخصي، سواء كان ماديا أو قانونيا هو التزام بالامتناع عن التعرض بنفسه للمشتري في حيازة المبيع و الانتفاع به، فهو التزام غير قابل للتجزئة ولو كان المبيع ذاته قابلا للانقسام، فمثلا لو كان شخصان يملكان منزلا على الشيوع وباع الشخصان المنزل معا، يلتزم كل منهما نحو المشتري بضمان التعرض الصادر منه في كل المنزل، وليس في النصيب الذي باعه فقط.
وكذلك لو أن شخصين ورثا منزلا فباعاه معا ثم ظهر أن أحدهما هو الوارث وحده، فلا يجوز لهذا الأخير أن يسترد شيئا من المشتري لأنه ضامن لتعرضه الشخصي في كل المنزل، ولكن له أن يرجع إلى الشخص الآخر الذي ظهر أنه غير وارث، وهذا هو الحل الذي أخذ به القضاء والفقه الفرنسيان، والذي أخذ به أيضا الفقه الجزائري و كذا المصري.
3-مدى انتقال الالتزام بضمان التعرض إلى الخلف العام و الخلف الخاص: المدين في هذا الالتزام هو البائع وهو الذي يقع منه التعرض الموجب للضمان، ولا ينتقل هذا الالتزام إلى الخلف العام لأن الالتزام في القانون المصري والجزائري لا يتنقل من المورث إلى الوارث بل يبقى في التركة.
مثلا: إذا بـاع شخص عينا مملوكة لوارثه، ثم مات فإن الوارث يستطيع أن يسترد العين المبيعة من المشتري و لا يجوز لهذا الأخير أن يحتج عليــه بأن الالتزام بالضمان قد انتقل من مورثه إليه، لأن هذا الالتزام لا ينتقل من المورث إلـى الوارث ولكن الالتزام بالضمان يبقى في التركة و للمشتري أن يرجع على التركـة بالتعويض وهذا ما اتفق عليه فقهيا.
وفي هذا المعنى يقول أيضا الأستاذ الدكتور عبد المنعم البدراوي أن الالتزام بضمان التعرض لا ينتقل إلى الورثة بل يبقى في التركة، وكذلك لا ينتقل الالتزام بضمان التعرض الشخصي إلى الخلف الخاص.
فمثلا : لو باع شخص عقارا و أوصى به لشخص آخر، وبعد موته بادر الموصى له إلى تسجيل الوصية قبل أن يسجل المشتري البيع، فإن المشتري لا يستطيع أن يحتج على الموصى له بأنه ملتزم بالضمان ليسترد منه العقار لأن الالتزام بالضمان لا ينتقل من الموصى إلى الموصى له، بل يبقى في التركة ويتقدم في رجوعه بهذا الحق على الموصى له.
ـ ما يترتب على قيام ضمان التعرض الصادر من البائع :
التزام البائع بعدم التعرض للمشتري التزام أبدي، دائم إذ يجب على البائع أن يمتنع عن التعرض للمشتري في أي وقت ولو كان قد انقضى على البيع أكثـر مـن 15 سنة وهي مدة التقادم، أما إذا أخل البائع بالتزامه بأن تعرض فعلا للمشتري، تولد عن هذا الالتزام الأصلي بعدم التعرض التزام جزائي بالتعويض، وهـذا الالتزام هو الذي يسقط، فإذا لم يطالب به المشتري خلال 15 سنة من وقوع التعرض فعلا، سقط بالتقادم و لا يستطيع المشتري بعد ذلك أن يطالب البائـع بالتعويض(الالتزام الجزائي) وطريقة تنفيذ هذا الالتزام الجزائي تختلف باختلاف الأحوال التي يقوم فيهـا ضمـان التعرض، فإذا كان تعرض البائع للمشتري قائما على أعمال مادية محضة، كمنافسـة المشتري في المتجر المبيع وجب على البائع تعويض المشتري عما أصابه من ضـرر بسبب هذه المنافسة، أو أن يبيع المالك بئرا لآخر فيقوم المالك بحفر بئر أخرى بالقرب منها، فهذا يؤدي إلى نقص ماء البئر المبيعـة، فهنـا يجب على البائع أيضا تعويض المشتري عما أصابه من ضرر بسبب حفر البئر الأخرى، ففـي هاتين الحالتين وجب على البائع أن يقفل المتجر الذي أنشأه أو البئر التي حفرها . ويجوز أن يحكم عليه بتهديد مالي عن كل يوم أو أسبوع أو شهر يتأخر فيه عن إقفال المتجر أو إلغاء البئر.
أما إذا كان تعرض البائع للمشتري قائما على تصرف قانوني صادر منه، كمن باع مثلا العقار مرة أخرى لمشتر ثان وسبق هذا الأخير إلى تسجيل البيع قبل الأول، فهنا يرجع هذا الأخير أي المشتري الأول على البائع في هذه الحالة إما بموجب استحقاق الغير للمبيع، وإما بموجب ضمان البائع التعرض الصادر منه، لأن الغير استمد حقه من البائع نفسه.
وإذا كان تعرض البائع قائما على إدعاء لنفسه حقا على المبيع، كمن باع عينا غير مملوكة له ثم تملكها بعد ذلك فالجزاء هنا يتخذ صورة خاصة وهي أن ترد دعوى البائع باسترداد المبيع من المشتري فلا يستطيع أن يسترد العين لأن من وجب عليه الضمان لا يستطيع الاسترداد.
إذن ننتهي إلى القول في هذا الصدد إن جزاء إخلاء البائع بالتزامه بضمان التعرض الشخصي للمشتري يخضع للقواعد العامة، بحيث يكون للمشتري طلب التنفيذ العيني فإذا لم يكن التنفيذ العيني ممكنا أو لم يطلبه المشتري حكم بالتنفيذ بالمقابل أي بالتعويض، كما يجوز للمشتري أن يطلب فسخ البيع لإخلال البائع بالتزامه بالضمان مع التعويض إن كان له محل.
- الاتفاق على تعديل أحكام ضمان التعرض الشخصي:
المادة 378 ق.م.ج و التي تقابلها المادة 446 ق مصري نصها كالآتـي :
"يبقى البائع مسؤولا عن كل نزع يد ينشأ عن فعله، ولو وقع الاتفاق على عدم الضمان ويقع باطلا كل اتفاق يقضي بغير ذلك".
المادة 446 ق.م مصري : (إذا اتفق على عـدم الضمان بقي البائع مـع ذلك مسؤولا عن استحقاق ينشأ عن فعله ويقع باطلا كل اتفاق يقضى بغير ذلك).
يعرض النصان السابقان حالة واحدة من أحوال ثلاث في الاتفاق على تعديل أحكام ضمان التعرض، وهي حالة الاتفاق على إسقاط الضمان.
وتوجد إلى جانب هذه الحالة حالتان أخريان وهما حالة الاتفاق على زيادة الضمان، وحالة الاتفاق على إنقاص الضمان، وبمفهوم المخالفة يفهم من النصين السابقين بأن الاتفاق على زيادة الضمان جائز وكذلك الاتفاق على إنقاص الضمان جائز. فمثلا بالنسبة للاتفاق على زيادة الضمان أن يتفق المشتري مع البائع بأن لا يقوم هذا الأخير بأعمال معينة تتعارض مع الانتفاع الخاص الذي أراده المشتري، فإذا كان المبيع متجرا مثلا لسلعة معينة ويريد المشتري أن يضيف إلى هذه السلعة سلعة أخرى لم يكن البائع يتاجر فيها، جاز أن يتفق مع البائع على عدم إنشاء متجر إلى جانبه تباع فيه السلعة الأصلية أو السلعة الأخرى، ويكون المشتري هنا قد اتفق مع البائع على زيادة الضمان، أما بالنسبة لحالة الاتفاق على إنقاص الضمان كأن يشترط بائع المتجر على المشتري عدم منعه من إنشاء متجر يبيع فيه بعض السلع التي يتعامل فيها المتجر المبيع، ففي هذا الاتفاق إنقاص من ضمان البائع للتعـرض، ولكن الاتفاق على إسقاط الضمان إسقاطا تاما غير جائز ويكون الاتفاق إذا وقع باطلا.
ثانيا: ضمان التعرض الصادر من الغير
رأينا أن المادة 371 ق.م.ج المقابلة للمادة 489 ق.م مصري فضلا عن إلزامها البائع بعدم تعرضه الشخصي تلزمه أيضا بضمان التعرض للمشتري إذا كان التعرض من فعل الغير، يستند إلى حق ثابت للغير وقت البيع، أو كان قد آل إليه بعد البيع بفعل البائع نفسه. فتعرض الغير هنا هو التزام البائع بدفع تعرض الغير الذي يدعي حقا على المبيع الذي هو في يد المشتري، إما أن يكون الحق الذي يدعيه هذا الغير ثابتا وقت البيع أو آل إليه بعد البيع بفعل البائع نفسه ويكون التزامه هنا إيجابيا، ويفرض الالتزام بالضمان على البائع أن يتدخل في الدعوى المقامة على المشتري ليساعده في الخصومة المقامة عليه من الغير.
و التعرض الحاصل من الغير الذي يسأل عنه البائع هو التعرض القانوني، فلا يضمن التعرض المادي ولو ترتب عليه خروج المبيع من يد المشتري، فبالنسبة إلى التعرض المادي الحاصل من أشخاص لا يدعون أي حق على المبيع يكون للمشتري أن يدافع عن نفسه، وفي القوانين الحماية الكافية له.
والقضاء مستقر أن مجرد التعكير المادي الحاصل من الغير للمشتري في العين المبيعة لا يدخل بأي حال في ضمان البائع حتى لو كان منصوصا عليه في العقد، لأن ما يضمنه البائع بصفته هذه هو التعرض أو الاستحقاق المستند إلى سبب أو نزاع قانوني، فلإلزام البائع بالضمان يجب أن يدعي الغير الذي صدر منه التعرض بأن له حق على الشيء المبيع سابقا على البيع (حق ملكية، حق ارتفاق، رهن)، ومحل الالتزام في ضمان تعرض الغير هو دفع التعرض عن المشتري فهو التزام بعمل، والتزام البائع بضمان تعرض الغير هو التزام بتحقيق غاية لا بوسيلة، إذ لا يكفي أن يبذل جهده في دفع التعرض من الغير بل عليه أن يمنع هذا التعرض، فإذا نجح في دفع تعرض الغير كان هذا تنفيذا عينيا لالتزامه، أما إذا لم يفلح في ذلك و استحق المبيع كليا أو جزئيا من يد المشتري، كان على البائع أن يعوض المشتري عما أصابه من ضرر حسب هذا الاستحقاق وهذا ما يسمى بضمان الاستحقاق.
إذن التعرض الصادر من الغير و الذي يضمنه البائع هو التعرض القانوني أي بإدعاء هذا الغير بحق على المبيع سواء كان الحق موجودا وقت البيع أو بعد البيع وبفعل البائع نفسه، وسواء كان هذا الحق عينيا أو شخصيا.
كما يلتزم البائع أيضا بضمان التعرض القانوني الواقع من الغير سواء كان العقد الصادر منه مسجلا أو غير مسجل لأنه لا يترتب على عدم تسجيل العقد إخلاء مسؤوليته من الالتزام، وعليه أن يمكن المشتري من حيازة المبيع و الانتفاع به انتفاعا هادئا، وقد بنت محكمة النقض المصرية على هذا المبدأ، أن للمشتري الرجوع على البائع بالضمان، إذا نزعت ملكية العين المبيعة بناء على طلب دائن البائع الشخصي.
أما الضمان في حالة توالي البيوع ، فيكون للمشتري الأخير إذا استحق المبيع في يده، أن يرجع على الباعة السابقين بإحدى الدعوييـن : الدعوى المباشرة أو الدعوى غير المباشرة.
شروط تعرض الغير الذي يضمنه البائع
الشرط الأول:أن يكون التعرض قانونيا
لقد رأينا أن البائع لا يضمن التعرض المادي الصادر من الغير، فعلى المشتري أن يدفع ويواجه الغير في ذلك، كما يستطيع أن يرفع شكواه إلى الجهات الإدارية وغيرها من الجهات المسئولة عن اغتصاب ملكه.
هذا عن التعرض المادي الصادر عن الغير، أما التعرض القانوني الذي يستند فيه الغير إلى حق يدعيه على المبيع فيضمنه البائع، و لا يلزم أن يكون الحق الذي يدعيه الغير ثابتا، بل يكفي مجرد الإدعاء حتى ولو كان هذا الإدعاء ظاهر البطلان. و يستوي أن يكون الحق الذي يدعيـه الغير متعرضا للمشتري عينيا أو شخصيا.
و الحق العيني قد يكون أصليا أو تبعيا ومثال الحق العيني الأصلي الذي يدعيه الغير على المبيع : حق الملكية على المبيع كله أو جزء منه شائع أو غير شائع، فيتقدم الغير إلى المشتري باعتباره المالك الحقيقي للمبيع كله أو بعضه، ويطالب برد ما يدعي ملكيته، فهنا قد تكون دعوى استحقاق كلي أو جزئي، أما الحق العيني التبعي فقد يكون حق رهن يدعيه الغير على المبيع أو حق اختصاص أو حق امتياز.
ومثال الحق الشخصي الذي يدعيه الغير، حق المستأجر فإذا كان الغير يدعي أنه استأجر من البائع العين المبيعة بإيجار له تاريخ ثابت سابق على المبيع، و احتج بحقه على المشتري كان هذا الإدعاء من جانب الغير تعرضا مبنيا على سبب قانوني يضمنه البائع.
الشرط الثاني: أن يكون التعرض حالا أو وقع فعلا
يجب أن يكون التعرض حالا، لا احتماليا، فليس للمشتري أن يلجأ إلى ضمان البائع مادام الغير لم يتعرض له، فحق الضمان المقرر للمشتري لا ينشأ إلا من وقت منازعة الغير له، أي أن البائع لا يلتزم بضمان تعرض الغير إلا إذا كان هذا التعرض حالا و مخلا بحقوق المشتري في انتفاعه بالمبيع وحيازته حيازة هادئة، أما مجرد خشية المشتري وقوع التعرض أو اكتشافه وجود حق للغير (كحق رهن) يحتمل أن يكون سببا للتعرض، لا يبيح له قانونا رفع دعوى الضمان في الحال لاحتمال عدم وقوع التعرض من الدائن المرتهن.
ولذلك يجب أن يكون التعرض واقعا فعلا من الغير، فالغير هنا طرف أجنبي ليس طرفا في عقد البيع يدعي حقا على المبيع ويرفع بهذا الحق دعوى على المشتري، إلا أن الدعوى التي يرفعها تختلف باختلاف الحق الذي يدعيه، فالغير هنا هو المدعي إلا أنه قد يكون هو المدعي عليه كأن يكون المشتري هو الذي يرفع دعوى بعد صدور البيع يطالب فيها الغير بملكية المبيع (أي دعوى استرداد).
فالتعرض إذن يكون واقعا فعلا من الغير بدعوى ترفع أمام القضاء يكون فيها الغير إما مدعيا أو مدعى عليه، إلا أن رفع الدعوى أمام القضاء ليس ضروريا في كل الأحيان لوقوع التعرض فعلا، فقد يقع التعرض من الغير دون أن ترفع به دعوى ويتحقق ذلك مثلا إذا اعتقد المشتري أن الغير على حق فيما يدعيه فيسلم له بإدعائه أو يصالحه عليه، أو يدفع له الدين المضمون برهن على المبيع، ولكن المشتري في هذه الحالة يخاطر بأحد أمرين:
1ـ أن يثبت البائع أن الغير لم يكن على حق فيما يدعيه على خلاف ما اعتقده المشتري وعندئذ يفقد المشتري حقه في الرجوع على البائع بالضمان.
2ـ أن البائع لم يستطيع إثبات ذلك، فله أن يرد للمشتري المبلغ الذي دفعه أو قيمة ما أداه مع الفوائد و المصروفات بموجب المادتين373 و374 من القانون المدني الجزائري.
وكذلك يعتبر التعرض دون أن ترفع دعوى إذا كان البائع غير مالك للمبيع وبعد البيع تملكه المشتري بسبب آخر غير البيع الصادر له، مثلا : أن يبيع شخص عينا غير مملوكة له، فلا تنتقل الملكية إلى المشتري بسبب البيع، ولكن المشتري يرث العين من المالك أو يشتريها منه فتنتقل الملكية إلى المشتري بسبب آخر غير البيع، وبهذا تكون العين استحقت للمالك الحقيقي ثم انتقلت بعد ذلك من المالك الحقيقي إلى المشتري، فيجب على البائع ضمان الاستحقاق.
ملاحظة: إن التزام البائع بدفع التعرض الصادر من الغير معلق على شرط رفع دعوى من الغير وقيام المشتري بإخطار البائع بها، ومتى تحقق هذا الشرط كان للبائع أن يتدخل في الخصومة وفقا لقانون المرافعات إلى جانب المشتري وأن يحل محل هذا الأخير إذا طلب إخراجه منها.
الشرط الثالث: أن يكون الحق الذي يدعيه الغير على المبيع موجودا وقت البيع
أن يكون الحق قد آل إلى الغير بعد البيع من البائع نفسه، فإذا كان حق التعرض موجودا وقت البيع، فالبائع يسأل عنه أيا كان سبب الحق، سواء كان راجعا لفعل البائع، كما لو كان قد قرر حق ارتفـاق على العقار قبل البيع، أو كان لا دخل للبائع في إنشائه، كما لو كان الغير واضعا يده عليه و اكتملت مدة التقادم المكسب قبل انعقاد البيع.
و لا يشترط لضمان البائع للتعرض الصادر من الغير أن يكون المشتري وقت البيع غير عالم بالحق الذي يدعيه الغير أو أن يكون البائع عالما بهذا الحق، فحتى لو كان المشتري عالما بالحق الذي يدعيه الغير، وحتى لو كان البائع لا يعلم به فإن البائع يكون مع ذلك مسؤولا عن الضمان، إلا إذا اشترط عدم مسؤوليته باتفاق خاص.
ـ البيع الذي ينشئ الضمان : كل بيع ينشئ ضمان البائع للتعرض الصادر من الغير كما أن كل بيع ينشئ ضمان البائع لتعرضه الشخصي، ويستوي في ذلك بيع المساومة وبيع المزاد ولو كان بيعا قضائيا أو إداريا.
ـ جزاء الإخلال بالالتزام بضمان تعرض الغير:
أ ـ التنفيذ العيني:
إن التنفيذ العيني هو التزام ينشأ مباشرة عن عقد البيع وهو أن يمتنع البائع عن التعرض للمشتري سواء كان تعرضا ماديا أو قانونيا وأن يدفع كل تعرض قانوني صادر من الغير، فمتى قام ضمان البائع للتعرض الصادر من الغير فإن البائع قد تحقق التزامه، يجب عليه أن ينفذ التزامه تنفيذا عينيا، بأن يجعل الغير الذي تعرض للمشتري مدعيا بحق على المبيع يكف عن تعرضه وينزل عن إدعائه بهذا الحق، فإذا عجز البائع عن التنفيذ العيني بأن فاز الغير بإثبات ما يدعيه وقضي له بالحق المدعى به، فقد وجب على البائع أن ينفذ التزامه بالضمان عن طريق التعويض فيعوض المشتري عما أصابه من الضرر لاستحقاق المبيع في يده طبقا للقواعد التي قررها القانون وهذا هو ضمان الاستحقاق.
أما التزام البائع بالضمان الجزائي " التعويض" فإنه ينشأ عن الإخلال بالتزام أصلي وهو عدم منع التعرض وعن هذا يترتب تفويت الانتفاع بالمبيع على المشتري بعض الوقت أو باستحقاق المبيع كله أو بعضه للغير، فالتزام البائع بدفع تعرض الغير التزام بغاية وحتى إذا فشل في رد هذا التعرض، اعتبر مخلا بالتزامه بالتعرض و استوجب الجزاء.
و يراعى بالنسبة للتنفيذ العيني لالتزام البائع بضمان تعرض الغير أن المشروع أورد نصين هما نص المادة 372 373 ق.م.ج اللتين تقابلهما المادتان 440، 441 ق.م مصري، ومن خلال هذه النصوص، نستخلص أن الغير إذا تعرض للمشتري، أي رفع عليه دعوى استحقاق يدعي ملكية المبيع كله أو بعضه، أو رفع دعوى أخرى كدعوى الرهن أو غيرها، فعندئذ يتحقق التزام البائع بدفع هذا التعرض. ويبدأ التزامه بالتنفيذ العيني بأن يدخل في الدعوى إلى جانب المشتري أو يحل محله فيها، ويدفع إدعاء الغير بمختلف الوسائل القانونية حتى يصدر حكم برفض دعواه، وفي هذه الحالة يكون قد نفذ التزامه عينيا، أما إذا لم يتدخل أو تدخل ولكنه فشل في دفع هذا التعرض وجب عليه تنفيذ التزامه بالتعويض، بشرط أن يقوم المشتري بإخطار البائع في الوقت الملائم، ودعوته ليتدخل في الدعوى حتى ينفذ التزامه بالضمان تنفيذا عينيا، بأن يجعل الغير يكف عن إدعائه أو بأن يحصل على حكم قضائي يرفض دعواه، وهذا ما تنص عليه المادة 372 ق.م.ج المقابلة لنص المادة 440 ق.م مصري، فالتزام البائع بدفع هذا التعرض يعتبر التزام بتحقيق غاية فلا يقبل من البائع أنه بذل أقصى جهده، بل أنه إذا لم يفلح في ذلك اعتبر مخلا بالتزامه بالتعرض، وليس للإخطار أي شكل خاص، كما يصح كتابيا، يصح شفويا، ولكن عبء الإثبات يقع على المشتري وهذا ما يراه معظم الفقهاء أمثال عبد الفتاح عبد الباقي، جميل شرقاوي، منصور مصطفى منصور.
ويميز النصان السابقان بين فرضين ، فإما أن يتدخل البائع في دعوى الاستحقاق، وإما ألا يتدخل، فإذا تدخل في الدعوى إلى جانب المشتري أو حل محل هذا الأخير كان عليه أن يدفع إدعاء الغير بجميع الوسائل القانونية التي يملكها كما سبقت الإشارة، أما إذا لم يتدخل وجب التمييز بين فرضين:
فإما أن يكون المشتري قد دعاه للتدخل في الوقت الملائم ولم يتدخل، وإما أن المشتري لم يخطر البائع ولم يتدخل و تبعا لذلك نخلص إلى الحالات الآتية:
الحالة الأولى: هي حالة تدخل البائع في دعوى الاستحقاق
ويكون ذلك بصحيفة تعلن للخصوم قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدم شفاهة في الجلسة في حضورهم و يثبت في محضرها و لا يقبل التدخل بعد إقفال المرافعة، هنا على البائع أن يتدخل من تلقاء نفسه حتى لو لم يخطر من المشترى لأنه هو الأقدر من هذا الأخير كما يجوز أن يكون الغير " المتعرض " هو الذي يدخل البائع ضامنا في الدعوى، فإذا تدخل البائع ضامنا في دعوى الاستحقاق أو أدخل فيها من جهة المشترى أو الغير، جاز للمشترى أن يبقى في الدعوى فينضم إليه البائع، كما يجوز له أن يخرج منها فيحل البائع محله فيها، حيث يتولى دفع ادعاء المتعرض و يحمله على الكف من تعرضه و النزول عن ادعائه أو يحصل على حكم قضائي برفض ادعائه، وهنا يكون البائع قد نفذ التزامه بضمان التعرض الصادر من الغير تنفيذا عينيا.
أما إذا فشل في ذلك فإن التزامه بضمان تعرض الغير يتحول إلى تعويض، إذ يصبح ضامنا لاستحقاق المبيع وتقضي المحكمة باستحقاق الغير للمبيع، و في الوقت نفسه تقضي للمشترى بتعويض على البائع.
الحالة الثانية: هي حالة عدم تدخله في دعوى الاستحقاق مع دعوة المشتري إياه أن يتدخل
فالغرض هنا أن البائع لم يتدخل هو و لا يدخله أحد الخصوم، ولا تدخله المحكمة فيبقى خارجا عن الخصومة في دعوى الاستحقاق الأصلية، و يكون المشترى قد أخطره في الوقت الملائم و دعاه للتدخل فلم يفعل، فهنا لا تخلو الحال من أمور ثلاثة:
*إما أن يتولى المشترى وحده دفع دعوى المتعرض، فينجح في دفعها و يقضي برفض طلبات المتعرض.
*إما أن يقر المشترى للغير المتعرض بالحق الذي يدعيه أو يتصالح معه على هذا الحق، فهنا يجوز للبائع أن يتخلص من التزامه بالضمان بأن يرد للمشتري ما أداه من الفوائد القانونية و جميع المصروفات، أما إذا دفع البائع بأدلة حاسمة أن المتعرض لم يكن على حق فيما يدعيه، و أن المشترى تسرع في الإقرار أو المصالحة و تمكن البائع أن يثبت أن المشترى لم يكن على حسن النية في إقراره، فهنا لا محل للرجوع على البائع بالتعويضات.
*وإما ألا يقر و لا يتصالح معه، و لكنه فشل في دفع دعوى المتعرض فيقضي للمتعرض بطلباته و يستحق المبيع إما جزئيا أو كليا بموجب حكم نهائي، ففي هذه الحالة أن المشترى قد بذل كل ما في وسعه من أجل إخطار البائع و عدم التسليم للمتعرض بحقه، ودفع دعواه بكل ما يملك فيكون من حقه بعد كل ذلك أن يرجع على البائع بالتعويضات بموجب دعوى ضمان الاستحقاق ففي هذه الحالة لا يستطيع البائع أن يدفع رجوع المشترى عليها بالتعويضات إلا إذا أثبت أن الحكم النهائي الصادر في دعوى الاستحقاق كان نتيجة تدليس من المشترى أو لخطأ جسيم منه .
أما إذا لم يتدخل البائع في دعوى الاستحقاق من غير إخطار المشترى إياه، عكس الحالة المذكورة أعلاه أي أن المشترى لم يخطر البائع في الوقت الملائم ففي هذه الحالة إذا نجح المشترى في دفع دعوى المتعرض، انتهى التعرض و انتهي معه التزام البائع بالضمان أما إذا أقر المشترى بحق التعرض أو لم ينجح في رد هذا التعرض، فهنا لا يحق للمشترى الرجوع على البائع بالتعويضات، لأن المشترى قصر في عدم إخطار البائع بدعوى الاستحقاق في الوقت الملائم، و يستطيع هذا الأخير أن يثبت أن تدخله في الدعوى كان يؤدي إلى رفض دعوى الاستحقاق.
ملاحظة : إن هذا الالتزام بالتنفيذ العيني ، لا يقبل التجزئة و لو كان المبيع قابلا للتجزئة
مثلا : إذا تعدد البائعون، و وقع تعرض للمشترى، جاز لهذا الأخير أن يطالب أيا من البائعين بمنع التعرض كله دون تجزئة.
الفرع الثانـــي:
ضمـــان الاستحقــــاق
يرجع المشترى على البائع بضمان الاستحقاق في إحدى الحالات التالية:
1-إذا أخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق، فتدخل البائع في الدعوى و لم يفلح في دفع دعوى المتعرض.
2-إذا أخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق فلم يتدخل البائع في الدعوى و حكم للمتعرض، ولم يستطيع البائع إثبات تدليس المشترى أو خطئه الجسيم.
3-إذا أخطر المشترى البائع و لم يتدخل البائع و أقر المشترى بحق المتعرض أو تصالح معه و لم يستطع البائع أن يثبت أن المتعرض لم يكن على حق في دعواه.
4-إذا لم يخطر المشترى البائع بدعوى الاستحقاق و حكم للمتعرض و لم يثبت البائع أن تدخله في الدعوى كان يؤدي إلى رفضها.
5-إذا سلم المشترى للمتعرض بحقه دون دعوى و لم يثبت البائع أن المتعرض لم يكن على حق في دعواه.
و إذا وجب للمشترى على البائع ضمان الاستحقاق في حالة من الحالات المذكورة أعلاه فإن الأمر لا يخلو من فروض ثلاثة :
أ ـ إما أن يكون الاستحقاق كليا فيجب على البائع أن يدفع للمشترى تعويضا كاملا.
ب ـ و إما أن يكون الاستحقاق جزئيا فيجب على البائع أن يدفع للمشترى تعويضا بقدر الضرر الذي أصابه.
ج ـ و إما أن يكون المشترى قد دفع للمتعرض شيئا في مقابل حقه صلحا أو إقرار بهذا الحق، فيجب على البائع لكي يتخلص من نتائج الضمان أن يرد للمشترى ما أداه للمتعرض.
أولا : مفهوم الاستحقاق
فالاستحقاق هو نزع ملكية المبيع كله أو بعضه من تحت يد المشترى بحكم قضائي، و في حالة الاستحقاق الكلي نصت المادة 375 ق.م جزائري المقابلة لنص المادة 443 مدني مصري، ومن خلال هذا النص يستخلص أن المبيع استحق كليا أي أن المبيع كان مملوكا لغير البائع فانتزعه المالك الحقيقي من يد المشترى فرجع هذا الأخير على البائع بضمان الاستحقاق الكلي.
الظاهر أيضا أن المشترى يملك ـ غير دعوى ضمان الاستحقاق ـ دعويين أخرويتين، دعوى الإبطال باعتبار أن البيع صادر من غير مالك، فهو بيع ملك الغير، ودعوى الفسخ على أساس أن المشترى يجيز البيع ثم يطلب الفسخ لعدم تنفيذ البائع التزامه بنقل الملكية.
إلا أن هذا التعويض في دعوى الضمان يختلف عن التعويض في كل من دعوى الإبطال و الفسخ، و أن التعويض في ضمان الاستحقاق الكلي يتكون من عناصر نص عليها المشرع في المادة 375 ق.م.ج، فمثلا : إذا كان المبيع عبارة عن دار عندما تسلمها المشترى أجرى فيها ترميمات ضرورية، ثم أقام طابقا جديدا فوق طوابق الدار و أنشأ مصعدا ودهن حيطان الدار لزخرفتها، و قبض ريع الدار من وقت أن تسلمها، و بعد ذلك رفع شخص على المشتري دعوى استحقـاق، فأدخل المشترى البائع ضامنا في الدعوى و حكم باستحقاق المبيع " الدار " و بتعويض للمشترى على البائع فهذا التعويض الذي يأخذه المشترى من البائع بسبب الاستحقاق الكلي يتكون من عنصرين جوهريين هما قيمة المبيع وقيمة التعويضات الأخرى.
لقد نص التقنين المدني الجزائري و نظيره المصري على التزام البائع بقيمة المبيع وقت الاستحقاق تطبيقا لقواعد التنفيذ بمقابل و مع أنه لا يجوز للمشترى المطالبة بضمان الاستحقاق إلا من وقت صدور الحكم النهائي بالاستحقاق لأن حكم الاستحقاق يستند أثره إلى وقت رفع الدعوى، غير أنه يلاحظ أن المشترى ليس مقيدا بقواعد التنفيذ المقابل التي طبقتها المادة 375 ق.م.ج المقابلة للمادة 443 مدني مصري و إنما له أن يعدل عنها إلى طلب الفسخ، فيجوز حينئذ أن يطالب بالثمن الذي دفعه أو أن يكتفي بقيمة الشيء وقت الاستحقاق.
قيمة الثمار التي ألزم المشترى بردها إلى المالك الذي نزع يد المشتـرى عن المبيع : أي أن المشترى يرد الثمار لمن استحق المبيع أي لمالك الحقيقي و هذا إذا كان سيء النية (أي المشترى) قبل رفع دعوى الاستحقاق أما إذا كان حسن النية فلا يردها، فلا محل إذن لرجوعه على البائع.
المصروفات التي قد يصرفها المشترى على المبيع : إما أن تكون مصروفات ضرورية أو مصروفات نافعة أو كمالية إن المشترى يسترد من المالك الذي حكم له بالاستحقاق المصروفات الضرورية التي أنفقها لحفظ المبيع، أما المصروفات النافعة فنفرق فيها بين أمرين :
*إذا كان المشترى حسن النية، أي لم يعلم بسبب الاستحقاق أثناء قيامه بهذه النفقات، فإن له الحق أن يسترد من المالك هذه المصروفات بقدر ما أعاد على المبيع من زيادة في القيمة، أما إذا كان المشترى سيء النية، أي كان يعلم سبب الاستحقاق وقت الاتفاق، كان حكمه كحكم الباني سيء النية أن يخضع لخيار المالك، إذا يجوز لهذا الأخير أن يطلب إزالة المنشآت التي قام بها المشترى مع التعويض إذا كان له وجه، أو يطلب استبقاءها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة.
أما إذا أنفق المشترى على المبيع مصروفات كمالية، فليس له أن يطالب بها المالك، كما ليس له أن يطالب بها البائع إذا كان هذا الأخير حسن النية.
مصروفات الدعاوى (دعوى الضمان و دعوى الاستحقاق): المفروض هنا أن المشترى خسر دعوى الاستحقاق المرفوعة عليه من الغير وألزم تبعا لذلك بمصروفاتها و أنه أدى هذه المصروفات للمستحق، فيكون له أن يطالب بها البائع ويستثنى من ذلك ما كان المشترى يستطيع أن يتقيه لو أخطر البائع بدعوى الاستحقاق في الوقت الملائم، ويقع على عاتق البائع في هذه الحالة إثبات أنه كان ممكنا اختصار الإجراءات لو تم إخطاره في الوقت الملائم.
تعويض المشترى عما لحقه من خسارة و ما فاته من كسب بسبب استحقاق المبيع : بعد أن ذكر المشرع عناصر التعويض السابقة في البنود الأربعة الأولى من المادة 375 أضاف في البند الخامس " بوجه عام تعويض المشترى عما لحقه من خسارة أو فاته من كسب بسبب استحقاق المبيع " و القصد من هذه العبارة هو تقرير حق المشترى في طلب التعويض عن كل خسارة لحقت به أو كسب فاته، وليس في ذلك إلا تذكير بالقواعد العامة و تطبيقا لها.
لهذا يجوز للمشترى أن يرجع على البائع زيادة على العناصر السابقة، بمصاريف عقد البيع، مثل مصاريف تحرير العقد عند الموثق، السمسرة و رسوم التسجيل، و ما فاته من كسب مثلا بسبب فوات صفقـة رابحة، كأن ترك المشترى مشروع استثمار تجاري ليشترى العين المبيعة ثم تستحق العين بعد ذلك، فإن الربح الذي كان يدره المشروع يعتبر كسبا فات علـى المشترى و من ثم يتعين أن يعوضه البائع عنه و هذا ما نص عليه المشروع الفرنسي في المادة 1149.
بمعنى إذا استحق المبيع في يد المشترى، يعتبر إخلالا بالتزام الضمان الذي يقع على عاتق البائع، و لذا تطبق القواعد العامة التي تخول للمشترى أن يطلب إما التنفيذ بمقابل أو الفسخ أو إبطال البيع، و تكون مصلحة المشترى في طلب الفسخ إذا كانت قيمة المبيع قد نقصت وقت الاستحقاق عما كانت عليه وقت البيع، و بالفسخ يخوله استرداد كل الثمن الذي دفعه، أما التنفيذ بمقابل لم يكن يخوله إلا قيمة المبيع وقت الاستحقاق و فضلا عن ذلك للمشترى أن يستغنى عن طلب التنفيذ بمقابل و عن طلب الفسخ و يطلب إبطال البيع لورود البيع على مال غير مملوك للبائع و التعويض إذا كان المشترى يجهل أن البائع كان لا يملك المبيع.
أحوال الاستحقاق الجزئي نصت عليها المادة 376 ق.م.ج. و المقابلة للمادة 444 ق.م مصري، كما تعرض المشرع اللبناني أيضا لهذه الحالة في المادتين 437، 738 موجبات لبناني، و يكون الاستحقاق جزئيا إذا انتزع من المشترى جزء مفرز أو شائع من المبيع أو حكم للغير بحق متفرع عن حق ملكية المبيع كحق ارتفاق، أو بمال من ملحقات المبيع، و إذا ادعى به الغير و حكم له القضاء بذلك، اعتبر استحقاقا جزئيا، و لكن المشرع يفرق في الاستحقاق الجزئي بين حالتين:
الحالة الأولى: و هي الحالة التي يكون فيها الاستحقاق الجزئي بالغا حدا من الجسامة بحيث لو علمه المشترى قبل التعاقد لما أبرم العقد، أي أن تكون خسارة المشترى بسبب الاستحقاق الجزئي قد بلغت من الجسامة قدرا لو علمه المشترى لما أتم العقد، فللمشترى أن يطالب البائع بالمبالغ المبينة بالمادة، 375 مقابل رد المبيع مع الانتفاع الذي حصل عليه منه.
الحالة الثاني: و هي الحالة التي لم يبلغ فيها الاستحقاق الجزئي هذا الحد من الجسامة، أي الحالة التي لم يبلغ فيها الاستحقاق الجزئي قدرا من الجسامة، فلا يكون للمشترى أن يرد الباقي للبائع و إنما له أن يحتفظ بباقي المبيع و أن يطلب التعويض عن الجزء الذي استحق.
تعديل أحكام ضمان الاستحقاق بموجب الاتفاق:
الأصل في التزام الضمان كما في غيره من الالتزامات العقدية أن تخضع لإرادة المتعاقدين، فمثلا يجوز للمشترى الاتفاق على أن يعوضه البائع في حالة حصول تعرض له في انتفاعه بالمبيع، كما يحق للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليه في العقد، لقد نصت المادة 377/1 ق.م.ج على ذلك و التي تقابلها المادة 445 الفقرة الأولى.
( يجوز للمتعاقدين بمقتضى اتفاق خاص أن يزيدا في ضمان نزع اليد أو ينقصا منه أو يسقطاه ).