المسؤولية الجزائية للطبيب في ظل التشريع الجزائري
مداخلة السيد سيدهم مختار
مستشار بالمحكمة العليا
في الملتقى الدولي حول الأخطاء الطبية
الجزائر 12 أبريل 2010
محتويات الموضوع
المبحث الأول : الجرائم غير العمدية أثناء الممارسة:
ـ لماذا يجوز للطبيب المساس بالسلامة الجسدية للمريض
مفهوم حالة الضرورة ـ
ـ الأخطاء الطبية بسبب عدم الالتزام بواجب قانوني
ـ أنواع الخطأ الطبي :
1- الخطأ في التشخيص
2-الخطأ في وصف العلاج و تنفيده
3-الخطأ في التخدير
4-الخطأ الجراحي
ـ ما لايشكل خطأ طبيا :
أ-الفشل الجراحي
ب- الخطر الطبي
-الأساس القانوني لمسؤولية الطبيب
-العناصر المطلوبة لقيام المسؤولية الجزائية :
1-الإهمال
2-الرعونة
3- عدم الإحتياط
- مسؤولية الفريق الطبي
- مسؤولية المستشفى
- شرط رضا المريض في العمل الطبي
- العلاقة السببية بين الفعل و الضرر
المبحث الثاني :الجرائم العمدية :
- كشف السر المهني
- حالة الضرورة لكشف السر المهني
- التزوير في التقارير أو الشهادات الطبية
- المساعدة على الانتحار و الموت الرحيم
- الإجهاض
- عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر
- تقديم وصفة طبية للحصول على مهلوسات مجاملة
- إنتزاع الأعضاء البشرية و الإتجار بها
مقدمة :
لقد أنقذ الطب الحديث البشرية من أمراض و أوبئة كانت في الماضي قد حصدت أرواح الملايين ، و مع تطور البحوث في هذا المجال تم صنع كم هائل من الأدوية و الآلات المعقدة لإستعمالها في الصراع ضد المرض بمختلف أنواعه و إنقسمت الدراسات إلى فروع متخصصة للتحكم أكثر في كل ما يصيب الإنسان في جسمه . لكن العمل الطبي لا يخلو من الأخطاء يتسبب فيها الطبيب .هذه الأخطاء لم يكن ليحاسب عليها في الماضي غير أن إزدياد وعي الناس بأن بعضها ليس قدرا محتوما بل هي نتيجة عن عدم تبصر أو إهمال أو رعونة و كان بإمكانه تفاديها لو أنه إحتاط و أولى عناية الرجل العادي من حيث التكوين و الإنتباه .
لذا فإن الأطباء على إختلاف تخصصاتهم قد يرتكبون أخطاء جزائية أثناء ممارستهم لعملهم و بما أن الخطأ الجزائي يختلف عن المدني فإن الأول لايجوز إفتراضه بل حدده المشرع بدقة تطبيقا لمبدأ الشرعية في الجزاء و هو إما أن يكون عمديا أو غير عمدي.
من بين الأخطاء غير العمدية الجرح و القتل بطريق الإهمال- الرعونة – عدم لاإحتياط عدم الإنتباه و عدم مراعاة الأنظمة أو القوانين أما العمدية فهي الإجهاض – التزوير في التقارير – عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر و المساعدة على الإنتحار أو القتل الرحيم وسنحاول تفصيل هذا دون التطرق إلى المسؤولية المدنية التى مجالها أوسع سيتناوله مشاركون آخرون
لماذا يجوز للطبيب المساس بالسلامة الجسدية للإنسان ؟
تتطلب ممارسة الأعمال الطبية و الجراحة المساس بسلامة جسم الإنسان و لما كان المشرع يجرم هذا المساس بالجسم فإن الأعمال الطبية تتطابق مع ذلك و رغم هذا لا يعاقب الطبيب إذا أضطر و هو يزاول مهنته إلى التعرض لأجسام المرضي بالإيذاء، و لايعتد بحسن نيته وإنتفاء القصد الجنائي لأنه يعلم أن فعله من شأنه المساس بجسم المريض و لا يستند على رضا المريض لأن القانون لا يعتد برضاء المجني عليه في جرائم الإعتداء على الجسم أو الحياة، فلا يقبل من الجاني أن يدفع بأنه إرتكب الفعل تلبية لطلب المصاب أو القتيل و لكن السند في كل ذلك هو إباحة الأعمال الطبية التي يباشرها علي جسم المريض فهي ليست من قبيل الإعتداء علي الجسم الأمر الذي جعل الإجتهاد القضائي يعتبرها مبررة بسبب حالة الضرورة 1
________________________________________
•1- جرائم الخطأ الطبي و التعويض عنها –شريف الطباخ –ص86
مفهوم حالة الضرورة :
يعتبر الفقه و القضاء حالة الضرورة سببا من أسباب الإباحة أو مانعا من موانع المسؤولية (.2 )
حالة الضرورة لا يمكن الأخذ بها كفعل مبرر إلا عند وجود شخص أمام خطر حال و هو مجبر على إرتكاب جريمة مضحيا بمبدإ من أجل الحفاظ على آخر له أهمية أكثر شرط أن لا يكون هو من تسبب في حالة الضرورة (3) ويشترط لقيام هذه الحالة أن يكون الخطر جسيما كما هو الحال في المادة 308 من قانون العقوبات التي تنص على أنه لا عقوبة على الإجهاض إذا إستوجبته ضرورة إنقاد حياة الأم من الخطر متى أجراه طبيب أو جراح في غير خفاء وبعد إبلاغه السلطة الإدارية، فرغم أن الفعل يشكل جريمة وفقا للمادة 304 من نفس القانون إلا أن المشرع أباحه عندما تكون حياة الأم في خطر و فضل مصلحتها على مصلحة الجنين.
خلاف هذه الحالة سكت المشرع الجزائري عن النص على حالة الضرورة كقاعدة عامة بينما نص عليها قانون العقوبات الفرنسي في مادته 7-122 كسبب من أسباب الإباحة أو إنتفاء المسؤولية كما نصت المادة 61 من قانون العقوبات المصري على أنه لا عقاب على من إرتكب جريمة ألجأته إلى إرتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره و لا يكون لارادته دخل في حلوله و لا في قدرته منعه بطريقة أخرى .
خلاصة القول في هذا أن الفعل يقدر بغرض الفاعل منه و هل كان هذا الغرض أولى من الفعل أو بمعني آخر هل أن المصلحة التي أراد حمايتها تبرر ما قام به
الأخطاء الطبية بسبب عدم الإلتزام بواجب قانوني :
يفرض القانون إلتزامات على الشخص حتى لا يضر بغيره ، و من هذه الإلتزامات أن يحتاط في تصرفاته و لو بحسن نية من المساس بجسم الإنسان أو روحه فلا يجوز له أن يتصرف كيفما شاء برعونة أو إهمال أو عدم إحتياط ثم يدفع عند وقوع الضرر بأنه لم يكن يقصد ذلك .
إن أكثر المجالات التي تقع فيها هذه الأخطاء هي مجال الطب و مخالفات قانون حركة المرور و ما يعنينا في هذه الدراسة هو الحالة الأولى . قد يقع الخطأ الطبي في التشخيص أو في وصف العلاج أو تنفيده .
تنص المادة 13من المرسوم التنفيدي رقم 92 – 276 المؤرخ في 6–7-1992المتضمن مدونة أخلاقيات الطب على أن الطبيب أو جراح الأسنان مسؤول عن كل عمل مهني يقوم به كما تنص المادة 17 من نفس المرسوم على أنه يجب على الطبيب أو جراح الأسنان أن يمتنع عن تعريض المريض لخطر لا مبرر له خلال فحوصه الطبية أو العلاجية .
________________________________________
•2- د.بوسقيعة –الوجيز في القانون الجزائي العام ص141
3- J.Pradel / A.Varinard les grands arrêts du droit pénal général P.306
يتمثل خطأ الطبيب في الإخلال بالتزام قانوني ببذل عناية اليقظة و التبصر و الحذر حتي لا يضر بالغير فإذا إنحرف عن هذا السلوك و نتج عنه ضرر وجبت مساءلته جزائيا سواء في إطار تنفيد إلتزاماته العقدية أو القانونية و سواء وافق المريض مسبقا على العمل الطبي أو لم يوافق
إن معيار خطأ الطبيب هو معيار موضوعي يقيس الفعل على أساس سلوك معين يختلف من حالة إلي أخري و هو سلوك الشخص العادي أي أن القاضي يقيس سلوكه بسلوك الطبيب في نفس المستوي التأهيلي و نفس الظروف
الخطأ في التشخيص :
التشخيص مرحلة تسبق مراحل العلاج وهي أدق وأهم من المراحل الأخرى . ففيها يحاول الطبيب معرفة ماهية المرض ودرجة خطورته وتطوره و بناء على ذلك تتكون لديه معطيات يقرر على ضوئها ما يجب القيام به وهذا لا يتوفر لديه إلا بعد القيام بإجراءات من شأنها إبعاد الخطإ كالتحاليل وتصوير الأشعة والإستعانة بالأطباء الآخرين ذوي الإختصاص . فاذا ثبت أنه تسرع في وصف المرض وفحص المريض بصورة سطحية كان مسؤولا عما يحدث عن ذلك من عواقب وخيمة و لا يعفى من المسؤولية إلا إذا كانت الأعراض متداخلة ومعقدة بحيث يخطىء في تحديد أسبابها أي طبيب من نفس المستوى (4)
الخطأ العلمي : لا يجوز للطبيب أن يطبق إلا الأصول العلمية الثابتة و يمنع عليه تطبيق نظرية كتجربة على جسم المريض لا زالت الآراء مختلفة حولها الأمر الذي يشكل مغامرة في تطبيقها قد يدفع المريض ثمنها كما يتعين عليه عدم تطبيق وسائل مهجورة تجاوزها الزمن و أصبحت غير معترف بها علميا
الخطأ في وصف العلاج :
بعد التشخص تأتي مرحلة العلاج و كيفيته.فالطبيب في هذه المرحلة غيرمجبر بتحقيق نتيجة ولكنه ملزم ببذل عناية الطبيب اليقظ الذي يحرص على مصلحة المريض فيبعد عنه ما يضره قدر الإ مكان وفقا للأصول العلمية الثابثة وما توصل اليه العلم. فيختار ما يراه مناسبا .فإذا وصف دواء غير مناسب للمريض أو أخطأ في تقدير جرعته وترتبت عن ذلك أضرار كان مسؤولا عنها . وله أن يوازن بين أخطار العلاج وأ خطار المرض و يمنع عليه العلاج بقصد التجارب العلمية فلا تجوز المغامرة في جسم المريض وقد منع هذا قديما على اجسام
________________________________________
4- نقض جنائي فرنسي 17-01-1999
المحكوم عليهم بالإعدام لأن كرامة الانسان تمنع ذلك كما ان رضا المريض غير مبرر لإجرائها بإعتبار ان ذلك
يمس بالنظام العام .هذا و قد منعت المادة 18 من مدونة الأخلاقيات الطبية إستعمال العلاج الجديد للمريض إلا
بعد دراسات بيولوجية ملائمة تحت رقابة صارمة كما تنص المادة 193 مكرر من قانون الصحة على أن تخضع المواد الصيدلانية و المستلزمات الطبية المستعملة في الطب البشري إلى مراقبة النوعية و المطابقة وفقا للتشريع المعمول به و كل إستيراد أو تصدير أو صنع لها خلافا لهذا يعاقب عليه القانون(المادتان 265 مكرر 2 مكرر 3 من قانون الصحة ).
الخطأ في التخدير : حتى يكون العلاج جراحيا لابد من إستعمال التخدير كوسيلة للتقليل من آلام المريض و هي عملية لا تخلو من الخطورة مما يوجب معه عناية فائقة من حيث قدرة المريض على تحملها و قد أصبح هذا الفرع من الطب تخصصا قائما بذاته و على الطبيب القائم به أن يراعي أصول الفن في ذلك تحت طائلة مساءلته جزائيا إن وقع تقصير من طرفه أثناء وبعد العملية (5) فمن الملفات القضائية في هذا الموضوع أن طبيبا خدر المريضة ثم إنصرف و تركها تحت رعاية شخص آخر ليس أهلا لذلك ، و بعد عودته وجد أنبوب الأكسيجين ملتويا فماتت بسبب هذا و تمت إدانته مع براءة الجراح (6) و في نفس السياق أدين طبيب مخدر لعدم إخضاع المريضة إلى التنفس الإصطناعي رغم شعورها بالإختناق بعد العملية و لم يحقنها بالدواء المساعد على إزالة التخدير مما أدى إلى وفاتها (7)
وفي قضية أخرى تمت إدانة المخدر لعدم قيامه بالمراقبة الكافية و هو ما أثبتته الخبرة المنجزة (
الخطأ الجراحي : الجراحة على جانب كبير من الأهمية و الخطورة وهي تتطلب حذرا و حيطة تتجاوز غيرها لأنها غير مضمونة النتائج و يسأل الجراح عن نسيان أشياء في بطن المريض (9)كما يسأل عن التأخير في إجراء العملية(10) وعن عدم المتابعة بعد ذلك وهو مسؤول عن المستخدمين معه والذين يعملون تحت إشرافه(11) فهو مقيد بالتزام عام حول اليقظة والإنتباه ومسؤول أيضا عن المساس بأعضاء أخرى غير تلك التى كانت مبرمجة جراحتها(12)
________________________________________
•5- نقض جنائي فرنسي 30-05-1986 النشرة الجنائية 184
•6- قرار المحكمة العليا 287810 بتاريخ 06-04 -2004
•7- قرار المحكمة العليا 296423 بتاريخ 27 – 07 – 2005
•8- قرار المحكمة العليا 254270 بتاريخ 09-04-2003
•9-نقض الجنائي فرنسي 18 -11 – 1976 النشرة الجنائية 333
•10- نقض جنائي فرنسي 25 – 05 - 1982 النشرة الجنائية 134
•11 – نقض جنائي فرنسي 09-05-1956 النشرة الجنائية 355
•12- موقع jurispedia الفعل الضار و الخطأ الطبي
الفشل الطبي :L'échec médical
الفشل الطبي هو أن إجراء طبيا معينا لم يتحقق الهدف المرجو منه اذا لم تتحسن حالة المريض بل تكون قد زادت خطورة .فالفشل الطبي في حد ذاته لا يشكل خطأ لأن الطبيب ملزم ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة ما لم يكن هناك تقصير من طرفه أدى إلى هذا الفشل.
الخطر الطبي: le risque médical
هو خطر محتمل وقوعه من وجهة النظر الطبية وحادث غير مرغوب فيه ومعروف إحصائيا ومن شانه أن يشكل ضررا أي أن نسبة الخطر مبنية على إحصائيات مسبقة .
كل عمل طبي جراحي فيه خطورة و على المريض أن يقبل أو لا يقبل ذلك الخطر و لو أن هذا لا يعفي الطبيب من أخذ الحيطة في تجنبه
الأ ساس القانوني لمسؤولية الطبيب الجزائية
المادة 288 من قانون العقوبات الجزائري :
كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم احتياطه أو انتباهه أو عدم مراعاته الانظمة يعاقب بالحبس من ستة اشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 1000إلى 20.000دج
المادة289من نفس القانون
اذا نتج عن الرعونة اوعدم الإحتياط إصابة او جرح أو مرض أدى إلى العجز الكلي عن العمل لمدة تجاوز ثلاثة اشهر فيعاقب الجاني بالحبس من شهرين إلى سنتين وبغرامة 500إلى 15000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين وتطبق المادة 442-2 من نفس القانون اذا كانت مدة العجز تقل عن ثلاثة أشهر.
من خلال هذه النصوص يتبين وأن المشرع جرم بعض الأفعال المضرة بالسلامة الجسدية للإنسان أو بروحه ولو لم تكن لدى الفاعل نية إحداث النتيجة لكن بسبب عدم تبصره و عدم إحتياطه و عدم إنتباهه حدث ما لم يكن متوقعا وأن هذه القاعدة وإن كانت عامة فإنها تطبق أيضا على الأطباء في ممارستهم لمهنتهم لكن ذلك يحتاج إلى تفصيل لأن هناك افعالا مبررة كما ذكرنا ولكي تعتبر مجرمة يجب أن يتوفر عنصر واحد على الأقل من العناصر التالية
أولا : الإهمال
الإهمال هو موقف سلبي من الجاني الذي لم يقم بواجب كان يتعين عليه القيام به لمنع الخطر وكثيرا ما يتداخل هذا العنصر مع عدم الإحتياط . من ذلك ترك ضمادة في جسم المريض أثناء الجراحة أو عدم متابعته بعد العملية والتأخير في إسعاف المريض وإبعاد الخطر عنه ....إلخ.و من قرارات المحكمة العليا في هذا الصدد أن طبيبا كان يعمل بعيادته بينما هو مكلف بالمناوبة وبعد إحضار مصاب في حادث مرور توفي نتيجة تأخر الطبيب في الوصول إلى المستشفي (13) كما أدينت طبيبة إمتنعت عن إجراء عملية لمريض كان في حاجة إليها فورا مما أدى إلى وفاته و قد رفضت المحكمة العليا طعنها بالنقض (14)
من جهة أخرى فإن الإهمال قد يكون من طرف المساعدين الطبيين ذلك أن ممرضة لم تقم بربط الحبل السري جيدا لمولود مما نتج عنه نزيف أدى إلى وفاته و قد حاولت الدفع بأن الأم لم ترجع المولود إلى المستشفى بعد خروجه لكن المحكمة رفضت هذا الدفع كما رفضت المحكمة العليا الطعن بالنقض (15)
ثانيا :الرعونة
حالات الرعونة تقع عادة في الجراحة والتوليد وهي تعني قيام الطبيب أو القابلة بأفعال تتسم بالخشونة في التعامل مع جسم المريض أو المريضة خاصة عملية التوليد . فهناك إعاقات تلحق المولود من جراء الرعونة فمن الملفات القضائية أن أمراة عرضت نفسها على طبيب قصد توليدها قبل التاريخ المحدد فتبين أن وضعية الجنين غير عادية وبتاريخ الولادة لم يأمر بتحويلها على المستشفى بل قام بنفسه بتوليد ها وطلب من امها مساعدته في جذب الوليد من رجليه لكن رأسه إنفصل عن جسده وبقي بالداخل وبعد أن تم نقل الأم إلى المستشفى توفيت قبل وصولها وبناء على هذه الوقائع أدانت المحكمة الطبيب مستخلصة الأخطاء التالية .
1-عدم اتخاد الحيطة لمنع الخطر في بادئ الأمر مع ما شاهده من حالة المتوفاة قبل الولادة بعدة أيام.
2-عندما باشر الولادة فعلا وجد أن الحالة صعبة ولم يطلب مساعدة طبيب آخر في الوقت المناسب قبل أن يستفحل الأمر إلى أن حصل نزيف شديد واغمي على الأم .
3-أن جذب الجنين مدة من الزمن وإستعمال العنف في الجذب رغم ان ذلك لم يكن له جدوى بالنظر إلى حجم رأس الوليد وكل دقيقة تمر تشكل خطرا على الأم وعلى وليدها معا.
حاول الطبيب إلقاء المسؤولية على أم المتوفاة بأنها هي التي .جذبت الوليد لكن ذلك لا يبرئه لأنه هو من طلب منها ذلك وكان عليه طلب مساعدة أخصائي أو إرسال المريضة إلى المستشفي قبل إستفحال وضعيتها (16)
عدم الإحتياط :
هو عدم الإنتباه لخطر كان متوقعا و معروفا لكن الطبيب لم يعمل على تجنبه إما جهلا أو نسيانا فأحدث
•13- قرار المحكمة العليا 293077 بتاريخ 22 – 12 – 2004
•14-قرار الحكمة العليا 240757 بتاريخ 26 – 06 -2006
•15- قرار المحكمة العليا 283373 بتاريخ 22 – 12 – 2004
16- جرائم الخطأ الطبي و التعويض عنه – شريف الطباخ – ص28 و ما بعدها
بذلك ضررا للمريض .
إن حالات عدم الإحتياط كثيرة لا يمكن حصرها ومنها على سبيل المثال ملف قضائي تمت فيه متابعة طبيب كان يتابع إمرأة حاملا لم يقم بالإحتياط اللازم لصحة الجنين فأصيب بمرضtoxoplasmose نتج عنه فقدان بصره وولد كفيفا لكن قاضي التحقيق أصدر أمرا بإنتفاء وجه الدعوى أيدته غرفة الإتهام في دلك و بعد الطعن بالنقض ضد قرار هده الأخيرة تم نقضه لإرتكازه على مبدإ أن الطبيب ملزم ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة لكن وقائع القضية بينت أنه لم يبذل هذه العناية(17) من هذه القضايا أيضا حقن مريضة بمادة الأنسولين دون تحليل سابق حول مدى قابلية المريضة لذلك (18) و وضع مولودة بمحضنة درجة حرارتها مرتفعة جدا (19) ونقل دم دون التأكد من فصيلته (20) الأمر الذي أدى إلى وفاة الضحايا و إدانة الأطباء و الممرضين المتسببين في ذلك
مسؤولية الفريق الطبي :
قانون العقوبات لا يعرف المسؤولية الجماعية فالخطأ الجزائي شخصي لا يحاسب عليه إلا المعني به كان الإجتهاد القضائي في البداية يحمل المسؤولية للجراح وحده لكنه تراجع و صار يبحث عنها بالنسبة لكل
عضو في المجموعة خصوصا بعد أن أصبح التخدير تخصصا قائما بذاته(21) ________________________________________
•17- قرار المحكمة العليا بالجزائر رقم 297062 بتاريخ 24- 06 - 2003
•18- قرار المحكمة العليا رقم 314597 بتاريخ 27 -07 - 2005
•19- قرار المحكمة العليا 290040 بتاريخ 26 - 10 - 2005
•20- قرار المحكمة العليا 265312 بتاريخ 08 - 10 - 2003
•Jean pradel et michel danti-juan-droit penal special p79 -
يقع عبء الإثبات على المريض أو النيابة العامة بأن الطبيب قد خالف أصول المهنة و إرتكب أحد الأخطاء التي أشرنا إليها و عليه هو أن يثبت عكس ذلك ويبقى تقدير الخطأ للقاضي مراعيا سلوك الطبيب و مقارنته بأمثاله من الأطباء في نفس المستوى و نفس الظروف و قد يلجأ إلى خبرة محايدة توضح وجود أو عدم وجود الخطأ.
يختص الطبيب بالعمل الطبي الفني أما أعمال المعالجة و التمريض فهي منوطة بالممرضين الدين
يساعدونه لكنهم يعملون تحت إشرافه فهم لا يقومون بأية مبادرة شخصية بل يتقيدون بتعليماته فإذا ما
خالفوها سقطت مسؤوليته. لكن تنفيد تعليماته المبنية على خطأ يجعله مسؤولا عنها .(22)
كما أن تلميد الطبيب الملازم لا يتمتع بحرية ممارسة العمل الطبي فلا يسعه ذلك إلا تحت مسؤولية
الطبيب المسؤول الذي يعطيه التعليمات و مخالفتها تجعله مسؤولا وحده عن تصرفاته (23) و تنص المادة 220 من قانون الصحة الجزائري على جواز ممارسة مهنة المساعد الطبي من طرف طلبة العلوم الطبية
طوال السنة النهائية كما تنص المادة222 من نفس القانون على أن يعمل هؤلاء في الحدود المضبوطة والمحددة تبعا لتأهيلهم و يقتصر تدخلهم على تنفيذ ما وضعه لهم الطبيب المشرف و أن يلجأ وا إليه إذا حدث خلال ممارستهم لعملهم ما سبب مضاعفات لا يدخل علاجها في إطار الاختصاصات المسطرة لهم.
يستفاد من النص ضرورة قيام الطبيب المسؤول بمعاينة المريض المسبقة و الحضور أثناء قيام الطبيب التلميذ بالممارسة فإذا ما قام هذا الأخير في غياب المشرف بعمل كان يعتقد أنه سهل لكن حدث ما لم يكن متوقعا فإنه يتحمل كامل المسؤولية .
إن الأمر سهل حين يتدرب الإنسان على صيانة آلة لكن أن يتعلق ذلك بجسم إنسان فإن الأمر محفوف بخطورة كبيرة و أن هذا لا مفر منه لتوفير إطارات المستقبل لكن يجب أن يكون بأقل الخسائر
________________________________________
•22-Joseph trossard-la distinction des obligations de moyen et des obligations de resultat 1965
•23-Les internes choisis par le médecin chef sont des étudiants avancés mais non encore inscrits à l’ordre des médecins .ils n’ont pas donc qualité pour exercer eux-mêmes personnellement la médecine hors les cas exceptionnellement prévus .par le code de la santé publique (juris-classeur pénal –note savatier)
مسؤولية المستشفى:
المستشفي كشخص معنوي قابل للمساءلة الجزائية وفقا للتشريع الجزائري ما لم يكن عموميا .
إن الطبيب يمارس عمله في معالجة المريض أو تدخله الجراحي و هو غير خاضع لأحد و بالتالي يتحمل مسؤولية أخطائه الجزائية و إن مارس مهنته كموظف لدى هيئة إستشفائية لأن هذه ليست لها سلطة إصدار التعليمات و الأوامر للطبيب عن كيفية العلاج أو التدخل الجراحي.(24)
و هناك من يخالف هذا الراي ويحمل المستشفى كامل المسؤلية عن خطإ العلاج والتشخيص (25)، و على أي حال فإن هذا يتعلق بالمسؤولية المدنية أما المسؤولية الجزائية فلا تقوم تجاه المستشفى إلا إذا كان هناك إهمال من طرفه كما في حالة انتقال العدوى بسبب عدم فصل المرضى عن بعضهم حسب نوعية مرضهم أو انقطاع التيار الكهربائي وتوقف الأ جهزة بقاعة الإ نعاش دون أن يكون هناك بديل ذلك .....إلخ...اي ان الخطأ ناتج من التسيير ذاته .
رضا المريض :
يتعين على الطبيب عند قيامه بإجراء يشكل خطورة على المريض أن يطلب موافقته في ذلك او من الأشخاص المخولين منه وعليه أن يقدم العلاج الضروري اذا كان المريض في خطر أو غير قادر على الإ دلاء بموافقته(26) ، فإذا رفض العلاج تعين عليه أن يقدم تصريحا كتابيا في هذا الشأن(27)
________________________________________24-المسؤولية الطبية – محمد يوسف ياسين – ص 41
La faute commise par un médecin opérant un malade dans un hôpital dont il est chirurgien ne se rattache point au fonctionnement du service .mais à l’exercice de son art…….
Les médecins et les chirurgiens des hôpitaux ne peuvent être tenus pour des préposés ou des fonctionnaires de l’administrations alors qu’à cet égard ils sont pleinement indépendants de cette dernière
Encyc-Dalloz responsabilité d’autrui n224et225
25- Didier tabuteau : risque thérapeutique et responsabilité hospitalière
26- المادة 44 من مدونة الأخلاقيات الطبية
27- المادة 49 من نفس المدونة
ففي نفس السياق تم إدخال مريض إلى المستشفى مصابا بمغص حاد مصحوبا بأعراض الزائدة الدودية وعندما فتح الطبيب بطنه وجد كليته ملتهبة و تالفة وفي غير موضعها الطبيعي فقام بإستئصالها حرصا على حياة المريض ولم يكن هنا مجال لأخذ موافقته لكنه اتهم الطبيب بعد شفائه بسرقة كليته(28). إذا ادعى المريض أنه لم يوافق على التدخل الجراحي فعلى الطبيب تقع عملية إثباث العكس وإذا كان قد رفض مسبقا قامت مسؤوليته بشقيها الجزائي و المدني.
فمن المبادئ المكرسة حرمة جسم الإنسان و عدم المساس بسلامته دون موافقته الصريحة و الواضحة .فالمريض له حق مطلق على جسده و لا يجوز إرغامه بالقوة على قبول العلاج ،كما يجب أن يكون على بينة بحالته المرضية و سبل علاجها و مدى خطورة ذلك .فالرضا لا يكون عن جهل بماهو واقع و ما قد يقع من إحتمالات . و قد إستقر القضاء في فرنسا على أن يكون الإخبار بسيطا – تقريبيا – صادقا و واضحا.فكل ما كان بإمكان المريض فهمه وجب شرحه له حتى يمكنه أخذ القرار الذي يراه ملائما له
كما يتعين إخباره بكل النتائج الضارة التي تنشأ من جراء التدخل الجراحي لكن ذلك قد يؤثر على نفسيته ويمتد هذا إلى جسده لذا فقد استقر القضاء على الإ كتفاء بالعموميات دون التفاصيل ويقدر القاضي ذلك كما أن البعض أجاز الكذب على المريض للرفع من معنوياته بالتقليل من الخطورة ، لكننا لا نحبذ هذا لإن إخفاء الحقيقة عنه يعتبر تضليلا له وتغليطا يفقده حرية إتخاذ القرار بل يجب إعلامه بما قد يحدث مع ابقاء ذلك في الإحتمال حتى يمكنه أن يختار بين العلاج أو الإمتناع لكن إذا كان هذا حول العلاج فأنه يجوز اخفاء مرض خطير عنه لأسباب مشروعة يقدرها الطبيب بكل صدق وإخلاص ويجب إخبار الأسرة بها (المادة 51من مدونة الأخلاقيات الطبية )
العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر:
حتى تكتمل أركان المسؤولية الجزائية لابد من فعل و ضرر و علاقة سببية بينهما . هناك نظريات فيما يخص هذه العلاقة منها تعادل الأسباب أو تعددها و يكون كل صاحب سبب مسؤولا كالآخرين ومنها أيضا نظرية السبب الفاعل لحدوث النتيجة طالما أن الأسباب الأخرى متفرعة عنه فقد يوجد خطأ لكنه ليس هو من تسبب في الضرر بل هناك عامل آخر أدى إلى ذلك كخطأ المريض أو الغير . وعلى القاضي أن يبرز العلاقة بين ما وقع من فعل الطبيب .إهمال – رعونة- عدم إحتياط أو عدم إنتباه و الضرر الذي أصاب المريض و إلا عرض حكمه للنقض
إن المادة 288 من قانون العقوبات لايشترط في تطبيقها أن تكون الوفاة نتيجة سبب واحد إذ يمكن أن تكون لها أسباب مختلفة ساهمت في إحداثها بصفة مباشرة أو غير مباشرة و إذا كان من الثابت في قضية الحال و كما جاء في أسباب القرار المطعون فيه أن الخطأ المرتكب و المتمثل في إعطاء المريضة دواء إنتهت صلاحيته لم يؤد مباشرة إلا الوفاة فإن قضاة غرفة الإتهام لم يستبعدوا أن هذا الخطأ قد ساهم بصفة غير مباشرة في أسباب الوفاة و ذلك بحرمان الضحية من الدواء الذي لو كان صالحا لأنقذها خاصة و أن الخبرة
28- محاضرة الدكتور محمد حسين منصور – المسؤولية الطبية ص 446
بينت أن هناك 17 ضحية خلال أسبوع واحد بنفس مصلحة أمراض القلب (29)
ذلك أن الخبرة ذكرت بأن سبب الوفاة هو سكتة قلبية دون تحديد سببها و لو كان العلاج صحيحا لما وقع ذلك الأمر الذي جعل المحكمة العليا تنقض قرار غرفة الإتهام القاضي بإنتفاء وجه الدعوى إرتكازا على أن سبب الوفاة هو السكتة القلبية فقط وفي نفس الإطار تمت إدانة طبيب قام بعملية جراحية لمريض و إخراجه مبكرا من المستشفى فأصيب بإلتهاب السحايا أدى إلى وفاته و هو ما أثبتته الخبرة المنجزة بوجود علاقة سببية بين العملية و الوفاة و حين طعن الطبيب بالنقض رفض طعنه (30)
29- قرار المحكمة العليا 306423 بتاريخ 24 - 06-2003 منشور بالمجلة القضائية العدد 02 لعام 2003
30- قرار المحكمة العليا 259072 بتاريخ 02-07-2003
المبحث الثاني : الجرائم العمدية
كشف السر المهني :
كشف السر المهني يشكل جريمة اذ تنص المادة 235 من قانون الصحة على أن تطبق المادة 301من قانون قانون العقوبات على من لا يراعي السر المهني المنصوص عليه في لمادتين206و226 من هذا القانون فالمادة 206 تنص على أن يلتزم الأطباء و جراحو الأسنان و الصيادلة بالسر المهني إلا إذا حررتهم من ذلك صراحة الأحكام القانونية و قد مددت المادة 226هذا الإلتزام إلى المساعدين الطبيين أما المادة 301 من قانون العقوبات فتنص على أن يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر و بغرامة
500إلى 5000 د.ج الأطباء و الجراحون و الصيادلة و القابلات و جميع الأشخاص المؤمنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أدلي بها إليهم و أفشو ها في غير الحالات التي يوجب عليهم فيها قانون إفشاءها و يرخص لهم بذلك . وقد أعفتهم الفقرة الثانية من نفس المادة من العقوبة عند إستدعائهم للشهادة أمام القضاء في قضايا الإجهاض التي كانوا على علم بها. ويصبح التبليغ عن المتـاجرة بالأعضاء البشرية أو إنتزاعها واجبا بل و يعاقب على عدم القيام به وفقا للمادة 303 مكرر25 من قانون العقوبات ولا يحتج في ذلك بالسر المهني
لقد أثارت قضية إفشاء سر مرض الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران في كتاب» secret le grand « لمؤلفه كلود قوبلر و ميشال قونود ضجة في الأوساط الصحفية، فقد تضمن هذا الكتاب معلومات سرية مفادها أنه بتاريخ 10-05-1981 تم إنتخاب ميتران رئيسا للجمهورية الفرنسية و بتاريخ 16نوفمبر من نفس السنة كشفت الفحوصات الطبية أنه مصاب بمرض السرطان و أن التقديرات تمنحه أملا في الحياة لا يتجاوز ثلاث سنوات ، و قد تجندت مجموعة من الأطباء بهدف إنقاذه لكن الفرنسيين لا يعلمون شيئا عن هذا كونه سرا من أسرار الدولة ، و أن الطبيب الشخصي كلود قوبلر هو الوحيد الذي يمكن أن يفسر بقاء الرئيس حيا سنين أخرى .
في نفس اليوم الذي بدأ فيه بيع الكتاب من طرف شركة النشر plon بتاريخ 17-01-1996 أقامت الزوجة و أبناؤها دعوى قضائية لمنع بيع الكتاب و فعلا تم القضاء بذلك تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 1000 ف.ف عن بيع كل نسخة و بعد الإستئناف تمت الموافقة على الأمر الإستعجالى.
بتاريخ 4 -4 -1996 أقيمت دعوى في الموضوع صدر فيها حكم مفاده أن معظم الأسرار المتكلم عنها تتعلق بالحياة الشخصية لفرانسوا ميتران و من شأنها المساس بمشاعر الزوجة و أبنائها و قضى لهم بتعويضات مدنية
و بتاريخ 5-7-1996 تابعت النياية العامة كلود قوبلر بكشف السر المهني و ميشال قونود واوليفي أوريان بالمشاركة في ذلك فصدر حكم قضى على الأول بثلاثة أشهر حبسا مع وقف التنفيد و على الشريكين بغرامة جزائية 30.000و 60.000 ف.ف
حالات الضرورة لإفشاء السر المهني
هناك حالات يتعين فيها كشف السر المهني لمصلحة المجتمع كأن يكتشف الطبيب مرضا معديا لدى مريضه فإن المصلحة في كتم السر المهني أقل من المصلحة في منع إنتشار المرض بصورة وبائية بين أفراد المجتمع و تجوز له أيضا الشهادة أمام القضاء في قضية إجهاض وصلت إلى علمه رغم أنه غير ملزم بالتبليغ عنها وفقا للمادة 301-2 من قانون
العقوبات كما أجاز القضاء للطبيب تقديم إيضاحات دفاعا عن نفسه في قضية متابع فيها بإرتكاب خطأ طبي ثم أن رضا المعني بالسر المهني يسقط حق المتابعة و يجب أن يكون ذلك الرضا صريحا (31)
هناك جرائم يفرض القانون التبليغ عنها من طرف كل من يعلم بوقوعها أو الشروع في إرتكابها كما تنص على ذلك المادة 181من قانون العقوبات و هو إلتزام لم يستثن أحدا كما
تنص المادة 12 من مدونة الأخلاقيات الطبية على أنه لا يمكن للطبيب أو جراح الأسنان المدعو لفحص شخص سليب الحرية ( محبوس ) أن يساعد أو يغض الطرف عن ضرر يلحق بسلامة هذا الشخص أو عقله أو كرامته بصفة مباشرة أو غير مباشرة و لو كان ذلك لمجرد حضوره و إذا لاحظ أن هذا الشخص قد تعرض للتعذيب أو لسوء المعاملة يتعين عليه إخبار السلطة القضائية بذلك.
إذا كان جائزا الكشف عن السر المهني في حالات محددة في القانون على سبيل الحصر فما هو موقف الطبيب أمام المادة 181 من قانون العقوبات التي تتناقص أحكامها مع المادة 301 من نفس القانون فيما يخص الأطباء ؟
31-جرائم الخطأ الطبي و التعويض عنها – شريف الصباح – ص109
ما يمكن قوله في هذا الصدد أنه إذا وصل إلى علمه وقوع جريمة خارج مهامه صار ملزما بالتبليغ كجميع المواطنين لكن إذا علم بها أثناء ممارسته لمهامه وجب عليه الإمتناع ما دام ذلك كان بمناسبة الوظيفة
إستدعاء الطبيب للشهادة أمام القضاء:
تنص المادة 232 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه لا يجوز سماع شهادة المدافع عن المتهم فيما وصل إلى علمه بهذه الصفة أما الأشخاص المقيدون بالسر المهني فيجوز سماعهم بالشروط و الحدود التي عينها القانون لهم. كما أن كل شخص أستدعي لسماع شهادته ملزم
بالحضور و حلف اليمين و أداء الشهادة مع مراعاة الأحكام القانونية المتعلقة بالسر المهني فإذا تم إستدعاؤه و لم يحضر يعاقب بغرامة من 200 إلى 2000 د.ج.
يلاحظ أن المشرع إستعمل عبارة مع مراعاة أحكام السر المهني و هذا يعني أن الطبيب لا يجوز له كشف ما في علمه حتى أمام القضاء إلا إذا وافق المعني بذلك صراحة لكنه ملزم بالحضور حتى لا يتعرض للعقوبة فإذا طلب منه الإدلاء بأقوال تمس بإلتزامه إمتنع عن ذلك تحت غطاء السر المهني
تزوير التقارير أو الشهادات الطبية
هناك حالتان في هذا المجال:
الأولى
منصوص عليها بالمادة 226 من قانون العقوبات و تعاقب الطبيب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات ما لم تكن الأفعال تشكل جريمة أشد عندما يقرر كذبا في الشهادات التى يحررها بوجود مرض أو عاهة أو حمل أو أعطى بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة و ذلك أثناء تأدية الوظيفة و بغرض محاباة أحد الأشخاص
الحالة الثانية
منصوص عليها بالمادة 238 من نفس القانون و تتعلق بالخبرات القضائية و هي أشد.
يوجد في قائمة الخبراء المعتمدين من طرف المحاكم أطباء تستعين بهم في قضائها و تستشيرهم في مسائل تتعلق بإختصاصهم و يتعين عليهم تحرير تقارير عن ذلك و أن إبداء رأي كاذب فيها
حول وقائع يعلم الخبير أنها غير مطابقة للحقيقة تعرضه لعقوبة شهادة الزور(32) وفقا للمادة المذكورة و تختلف العقوبة عن ذلك حسب نوعية القضية المطروحة جزائية أم مدنية جنائية أم جنحية ففي الجنايات يعاقب بالسجن من 5 إلى 10 سنوات فإذا قبض مبلغا مقابل الكذب يعاقب بالسجن لمدة من 10 إلى 20 سنة فإذا كانت عقوبة المتهم تزيد على ذلك و المبنية على هذا التقرير كانت عقوبة الخبير مساوية لها أما في المادة الجنحية فهي من سنتين إلى 5 سنوات و إذا قبض مكافأة يجوز رفعها إلى 10 سنوات و هي نفس العقوبة المقررة في المواد المدنية
المساعدة على الإنتحار و الموت الرحيم
تعاقب المادة 273 من قانون العقوبات كل من يساعد شخصا على الإنتحار أو يسهله له بأية وسيلة من سنة إلى 5 سنوات حبسا فرضا المجنى عليه لا يؤثر في الجرائم الماسة بالحياة و الصحة و سلامة الجسم كالقتل و الضرب و الجرح العمد،لكن بعض التشريعات بدأت تتجه نحو الأخذ برضا المجني عليه كسبب من أسباب الإباحة على وجه الخصوص في حالة مساعدة مريض ميئوس من شفائه حين يطلب إنهاء حياته و قد صادق البرلمان الهولندي في 28-11-2000 على قانون يبيح القتل إشفاقا ثم تلاه البرلمان البلجيكي في 16-2-2002 لكن المشرع الفرنسي رفض ذلك بموجب المادتين 37و38 من المرسوم 95-1000 المؤرخ في 6-9-1995 المتعلق بالأخلاقيات الطبية فذكر بأن الطبيب يمنع عليه القتل عمدا مهما كانت الظروف و يرفض أي طلب كان من المريض أو محيطه(33).
أما في تشريعنا فلا يوجد ما يسمح بذلك فإذا وقع فإنه يشكل قتلا عمديا مع سبق الإصرار.
لقد أثار الموت الرحيم كما يسميه البعض جدلا سياسيا منهم من يؤيده و منهم من يعارض فالمؤيدون يرون أنه إذا كان المريض يعاني من مرض لا أمل في شفائه فيجوز إنهاء هذه الآلام بقتله بناء على طلبه ، أما المعارضون له فيرون أن الحياة ليست ملكا لصاحبها لأنه لم يمنحها لنفسه فهي ملك لخالقها و هبها في ميعاد و أجلها في ميعاد وفقا للشريعة الإسلامية و هي ملك للمجتمع وفقا لبعض الأراء الفلسفية الأخرى و مهما يكن من أمر فإن القتل يشكل جريمة و لو
________________________________________
32- قرار المحكمة العليا رقم 580464 بتاريخ 29 - 09 - 2009
33- موقعprohibition de l’euthanasie –jurisques-santé
د.بوسقيعة المرجع السابق ص 154
بدافع الشفقة بناء على طلب المجني عليه
الإجهاض:
الإجهاض قد يكون لضرورة شرعية و قد يكون لغرض إجرامي و قد يكون تلقائيا دون تدخل أحد من الأسباب.
ما يهمنا في هذا هو الحالتان الأولى و الثانية . تنص المادة 304 من قانون العقوبات على أن كل من أجهض إمرأة حاملا أو مفترض حملها بإعطائها مأكولات أو مشروبات أو أدوية أو
بإستعمال طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى 5سنوات و بغرامة من 500 إلى 10.00د.ج و إذا أفضى الإجهاض إلى الموت فتكون العقوبة السجن المؤقت من 10 إلى 20 سنة
كما تعاقب المادة 306 من نفس القانون كل من يدل على طرق الإجهاض و لو دون التدخل الفعلى لكن المادة 308 جاءت بإستثناء أنه إذا كان ذلك لضرورة من أجل إنقاد حياة الأم فإن
القانون لا يعاقب عليه شرط ألا يقع الإجهاض في خفاء و بعد إبلاغ السلطة الإدارية
إن عدم إخبار السلطة الإدارية مسبقا بما إعتزم عليه الطبيب يشكل جريمة سواء وافقت المرأة المجهضة على ذلك أم لم توافق (34)
تختلف وسائل الإجهاض فقد تكون وسائل كيميائية لإسقاط الجنين أو مادة قاتلة له و قد تكون ميكانيكية كالدفع بآلة أو أداة إلى الرحم لإخراج الجنين أو قتله و كل محاولة ولو خاب أثرها تعتبر كالجريمة نفسها .
يشترط لقيام الجريمة أن يكون الطبيب على علم بأن المرأة حامل و رغم ذلك وصف لها أدوية مؤدية إلى إسقاط الجنين أما إذا كان قد وصف لها دواء لغرض آخر لكن من شأنه أن يؤثر على الحمل و دون أن يكون عالما به فلا تقوم الجريمة لكنه يتابع على عدم الإحتياط
34- قرار المحكمة العليا 316498 بتاريخ 26 - 07 - 2006
تبقى مسألة حالة الضرورة للإجهاض هل أن الحالة التي كانت تعاني منها الأم تقتضي فعلا إسقاط جنينها؟ هذا التساؤل يتعين على الطبيب الذي قام بذلك أن يجيب عليه ليتم نفيه أو تأكيده بخبرة محايدة إن أمكن ذلك.
إن معظم حالات الإجهاض تقع عادة في الحمل غير الشرعي خاصة في المجتمعات المحافظة خشية إلحاق العار بالأم و الأسرة معا و تحت توسل الحامل و إلحاحها قد يقوم الطبيب من باب الشفقة عليها بتلبية طلبها معرضا نفسه لعقوبات جزائية (35) و للتخفيف من هذه الوضعية أجاز التنظيم في الجزائر للأم أن تلد في المستشفي دون الإشارة لهويتها و دون ذكر نسب الوليد مع التخلي عنه هناك
عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر
التكافل الإجتماعي يفرض على كل شخص أن يقدم خدماته عند الضرورة لإنقاذ شخص في حالة خطر و في هذا الإطار جاءت المادة 182 من قانون العقوبات لتجعل من الإمتناع عن تقديم هذه المساعدة جريمة يعاقب عليها من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات ومن 500 إلى 15000د.ج أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل من يستطيع بفعل مباشر منه و بغير خطورة عليه أو الغير أن يمنع وقوع فعل موصوف بأنه جناية أو وقوع جنحة ضد سلامة جسم الإنسان و إمتنع عن القيام بذلك دون الإخلال بتوقيع عقوبات أشد تنص عليها القوانين الخاصة
أما الفقرة الثانية و هي التي تهمنا فتنص على عقاب من يمتنع عمدا عن تقديم مساعدة شخص في حالة خطر كان بإمكانه تقديمها إليه بعمل مباشر منه أو بطلب الإغاثة و ذلك دون أن تكون هناك خطورة عليه
في عهد المذهب الفردي كانت للطبيب الحرية في مهنته بالطريقة التي تروقه و له الحق في قبول أو رفض الدعوة للعلاج و لا يلتزم بإجابة طلب المريض فالعلاقة بينهما تعاقدية يلزم فيها رضا الطرفين لكن الإتجاهات الحديثة في نسبة الحقوق و وظيفتها الإجتماعية قيدت من تلك الحرية المطلقة للطبيب إذ يجب عليه إستعمالها في حدود الغرض الإجتماعي الذي من أجله تم الإعتراف له بها و إلا كان متعسفا في إستعمال هذا الحق مدنيا و مخلا بإلتزام قانوني جزائيا (36) عند إمتناعه عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر
35- قرار المحكمة العليا 283370 بتاريخ 09 - 04 - 2003
36- محاضرة الدكتور جاسم علي جاسم المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين ج1المسؤولية الطبية ص440
إن مهمة الطبيب إنسانية بالدرجة الأولى و عليه أن يضع هذا نصب عينيه في جميع الظروف و الأحوال و إمتناعه دون مبرر عن تقديم المساعدة لمريض يعاني من حالة خطيرة لا تقبل الإنتظار يشكل جريمة يحاسب عليها و يشترط لقيامها ألا يكون هناك من يحل محله إذا كان يعمل بالقطاع الخاص أما إذا كان يعمل بالقطاع العام فهو مجبر بالتدخل لمساعدة المريض في كل وقت و يسأل أيضا عن التأخر في الحضور ما لم تكن له إرتباطات ذات أهمية قصوى
إن الطبيب المناوب الذي لا يتواجد بمكان عمله يرتكب جريمة عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر إذا ما وقع لهذا الشخص ضرر من جراء غياب الطبيب (37) و أكثر من هذا إذا كان حاضرا و رفض تقديم المساعدة للمريض(38)
تقديم وصفة طبية للحصول على مهلوسات مجاملة
تنص المادة 16 من قانون الوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية على عقاب الطبيب الذي يقدم عن قصد وصفة طبية صورية على سبيل المحاباة تحتوي على مؤثرات عقلية بالحبس من5 إلى 10 سنوات و بغرامة 500.000 إلى 1.000.000 د.ج
لقد تشدد المشرع في هذا القانون في العقاب ضد كل من يتعامل بصورة غير شرعية في مجال المخدرات ومن ذلك تقديم وصفات صورية أو عن طريق المجاملة للحصول على تلك المواد ويبقى الإشكال قائما حول إثبات صورية الوصفة و هل هي فعلا كذلك أم هناك ضرورة لتحريرها كما يبقي تقدير هذا للقاضي يستخلصه من ظروف و ملابسات القضية
إنتزاع الأعضاء البشرية و الإتجار بها :
بعد أن كان المشرع الجزائري يعاقب فقط على الإتجار بالدم البشري أو مصله أو مشتقاته وفقا للمادة 263 من قانون الصحة العمومية جرم أفعالا أخرى في نفس السياق بموجب القانون المؤرخ في 25 /02 /2009 المعدل لقانون العقوبات منها إنتزاع الأعضاء البشرية من أحياء أو أموات دون مراعاة الإجراءات القانونية في ذلك ، كما جرم هذا الإنتزاع بمقابل
37- قرار المحكمة العليا 288870 بتاريخ 07-09-2004
38- قرار المحكمة العليا 262715 بتاريخ 03 – 09 -2003 و240757بتاريخ 26-06-2002
ولو بموافقة المعني لأن ذلك يشكل استغلالا لحاجته المادية القصوى التي ألزمته على القبول
بهذا و هو مكره . كما جرم انتزاع الأنسجة أو الخلايا مقابل منفعة مادية كل ذلك وفقا للمواد 303 مكرر 16 إلى 303 مكرر 28 من قانون العقوبات . وشدد العقاب على من تسهل له وظيفته القيام بذلك أو إذا كانت الضحية قاصرة أو مصابة بإعاقة ذهنية أو ارتكبت الجريمة من شخصين أو أكثر أو مع حمل سلاح أو التهديد به أو من طرف جماعة إجرامية منظمة محلية أو عابرة للحدود بحيث تتحول الجريمة إلى جناية معاقب عليها بالسجن من 10 إلى 20 سنة مع منع القضاة من تطبيق المادة 53 المتعلقة بالظروف المخففة
والله ولي
المــــراجـــــع:
-المسؤولية الجزائية الناشئة عن الخطأ الطبي .د . ماجد محمد لافي
-شريف الطباخ .جرائم الخطأ الطبي و التعويض عنها في ضوء الفقه و القضاء
-المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين.الجزء الأول المسؤولية الطبية جامعة بيروت العربية
-محمد يوسف ياسين . المسؤولية الطبية
-الوجيز في القانون الجنائي الخاص. د.بوسقيعة
-حروزي عز الدين .المسؤولية المدنية للطبيب أخصائي الجراحة
-قانون العقوبات
-قانون الإجراءات الجزائية
-قانون الوقاية من المخدرات و المؤثرات العقلية
-قانون الصحة العمومية
-مدونة الأخلاقيات الطبية
-Jean pradel /michel danti –juan .droit pénal spécial
-Les grands arrêts du droit pénal général .jean pradel /a.varinard
-Didier tabuteau .risque thérapeutique et responsabilité hospitalière
-Encyc .dalloz responsabilité d'autrui
Sites internet
-Jurisques-santé
-Erreur médicale.pro
-Caducée .net .droit santé
-Jurispedia.org
-Wikipedia.org.accident médical