[right]الجريمة الإيجابية بطريق سلبي (دراسة مقارنة)
د. براء منذر كمال عبداللطيف
مدرس القانون الجنائي – كلية القانون - جامعة تكريت
قسم القانون
و
السيد ياسر عواد شعبان
كلية القانون - جامعة تكريت
قسم القانون
المقدمة
أولاً- المشكلة موضوع البحث
من ندعوه بالمجرم هو ذلك الشخص الذي خالف مبادى سلوكية معينة عدَّها المجتمع الذي يعيش فيه مضرة به وبالفرد، والمعاقب عليها بجزاء حددته قوانين ذلك المجتمع. ولكي يُسأل المجرم عن فعله ويستحق العقاب المقرر قانوناً لابد من إسناد الفعل المرتكب اليه، والاسناد في النطاق الجنائي على نوعين،مادي ومعنوي،أما الإسناد المادي فيعني نسبة الجريمة إلى فاعل معين، وهذا هو الإسناد المفرد في ابسط صوره. كما قد يقتضي نسبة نتيجة ما إلى فعل ما بالاضافة إلى نسبة هذا الفعل إلى فاعل معين، وهذا هو الاسناد المزدوج، وهو لا يخرج في الحالتين عن دائرة الاسناد المادي، لأنه يتطلب في الحالتين معاً توافر رابطة السببية بين نشاط اجرامي معين وما أسفر عنه من نتائج يراد العقاب عليها. وأما الإسناد المعنوي فهو نسبة الجريمة إلى شخص يتمتع بالاهلية المطلوبة لتحمل المسؤولية الجنائية أي متمتع بتوافر الادراك لديه وحرية الاختيار، فاذا انتفى أيهما انتفى إمكان ((المسالة الجنائية))(1). ذلك أن المنطق وموجبات العدالة تقضي بعدم مساءلة شخص عن ارتكاب الفعل وان عُدَّ في منطق القانون جريمة إذا لم يكن بمقدوره أن يدركه أو يختار ارتكابه. وعليه فإن كلا النوعين من الإسناد المادي والمعنوي هما قوام المسؤولية الجنائية، و إن موضوع البحث يدخل ضمن دائرة الاسناد المادي.
ثانياً : تحديد نطاق البحث
وإذا كان الأصل في القواعد العقابية إنها تضع التزاماً بامتناع عن عمل على عاتق المخاطبين بها هذا هو حال الجرائم الإيجابية عموماً، فإنها في بعض الاحوال تفرض التزاماً بعمل ويعاقب الفاعل على الامتناع عن تنفيذ ذلك الالتزام وتتحقق الجريمة بمجرد تحقق الامتناع بغض النظر عن النتيجة وهذا هو النموذج القانوني للجريمة السلبية، وموضوع البحث لا يتعلق بكلا النوعين من الجرائم، و إنما يختص بنوع ثالث يأخذ من النوعين المتقدمين صفة معينة، ذلك هو ما يسمى بالجريمة الإيجابية بطريق سلبي، والنوع الثالث من انواع الجرائم هو الذي يعنينا في نطاق البحث.
ومن اجل الاحاطة بموضوع البحث من جوانبه المختلفة، ارتأينا تجزئته إلى مبحثين، ندرس في الاول التعريف بالجريمة الإيجابية بطريق سلبي. ونخصص الثاني لدراسة العلاقة السببية في هذا النوع من الجرائم.
المبحث الأول
مفهوم الجريمة الإيجابية بطريق سلبي وصورها
للوقوف على ماهية الجريمة الإيجابية بطريق سلبي،لابد من تحديد مفهومها وبيان صورها،وهو ما يحدونا لإيضاح ذلك تباعاً.
المطلب الأول : مفهوم الجريمة الإيجابية بطريق سلبي
يقع هذا النوع من الجرائم في الاصل بفعل إيجابي، غير أنه لا يستبعد أن ترتكب أحياناً بفعل سلبي بعمد أو غير عمد. ذلك ان القانون يحرم نتائج ضارة محددة بصرف النظر عن الوسيلة التي يستخدمها الفاعل لتحقيق تلك النتائج، فالوسائل جميعها في نظر المشرع سواء. فجريمة القتل يعاقب عليها القانون لحماية مصلحة محددة معلومة هي حماية الحياة البشرية ولايهم بعد ذلك أن تكون الوسيلة المؤدية لازهاق الروح إيجابية كانت أم سلبية، وعلى سبيل المثال يستوي في نظر القانون ان يحصل ازهاق الروح باطلاق النار وهو فعل إيجابي أم بالامتناع عن اطعام المجني عليه وهو فعل سلبي، وكل الذي يتطلبه القانون لتحقق المسؤولية الجنائية توافر القصد الجنائي المتمثل بنية الجاني في ازهاق روح المجني عليه... أما إذا انتفى القصد الجنائي وثبت وجود الخطأ في إحدى صوره لدى الفاعل تكون الجريمة غير عمدية (2).
والجرائم الإيجابية بطريق سلبي تقع ضمن التقسيم العام للجرائم بحسب طبيعة الركن المادي لها ضمن مجموعة جرائم (الامتناع)(3)، ويتحقق الامتناع حيث يأمر القانون بعمل، وعليه فالامتناع يفترض ان هناك الزام قانوني، لذلك فإن الأساس في الامتناع هو ((القاعدة القانونية)) والتي تلزم الأفراد بإتيان عمل وتقرر العقاب على من يحجم عن ذلك، ((وقد يعبر عن الامتناع بالفعل السلبي وهو لايختلف عن الفعل الإيجابي إلا من حيث الماديات، حيث يتطلب الفعل الإيجابي حركة عضوية أو مجموعة حركات عضوية من شأنها إحداث التغيير في العالم الخارجي، وراء هذه الحركة العضوية ارادة شخص معين، في حين يتطلب الفعل السلبي الامساك عن الحركة بواسطة الارادة)) وهو بذلك مساو للفعل الإيجابي لما يحدثه في العالم الخارجي من تغييرات. وعليه فكلما يكون الفعل إرادياً فإن الامتناع يكون إرادياً كذلك، فالإرادة إذا عنصر جوهري في الامتناع، لأن الامتناع سلوك ولا يعتد به القانون ما لم يكن كذلك (4).
وينبغي الاشارة إلى أن النص القانوني قد يوحي بمضمونه ان الجريمة ترتكب بسلوك إيجابي وهذا هو حال غالبية الجرائم ولكن في العمل قد يتوصل الجاني إلى تنفيذ جريمته بموقف سلبي فيقال إنها جريمة إيجابية بطريق سلبي(5)، ومن الطبيعي القول إن هذا النوع من الجرائم قاصر على الجرائم ذات النتيجة، أما الجرائم التي لا ينتظر من خلال امتناع الجاني تحقق نتيجة ما فهي جرائم سلبية بحته. وعلى هذا الأساس يُفَضِّل البعض استعمال عبارة ((الجرائم السلبية ذات النتيجة))، وبرأيه فإن عبارة ((الجرائم الإيجابية بطريق الامتناع)) وبالطريق السلبي هو تعبير معيب لأنه يدل على صورة نشاط إيجابي وواقع الأمر خلاف ذلك، كما قد يفهم منه اجتماع ((الارتكاب والامتناع)) في جريمة واحدة (6)، غير إننا لا نرى ما يعيب التسمية التي نحن بصددها واعني بها ((الجرائم الإيجابية بطريق سلبي)) لأن الأصل في ارتكاب الجريمة هو السلوك الإيجابي للجاني، ولكن قد يتوسل الجاني أحياناً سلوكاً سلبياً لإحداث ذات النتيجة فلا يقال عنها أَنها جريمة سلبية وإنما هي جريمة إيجابية ارتكبت بطريق سلبي،بمعنى إنها إيجابية الارتكاب أصلاً ولكن الجاني يتوصل اليها بسلوك سلبي. كما ينبغي عدم الخلط بين الجريمة الإيجابية بطريق سلبي وبين جريمة الامتناع عن مساعدة شخص بحاجة إلى الإغاثة (7)، ذلك ان العنصر السلبي متحقق فعلا في كلا النوعين من الجرائم، غير أن العنصر المعنوي يختلف فيهما اختلافاً واضحاً. ففي جريمة القتل العمد بطريق سلبي يتكون من نية ازهاق الروح، في حين أنه في حالة الامتناع عن الاغاثة يتحقق من مجرد نية الامتناع عن تقديم المساعدة الضرورية لانقاذ الشخص الواقع تحت خطر داهم وبغض النظر عن النتيجة التي ستترتب على ذلك الامتناع (
. ولهذا فإن الجريمة الثانية واعني بها جريمة الامتناع عن الاغاثة هي جريمة خاصة ولاعلاقة لها بموضوع البحث.
المطلب الثاني : صور الجريمة الإيجابية بطريق سلبي
للجريمة الإيجابية بطريق سلبي صورٌ متعددة، فمن الجدير بالذكر ان هذا النوع من الجرائم غالباً ما يثار النقاش بشانه في جريمة القتل العمد ومدى امكان حصولها بفعل سلبي، ويضرب الفقهاء لذلك امثلة متعددة(9). غير أنه لا يستبعد إطلاقاً أن ترتكب جرائم أُخرى غير القتل العمد بهذا الاسلوب، ففي جريمة التزوير يشترط قيام الجاني بتغيير الحقيقة وهذه الجريمة ترتكب في الأصل بفعل إيجابي غير إنها من الممكن أن تقع بفعل سلبي ومثالها ((ترك البيانات التي كان يجب تدوينها))(10) في الوثيقة أو السند من الموظف المختص. كما لو قام موظف الاحوال المدنية بتزويد شخص بصورة قيد العائلة دون أن يدرج في الحقل المخصص وفاة عدد منهم رغم كونهم مؤشرين في سجله أنهم متوفون بقصد أن يستفيد المراجع من حصص المتوفين التموينية.
وكما يرتكب الجاني (الفاعل) جريمته بفعل سلبي، فإن الاشتراك قد يحصل بفعل سلبي سواء كانت الجريمة المحرض عليها أو التي ساعد في ارتكابها قد وقعت بفعل أو ترك. فالتحريض الذي يقع بطريق سلبي من الممكن تصوره كما في حالة الظهور على مسرح الجريمة والذي ينطوي على تشجيع للفاعل، وفي ذلك يقول الاستاذ الدكتور محمود محمود مصطفى ((ليس ثمة ما يمنع من مؤاخذة الشخص على اشتراك بطريق الامتناع متى ساهم بنشاطه السلبي في حصول النتيجة وكان راغباً فيها كان يكون لمن صدر عنه الامتناع وكان حاضراً وقت ارتكاب الجريمة من المركز والتأثير أو الوضع الاجتماعي ما يجعل حضوره في الظروف القائمة حاملاً في ذاته وتشجيعا مباشرا على ارتكاب الجريمة)) (11). بينما يذهب جانبا آخر من الفقه إلى اعتبار أفعال الاشتراك إيجابية، وإن الاشتراك لا يمكن أن ينتج عن اعمال سلبية. فالشخص الذي شاهد الجريمة ترتكب ولم يتحرك لمنعها لايمكن ان نعده شريكا فيها حتى ولو كان امتناعه القصد من تمكين الجاني من ارتكابها، ومثالها حالة الشرطي الذي يمتنع عن القيام بواجبه في منع الجاني من تنفيذ جريمة القتل اذ ليس بين الجاني والشرطي في هذه الحالة أي صلة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة (12). وبتقديرنا فإن ظهور الشخص على مسرح الجريمة إذا كان مقصوداً من تشجيع الفاعل أو مساعدته فإن ذلك لا يُعّدُّ من جانبه نشاطاً سلبياً و إنما هو اشتراك بالتحريض المعاقب عليه بمعنى الكلمة، وإذا كان من حَضَرَ مسرح الجريمة شرطياً فامتنع عن القيام بواجبه في منع تعقبه الجريمة هادفاً إلى تحقيقها وراغباً بها فإن امتناعه يُعَدُّ تمهيداً في ارتكابها والتسهيل من صور المساعدة التي نص عليها القانون. ونجد لهذه الحالة تطبيقات في القضاء العراقي، غير أنه يدور في تقدير ما إذا كان الممتنع شريكاً من عدمه لا إلى توافر الامتناع من عدمه ولكن إلى توافر القصد الجنائي لدى الممتنع. ففي قرار لمحكمة التمييز جاء فيه بأن ((الأدلة تثبت أن الأوليين قاما بارتكاب السرقة بنفسهما و أن الأخير كان شريكا لهما غير أنه لم يحضر محل الجريمة، وإنما ظَلَّ مراقباً لهما على التَل فيكون كل من المتهمين الأول والثاني فاعلاً أصلياً... وان المتهم الثالث يصبح شريكا لهما)) (13).وبهذا الصدد نرى أن الشريك قام بفعل إيجابي من شأنه تسهيل ارتكاب الجريمة وهو عمله في المراقبة إذ لا يشترط في الاشتراك أن يكون للشريك دوراً مباشراً في ارتكاب الجريمة. وفي قرار آخر لمحكمة التمييز ذهبت فيه إلى ((نقض القرار الصادر من محكمة الجنايات بحق المتهمة (و) وفق المادة 406/ 1- ج عقوبات لاتهامها بالاشتراك مع المتهم (ش) وهو غريمها بقتل المجني عليه (ر) بدافع دنيء تخلصا من فضيحتها، من حيث ان المتهم (ش) كان يتردد لدارها لمواقعتها مستغلاً عدم وجود زوجها في الدار، معللة المحكمة قرارها بان جريمة القتل كانت قد حصلت بغرفة تجاور الغرفة التي كانت المتهمة (و) تشارك المتهم (ش) بالجلوس فيها، كما و إنه لم تبدُ منها أي مبادرة لمكافحة الجريمة وإنها كانت في حالة ترقب وانتباه لنتيجة قتل (ر) لاسيما وإنها كانت على تصميم سابق بالزواج من (ش)،ثم ذهبت محكمة التمييز إلى القول بأنها ((لم تجد من وقائع القضية ما يشير إلى اعتبار المتهمة (و) ذات صلة بجريمة قتل (ر) سواء بصفة فاعل أصلي أو شريك، لذا تقرر الغاء التهمة والإفراج عنها...)) (14) غير إننا نميل إلى تأييد الرأي القائل بإمكانية تحقق الاشتراك بالمساعدة عن طريق الامتناع، وبهذا الصدد يقول الدكتور فخري عبدالرزاق الحديثي ((على رأي في الفقه نؤيده،إن المساعدة كما تكون بفعل إيجابي يمكن أن تكون بامتناع عن فعل إيجابي، وتأخذ المساعدة السلبية صورة ازالة العقبات التي تعترض طريق الفاعل في تنفيذ الجريمة، وهذه الصورة للمساعدة حوتها جملة أو مساعدة عمداً بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها)) ومضى يقول ((على كل إذا صدر الامتناع عن شخص انيط به واجب قانوني ولم يقم به بقصد تسهيل الجريمة أو إتمامها مما أدى إلى وقوعها، فإن هذا الشخص يكون شريكا في الجريمة بطريق المساعدة، هذا إذا ثبت أن الممتنع كان بمقدوره القيام بالعمل الذي من شانه منع وقوع الجريمة، أما إذا ثبت أنه تعرض لإكراه مادي أو معنوي أو إذا أُغمي عليه فجأة فلا يُسأل جزائياً بصفة شريك في الجريمة بطريق المساعدة (15). وهذا هو الرأي الراجح، ووفقاً لما تقدم نرى ان الحارس المكلف بحراسة المحال التجارية ليلاً مقابل أجر يتقاضاه من اصحاب تلك المحلات إذا أحجم عن منع السارق من سرقة إحدى المحال رغم استطاعته ذلك يكون قد ساعد السارق في تنفيذ السرقة وبذلك يُسأل جزائياً بصفة شريك في المساعدة، ويعد أيضاً فاعلاً للجريمة طبقا لنص المادة 49 عقوبات والتي بموجبها يُعَدُّ فاعلاً للجريمة كل شريك كان حاضراً أثناء ارتكابها أو ارتكاب أي فعل من الأفعال المكونة لها.
المبحث الثاني
العلاقة السببية في الجرائم الإيجابية بطريق سلبي والشروع فيها
لما كانت النتيجة عنصراً لازماً للركن المادي لهذه الجرائم، فإن البحث في علاقة السببية يصبح امراً لازماً، وكذلك يجب التوصل إلى معرفة تحقق الشروع فيها، وهو ما يحدونا إلى إيضاح ذلك تباعاً.
المطلب الأول : العلاقة السببية في الجرائم الإيجابية بطريق سلبي
اختلفت الآراء بصدد العلاقة السببية في الجرائم الإيجابية بطريق سلبي، ولاسيما ما يتصل منها بجريمة القتل العمد إلى اتجاهات أساسية ثلاثة :
الاتجاه الاول / ويتزعمه العلامة الفرنسي (جارسون) ويذهب انصاره إلى عدم إمكانية مساءلة الشخص عن موقف سلبي في جريمة إيجابية كالقتل، ذلك لأن الامتناع عندهم عدم ولايمكن ان ينتج عن العدم شي غير العدم هذا من جهة. ومن جهة ثانية فإن تجريم الامتناع يستلزم وجود نص قانوني لذلك فهم يحتجون بمبدا (الشرعية) وبالتالي لا يجوز العقاب على الامتناع مع غياب النص، ومن جهة ثالثة لا يجوز مساءلة الممتنع عن النتيجة استناداً إلى النص العام الذي يجرم احداث النتيجة، فهذا يعني أنه جَرَّم (قياساً) و(القياس) في مجال التجريم محظور(16). وبمقتضى هذا الاتجاه فانه من غير الممكن تسويغ مسؤولية المتهم عن جريمة القتل بسلوك سلبي نظرا لعدم وجود النص. ويترتب على هذا الرأي التفرقة بين الجرائم العمدية وغير العمدية، حيث لا يمكن مساءلة الممتنع عن جريمة القتل العمد مع اتجاه نيته إلى إزهاق الروح، بينما من الممكن تصور وقوع جريمة القتل الخطا بهذا الاسلوب (الامتناع) لأن صياغة النص تسمح بذلك كونها تتكلم عمَّن ارتكب القتل أو تسبب فيه(17). وبهذا الصدد يرى الفقيه (جارسون) ان حل المشكلة لايمكن ان يحصل الا عن طريق التشريع(18). وتُجاري الأحكام القضائية (المصرية) الصادرة بهذا الصدد هذا الاتجاه، فقد حكم بأنه: ((على فرض ثبوت أن أُماً تركت طفلها عمداً بدون ربط الحبل السري أو بدون غذاء فإنها لا تقع تحت مواد القتل العمد))(19). ويلاحظ الاستاذ القللي ((أنه في القضيتين اللتين عرض فيهما البحث أمام القضاء المصري لم تكن الأدلة قاطعة بثبوت قصد القتل لدى الأم))(20). وقضي أيضاً ((بان سكوت ضابط البوليس عما يجري في حضوره من تعذيب للمتهم لحمله على الاعتراف لا يجعله مسؤولاً عن جريمة التعذيب ولا يجعله شريكاً حتى في تهمة الضرب أو إحداث الجرح)) (21).
والملاحظ على هذا الاتجاه أنه اخذ بالانحسار، للانتقادات المتعددة التي تعرض لها ولعل اهمها ما ياتي :
أ- ليس صحيحا القول ان الامتناع (عدم) بل ((هو كيان قانوني له وجوده كظاهرة قانونية)) وهو بهذا التحديد يصلح أن يكون سبباً لنتيجة إجرامية. فكما هو الحال في الجرائم السلبية البسيطة التي يعاقب فيها القانون على مجرد الامتناع بغض النظر عن تحقق نتيجة ما عن ذلك الامتناع من عدمه، فكذلك الحال في الجرائم الإيجابية بطريق سلبي، ولا يصح القول ان الامتناع في الجرائم السلبية البسيطة له كيان قانوني في حين لا وجود لذلك الكيان في الجرائم الإيجابية بطريق سلبي. فالمشرع عندما يعاقب على القتل فلانه ينظر اليه بوصفه ضرراً خطيراً يُهدد أمن المجتمع، فهو يعاقب من (أحدثه) دون أن يعنيه وسيلة احداثه ذلك لأن الضرر والخطورة في النتيجة لا في الوسيلة. ولما كانت الخطورة واحدة سواء استعمل الجاني وسيلة إيجابية أو وسيلة سلبية فليس هناك ادنى مسوغ للقول بالعقاب في الاولى دون الثانية، فاي فرق في حالة الام التي تقتل ابنها خنقاً وحالة التي تقتله بالامتناع عن إرضاعه أو بعدم ربط الحبل السري له ؟ الضرر في الحالتين واحد، كما ان خطورة المجرمة في الحالتين واحدة أيضاً، ولهذا لا يمكن التسليم بهذه التفرقة، ولا يتصور ان يريد المشرع هذه التفرقة (22).
ب- وبصدد التفرقة بين الجرائم العمدية وغير العمدية، فانه ليس من المنطق أن يعاقب الممتنع (غير المتعمد) بوصفه محدثاً للنتيجة، فإن زادت خطورته على المجتمع بأن توافر العمد لديه فلا عقاب عليه (23).
ج- ومما قيل في نقد الاتجاه المتقدم ((إن من يترك متعمداً نتيجة معينة تتحقق مع أنه كان في مقدوره منعها انما يتسبب فيها، إذاً السببية ما هي إلا إرادة الإنسان عندما تستخدم في الوقت المناسب قوى الطبيعة المختلفة في تحقق رغباتها، فاذا كان من الممكن تفادي قتل المجني عليه لو تدخل الجاني في الوقت المناسب لانقاذه فإن هذا وحده يعني توافر رابطة السببية بين الأمرين)) (24).
د- كما ليس صحيحا بان المساعدة (بوصفها من صور الاشتراك) تتطلب نشاطاً إيجابيا دائماً،بل في كثير من الأحيان تحقق المساعدة بسلوك سلبي سواء بالتغاضي أو عدم القيام بالواجب الذي يفرض القانون على الشخص مما يسهل ارتكاب الجريمة من قبل الاخرين (25).
الاتجاه الثاني / ويذهب إلى القول بتوافر العلاقة السببية بين الامتناع والنتيجة وبالتالي امكانية مساءلة الممتنع عن النتيجة بحجة إن عدم تدخله قد ساعد في حدوثها، وأساس المساءلة لديهم قصد الجاني ولا عبرة بالوسيلة المستعملة في تنفيذ الجريمة(26). ووفقاً لهذا الاتجاه فإن الامتناع يصلح لأن يكون سبباً للجريمة إذ لو حصل التدخل لكان في الامكان الحيلولة دون وقوع الجريمة، فالشخص الذي يتعمد ترك ظرف جنائي يتحقق في حين كان في استطاعته منعه يكون كمن سبب هذا الظرف، ذلك لأن إرادته لها دخل على الاقل غير مباشر في حلوله. ويضربون مثلا لهذه الحالة الشخص الذي يطلق الرصاص على عدوه فيقتله (بفعل إيجابي) لا يختلف كثيراً عن الشخص الذي يترك عدوه فريسة للنيران حتى تلتهمه ويموت (بفعل سلبي)، فكلا الشخصين ازهق روح انسان وكلاهما حقق النتيجة المجرمة قانوناً والمضرة بالمجتمع. أما كيف يمكن استظهار قصد القتل في حالة الامتناع فالمسالة تحقيقية صرفة(27). ويرى الدكتور رؤوف عبيد بهذا الصدد ان النشاط الإيجابي والسلبي بالنسبة للانسان صورتان متقابلتان لارادة واحدة، متساويتا القدر من ناحية ترتيب النتائج والاثار القانونية (28).
هذا وقد اختلفت وجهات نظر اصحاب هذا الرأي من مسالة إثبات سببية الامتناع، فمنهم من نسب السببية إلى الفعل الإيجابي المعاصر للامتناع، حيث قالوا بان الاسناد لا يلزم حين امتناع الجاني، وانما يقوم الجاني خلال ذلك بفعل إيجابي معين وهذا الفعل الإيجابي هو سبب للنتيجة. ويرد على هذا الاتجاه بان الفعل الإيجابي المعاصر الذي يصدر عن الممتنع خلال امتناعه قد لا تكون له اهمية قانونية ومن ثم لا يمكن تصور اعتداد المشرع به. فقيام الام باعمال المنزل في الوقت الذي كان يتعين عليها ارضاع طفلها لا يمكن اعتباره سبباً في المعنى القانوني لوفاة الطفل، فاعمال المنزل وهي اعمال إيجابية لا يمكن القول عنها إنها تكون الركن المادي لجريمة القتل. يضاف إلى ما تقدم فإن الممتنع أحياناً قد لا يأتي بأي فعل إيجابي عند امتناعه، كما لو نامت الام بالوقت الذي يتوجب عليها ارضاع طفلها ففي هذه الحالة تعجز النظرية عن تحديد سبب للنتيجة الامر الذي يناقض قانون السببية(29). ومنهم من نسب السببية إلى الفعل الإيجابي السابق للامتناع، وملخص رأيهم بان الامتناع يستمد كيانه القانوني من فعل إيجابي يسبقه، ويضربون لذلك مثلاً الطبيب الذي يشرع بإجراء عملية جراحية للمريض ويستأصل عضواً من جسمه، ثم يمتنع عن إيقاف النزف فيموت المريض. فسبب الحدث ليس امتناع الطبيب عن ايقاف النزف وإنما الفعل الإيجابي السابق الذي اجراه الطبيب. وينتقد هذا الرأي بأن الامتناع ليس بجميع الاحوال مسبوقاً بفعل إيجابي، كما ان الأخذ بهذا الرأي يتناقض مع قاعدة اساسية في القانون الجنائي وهي معاصرة السلوك الإجرامي للركن المعنوي، فإن كان السلوك الإجرامي يتمثل بفعل إيجابي سابق للامتناع والذي يُعَدُّ سبباً للنتيجة فإن القصد الجرمي أو الخطأ لا يتوفر إلا لحظة الامتناع وهي لحظة لاحقة على الفعل(30). ونحن نرى ان السلوك المعاقب عليه بموجب هذا الاتجاه هو السلوك السلبي المتمثل بالامتناع عن القيام بعمل ما، طالما كان من شأن ذلك الامتناع إحداث النتيجة. وبغض النظر على الأفعال الإيجابية السابقة أو المعاصرة للامتناع، وسواء وجدت مثل تلك الأفعال الإيجابية أم لم توجد أساساً. وتأخذ بعض التشريعات الاجنبية بهذا الاتجاه(31). وقد اخذ المشرع العراقي بهذا الاتجاه في المادة 19 فقرة 4 من قانون العقوبات.
الاتجاه الثالث / ويتزعمه كل من (روتز) في فرنسا و(فويرياخ) في المانيا. ويعد بحق اتجاها وسطاً بين الاتجاهات المتقدمة، وهو بدوره يفرق بين حالتين :
الحالة الاولى : إذا لم يكن الشخص مكلفاً بالعمل قانوناً أو بمقتضى التزام شخصي فلا يكون مسؤولا عن النتيجة. ويستندون في ذلك على القول بان القانون لا يفرض الشجاعة والاحسان على من هم تحت نطاقه.
الحالة الثانية : وهي إذا كان الشخص ملزما بالعمل قانوناً أو بمقتضى التزام شخصي فيكون مسؤولاً إذا توفر القصد الجنائي لديه وقامت العلاقة السببية بين الترك والنتيجة الإجرامية (32).
ومما تقدم يتضح إن أصحاب هذا الاتجاه يؤكدون ضرورة توافر شرطين لقيام السببية في الجرائم الإيجابية المرتكبة بطريق سلبي هما : وجود صلة منطقية بين الامتناع والنتيجة والثاني وجود واجب قانوني أو التزام شخصي يقع على عاتق الممتنع للحيلولة دون حدوث النتيجة. فالشرط الاول وهو الصلة المنطقية بين الامتناع والنتيجة الإجرامية يفسره الفقهاء القائلون بهذا الرأي بان هذه الصلة (لا تُعَدُّ علاقة سببية) وإنما تُعَدُّ (علاقة منطقية) فقط، أما العلاقة السببية فهي بين الفعل الإيجابي الذي كان على الممتنع القيام به وبين النتيجة، أي ان الفعل الإيجابي لو قام به الفاعل لما حدثت النتيجة. وهذه العبارة تساوي القول ((لولا الامتناع لما قامت النتيجة)). وهذه العلاقة التي يسميها قسم من الفقهاء (علاقة منطقية) ويسميها قسم آخر (علاقة شبه سببية) وليست سببية حقيقية، هي من وجهة نظر الدكتورة واثبة السعدي، والذي نؤيده هي علاقة سببية واضحة إذ أن عبارة (لولا الامتناع لما وقعت النتيجة) تساوي تماما عبارة (لولا فعل الفاعل لما حدثت النتيجة) وهذه العبارة الاخيرة هي ضابط العلاقة السببية في نظرية تعادل الأسباب (33).
اما الشرط الثاني، فيجب ان يكون هناك الزام قانوني أو شخصي على الفاعل القيام به أو الحيلولة دون حدوثه (34)، ومن امثلتها الأم التي تمتنع عن ارضاع طفلها أو ربط الحبل السري لوليدها فيفارق الحياة، والممرضة التي ترفض تقديم الدواء لأحد المرضى في المستشفى الذي تعمل فيه فيموت، والسجان الذي يمتنع عن اعطاء الطعام للسجين فيموت من الجوع، ورجل المطافئ الذي يمتنع عن انقاذ شخص حاصرته النيران فيموت محترقا... الخ. في كل هذه الصور وما يماثلها فإن المتهم مكلف بالعمل بحكم القانون، كما ان امتناعه يكون مخالفة للقانون أو الاتفاق شخصي، وبما أنه يسبب بامتناعه العمدي وفاة المعرضين للخطر فيمكن مساءلته جنائياً عن جريمة القتل إذا توافر القصد الجنائي والمتمثل بنية ازهاق الروح لديه (35). ومجمل القول أنه لكي يكون للامتناع وجود في نظر القانون يجب ان يكون في صورة احجام عن تنفيذ امر القانون أو التزام شخصي لا في مجرد النكول عن القيام بواجب ادبي، ويضاف إلى ما تقدم فإن الامتناع عن العمل يتطلب (القدرة على تنفيذه) (36). لأنهلا التزام بمستحيل، فالاب الذي يرى ابنه يسقط في نهر دجلة ولا يمد له يد الانقاذ لا يُعَدُّ ممتنعا إذا كان الأب غير قادر على السباحة ولم يستطع الاستعانة بمن ينقذه، وكذلك الحال بالنسبة للام التي لم تقدم الطعام لوليدها أو الحليب لإرضاعه إذا لم يكن لديها الطعام أو الحليب ولم يمكنها الحصول عليه.. الخ.
وتأخذ بهذا الاتجاه العديد من التشريعات(37)، ومنها التشريع العراقي، حيث حسم المشرع العراقي هذه المسالة بنص واضح وهو المادة 34 من قانون العقوبات بالقول ((تكون الجريمة عمدية إذا توافر القصد الجرمي لدى فاعلها، وتعد الجريمة عمدية كذلك إذا فرض القانون أو الاتفاق واجباً على شخص وامتنع عن ادائه قاصداً إحداث الجريمة التي نشات مباشرة عن هذا الامتناع)).
وبمقتضى هذا النص فإن كل من كان مكلفاً قانوناً أو بمقتضى اتفاق أو التزام شخصي للقيام بعمل فامتنع عن ادائه يجعله ذلك الامتناع مسؤولاً عن الجريمة مادام مؤيداً لنتيجتها الجرمية. وبهذا الصدد يقول الدكتور سليم إبراهيم حربه أن المشرع العراقي قد اخذ بنظرية السبب المباشر في جرائم الامتناع استنادا لنص المادة 34 من قانون العقوبات (38).
المطلب الثاني : الشروع في الجريمة الإيجابية بطريق سلبي
من النتائج التي تترتب على وجود نتيجة لهذا النوع من الجرائم، وهي امكانية تصور الشروع فيها. ومع ذلك لم يكن هذا التصور محل اتفاق دائم، فقد ذهب رأي إلى أن الشروع غير متصور فيها، لأنه بالرجوع إلى تعريف الشروع الوارد في المادة (30) من قانون العقوبات العراقي والتي نصت على أن الشروع : ((هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، نجده لايتوافق مع طبيعة الامتناع التي تعني عدم القيام بفعل. وخلاصة هذا الرأي إن هذه الجرائم إما أن تقع كاملة أو أن لا تكون هناك جريمة اطلاقاً في الحالة التي لا تتحقق نتيجة فيها (39).
ويعاب على هذا الرأي أنه لم يأخذ بالحسبان إن هناك نظريتين قد تنازعتا في تحديد الشروع، هما النظرية المادية (40)، والنظرية الشخصية، وهذه الاخيرة لا تستدعي القول بقيام الشروع تنفيذ الجانب المادي المكون للجريمة، وإنما يمكن التعبير عن النية الإجرامية بأفعال إيجابية وسلبية على السواء. فالقصد الجنائي في الجرائم العمدية يمكن استظهاره من الامتناع عن عمل طالما أن الامتناع يؤدي إلى النتيجة والأثر نفسه، وعلى سبيل المثال جريمة القتل العمد النتيجة هي الوفاة والامتناع من الممكن أن يؤدي إلى ذات النتيجة وهي الوفاة في جريمة امتناع الأم عن إرضاع الطفل بقصد قتله، وبالتالي فإن الشروع فيها متصور كما إذا اكتشف امتناع الأم قبل وفاة الطفل وأمكن إنقاذه(41).
وقيل أيضاً من إن البدء في التنفيذ يكون في اللحظة التي يثبت فيها الخطر مباشرة بسبب الامتناع. فلو كان هناك إلزاماً على شخص يتطلب منه القيام بعمل لإنقاذ آخرين فإن شروعه بارتكاب جريمة الامتناع يكون عندما يترتب على امتناعه نشوء الخطر مباشرة على المجني عليه وعليه بالامكان مساءلة الممتنع جنائياً عن الشروع كلما توافرت العلاقة بين امتناعه والخطر الذي احاق بالمجني عليه بشرط توافر القصد الجرمي والالزام القانوني أو الاتفاق(42).
الخاتمة
من خلال دراستنا للجرائم الإيجابية بطريق سلبي، يلاحظ بأنه ليس هناك من اثر من حيث المسؤولية والعقاب سواء أكانت الجريمة مرتكبة بفعل إيجابي أم بسلوك سلبي، وكل الذي يدور عليه البحث اختلافات فقهية ونظرية بحتة طالما أن المشرع العراقي قد حَسَمَ المسالة وساوى بين نوعي السلوك (الإيجابي والسلبي) بمقتضى المادة 34 من قانون العقوبات. وبتقديرنا فإن ما ذهب إليه المشرع العراقي يتوافق تماماً مع الرأي الراجح في الفقه ومع غالبية التشريعات العقابية المعاصرة، كما أنه اتجاه تفرضه السياسة العامة لمكافحة الجريمة التي من مقتضاها عدم ترك اية فسحة للجناة كي يتخلصوا من العقاب بدعوى أن ما قاموا به (امتناعاً) وليس (فعلا إيجابياً). وبهذا النص أصبحت الوسائل جميعها بنظر المشرع سواء سلبية كانت أم إيجابية.
الهوامش
1- د. رؤوف عبيد، السببية الجنائية بين الفقه والقضاء، ط4، دار الفكر العربي، القاهرة، 1984، ص3.
2- د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، مطبعة اوفسيت الزمان، بغداد، 1992، ص 181-182.
3- يذهب غالبية الفقه الجنائي إلى تقسيم جرائم الامتناع إلى ثلاثة أنواع وهي :
أ- جرائم الامتناع البسيط، أو ما يسمى بالجريمة السلبية، ويكفي لقيام هذا النوع من الجرائم مجرد الامتناع ولايشترط لتحققها نتيجة معينة، غير ان المهم في تحققها ان يحصل الامتناع في فترة محددة أو في مكان محدد... كجريمة الامتناع عن الحضور في الزمان والمكان المعينين بمقتضى تبليغ أو أمر رسمي أو بيان صادر من محكمة أو سلطة قضائية وهي الجريمة المشار اليها في المادة 238 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وينظر كذلك : المواد 242، 306، 371 من القانون نفسه.
ب- جرائم الامتناع المسبوق بفعل إيجابي، وتجمع هذه بين نوعين من السلوك، سلبي وإيجابي، حيث يقع النشاط الإيجابي أولاً ثم يعقبه النشاط السلبي، ومثالها اغواء انثى ومواقعتها على امل الزواج منها ثم يرفض الزواج منها بعد ذلك وهو الفعل المنصوص عليه في المادة 395 من قانون العقوبات.
ج - الجريمة الإيجابية بطريق الترك أو الامتناع أو بالطريق السلبي وهي موضوع البحث.
جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، ج3، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، 1932، ص 266- 267.
الحقيقة أن الامتناع قديم قدم الإنسان على المعمورة، فقد خلق الله تعالى آدم عليه السلام وأمر الله الملائكة أن تسجد له فأطاعوا الأمر وسجدوا إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين، فكانت جريمته أول جريمة امتناع ذكرها القرآن الكريم في أكثر من موضع كما ذكرتها السنة النبوية المطهرة.
وقد عَرَفَت القوانين الوضعية في مصر الفرعونية،وكذلك قانون حمورابي صوراً من جرائم الامتناع.إلا أن القانون الروماني يُعَدُ بِحَق أول قانون وضعي يُقَرِّرُ صوراً للجرائم الإيجابية بطريق سلبي :ومن تلك الصور من يمتنع عن تغذية طفل رضيع قاصداً قتله، يعاقب بعقوبة جريمة القتل إذا أدى هذا الامتناع إلى موته.
د. عمر ممدوح مصطفى، القانون الروماني،ط6-دار المعارف بمصر، 1976، ص444. و فهد بن علي القحطاني،جرائم الامتناع (دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون وتطبيقاتها في القضاء السعودي)،رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة نايف للعلوم الأمنية،2005-ص63-64.
4- د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1962، ص 308.
5- محمد أحمد مصطفى أيوب، رسالة دكتوراه، مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة القاهرة، 2003-ص28.
6- د. محمود نجيب حسني، المصدر السابق، ص352.
7- تنص المادة 370 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على أنه : ((1- يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على ستة اشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من امتنع أو توانى بدون عذر عن تقديم معونة طلبها موظف أو مكلف بخدمة عامة مختص عند حصول حريق أو غرق أو كارثة اخرى.
2- ويعاقب بالعقوبة ذاتها من امتنع أو توانى بدون عذر عن اغاثة ملهوف في كارثة أو مجني عليه في جريمة)).
وتنص المادة 371 من القانون ذاته على أنه : ((يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنة وبغرامة لاتزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من كان مكلفاً قانوناً أو اتفاقاً برعاية شخص عاجز بسبب صغر سنه أو شيخوخته أو بسبب حالته الصحية أو النفسية أو العقلية فامتنع بدون عذر عن القيام بواجبه)).
8- د.حميد السعدي، شرح قانون العقوبات الجديد، مطبعة المعارف، بغداد، 1970، ص54.
9- من هذه الامثلة : (شخص شاهد آخر أعمى على وشك الوقوع في حفرة فامتنع عمداً عن تنبيهه للخطر لعداوة قديمة بينهما فسقط الأعمى في الحفرة ومات، وشخص شاهد آخر على وشك الغرق وكان في استطاعته ان ينزل إلى الماء وينقذه ولكنه امتنع عمداً عن نجدته لعداوة بينهما وترتب على ذلك أن مات الآخر غرقاً، وشخص رأى آخر على وشك الهلاك جوعاً فامتنع عمداً عن إعطائه ما يسد به رمقه لعداوة بينهما فهلك الآخر جوعاً، و أحد رجال الشرطة وهو في الدورية شاهد زيداً على وشك أن يطعن عمر بسكين فامتنع عمداً عن منع زيد من ارتكاب القتل لعداوة بينه وبين عمر فوقعت الجريمة ومات عمر، وأحد رجال المطافئ شاهد أثناء إطفائه حريق عدواً له تحيط به النيران وكان في امكانه نجدته ولكن للعداوة المتمكنة بينهما امتنع عمداً عن إنقاذه فمات عدوه حرقاً، وأم امتنعت عن ربط الحبل السري لطفلها الحديث الولادة أو امتنعت عمداً عن إرضاعه وفعلاً مات الطفل، ومثلها الممرضة إذا امتنعت عن إعطاء الدواء للمريض عمداً وبقصد قتله، ومحولي سكة حديدية نظراً لعداوة بينه وبين سائق القطار امتنع عمداً عن فتح الطريق للقطار بقصد احداث اصطدام وقتل السائق وفعلاً اصطدم القطار بقطار آخر ومات السائق).
د. محمد مصطفى القللي، في المسؤولية الجنائية، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1944/ 1945، ص57.
10- المصدر نفسه، ص65.
11- د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، ط5، دار النهضة العربية، القاهرة، 1982، ص316.
12- د. أحمد علي المجذوب، التحريض على الجريمة (دراسة مقارنة)، الهيئة العامة لشؤون المطابع الاميرية، القاهرة، 1970، ص391.
13- قرار محكمة التمييز رقم 1358/ ج/1937. منشور في كتاب الاستاذ سلمان بيات، القضاء الجنائي العراقي، ج1، بغداد، بلا سنة طبع،ص76.
14- قرار محكمة التمييز رقم 669/ جنايات / 1979 في 11/12/1979، مجلة الوقائع العدلية، ع 10، س2، 1980، ص56.
15- د. فخري عبد الرزاق الحديثي، المصدر السابق، ص250.
16- محمد أحمد مصطفى أيوب، المصدر السابق،ص103.
17- تنص المادة 405 من قانون العقوبات على أنه ((من قتل نفساً عمداً...)) وكذلك الحال في المادة 406 من قانون العقوبات حيث تقرر ((1- يعاقب بالاعدام من قتل نفساً عمداً...)) في حين تنص المادة 411 من ذات القانون على أنه ((من قتل شخصاً أو تسبب في قتله...)).
18- د. حميد السعدي، المصدر السابق، ص155.
19- القرار أشار إليه د.محمد مصطفى القللي، المصدر السابق، ص61.
20- المصدر نفسه، ص61.
21- القرار أشار إليه د. أحمد فتحي سرور، الأصول العامة لقانون العقوبات، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972، ص331.
22- د. محمد مصطفى القللي، المصدر السابق، ص62.
23- د. رؤوف عبيد، المصدر السابق، ص324. و د. محمود نجيب حسني، المصدر السابق، ص354.
24- د. رؤوف عبيد، المصدر السابق، ص325.
25- محمد أحمد مصطفى أيوب،المصدر السابق،ص133.
26- محروس نصار، النتيجة الجرمية، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون بجامعة بغداد، 1989، طبع بالرونيو، ص 57.
27- د. حميد السعدي، المصدر السابق، ص156- 157.
28- د. رؤوف عبيد، مبادى القسم العام من التشريع العقابي، ط3، القاهرة، 1966، ص170.
29- محمد أحمد مصطفى أيوب،المصدر السابق،ص187.
30- محمد أحمد مصطفى أيوب،المصدر السابق،ص133.
31- من ذلك المادة الاولى من قانون العقوبات النمساوي والتي تنص على أن : ((القصد الجرمي يتطلب في جميع الجرائم، وهو يقوم أو يحصل ليس فقط في وقت ارتكاب الفعل الضار أو الامتناع المؤدي للجريمة المزمع ارتكابها، بل كذلك عندما تكون هناك اغراض جرمية اخرى...)). وتنص المادة الرابعة عشرة من قانون العقوبات اليوناني على : ((ان تعريف الفعل في القانون الجنائي يتضمن الامتناع أيضاً)).أشار اليها محروس نصار، المصدر السابق، ص58.
32- محروس نصار، المصدر السابق، ص57 و د. حميد السعدي، المصدر السابق، ص157- 158.
33- د. واثبة داود السعدي، محاضرات أُلقيت على طلبة الماجستير / القسم الجنائي في كلية القانون بجامعة بغداد للعام الدراسي 1997/1998 بعنوان : السببية في القانون الجنائي.
34- علاء الدين محمد علي، الاشتراك في الجريمة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية،، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1997،ص 189-190.
35- د. حميد السعدي، المصدر السابق، ص158.
36- د. احمد فتحي سرور، المصدر السابق، ص232.
37- من ذلك : قانون العقوبات اللبناني (المواد 9 و 204) والايطالي (المادة 40/2) والنمساوي (المادة الاولى) واليوناني (المادة 15) والبولندي (المادة 4/1) انظر في تفصيلات هذه المواد : محروس نصار، المصدر السابق، ص58-59.
38- د. سليم ابراهيم حربه، القتل العمد واوصافه المختلفة، ط1، 1987، هامش رقم (1)، ص48.
39- د. سمير الشناوي، الشروع في الجريمة (دراسة مقارنة)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1971، ص271. و مزهر جمعة عبد، جريمة الامتناع في التشريع العراقي (دراسة مقارنة)، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون بجامعة بغداد، 1987، طبع بالرونيو، ص 248.
40- تتطلب النظرية المادية للقول بوجود الشروع ان يكون الفعل الذي بدأ في تنفيذه هو الفعل الذي يقوم عليه الركن المادي للجريمة.
د. محمود نجيب حسني، المصدر السابق، ص362.
41-عبدالستار البزركان،قانون العقوبات(القسم العام)بين التشريع والفقه والقضاء،لا يوجد دار نشر،2002،ص114.
42- د. محمود نجيب حسني، المصدر السابق، ص284.
مصادر البحث
أولاً- الكتب والأطاريح الجامعية
1- أحمد علي المجذوب، التحريض على الجريمة (دراسة مقارنة)، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1970.
2- أحمد فتحي سرور، الأصول العامة لقانون العقوبات، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972.
3- جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، ج3، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، 1932.
4- حميد السعدي، شرح قانون العقوبات الجديد، مطبعة المعارف، بغداد، 1970.
5- سلمان بيات، القضاء الجنائي العراقي، ج1، بغداد، بلا سنة طبع.
6- سليم ابراهيم حربه، القتل العمد واوصافه المختلفة، ط1، 1987.
7- سمير الشناوي، الشروع في الجريمة (دراسة مقارنة)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1971.
8- رؤوف عبيد، السببية الجنائية بين الفقه والقضاء، ط4، دار الفكر العربي، القاهرة، 1984.
9- رؤوف عبيد، مبادى القسم العام من التشريع العقابي، ط3، القاهرة، 1966.
10-عبدالستار البزركان، قانون العقوبات (القسم العام) بين التشريع والفقه والقضاء،لا يوجد دار نشر،2002.
11- علاء الدين محمد علي، الاشتراك في الجريمة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية،، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1997.
13-عمر ممدوح مصطفى، القانون الروماني،ط6-دار المعارف بمصر،1976.
14-فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، مطبعة اوفسيت الزمان، بغداد، 1992.
15-فهد بن علي القحطاني،جرائم الامتناع (دراسة مقارنة بين الشريعة والقانون وتطبيقاتها في القضاء السعودي)،رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة نايف للعلوم الأمنية،الرياض،2005.
16-محروس نصار، النتيجة الجرمية، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون بجامعة بغداد، 1989.
17-محمد أحمد مصطفى أيوب، رسالة دكتوراه،مقدمة إلى كلية الحقوق جامعة القاهرة،2003.
18-محمد مصطفى القللي، في المسؤولية الجنائية، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1944/1945.
19-محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، ط5، دار النهضة العربية، القاهرة، 1982.
20-محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات (القسم العام)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1962.
21-مزهر جمعة عبد، جريمة الامتناع في التشريع العراقي (دراسة مقارنة)، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون بجامعة بغداد، 1987.
22-ناصر أحمد ناصر الشايع،القتل بالترك بين الشريعة والقانون، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. الرياض عام 1422هـ-2002 م.
23-واثبة داود السعدي، محاضرات أُلقيت على طلبة الماجستير / القسم الجنائي في كلية القانون بجامعة بغداد للعام الدراسي 1997/1998 بعنوان : السببية في القانون الجنائي.
ثانياً- القوانين
1-قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل
2- قانون العقوبات اللبناني الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 340 لسنة 1943 المعدل.
ثالثاً- القرارات القضائية
1- مجلة الوقائع العدلية، ع 10، س2، 1980.
2- مجموعة من القرارات التمييزية (غير المنشورة).