[right]مشروع الجينوم البشري :
يبذل العلماء جهود مكثفة لمعرفة الجينات البشرية ، واكتشاف مزيد من أسرارها يستعينون لتحقيق هذا الهدف العظيم بالمختبرات الحديثة المزودة بأحدث التقنيات ، وأضخم الكمبيوترات ، وهو مشروع رصدت له أمريكا خمسة مليارات من الدولارات ، وقد تحق كثير من النتائج العظيمة حتى الآن ، وآخر هذه النتائج هو كشف الخريطة الجينومية للإنسان .
ولا يمر يوم إلاّ ويتم فيه معرفة عدد هذه الجينات وموقعها على الخريطة الجينومية وحجمها وعدد القواعد النـتروجينية المكونة له ، والبروتينات التي يصنعها بأمر خالقه ، وعدد الأحماض الأمنية المكونة لهذا البروتين ، ووظائفه ، والأمراض التي تصيب الإنسان عند نقص ذلك البروتين .
وقد شاء الله تعالى أن يؤدي أي خلل يسير في تسلسل القواعد النـتروجينية في الجين المتحكم في البروتين إلى مرض خطير ، ولكن لا يظهر المرض إلاّ عندما يرث الشخص هذا الجين المعطوب من كلا الأبوين ، أما إذا كان لديه جين واحد مصاب والجين الآخر سليماً فإنه يعتبر حاملاً للمرض فقط ، ولا تظهر عليه أي أعراض مرضية ، ولكن عندما يتزوج هذا من امرأة حاصلة على هذا الجين تكون نسبة ظهور المرض في ذريتهما 25% أي واحد من أربعة ، وهنا يأتي دور الفحص الطبي .
ولكن هناك العديد من الأمراض الوراثية تنتقل عبر جين واحد منتقل من أحد الأبوين،أو كليهما،حيث حصرها بعض العلماء عام 1994م في(6678) مرضاً وراثياً،غير أن(4458)مرضاً منها يصاب نصف الذرية،و(1750) مرضاً يصاب ربع الذرية ، وأوصلها العلماء في عام 1998م إلى اكثر من ثمانية آلاف مرض وراثي .
لمعرفة الجينوم " ايجابيات وسلبيات " :
لا شك أن إدراك أسرار الجينات يحقق مصالح كبيرة للبشرية ، ولكنه مع ذلك إذا أطلق عنانها دون ضوابط ، منها أنه لو اشترطت جهات العمل الكشف الجيني لأدى ذلك إلى أن المصابين بالأمراض المحققة أو المحتملة لن يتم تعيينهم ، والأمر أشد في التأمين الصحي ، أو التأمين على الحياة ، ومنها كشف أسرار الإنسان ، وغير ذلك من السلبيات ، لذلك لا بدّ من وضع ضوابط دينية وأخلاقية في هذا المجال .
وصدرت توصية من الندوة الحادية عشرة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية التي عقدت في الكويت في 23 ـ 25/جمادى الآخرة 1419هـ الموافق 13 ـ 15/10/1998م نصت على : ( أن مشروع قراءة الجينوم البشري ـ وهو رسم خريطة الجينات الكاملة للإنسان ، وهو جزء من تعرف الإنسان على نفسه ، واستكناه سنة الله في خلقه وإعمال للآية الكريمة ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) ومثيلاتها الآيات الأخرى .
ولما كانت قراءة الجينوم وسيلة للتعرف على بعض الأمراض الوراثية أو القابلية لها ، فهي إضافة قيمة إلى العلوم الصحية والطبية في مسعاها لمنع الأمراض ، أو علاجها مما يدخل في باب الفروض الكفائية في المجتمع .
ويتوقع العلماء أن هذا المشروع يستهدف تحقيق الغايات التالية :
1. التعرف على أسباب الأمراض الوراثية .
2. التعرف على التركيب الوراثي لأي إنسان من حيث خريطته الجينية ومن حيث القابلية لحدوث أمراض معينة كضغط الدم والنوبات القلبية والسكر ونحوها .
3. العلاج الجيني للأمراض الوراثية .
4. إنتاج مواد بيولوجية وهرمونات يحتاجها الإنسان للنمو والعلاج .
العلاج الجيني :
هو إصلاح الخلل في الجينات ، أو تطويرها ، أو استئصال الجين المسبب للمرض واستبدال جين سليم به ، وذلك بإحدى الطريقتين التاليتين :
الطريقة الأُولى :
عن طريق الخلية ، وذلك بإدخال التعديلات المطلوبة وحقنها للمصاب ، فإدخال الجين إلى الكروموسوم في الخلية يجب أن يكون في موقع محدد ، لأن الإدخال العشوائي قد يترتب عليه أضرار كبيرة .
ومن المعلوم أن توصيل الجينات يمكن أن يتم بطرق كيميائية،أو فيزيائية،أو بالفيروسات،أما الطريقة الكيميائية فيتم دمج عدة نسخ من DNA الحامل للجين السليم بمادة مثل فوسفات الكالسيوم،ثم يفرغ ذلك في الخلية المستقبلية حيث تعمل المادة الكيميائية على تحطيم غشاء الخلية،وتنقل بالتالي المادة الوراثية إلى الداخل .
وهناك طريقة أخرى لتوصيل الجينات عن طريق الحقن المجهري حيث يتم دخول المادة الوراثية إلى السيتوبلازم ، أو النواة .
وطريقة استخدام الفيروسات هي الأكثر قبولاً وتطبيقاً ، وذلك باستخدام الفيروسات كنواقل أو عربات شحن في النقل الجيني ، وهناك نوعان من الفيروسات ، أحدهما مادته الوراثية DNA والنوع الآخر RNA وعلى الرغم من أنهما مختلفان كيميائياً لكنهما يجمعهما أنهما من وحدات نيوكيلوتيده ، وأنهما يشملان شفرات منتظمة بالإضافة إلى تسلسل دقيق للقواعد النيتروجينية ، فقد أثبتت التجارب العملية أن الجين المسؤول عن تكوين بيتاجلوبين البشري يمكن إدخاله في خلايا عظام الفأر بواسطة الفيروسات التراجعية كنواقل ، وكانت النتيجة جيدة ، واستخدم البعض الفيروسات التراجعية لإدخال جين مسؤول عن عامل النمو البشري إلى أرومات ليفية ، وطبقت كذلك على أجنة التجارب بواسطة خلايا الكبد والعضلات .
وبعد التجارب المعملية خرجت التطبيقات منها إلى الإنسان مباشرة حيث كانت التجربة الأولى على الطفلتين (سبنـتيا)و(أشانتي) اللتين ولدتا وهما تعانيان من عيب وراثي وهو عدم إنتاج أنزيم أدينوزين ديمتاز يعمل نقصه على موت خلايا الدم التائية المسماة بالخلايا النائبة (T – Cells) مما يؤدي إلى التأثير على جهاز المناعة وفي سبتمبر 1990 بدأت رحلة العلاج الجيني بحقن الطفلة (أشانتي) بالخلايا المعالجة وراثياً ثم أخضعت الطفلة الثانية في يناير 1991 وكانت نتيجة علاجهما جيدة .
الطريقة الثانية :عن طريق إدخال تعديلات مطلوبة على الحيوان المنوي ، أو البويضة.
وقد أثيرت الشبهات حول الطريقتين ، حيث أثيرت على الأُولى شبهة أخلاقية وهي : هل البصمة الوراثية لهذا الشخص ستكون مطابقة لابنه ؟ كما أثيرت على الثانية شبهة تأثير إدخال التعديلات على الحيوان المنوي ،أو البويضة ؟ . ولذلك لا يجوز العلاج بهذه الحالة من حيث المبدأ .
ولذلك لا بدّ من التأكيد على هذا الجانب الأخلاقي وهو أن العلاج في الحالتين لا بدَّ أن لا يؤدي بأية حالة من الأحوال إلى التأثير في البنية الجينية ، والسلالة الوراثية .
ومن جانب آخر فإن للاسترشاد الوراثي ، والهندسة الوراثية دوراً رائداً في منع المرض وتطبيق قاعدة : الوقاية خير من العلاج .
والعلاج الجيني لا يقتصر دوره على الإنسان بل له دوره الأكبر في عالم النبات والحيوان مثل تغيير وتعديل التركيب الوراثي للكائنات ، أو ما يعرف بهندسة المورثات في الكائنات من مثل التحور الجيني في النبات والاستزراع الجيني في الكائنات الدقيقة مثل البكتريا ، وهندسة الحيوانات وراثياً .
مستقبل العلاج الجيني :
تشير النتائج والأبحاث إلى أن مستقبلاً زاهراً ينتظر العلاج الجيني ، وأنه يستفاد منه لعلاج أمراض واسعة الانتشار تطال الملايين من مرضى العالم مثل السرطان ، والتهاب الكبد الفيروسي ، والايدز ، وفرط الكولوسترول العائلي ، وتصلب الشرايين ، والأمراض العصبية مثل داء باركتسون ومرض الزهايمر ، إضافة إلى معالجة الأجنة قبل ولادتها ، وتشخيص الأمراض الوراثية قبل الزواج .
منافع العلاج الجيني :
هناك فوائد كبيرة ، ومنافع كثيرة تتحقق من خلال العلاج الجيني يمكن أن نذكر أهمها :
1. الاكتشاف المبكر للأمراض الوراثية ، وحينئذٍ التمكن من منع وقوعها أصلاً بإذن الله ، أو الإسراع بعلاجها ، أو التخفيف عنها قبل استفحاله ، حيث بلغت الأمراض الوراثية المكتشفة أكثر من ستة آلاف مرض ، وبالتالي استفادة الملايين من العلاج الجيني .
2. تقليل دائرة المرض داخل المجتمع وذلك عن طريق الاسترشاد الجيني ، والاستشارة الوراثية .
3. إثراء المعرفة العلمية عن طريق التعرف على المكونات الوراثية ، ومعرفة التركيب الوراثي للإنسان بما فيه القابلية لحدوث أمراض معينة كضغط الدم والنوبات القلبية ، والسكر ونحوها .
4. الحد من اقتران حاملي الجينات المريضة ، وبالتالي الحد من الولادات المريضة .
5.إنتاج مواد بيولوجية ، وهرمونات يحتاجها جسم الإنسان للنمو والعلاج .
سلبيات العلاج الجيني وأخطاره :
تترتب على العلاج الجيني بعض السلبيات في عدة نواحي اجتماعية ونفسية ، منها :
1. من خلال كشف بعض الأمراض الوراثية للفرد يترتب عليه آثار كبيرة على حياته الخاصة ، فيتعرض لعدم القبول في الوظائف ، أو التأمين بصورة عامة ، والامتناع عن الزواج منه رجلاً كان أو امرأة ، فقراءة جينومه تؤثر فعلاً على عمله الوظيفي ، وعلى زواجه ، وعلى كثير من أموره الخاصة به ، مما يترتب عليه إضرار به دون ذنب اقترفه ، بل قد لا يصبح مريضاً مع انه حامل الفيروس ، أو جين مريض ، فليس كل حامل للمرض مريض ، ولا كل مرض متوقع يتحتم وقوعه.
2. التأثير على ثقة الإنسان بنفسه ، والخوف والهلع من المستقبل المظلم مما يترتب عليه أمراض نفسية خطيرة قد تقضي عليه بسبب الهموم ، مع أن الإنسان مكرم لا يجوز إهدار كرامته ، وخصوصيته الشخصية وأسراره .
3. ان هناك عوامل أخرى بجانب الوراثة لها تأثير كبير على إحداث الأمراض الناتجة عن تفاعل البيئة ونمط الحياة ، إضافة إلى الطفرات الجينية التي تحدث في البويضة أو الحيوان المنوي ، أو فيهما بعد التلقيح .
4. وهناك مفاسد أخرى إذا تناول العلاج الجيني الصفات الخلقية ـ بفتح القاف ـ من الطول والقصر ، والبياض والسواد ، والشكل ، ونحو ذلك ، أو ما يسمى بتحسين السلالة البشرية ، مما يدخل في باب تغير خلق الله المحرم .
والعالم المتقدم اليوم ( وبالأخص أمريكا ) في تسابق خطير وتسارع إلى تسجيل الجديد في هذا المجال الخطير وبالأخص ما يتعلق بالإنسان فيوجد الآن أكثر من 250 معملاً ومختبراً متخصصاً في عالم الجينات فلا يُطلِع مختبر الآخر على نتائجه الجديدة ، ولذلك لا يستبعد في يوم من الأيام خروج شيء من تلك الكائنات المهندسة وراثياً ويحمل إمّا أمراضاً جديدة ، أو جراثيم بيولوجية مدمرة ، وخاصة ليست هناك ضمانات قانونية ولا أخلاقية لكثير من هذه المعامل ، ولذلك أنشئت هيئة الهندسة البيولوجية الجزيئية في فرنسا ، ولكنها غير كافية ، وهذه الأخطار تتعلق بما يأتي :
1. أخطار تتعلق بتطبيقات الهندسة الوراثية في النبات والحيوان والأحياء الدقيقة ، إضافة إلى أن بعض الحيوانات المحورة وراثياً تحمل جينة غريبة يمكن أن تعرض الصحة البشرية ، أو البيئة للخطر.
2. أخطار تتعلق بالمعالجة الجينية من النواحي الآتية :
أ ـ النقل الجيني في الخلايا الجرثومية التي ستولد خلايا جنسية لدى البالغين (حيوانات منوية وبويضات) وذلك لأن التلاعب الوراثي لهذه الخلايا يمكن أن يوجد نسلاً جديداً غامض الهوية ضائع النسب .
ب ـ الدمج الخلوي بين خلايا الأجنة في الأطوار المبكرة .
ج ـ احتمالية الضرر،أو الوفاة بسبب الفيروسات التي تستخدم في النقل الجيني.
د ـ الفشل في تحديد موقع الجينة على الشريط الصبغي للمريض حيث قد يسبب مرضاً آخر ربما أشد ضرراً .
هـ ـ احتمال أن تُسـبب الجينة المزروعة نمواً سرطانياً .
و ـ استخدام المنظار الجيني في معالجة الأجنة قبل ولادتها قد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة على حياة الأم والجنين .
ز ـ أخطار أخرى تخص الجينة المزروعة،والكائنات الدقيقة المهندسة وراثياً .
ح ـ استخدام العلاج الجيني في صنع سلالات تستخدم في الحروب البيولوجية المدمرة .
الحكم الشرعي للتداوي بصورة عامة ، والعلاج الجيني :
ينظر إلى العلاج الجيني من خلال اعتبارين : اعتبار عام من حيث هو علاج للأمراض ، واعتبار خاص يتعلق بخصوصيته وماله من آثار وإجراءات .
أ ـ من حيث هو علاج للأمراض الوراثية فيطبق عليه من حيث المبدأ ، الحكم الشرعي التكليفي للعلاج .
فمن الناحية الفقهية قد اختلف الفقهاء في حكم العلاج على عدة أقوال ، والذي تشهد له الأدلة الشرعية ومقاصد الشريعة هو أن الأحكام التكليفية الخمسة (الوجوب ، والندب ، والتحريم ، والكراهة ، والإباحة) ترد عليه .
فالعلاج واجب إذا ترتب على عدم العلاج هلاك النفس بشهادة الأطباء العدول ، لأن الحفاظ على النفس من الضروريات الخمس التي يجب الحفاظ عليها ، وكذلك يجب العلاج في حالة كون المرض معدياً مثل مرض السل ، والدفتريا (الخناق) والتيفود الكوليرا للنصوص الدالة على دفع الضرر وأنه ( لا ضرر ولا ضرار) ، بل إن بعض الفقهاء ـ منهم جماعة من الشافعية،وبعض الحنابلة ـ يذهبون إلى أن العلاج واجب مطلقاً وقيده بعضهم بأن يظن نفعه ، بل ذهب الحنفية إلى وجوبه إن كان السبب المزيل للمرض مقطوعاً به وذلك كما أن شرب الماء واجب لدفع ضرر العطش ، وأكل الخبز لدفع ضرر الجوع ، وتركهما محرّم عند خوف الموت ، وهكذا الأمر بالنسبة للعلاج والتداوي . جاء في الفتاوى الهندية : ( اعلم بأن الأسباب المزيلة للضرر تنقسم إلى مقطوع به كالماء المزيل لضرر العطش ، والخبز المزيل لضرر الجوع … أما المقطوع به فليس تركه من التوكل ، بل تركه حرام عند خوف الموت ) .
وقد استدل هؤلاء الفقهاء بقوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقوله تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) ، وبالأحاديث الآمرة بالتداوي مثل حديث أسامة بن شريك قال : (أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير ، فسلمت ، ثم قعدت ، فجاء الأعراب من ههنا وههنا ، فقالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال : تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءً إلاّ وضع له دواء غير داء واحد الهرم ) ، ولحديث أبي الدرداء : ( قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن الله أنـزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ، ولا تتداووا بحرام ) ، فإذا كان العلاج واجباً فيكون تركه حراماً كما في حالة كون المرض معدياً ، أو يكون الشخص مهدداً بالموت أو بضرر كبير إذا لم يتم العلاج ، ويدل كذلك حديث جابر قال : ( خرجنا في سفر ، فأصاب رجلاً منا حجر ، فشجه في رأسه ، ثم احتلم فسأل أصحابه ، فقال : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ قالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل ، فمات ، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك ، فقال : : قتلوه قاتهلم الله ، ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العيّ السؤال...) .
وأن التداوي مستحب إذا كان التداوي بما يمكن الاستشفاء به حسب الظن وليس اليقين ، وذلك اقتداءً بتداوي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله ، وفعله ، وفيما عدا ذلك فهو مباح مشروع وهذا رأي جمهور الفقهاء ، قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي
اعلم أن الذين تداووا من السلف لا ينحصرون ، ولكن قد ترك التداوي أيضاً جماعة من الأكابر) ثم ذكر بأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تداوى ، ولو كان نقصاناً لتركه ، إذ لا يكون حال غيره في التوكل أكمل من حاله ) .
وقد ردّ الغزالي على من قال بأن التداوي يخالف التوكل بأن ذلك نوع من المغالطة ، لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تداوى وهو سيد المتوكلين ، وأمر به في أكثر من حديث ، ثم إن التداوي مثل استعمال الماء للعطشان ، والأكل لدفع الجوع فلا فرق بين هذه الدرجات ، فإن جميع ذلك أسباب رتبها مسبب الأسباب سبحانه وتعالى ، وأجرى بها سنـته ، ويدل على أن ذلك ليس من شرط التوكل ما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ وعن الصحابة في قصة الطاعون ـ فإنهم لما قصدوا الشام وانتهوا إلى الجابية بلغهم الخبر أن به موتاً عظيماً ووباءً ذريعاً فافترق الناس فرقتين ، فقال بعضهم لا ندخل على الوباء فنلقي بأيدينا إلى التهلكة ، وقالت طائفة أخرى : بل ندخل ونتوكل على الله ولا نهرب من قدر الله تعالى ، ولا نفرّ من الموت كمن قال الله تعالى في حقهم : ( ألم ترَ إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت … ) ، فرجعوا إلى عمر فسألوه عن رأيه ، فقال : نرجع ولا ندخل على الوباء ، فقال له المخالفون لرأيه : أنفرّ من قدر الله تعالى ؟ قال عمر : نعم ، نفرُّ من قدر الله تعالى إلى قدر الله تعالى …. فلما أصبحوا جاء عبدالرحمن فسأله عمر عن ذلك ؟ فقال : عندي فيه يا أمير المؤمنين شيء سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( إذا سمعتم به ـ أي بالطاعون ـ بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ) .
فالعلاج سبب من الأسباب يؤخذ به كما يؤخذ بالأسباب في كل الأمور الأخرى ، بل إن تركه إذا ترتب عليه ضرر يكون محرماً وقد أكد هذه المعاني ابن القيّم في الطب النبوي وبيّن بأن العلاج سبب مشروع ، وقدر من قدر الله تعالى ، وسنة من سننه .
ويكون التداوي مباحاً جائزاً تركه ، إذا كان العلاج لا يجدي نفعاً وأن الدواء لا ينفعه ، حيث ذكر الغزالي خمسة أسباب لترك التداوي منها أن تكون العلة مزمنة ، والدواء الذي يؤمر به موهوم النفع .
ب ـ النظر إلى العلاج الجيني من حيث ما له من خصوصية ، وما له من آثار وما يترتب عليه من مصالح أو مفاسد أو مخالفات للنصوص الشرعية .
فبهذا الاعتبار لا ينبغي أن نصدر حكماً عاماً لجميع أنواع العلاج الجيني وحالاته وذلك لأن الحكم الشرعي إنما يكون دقيقاً إذا كان متعلق الحكم معلوماً مبيناً واضحاً ، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره .
وإضافة إلى هذه الأدلة الخاصة بالعلاج والتداوي فهناك عدة قواعد عامة ، ومبادئ معتبرة تتحكم في العلاج بصورة عامة ، وفي العلاج الجيني بصورة خاصة وهي :
1ـ مقاصد الشريعة في رعاية المصالح الضرورية والحاجية ، والتحسينية ، والموازنة بين المصالح والمفاسد والقواعد المتفرقة منها مثل درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة وأنه يتحمل الضرر الأخف في سبيل درء الضرر الأكبر ، وأن الضرر يزال ، وأن الضرر لا يزال بمثله ، وأن الضرورات تبيح المحظورات ، وأن الضرورات تقدر بقدرها ، وأنه يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام ، وأن الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ، وأنه إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً ، وأنه يختار أهون الشريّن ، وأن الضرر يدفع بقدر الإمكان ، وأن الحاجة تنـزل منـزلة الضرورة ، وأن الاضطرار لا يبطل حق الغير ، وأن المشقة تجلب التيسير ، وأنه إذا ضاق الأمر اتسع ، وأنه لا ضرر ولا ضرار .
2ـ اعتبار الوسائل والذرائع ، فالوسيلة المحرمة محرمة ولو كانت الغاية شريفة ، فلا يجوز استعمال أية وسيلة محرمة في العلاج الجيني أو غيره إلاّ للضرورة التي تبيح المحظورات وقد جعل ابن القيم قاعدة سد الذرائع ربع الدين والفقه الإسلامي .
3ـ رعاية المألات والغايات والنتائج والآثار المترتبة على العلاج قال الشاطبي : ( النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً سواء كانت الأفعال موافقة أو مخالفة ، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلاّ بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب ، أو مفسدة تدرأ ، ولكن له مآل على خلاف ذلك ، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوى المصلحة أو تزيد عليها ، فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية ، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي ، أو تزيد فلا يصح القول بعدم المشروعية ) ، وقاعدة المآلات هي الأصل العام الذي تنبني عليها مجموعة من القواعد الأساسية .
4ـ النظر إلى العلاج الجيني بصورة خاصة من خلال أنواعه ، وحالاته ، حتى يكون الحكم دقيقاً صحيحاً بقدر الإمكان ، وذلك لأن الحكم الصحيح على الشيء فرع من تصوره وفهمه فهماً دقيقاً ، ولذلك نفصل القول حسب الأنواع المتاحة لنا :
أ ـ حكم العلاج الجيني بالنوعين المذكورين إنما يجوز إذا لم يترتب عليه الأضرار والمفاسد التي ذكرناها سابقاً ، وقد صدر قرار من المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة تضمّن مجموعة من الأحكام والضوابط ، حيث نصّ على : ( أن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة المنعقدة في مكة المكرمة التي بدأت 11رجب 1419هـ الموافق 31 اكتوبر 1998م قد نظر في موضوع استفادة المسلمين من علم الهندسة الوراثية التي تحتل اليوم مكانة مهمة في مجال العلوم ، وتثار حول استخدامها أسئلة كثيرة ، وقد تبين للمجلس أن محور علم الهندسة الوراثية هو التعرف على الجينات ( المورثات ) وعلى تركيبها ، والتحكم فيها من خلال حذف بعضها ـ لمرض أو لغيره ـ أو إضافتها أو دمجها بعضها مع بعض لتغيير الصفات الوراثية الخلقية .
وبعد النظر والتدارس والمناقشة فيما كتب حولها ، وفي بعض القرارات والتوصيات التي تمخضت عنها المؤتمرات والندوات العلمية . يقرر المجلس ما يلي :
أولاً : تأكيد القرار الصادر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بشأن الاستنساخ برقم 100/2/د/10 في الدورة العاشرة المنعقدة بجدة في الفترة من 23ـ28صفر 1418هـ .
ثانياً : الاستفادة من علم الهندسة الوراثية في الوقاية من المرض أو علاجه ، أو تخفيف ضرره بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر اكبر .
ثالثاً : لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في الأغراض الشريرة وفي كل ما يحرم شرعاً .
رابعاً : لا يجوز استخدام أي من أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله للعبث بشخصية الإنسان ، ومسؤوليته الفردية ، أو للتدخل في بنية المورثات ( الجينات ) بدعوى تحسين السلالة البشرية .
خامساً : لا يجوز إجراء أي بحث ، أو القيام بأية معالجة ، أو تشخيص يتعلق بمورثات إنسان ما إلاّ بعد إجراء تقويم دقيق وسابق للأخطار والفوائد المحتملة المرتبطة بهذه الأنشطة ، وبعد الحصول على الموافقة المقبولة شرعاً مع الحفاظ على السرية الكاملة للنتائج ، ورعاية أحكام الشريعة الإسلامية الغراء القاضية باحترام حقوق الإنسان وكرامته.
سادساً : يجوز استخدام أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله في حقل الزراعة وتربية الحيوان شريطة الأخذ بكل الاحتياطات لمنع حدوث أي ضرر ـ ولو على المدى البعيد ـ بالإنسان ، او الحيوان ، أو البيئة .
سابعاً : يدعو المجلس الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية والطبية وغيرهما من المواد المستفيدة من علم الهندسة الوراثية إلى البيان عن تركيب هذه المواد ليتم التعامل والاستعمال عن بينة حذراً مما يضرُّ أو يحرم شرعاً .
ثامناً : يوصي المجلس الأطباء وأصحاب المعامل والمختبرات بتقوى الله تعالى واستشعار رقابته والبعد عن الإضرار بالفرد والمجتمع والبيئة ) .
ب ـ حكم المسح الوراثي : يجوز شرعاً المسح الوراثي بشرط أن تكون الوسائل المستعملة فيه مباحة آمنة لا تضرُّ بالإنسان والبيئة ، وذلك لأن هذه الطريقة تهدف إلى تقليل الأمراض الوراثية ، وتساعد الأطباء على وضع البرامج الوقائية لحماية الإنسان وابتكار الأدوية ، كما تساعد على دفع الضرر قبل وقوعه .
ويجوز للدولة الإجبار على هذه الطريقة إذا انتشر الوباء في بلد معين ، أو اقتضته المصالح العامة ، ولكن يجب الحفاظ على نتائج المسح وعدم إظاهرها إلاّ بقدر ما تقتضيه الضرورة أو الحاجة الملحة حماية لأسرار الناس التي هي من مقاصد الشريعة
أثر الفحص الطبي بعد الزواج :
إذا تم الزواج فإن الموضوع يختلف تماماً ، لأن الهدف من الفحص قبل الزواج هو الاطمئنان على الآخر والقدرة على الزواج ومتطلباته البدنية والنفسية قبل أن يكون هناك أي التزام طرف من قبل الآخر ، أما بعد كتب الكتاب وعقد الزواج ، فإنه حينئذٍ يكون البحث عن العلاج ، أو حق الطلاق أو التطليق ، أو الفسخ .
فقد ذكر الفقهاء العظام مجموعة من العيوب التي تعطي حق الخيار في الفرقة بين الزوجين أوصلها الحنابلة إلى ثمانية عشر عيباً ، والمالكية إلى ثلاثة عشر عيباً ، والإمامية إلى اثني عشر عيباً ، وبعض التابعين وضعوا لها معيار الضرر ، ولكن من أهمها تسعة عيوب ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء ، وهي الجنون ، والجذام ، والبرص واثنان يختصان بالرجال وهما الجبّ والعنّة وأربعة تختص بالنساء وهي القرن والرتق والفتق والعفل فقد ذهب جماهير الفقهاء (ما عدا الظاهرية الذين لا يقولون بالفسخ بسبب هذه العيوب) إلى إعطاء حق الخيار في الفرقة بين الزوجين في الجملة ، ولكنهم اختلفوا في بعض التفاصيل :
1.فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى ثبوت حق المطالبة بالتفريق بسبب العلل المانعة من الجماع للزوجة فقط دون الزوج ، لان الزوج يملك الحق في الطلاق دون الحاجة إلى الفسخ ، وأضاف محمد بن حسن الشيباني إلى هذه العيوب الجنون والجذام ، كما أنه وسع دائرة العيوب حسب نص الكاساني عن محمد : (خلوه من كل عيب لا يمكنها المقام معه إلاّ بضرر كالجنون والجذام والبرص) .
وقد اشترط الحنفية لحق مطالبة الزوجة بالتفريق بسـبب الأمراض السابقة الشروط الآتية:
أ ـ أن لا يصدر منها صراحة ما يدل على رضاها بالمرض .
ب ـ أن لا تكون على علم بالمرض وقت الزواج .
ج ـ أن يكون العيب موجوداً عند الزواج ، أما لو وجد بعد الدخول فلا يحق لها المطالبة بالفسخ .
د ـ أن لا تكون هي أيضاً معيبة بعيب جنسي مثل الرتق والقرن .
2.وذهب جمهور الفقهاء المالكية والشافعية والحنابلة ، والإمامية إلى ثبوت حق المطالبة بالفسخ والتفريق لكلا الزوجين بسبب العيوب السابقة سواء وجدت قبل العقد أو بعده وإن كانوا مختلفين في عددها ـ كما سبق ـ .
3.وذهب جماعة من الفقهاء إلى معيار موضوعي للعيوب ، وهو : كل عيب يؤدي إلى نفرة أحدهما من الآخر ، ويسبب له الإيذاء والضرر في الحياة الزوجية وهذا ما قال به بعض التابعين كالقاضي شريح ، والزهري ، وأبي ثور ، وأيدهم ابن القيم فأورد آثاراً وأدلة لترجيح هذا القول ، حيث ذكر بعض الآثار عن عمر رضي الله عنه أنه لم يقف عند العيوب المذكورة ، بل قضى بأن العقم من العلل ، فقال : ( والقياس : أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه ، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار ، وهو أولى من البيع ، كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع (أي بنص الحديث الصحيح) وما ألزم الله ورسوله مغروراً قط ، ولا مغبوناً بما غر به وغبن به ، وما اشتمل عليه من المصالح لم يخف عليه رجحان هذا القول ، وقربه من قواعد الشريعة) .
وقال ابن القيم أيضاً : (وأما الاقتصار على عيبين ، أو ستة ، أو سبعة ، أو ثمانية ....فلا وجه له ، فالعمى والخرس ، والطرش ، وكونها مقطوعة اليدين ، أو الرجلين ، أو إحداهما ، أو كون الرجل كذلك من أعظم المنفرات ، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش ، وهو مناف للدين الأخلاق ، إنما ينصرف إلى السلامة ، فهو كالمشروط عرفاً) .
وهذا الذي رجحه ابن القيم هو الذي يظهر رجحانه شرط أن يكون العيب مستديماً يحول دون علاقة زوجية طبيعية ،و هو الذي يتسق مع مقاصد الشريعة في الزواج وتحقيق المحبة والرحمة والسكنى ، ولذلك يدخل في العيوب الموجبة لحق الفسخ ما ظهر في عصرنا الحاضر من العيوب التي تعتبر أخطر مما ذكره فقهاؤنا الكرام ، مثل مرض الايدز ، ونحوه من الأمراض المعدية الخطيرة .
هذا وقد صدر قرار (رقم82(13/
) من مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) نص على أنه (في حالة إصابة أحد الزوجين بهذا المرض ، فإن عليه ان يخبر الآخر ، وأن يتعاون معه في إجراءات الوقاية كافة) .
وصدر قرار آخر (رقم90 (7/9)) ينص على أنه (من حق السليم من الزوجين طلب الفرقة من الزواج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب "الايدز" ) .
التفريق هنا بحكم القاضي :
والتفريق في باب العلل والأمراض يكون بحكم القاضي بشرط أن لا يكون طالب التفريق عالماً بالعيب وقد رضي به ، وان يأخذ القاضي برأي أهل الاختصاص في مجال العلة ، فقد يكون أحد العيوب في عصر فقهائنا مستحكماً لا يرجى شفاؤه ، وأصبح الآن سهلاً يمكن الشفاء منه بإذن الله حسب الطب المعاصر .
كما أن الراجح في نظرنا أن هذه الفرقة ليست طلاقاً ، وإنما هي فسخ وهو رأي الشافعية والحنابلة ، فلا يترتب عليه نقص عدد الطلقات .
الحكم الفقهي في الفحص الطبي قبل الزواج (الرأي المختار) :
لمعرفة الحكم الشرعي بدقة نحتاج إلى بيان الحكم للأمور الآتية :
الأمر الأول : هل يجب الفحص الطبي للمخاطبين قبل الإقدام على إكمال العقد وجوباً شرعياً ما دام ذلك الفحص متاحاً .
الأمر الثاني : هل يجوز للدولة إصدار تشريع بإجبار الراغبين في الزواج باللجوء إلى الفحص الطبي قبل الزواج ، بحيث يترتب على عدمه عم إقدام الجهات الرسمية بتوثيق العقد والاعتراف به .
الأمر الثالث : إذا علم أحد الزوجين ، أو الخاطبين بوجود مرض معد أو وراثي فيه ، فهل يجب عليه إخبار الطرف الآخر ؟ وما الذي يترتب على كتمانه ؟
الأمر الرابع : هل هناك علاقة بين موضوعنا هذا والزواج من الأقارب ؟
الأمر الخامس : في حالة عدم الوجوب ، أو الإلزام هل هناك بدائل ؟
هذا ما سنحاول بحثه والوصول إلى الرأس الذي تدعمه الأدلة في نظري بعد الاعتماد على الله تعالى ، وقبل أن أجيب أود وضع قاعدة تعد بمثابة تحرير لمحل النزاع وهي :
أن جميع من وقعت عيني على بحوثهم ، وفتاواهم لا يختلفون في أهمية البحث عن كل الوسائل المتاحة لإنشاء أسرة متماسكة متينة صالحة سليمة قوية الإيمان والبنيان ، كما أنهم لا يختلفون في أن الأمراض التي هي محل البحث هي ليست جميع الأمراض بما فيها الأمراض العادية التي لا يخلو منها الإنسان ، أو الأمراض الطارئة غير المعدية ، وإنما هي الأمراض المعدية الخطيرة مثل التهاب الكبد الوبائي ، والأمراض التي تنتقل من شخص إلى آخر بسبب الاتصال الجنسي ، أو نقل الدم أو نحو ذلك مثل مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) والأمراض الوراثية المضرة التي تنتقل من خلال الجينات ـ كما سبق ـ .
فالبنسبة للموضوع الأول وهو وجوب الفحص قبل الزواج :
فالذي يظهر لي رجحانه انه لا يوجد دليل من الكتاب والسنة على وجوب الفحص قبل الزواج من حيث هو ، وإنما موضوع التداوي برمته ـ كما سبق ـ هو محل خلاف كبير ـ كما سبق ـ ، بل إن موضوع الفحص الطبي قبل الزواج يختلف عن التداوي ، لأن الأخير أمام ضرر محقق من خلال المرض وضرر عدم تداويه ، فالضرر يزال ، فمسألة وجوب التداوي في حالة ضرر محقق واردة ، أما موضوع الفحص فليس هناك ضرر محقق عند إرادة الفحص فلا يرد عليه ما ورد على المرض المحقق ، إضافة إلى أن هذا الإيجاب (وهو تكليف جديد) يحتاج إلى دليل ثابت بنص خاص ، أو بنصوص عامة واضحة الدلالة عليه ، وإنما ينبغي أن يكون الحديث عن الفحص الطبي قبل الزواج في إطار أنه مشروع فقط وجائز من حيث المبدأ ، دون زيادة أي حكم آخر من الوجوب أو الحرمة ، أو نحوهما من الأحكام الشرعية التكليفية الأخرى .
ولكن إذا كان أحد الخاطبين او كلاهما مريضاً فإن هذه المسألة تدخل ضمن موضوع التداوي بصورة عامة ، ثم إذا فحص نفسه ، وتبين أنه مصاب بمرض معد خطير ثم كتم ذلك فإنه حينئذٍ يدخل في الموضوع الخاص بالتدليس الذي نبحث عنه بعد قليل إن شاء الله.
الموضوع الثاني : هل يجوز للدولة إصدار تشريع بإجبار الراغبين في الزواج على الفحص الطبي قبل الزواج ، وترتيب آثار على عدم القيام به من البطلان ، أو عدم التسجيل ونحو ذلك:
أختلف المعاصرون ، فذهب جماعة (منهم الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ود.عبدالكريم زيدان ، ود.محمد رأفت عثمان ، ود. محمد عبدالغفار الشريف) إلى عدم جواز ذلك مستدلين بالأدلة الآتية :
1 ـ أن عقد النكاح ليس عقداً جديداً حتى نبحث عن شروط جديدة لصحته ، بل هو عقد تناوله الشرع بالتفصيل من حيث أركانه وشروطه ، بل له خصوصيته حيث أحاطها الشارع بمزيد من العناية والخصوصية ، وبالتالي فإن إجبار العاقدين بوجود هذا الشرط (الفحص الطبي) مخالف لما ثبت عن الشرع ، ويكون هذا الشرط باطلاً ، لأنه يدخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل) .
2 ـ لا نجد في الكتاب والسنة ولا في أقوال الفقهاء السابقين دليلاً ، أو قولاً باشتراط سلامة الصحة لصحة النكاح ، كما لانجد اشتراط أن يكون النكاح يلزم منه الذرية ، كما في المرأة الآيسة ، والرجل كبير السن حيث يجوز لهما الزواج دون إرادة الذرية ، بل الشروط الشرعية بعد شروط العقد هو كون الزوج من أهل الدين والخلق ولم يشترط كونه سليماً ، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.....) .
3 ـ إن تصرفات ولي الأمر وبالأخص في جعل المباح واجباً إنما تصح إذا تعينت فيها المصلحة ، أو غلبت للقاعدة الفقهية (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة) .
وذهب جماعة (منهم الدكاترة : محمد الزحيلي ، والميمان ، وحمداتي ماء العينين ، وشبير) إلى أنه يجوز لولي الأمر إصدار قانون يلزم فيه كل المتقدمين للزواج بإجراء الفحص الطبي مستدلين بما يأتي :
1 ـ الأدلة العامة من الكتاب السنة وعلى وجوب طاعة ولي الأمر فيما ليس بمحرم .
2 ـ الأدلة العامة الدالة على حماية الإنسان لنفسه وعدم الوقوع في التهلكة .
3 ـ الأدلة العامة على وجوب الحفاظ على النسل الذي هو من الضروريات .
ومن الواضح أن هذه الأدلة العامة لا تكون نصاً في الدعوى ، أو لموضوع فلا يمكن إثبات الإيجاب بها في أمر خاص مثل الفحص الطبي .
4 ـ حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا توردوا الممرض على المصح) حيث أمر باجتناب المصابين بالأمراض المعدية والوراثية ، وهذا لا يتحقق إلاّ من خلال الفحص الطبي .
5 ـ إن الفحص الطبي لا يعتبر افتئاتاً على الحرية الشخصية ، لأن فيه مصلحة الفرد أولاً ، وللجماعة ثانياً ، وحتى لو ترتب عليه ضرر خاص فإنه يتحمل لأجل الضرر العام كما تقضي بذلك القواعد الفقهية : ( يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام) و (يرتكب أهون الشرين وأخف الضررين ، وأدنى المفسدتين...) و (درء المفسدة أولى من جلب المصلحة) .
6 ـ قاعدة (الدفع أولى من الرفع) حيث إذا أمكن دفع الضرر قبل وقوعه فهذا أولى من رفعه بالوقوع .
7 ـ رعاية الوسائل ، حيث إن للوسائل حكم الغايات .
الترجيح :
الذي يظهر لي رجحانه هو التفصيل في المسألة ، وهو القول بعدم جواز الإجبار على الفحص الجيني وضرورة ترك ذلك للحرية الشخصية مع التوعية بأهميته ، والقول بجواز صدور قرار ملزم من الدولة بإلزام الراغبين في الزواج بالفحص الطبي العادي قبل الزواج بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون ذلك في الأمراض المعدية الخطيرة السارية مثل التهاب الكبد الوبائي والايدز وعلى أن تشكل لجنة متخصصة لتحديد هذه الأمراض المعدية الخطيرة دون التوسع فيها ، وذلك من باب (أن الضرورات ، والحاجيات الملحة تقدر بقدرها).
الشرط الثاني : أن لا يكون جزاء الإخلال بالفحص الطبي هو إبطال العقد ، وفساده ، أو عدم ترتيب الآثار الشرعية على عقد النكاح ، بل يكون الجزاء على الإخلال شيئاً آخر مثل غرامة مالية ، أو نحو ذلك .
وقصدي من ذلك أنه لا يجوز للدولة ، أو لولي الأمر إصدار قرار بإجبار الفحص الطبي قبل الزواج ، وترتيب فساد العقد ، أو بطلانه ، او عدم ترتب آثاره الشرعية عليه ، فهذا ليس من حق الإمام لأنه يصطدم بالنصوص الشرعية القاضية بصحة العقد ما دامت الأركان والشروط متوافرة ، أما أن يقول القرار مثلاً : (وفي حالة الإخلال بهذا الشرط يعاقب بغرامة مالية ، أو أنه لا يعطى له المزية الفلانية) فهذا جائز .
والدليل على هذه التفرقة في الحكم بين الفحص الجيني ، والفحص العادي بكل الوسائل المتاحة للأمراض المعدية هو أن الفحص الجيني يترتب عليه مفاسد عظيمة على مستوى الفرد ،والأسرة والجماعة ذكرنا بعضها في السابق ، كما أن هناك أسراراً لم تكشف فتحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل ، في حين أن ترك الأمراض المعدية الخطيرة مثل التهاب الكبد الوبائي ، والايدز تترب عليه مفاسد عظيمة كما ذكرنا ، وأعتقد أننا بهذا الجمع قد جمعنا خير ما في كل من آراء الفريقين ، كما أن فيه جمعاً بين
تكاليف الفحص :
في حالة إجبار الدولة أرى أن تتحمل الدولة هذه المصاريف ، أو تهيئ المختبرات الخاصة التي تقوم بهذه الفحوصات مجاناً ، لأن مصالحها ومنافعها ليست خاصة بالفرد وإنما مصالح عامة يتحملها بيت مال المسلمين ، أو خزانة الدولة العامة ، وفي حالة عدم توفر ذلك فإن كلا من الزوجين يتحمل مصاريفه إلاّ إذا اشترط على الطرف الآخر ، وحينئذٍ يكون الشرط معتبراً.
الموضوع الثالث : إذا علم (بوجود مرض خطير وراثي أو عادي) أحد الخاطبين قبل الزواج أو الزوجين بعد الزواج ، فما حكم الشرع في هذه المسألة ؟
الذي يظهر لي رجحانه والله أعلم هو وجوب إخبار الطرف الآخر بما عنده من أمراض معدية خطيرة ، أو أمراض وراثية خطيرة ، أما إذا كان المرض عادياً أي غير معد ، ولا يؤدي إلى التشوهات في الأطفال المولودين منه ـ حسب الظن الغالب ـ فلا يجب عليه البيان .
والدليل على وجوب البيان على أحد الخاطبين أو الزوجين في حالة أنه اكتشف أنه مريض بأحد الأمراض المعدية الخطيرة ، أو انه يحمل جيناً من الجينات المريضة التي تؤدي إلى أن يكون المولود منه مشوهاً ـ حسب الظن الغالب لأهل العلم ـ حيث يجب عليه إخباره ....هو ما يأتي :
1 ـ وجوب الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والآثار والاجماع على حرمة الغش والتدليس والتغرير والخداع ، والتحايل التي تدور معانيها حول : كتمان الحقيقة ، واستعمال طرق النصب والاحتيال للوصول إلى مآرب الغاش ، والمدلس والمغرر والمحتال ، لذلك قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( من غش فليس مني) .
2 ـ لا يقف أثر التغرير والتدليس عند العقود المالية التي يكون تأثيره فيها محل اتفاق في الجملة بل يتجاوزها إلى النكاح أيضاً حيث اتفقوا على أن التغرير بالحرية يوجب الضمان ، وحق الفسخ .
3 ـ هناك آثار وأحكام وفتاوى لبعض كبار الصحابة بوجوب البيان فقد روى الشعبي عن عمر رضي الله عنه قال : (انه بعث رجلاً على بعض السقاية فتزوج امرأة وكان عقيماً ، فقال له عمر : أعلمتها أنك عقيم ؟ قال : لا ، قال : فانطلق فأعلمها ، ثم خيّرها) .
وقد قضى شريح (قاضي الإسلام الذي ضرب به المثل بعلمه وحكمته) بعدم جواز التدليس في الزواج وبحق الخيار للمدلس عليه ، حيث اتى برجل فقال : إن هؤلاء قالوا لي : إنا نزوجك بأحسن الناس ، فجاؤوني بامرأة عمشاء ، فقال شريح : (إن كان دلس لك بعيب لم يجز) قال ابن القيم معقباً على هذا الحكم : ( فتأمل هذا القضاء ، وقوله : إن كان دلس لك بعيب ، كيف يقتضي أن كل عيب دلست به المرأة فللزوج الرد به) .
4 ـ ومن باب القياس الأولى إذا كان بيان العيوب في البيع ونحوه من المعاملات المالية واجباً ، وأن كتمانه يعطي حق الفسخ فكيف لا يكون تأثر للغش في هذا العقد العظيم الذي يترتب عليه آثار خطيرة على صحة الزوجين ومستقبلهما ومستقبل أولادهما ، يقول ابن القيم : (وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حرم على البائع كتمان عيب سلعته ، وحرم على من علمه أن يكتمه من المشتري ، فكيف بالعيوب في النكاح) .
النكاح قائم على الإفصاح والشفافية :
أولى الإسلام عناية قصوى بأن تكون العلاقة بين الخاطبين أو الزوجين قائمة على الشفافية والإفصاح ووجوب البيان حتى يقدما على العقد بمنتهى القناعة ، والاطمئنان للوصول إلى الاستقرار والسكنى .
ولا يقتصر هذا البيان على العاقدين ، بل على يستشار في هذا الصدد ، حيث قال النبي صلى الله عله وسلم لفاطمة بنت قيس حين استشارته في نكاح معاوية أو أبي جهم : (أما معاوية فصعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه) ثم أرشدها إلى النكاح من أسامة رضي الله عنهم ، يقول ابن القيم : (فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب ، فكيف يكون كتمانه وتدليسه والغش الحرام به سبباً للزومه ، وجعل ذا العيب غلاً لازماً في عنق صاحبه مع شدة نفرته عنه .....وهذا مما يعلم يقيناً أن تصرفات الشريعة وقواعدها وأحكامها تأباه) .
فهذا البيان من واجب الشخص نفسه ، ومن واجب الذي يستشار بشأن الزواج استدلالاً بالحديث الصحيح السابق ، ولا يدخل هذا في باب الغيبة ، فقد سئل الإمام أحمد عن الرجل يسأل عن الرجل يخطب إليه ، فسأل عنه فيكون رجل سوء ، فيخبره ...أيكون غيبة ؟ قال : ( المستشار مؤتمن يخبره بما فيه ، وهو أظهر ، ولكن يقول ما أرضاه لك ، ونحو هذا أحسن) .
والخلاصة أن أحد الزوجين يجب عليه ان يخبر الآخر بالأمراض المعدية والأمراض الجينية الخطيرة الموجودة فيه ، وإلاّ فهو آثم ، وللطرف الآخر حق الفسخ ، بل والتعويض إن أصابه ضرر تطبيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي أصبح مبدءاً أو قاعدة عامة (لا ضرر ولا ضرار) والضرر يزال ، وان الضر لا يزال بمثله ، وقد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي (رقم 82(13/
) بوجوب إخبار المصاب الآخر من الزوجين .
هذا وقد صدر قرار طيب عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي (رقم 90(7/9)) بشأن مرض الايدز نذكره لأهميته حيث نص على :
أولاً : عزل المريض :
حيث إن المعلومات الطبية المتوافرة حالياً تؤكد أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري نقص المناعة المكتسب (الايدز) لا تحدث عن طريق المعايشة أو الملامسة الو التنفس او الحشرات او الاشتراك في الأكل أو الشرب او حمامات السباحة أو المقاعد أو أداوت الطعام ونحو ذلك من أوجه المعايشة في الحياة اليومية العادية ، وإنما تكون العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية :
1.الاتصال الجنسي بأي شكل كان .
2.نقل الدم الملوث أو مشتقاته .
3.استعمال الإبر الملوثة ، ولا سيما بين متعاطي المخدرات وكذلك أمواس الحلاقة.
4.الانتقال من الم المصابة إلى طفلها في أثناء الحمل والولادة .
وبناء على ما تقدم فإن عزل المصابين إذا لم تخش منه العدوى ، عن زملائهم غير واجب شرعاً ، ويتم التصرف مع المرضى وفق الإجراءات الطبية المعتمدة .
ثانياً : تعمد نقل العدوى :
تعمد نقل العدوى بمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد عمل محرم ، ويعد من كبائر الذنوب والآثام ، كما أن يستوجب العقوبة الدنيوية وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع.
فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع فعمله هذا يعد نوعاً من الحرابة والإفساد في الأرض ، ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) سورة المائدة / الآية 33 .
وإن كمان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ، وتمت العدوى ، ولم يمت المنقول إليه بعد ، عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة وعند حدوث الوفاة ينظر في تطبيق عقوبة القتل عليه .
وأما إذا كان قصده من تعمد نق العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية .
ثالثاً : إجهاض الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) إلى جنينها لا تحدث غالباً إلاّ بعد تقدم الحمل ـ نفخ الروح في الجنين ـ أو أثناء الولادة ، فلا يجوز إجهاض الجنين شرعاً .
رابعاً:حضانة الأم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب(الايدز) لوليدها السليم وإرضاعه :
لما كانت المعلومات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) لوليدها السليم ، وإرضاعها له ، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية ، فإنه لا مانع شرعاً من أن تقوم الم بحضانته ورضاعته ما لم يمنع من ذلك تقرير طبي .
خامساً : حق السليم في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) :
للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي .
سادساً : اعتبار مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) مرض موت شرعاً ، إذا اكتملت أعراضه ،وأقعد المريض عن ممارسة الحياة العادية ، واتصل به الموت) .
الموضوع الرابع : العلاقة بين الزواج من الأقارب ، والأمراض :
هناك تفصيل كبير في هذا المجال نلخصه في أن احتمال انتقال الأمراض الجينية بين الأقارب أكبر ، ولكن من جانب آخر ، فالتحقيق أن المسألة لا تعود إلى الأقارب بقدر ما تعود إلى كون الأسرة مريضة أفرادها أم سليمة علماً بأنه لم يثبت حديث صحيح ، أو حسن في هذا المجال .
الموضوع الخامس : البدائل عن الفحص الطبي قبل الزواج :
فهناك بدائل كثيرة وهي :
1 ـ البحث عن الرجل الصالح السليم القوي ، والمرأة الصالحة السليمة القوية من خلال السؤال عنه أو عنها ، وعن أحوالهما ، عن طريق الأصدقاء والجيران والموظفين العاملين معه ، وحتى لا مانع من خلال البحث السري عن ملفه في المستشفى .
إضافة إلى المظاهر الدالة على الصحة ، ولذلك قال علماؤنا إن رؤية الوجه للجمال ، ورؤية الكفين للصحة والسلامة .
2 ـ البحث عن أسرة الزوج ، أو الزوجة من حيث الصحة والمرض وكل ما هو معتبر فالعرق دساس .
3 ـ التوعية ، ونشر وسائل الاقناع بالفحص قبل الزواج ، والتوعية بالسرية والحفاظ على عدم الاضرار بالآخر .
هذا ما تيسر لنا بحثه شاكراً الله على أنعمه التي لا تعد ولا تحصى
وصلى الله على