[right]
- تنفيذ الأمر بالقبض الجسدي.
- تبليغ قرار الإحالة على محكمة الجنايات لمتهم في حالة فرار.
- محضر تشكيل المحكمة الجنائية و محضر المرافعات.
- ورقة الأسئلـة.
محاضرة للسيد سيدهم مختـار
مستشار بالغرفة الجنائية – المحكمة العليا -
أمام قضاة مجلس قضاء تلمسان يوم 14/03/2007.
نظـرا لطول موضوع محكمة الجنايات و تفرعاته التي لا يمكن الإلمام بها في عرض واحد، بل و يستحيل ذلك، فقـد اخترت ثلاثـة محاور فقط سأقوم بتحليلها نظرا لأهميتها و كثـرة الأخطاء الـتي ترد في تطبيقاتها و جرت العادة على اعتبارها سليمة، أمـا ماعدا ذلك فسأتركـه لمناسبات أخـرى،
أولا: تنفيذ الأمر بالقبض الجسـدي،
تنص المادة 198 من قانون الإجراءات الجزائية على إصدار أمر بالقبض الجسدي من طرف غرفـة الإتهام عند إحالتها لمتهم على محكمة الجنايات بتهمة جنايـة،
لقـد خلق تنفيذ هذا الأمر عدة إشكاليات أهمها حين ينفذ ضد متهم كان في حالة إفراج مؤقت أو لم يتم حبسه سابقا وفقا للمادة 137 من نفس القانـون،
حـين يكون المتهم المتابع بجناية محبوسا قبل صدور قرار الإحالة بموجب أمر بالإيداع فإن مفعول هذا الأمر ينتهي بصدور القرار المذكور وفقا للمادة 166 التي تنص على أن يبقى نافذا إلى أن تفصل غرفة الإتهام و يتحول بصدور قرار هذه الغرفة إلى أمر بالقبض الجسدي الذي ينفذ حينا فإذا كان المتهم في حالة إفراج مؤقت لا ينفذ عليه إلا ليلة الجلسة، و يجوز تنفيذه قبل ذلك إذا لم يلب استدعاء رئيس محكمة الجنايات لأجل استجوابه وفقا للمادة 271 و يبقى رهن الحبس حتى لو أجلت القضية إلى دورة أخـرى،
لكـن في حالة مثوله و تم تأجيل القضية إلى الدورة المقبلة لسبب مـا، وجب الإفراج عنه مؤقتا على أن ينفذ ضده ليلة الجلسة القادمة ثانية (نقض فرنسي 1998.02.18 – دالوز الجنائـي– غرفة الإتهام فقـرة 288) لأن هذا الأمر قابل للتنفيذ أكثر من مرة و لو بعد النقض، و كل متابع بجنايـة لا يحضر أمام محكمة الجنايات إلا و هو محبوس كضمان لتنفيذ الحكم عليـه حينا إذا تمت إدانته بجناية على خلاف ما هو معمول به في مادة الجنـح،
هنـاك حالة أخرى يتعين فيها الإفراج عن المحكوم عليه الذي أحيل بجناية و جنحة و كان في حالة إفـراج مؤقت، ثم نفذ عليه الأمر بالقبض الجسدي، لكن المحكمة برأته من تهمة الجنايـة و أدانته بالجنحة مع إصدار عقوبة سالبة للحرية ضده، ذلـك أن الأمر بالقبض الجسدي يتعلـق بالجنايـة وحدها و بإسقاطها من التهم نتيجة الحكم فيها بالـبر اءة يسقط معها الأمر بالقبـض الجسدي، و بقاء المحكوم عليه رهن الحبس بعد إدانته بالجنحة وحدها يشكل حبسا تعسفيا قبل أن
يحوز الحكم القاضي بها قوة الشيء المقضي بفوات أجل الطعن بالنقض أو برفض ذلك الطعن من طرف المحكمة العليا إن وقـع و لمحكمة النقض الفرنسية قرارات كثيرة فـي هذا الصدد نذكر من بينها قرارا مؤرخا في 1992.02.05،
إضافـة إلى ما ذكر هناك حالة ثالثة تطبق عليها نفس القاعدة و هي أن يحال متهم على محكمـة الجنايات بتهمة جناية و هو في حالة إفـراج، فتعيـد المحكمة تكييفها على أساس جنحة و تدين المتهم بها مع إصدار عقوبـة سالبة للحرية ضده مما يبعد تنفيذ الأمر بالقبض الجسدي إذ يتعـين الإفراج عن المحكوم عليه حينا إلى أن يحوز الحكم قوة الشيء المقضي و هو ما قضت بـه المحكمة العليا في قرارها رقم 474250 بتاريـخ 2007.01.24 ، و فلسفـة هذا التوجه تكمن في كـون تكييف غرفة الإتهام للوقائع تكييف مؤقت، فإن هي كيفت الواقعة بالجناية خطأ و أعادت المحكمة تصحيـح ذلك و هي المخولة بالفصل النهائي في مسألة التكييف بعد المناقشة الحضورية أمامهـا و اعتبرت الواقعة جنحة فمن الظلم أن يبقى المدان بهذه الجنحة سجينا نتيجة خطأ غرفة الإتهـام في التكييف بينما يبقى المتابع أساسا بجنحة طليقا إلى أن يحوز الحكم قوة الشيء المقضي،
لكـن ما يتعين الإنتباه إليه في هذا المجال أن إصدار عقوبة بالحبس نتيجة منح المحكوم عليه ظروف التخفيف في جريمة جناية لا يسمح له بالإفراج، لأن العبرة بالواقعة التي أدين من أجلهـا لا بالعقوبة المقضي بهـا،
ثانيـا: تبليغ قرار الإحالة لمتهم في حالـة فـرار،
من الإشكالات التي تطرح في المجال العملي إحالة متهم على محكمة الجنايات و هو في حالة فرار، فعـادة ما تتخذ ضده إجراءات التخلف دون تبليغ قرار الإحالة و هو ما يشكل خرقا لقاعـدة جوهرية في الإجراءات، ذلك أن المادة 268 من قانون الإجراءات الجزائية تنص على أن يبلغ قرار الإحالة للمتهم المحبوس بواسطة الرئيس المشرف على السجن و يترك له نسخة منه، فإن لم يكـن المتهم محبوسا يحصل التبليغ طبقا للشروط المنصوص عليها في المواد من 439 إلى 441 و بالرجـوع إلى المـادة 439 يتبين و أنها تنص على تطبيق أحكام قانون الإجراءات المدنية في مواد التكليـف بالحضور و التبليغات ما لم توجد نصوص مخالفة كما أن المادة 248 تنص على أن محكمة الجنايات تنظر القضايا المحالة عليها و الموصوفة جنايات و الجنح و المخالفات المرتبطة بها و المحالة عليها من غرفة الإتهام بقـرار نهائـي،
و هكذا فإن القرار لا يصير نهائيا إلا بتبليغه بالطرق القانونية وفقا لقواعد قانون الإجراءات المدنية، سواء كان المتهم في حالة إعتقال، مفرجا عنه أو في حالة فرار و أن فراره ليس مـبررا لعدم تبليغه بالطرق القانونية المعروفة، لذويه في موطنه، جيرانه أو لوحة الإعلانات بالمحكمة و إلى النيابة التي تؤشر على الأصل بالإستلام، و يحرر أمين الضبط محضرا بهذا الإلصاق في لوحة الإعلانات يدرج ضمن الملف فإذا تم إحترام ذلك بدأ ميعاد الطعن بالنقض من تاريخ الإلصاق بلوحة الإعلانـات أو التبليغ للموطن (قرار المحكمة العليا 425759 بتاريخ 20-09-2006) فإن حضر المتهم خلال أجل الطعن نفذ عليه الأمر بالقبض الجسدي و جاز له الطعن بالنقض ضد قرار الإحالة، فإذا لم يحضر خلال تلك المهلة و سلم نفسه أو ألقي عليه القبض لاحقا لا يجدد له التبليغ إذ أن القرار يكون قد حـاز قوة الشيء المقضي مما يجيز محاكمته و أن طعنه في هذه المرحلة غير مقبول شكلا (نقـض فرنسي 06-07-1977).
كمـا أن الطعن بالنقض بواسطة مدافع عن متهم في حالة فرار غير جائز و هو ما حاول متهمون في مثل هذه الحالة القيام به إذ يقيمون خارج التراب الوطني و يحاولون تسيـير ملفاتهم القضائية بواسطة مدافعيهم الأمر الذي لا يجوز،
ثالثـا: محضر المرافعـات،
تنـص المادة 314 لقانون الإجراءات الجزائية على أن يحرر كاتب الجلسة محضرا بإثبـات الإجراءات المقررة يوقع عليه مع الرئيس و ليس من الرئيس كما هو محرر في النص العربـي،
يشتمـل هذا المحضـر على القرارات التي تصدر في المسائل العارضة التي كانت محل نزاع و فـي الدفوع و يحرر و يوقع خلال مهلة ثلاثة أيام على الأكثر من تاريخ النطق بالحكـم،
قبـل التطـرق إلى هذا المحضـر أود التعريج على محضر مكمل له هو محضر تشكيل محكمـة الجنايــات،
لـم ينص قانون التحقيق الجنائي على هذا المحضر لكن الإجتهاد القضائي فرض تحريره من أجل معاينة تشكيل المحكمة و رقابة محكمة النقض لذلك، كما أغفل المشرع الجزائري النص على تحرير هذا المحضر تماشيا مع نصوص قانون التحقيق الجنائي كون معظم قواعد قانون الإجراءات الجزائية الجزائـري مستمدة من ذلك القانون رغم صدوره بعد إلغاء هذا الأخير، لكن المشرع الفرنسـي استدرك هذا الإغفال في المادة 302 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي إذ تنص هذه المادة على أن يحرر أمين الضبط محضرا حول عمليات تشكيل محلفي الحكم و قد أبقى الإجتهاد القضائي عليه في بلادنا رغم عدم وجود نص يسمح بذلـك،
يجب أن يوقع هذا المحضر من الرئيس و أمين الضبط تحت طائلة البطلان باعتباره جزءا من محضر المرافعات (قرار المحكمة العليا 441292 بتاريخ 21-02-2007)،
يتعين أن يتضمن كل عمليات تشكيل المحكمة الجنائية و يمكن استعمال مطبوعات مهيأة مسبقـا لذلك شرط أن يملأ الفراغ الموجود بها بعناية تامة، لكـن الأفضل تحريره مباشرة حتى لا تقع فيه أخطاء تعرضه للبطلان مثلما هو الشأن في محضر المرافعـات،
يجب أن يعاين وقائع تشكيل المحكمة بكل صدق و أمانة و أن العيوب التي تبطل محضر المرافعات تبطلـه أيضا و منهـا الشطب - الحشو و التحشير دون مصادقة من الرئيس، لكن هذه العيوب لا تبطله إلا إذا كانت منصبة على مسائل جوهرية كما يتعين أن يشير إلى أسماء القضاة المحترفـين و ممثل النيابة و الكاتب و حضور المتهم و محاميه و المترجم عند الضـرورة،
مـن البيانـات التي يتعين أن يتضمنها أيضـا:
1 - النـداء على المحلفين غير المعفيـين من الحضور و هو إجراء جوهـري.
2 - معاينـة تعيين محلفين إضافيـين عند الإحتمال لمتابعة المناقشـة.
3 – الإشـارة إلى عدد المحلفين الحاضرين تحت طائلـة البطــلان،
و هذا لتمكـين المحكمة العليا من مراقبة توفر النصاب القانوني 12 محلفا الذين شاركوا في عمليـة سحب القرعـة،
4 - الإشارة إلى صدور حكم بتعويض محلف أصلي بمحلف إضافي عند غياب الأول و أن يكون التعويض ترتيبيا من قائمة الإحتياطيـين علما بأن عدم إحترام الترتيب ينجر عنه النقض،
5 - معاينة وضع البطاقات التي تحمل إسم كل واحد من المحلفين في الصندوق و تنبيه الرئيـس للأطراف في حق الرد ثم سحبه للأسماء عن طريق القرعـة،
6 - لا يشتـرط ذكر حالات الرد بل يكفي أن يشار إلى أن المتهم قد مكن من ذلـك (نقـض فرنسي 4-01-1986) و أن الإشارة إلى أن المادة 284 من قانـون الإجراءات الجزائيـة قد تم إحترام أحكامها كافية للدلالة على أن عملية الرد كانت بصورة سليمـة،
7 - من الإجراءات الجوهرية الإشارة إلى إسمي المحلفين اللذين لم يتم ردهما و شاركا في محاكمة المتهم و كذا إسم المحلف الإضافي إن تقرر ذلـك،
8 - معاينـة أداء اليمين لكل محلف مشارك في المحاكمة و إغفال ذلك ينجر عنه النقـض،
إن هـذا المحضر جزء من محضر المرافعات و مكمل له كما سبق القول و يجوز أن يتضمن هـذا الأخير وحده كل البيانات المتعلقة بالجلسة من بداية افتتاحها إلى نهايتهـا،
يعتبر كل منهما وثيقة رسمية لها قوة ثبوتية غير متنازع فيها إلا بطريق الطعن بالتزويـر،
يختلف المحضران المشار إليهما في نقطة واحدة إن تم تحرير كل منهما على حدة، إذ أن تشكيل المحكمة يفترض فيه استيفـاء الإجراءات المطلوبة لذلك كما تنص عليه المادة 315 من قانـون الإجراءات الجزائية و لا ينقض هذا الإفتراض إلا بتضمين في المحضر أو الحكم أو في إشهاد يفهـم منه صراحة وجود نقص في استيفاء الإجراءات و هذا يعني أن محضر تشكيل المحكمة إن سكت عن إجراء معين يعتبر كأنه وقع إلا إذا ثبت العكس بالطرق التي ذكرناها بينما محضر المرافعـات إن سكت عن إجراء معين يعتبر هذا الإجراء كأن لم يقع و هو خلاف جوهري بين المحضريـن،
أما محضر المرافعات فهو المرآة العاكسة لمجريات الجلسة و هو نافذة تطل منها المحكمة العليا لمراقبـة صحة الإجراءات الجوهرية التي ينص عليها القانون، لكـن الواقع العملي مع الأسف بعيد عـن وصف هذا المحضر بالمرآة و إن كان كذلك فإن تلك المرآة تكسوها ضبابية كثيفة تستحيل معهـا الرؤيـة، فعـادة ما يكون في شكل مطبوعة مهيأة مسبقا لا تعكس حقيقة ما جرى و تتضمـن بيانات متناقضة، جلسة سرية، علانيـة، أو أن الشهود انسحبوا إلى القاعة المخصصة لهم ثم أدلوا بشهادتهم على انفراد بعد أداء اليمين دون أن يكون هناك أي شاهد أو ذكر أنهم أدوا اليمين ثم في بيان آخر لم يؤدوا اليمين ....إلخ مما يجعل هذه الوثيقة لا قيمة لها على الإطلاق و يتحمل مسؤولية ذلك رئيس المحكمة الذي يوقع على المحضر دون مراجعة ما كتب به فيعرض بذلك حكمه للنقض،
بكل سهولة و تذهب مجهودات المحكمة هباء منثورا بعد تجنيد كل المصالح في عقد الجلسة ربما أياما عديدة ممـا يشكل هدرا للجهد و الوقت و للمال أيضا، ذلك أن جلسة بدأت يوم 21-04-2005 و انتهت في 26 من نفس الشهـر و بعد الطعن بالنقض ضد الحكم الصادر في القضية تبـين أن السيد أمين الضبط لم يوقع محضر المرافعات فهدم بتصرفه هذا كل ما بنى عن قصد أو غير قصـد لكن المسؤولية في ذلك تعـود لرئيس المحكمة الذي عليه أن يحرص على سد كل منافـذ نقـض حكمــــه،
إن توقيع المحضر المذكور من طرف الرئيس و أمين الضبط من الشكليات الجوهرية التي بدونها يعتبر المحضر باطلا و معه بطلان الحكم المبـني عليه و يصبح مجرد ورقة لا تفيد المحكمة العليا في شـيء و كل ما يحجب عنها مراقبة تطبيق القانون يعرض الحكم المطعون فيه إلى النقـض،
البيانـات الـتي يجب أن يتضمنهـا:
خصص المشرع هذا المحضر لمعاينة كل الإجراءات الجوهرية التي نص عليها القانون، و سكوته عن إجراء معين يعتبر كأن لم يقع، غير أن بعض البيانات يمكن تعويضها بوثائق أخرى و منها علـى سبيـل المثال السهو عن ذكر إسم المدافع عن المتهـم و الإشارة إلى ذلك في الحكم أو العكـس ـ إغفال الإشارة إلى أن الجلسة كانت علانية و قد أبرز ذلك الحكم، لكن تناقض البيانات بـين هاتين الوثيقتين يكون سببا للنقض لأن المحكمة العليا ليس بإمكانها معرفة الحقيقة في هذا التناقـض (قرار المحكمة العليا 403242 بتاريخ 18-10-2006)،
يجب أن يعاين الإجـراءات خطوة خطـوة دون زيـادة أو نقصـان، و أن يشير إلى المسائـل العارضـة التي كانت محل نـزاع و في الدفوع و إلى القرارات التي إتخذتها المحكمة بشأنها مثـل طلب خـبرة – معاينـة – إبعاد وثيقة من النقاش - تأجيل القضية ..... إلخ.
ـ تلاوة قرار الإحالة على مسمع أعضاء المحكمة و الأطراف و هو إجراء جوهـري،
ـ تشكيل المحكمة بصفة قانونية إن لم يكن هناك محضر خاص بذلك و ذكر أسماء القضاة المحترفين و إسم كل واحد من المحلفين المشاركين في المحاكمة إضافة إلى ممثل النيابة و أمين الضبـط و إسم المدافع عن المتهـم.
ـ أداء يمين الشهود الذي هو من النظام العام أيضا و إغفاله يعرض الحكم للنقض ما لم يكن هناك سبب للإعفاء منه، و يجب أن يشير المحضر إلى ذلك السبب حتى تتمكن المحكمة العليا من مراقبته تحت طائلة النقض، لأن حالات الإعفاء من أداء اليمين مشار إليها على سبيل الحصر بالمادة 228 من قانون الإجراءات الجزائية و عدم الإشارة إلى إحداها يجعل الإعفاء غير مـبرر (نفـس القرار المـؤرخ فـي 18-10-2006).
البيانـات التي يمنع تدوينهـا:
إن محضر المرافعات ليس محضر تحقيق و بذلك يمنع فيه ذكر تصريحات المستمع إليهم تطبيقا لمبـدأ شفوية المرافعـات أمام محكمة الجنايات إلا إذا أمر الرئيس بتسجيلها في حالة تراجع شاهد عـن شهادته أو لأجل الفصل في نـزاع قائم في الجلسة و في حدود ما يسمح بذلك فقط و يتعين أن يشار إلى هذا الأمر في المحضر لمراقبته من طرف المحكمة العليـا،
(نفس القرار المؤرخ في 18/10/2006 و القرار رقم 391257 بنفس التاريـخ)،
إن تسجيل جملة واحدة من أقوال المتهم عند إعطائه الكلمة الأخيرة بقولـه: "أنا نادم على فعلي و أطلب الشفقة و الرحمـة " كافية لنقض الحكـم،
لا يمس بمبدأ شفوية المرافعات ما يلـي:
ـ أمـر رئيس المحكمة بتلاوة وثيقـة من وثائق الملف لأجل إظهار الحقيقة (نقـض فرنسـي 18- 02 -1981 هامش المادة 310 لقانون الإجراءات الفرنسي ليتـاك).
ـ تـلاوة تقرير خـبرة في غياب الخبـير الذي حرره، لكن إذا كان الخبـير حاضـرا وجب الإمتناع عن ذلك و نفس الشيء بالنسبة للشهود (نقض فرنسي 09-04-1986 نفس المرجـع)،
ـ تلاوة تصريحات شهود على سبيل الإستدلال أمام قاضي التحقيق لم يتم تبليغ قائمتهم للمتهم،
ـ تـلاوة تصريحـات الشهود الحاضرين بعد رفض الإدلاء بشهادتهم أمام المحكمـة (نقـض فرنسـي 18- 05- 1977 ).
ـ تـلاوة تصريحـات شهود تم تبليغ قائمتهم للمتهم لكنهم تغيبوا بعد تنازل الأطراف عـن سماعهم و يجوز بموجب السلطة التقديرية للرئيس تلاوة محاضرهم رغم عدم تنازل الأطراف ،
ـ إن تلاوة وثيقة خارج الملف بناء على السلطة التقديرية لرئيس المحكمة و لأجل إظهار الحقيقة ليس متناقضـا أيضا مع مبدأ شفوية المرافعات (نقض فرنسي 16- 05- 1979 نفس المرجع) و لا يمس ذلك بحقوق الدفاع إلا إذا تعذر عليه الإطلاع عليها و لو داخل قاعة الجلسـات،
ـ تـلاوة الوثائق المتعلقة بالحياة الإجتماعية للمتهم و سوابقه القضائيـة،
نشـير أخيرا إلى أن محضر المرافعات يحرر على أصل واحد يدرج بملف الدعوى و لا يحفظ بكتابة الضبط مثلما تفعل بعض الجهات القضائية و تدرج نسخة طبق الأصل منه في الملف موقع عليهـا فقـط من الكاتب إذ أن ذلك يحول دون مراقبة المحكمة العليا لشكلياته، خاصة توقيع الرئيـس و الكاتب مما يعرض الحكم للنقض و هو الاجتهاد المستقر عليه مع استثناء واحد هو أن النيابـة العامـة لا يجوز لها إثارة هذا الوجه على أساس أنها هي التي تشرف على تجهيز ملفات الطعـن بالنقض و يفترض أنها تسعى في إحضار أصل المحضر محل المناقشة من جهة ثم أنه لا يجوز لهـا أن تخلق لنفسها وجها للنقض و تطالب بتطبيقه (قرار رقم 389274 بتاريخ 23- 11 -2005 ).
رابعـا: ورقـة الأسئلـة:
إن ورقة الأسئلة هي المصدر الأساسي للحكـم الجنائي مما يوجب العناية القصوى في تحريرهـا و كل إخلال بشروطها يعرضها للبطلان و معها بطلان الحكم المبـني عليهـا،
تستخـرج الأسئلة الأصلية من منطوق قرار الإحالة، كما تنص على ذلك المادة 305 لقانـون الإجراءات الجزائية أو من المرافعات بالنسبة للأسئلة الاحتياطية،
يتعين أن تكون كل واقعة واردة بمنطوق قرار الإحالة موضوع سؤال مستقل متضمنا كافة أركانها القانونية كما أن كل ظرف تشديد أو عذر قانوني متمسك به يكون محل سؤال مستقـل،
بالنسبـة للأسئلـة الأصليـة:
يجب على محكمة الجنايات أن تفرغ منطوق قرار الإحالة بالإجابة عن كل الأسئلة حول التهـم الواردة فيه، و أن إغفال طرح سؤال حول واقعة معينة يعرض الحكم للنقض إن طعنت النيابـة ضده لأن المحكوم عليه ليست له مصلحة في ذلك و طعنه مرفـوض،
مـن واجب المحكمة أن تقوم بتصحيح ما ورد في منطوق قرار الإحالة من أخطاء دون أن يشكل ذلك تجاوز للسلطة، كأن تغفل غرفة الاتهام ذكر كافة أركان الجريمة فتكملها المحكمة في سؤالهـا و أمثلة ذلك كثيرة منها إحالة متهم بالتزوير في وثيقة رسمية باعتباره قائما بوظيفة عمومية أثنـاء أدائه لوظيفته وفقا للمادتين 214 و 215 من قانون العقوبات فتغفل غرفة الاتهام عن الكيفية التي تم بهـا التزويـر حسب الحالات المشار إليها بالمادتين المذكورتين و هي ركن أساسي في الجريمـة فتضيفها المحكمـة،
يجب أن يتضمن السؤال الرئيسي مجموعة من البيانات على الخصوص إسم المتهم و لقبه إذا كـان هناك أكثر من متهم و قد أجاز القضاء الفرنسي طرح السؤال دون إسم بالقول :" هـل المتهـم الماثل هنا مذنب بكذا " إذا كان وحده ما دام لا يوجد أي شك في أن الذي تمت المناقشة حول الوقائع المنسوبة إليه هو المعـني بالسؤال (نقض فرنسي 27- 05- 1981 )،
- ذكـر عبارة "مذنب" التي لها معان متعددة و التي تعني أن الفعل المرتكب ثابت و أن المتهـم هو مرتكبه و بقصد إجرامي (نقض فرنسي 16- 06- 1827 ) و أن إجابة المحكمة عـن السـؤال بالإيجاب لا تفيد فقط في كون المتهم ارتكب فعله بإرادة حرة و بنية إجراميـة،
و لكـن أيضا أنه لم يكن له عذر شرعي أو مـبرر لارتكاب ذلك و نتيجة لهذا فإن طرح السؤال حول الدفاع الشرعي و الإجابة عليه بالإيجاب بعد الإجابة عن السؤال الرئيسي بالإيجاب أيضا يدخل المحكمة في تناقض و يعرض حكمها للنقض، إذ يمنع عليها ذلك فإن هي أجابت على السؤال الرئيسي بالإيجاب و كان الدفاع قد طلب طرح سؤال حول الدفاع الشرعي صار هـذا السؤال بدون موضـوع،
كمـا أن الجنون و الإكراه عند ارتكاب الجريمة مستبعدان من المناقشة عند الإجابة على السؤال الرئيسي بالإيجاب و لا يجوز طرح أسئلة حولهما فعبارة "مذنب" الواردة في السؤال الرئيسي تعني أن المتهم قد ارتكب فعله بإرادة حرة و هو يتمتع بكامل قواه العقلية، فإن طرحت المحكمة سؤالا آخر عن جنون المتهم وقت ارتكابه للفعل و أجابت عليه بالإيجاب تكون قد تناقضت في حكمها إضافة إلى أن هذا يتجاوز معلوماتها كونه تقنيا لا يجيب عليه إلا الأخصائيون في الطب النفسـي و قد أصدرت المحكمة العليا قرارات عديدة في هذا المجـال،
فـإذا تبين للمحكمة من خلال الخبرة الطبية المدرجة بالملف أن المتهم كان في حالة جنون مطلق وقت ارتكابه للوقائع أو من خلال المناقشة أنه كان تحت إكراه لا قوة له بدفعه أو في حالة دفاع شرعي أجابت عن السؤال الرئيسي بالنفي بغض النظر عن نتائج الفعـل.
مكـان الجريمـة:
إن إثارة مسألة الإختصاص المكاني أمام محكمة الجنايات غير مطروحة للنقاش لأن قرار الإحالة قد أفرغ ذلك بصورة نهائية و بناء على ذلك فإن عدم ذكر مكان وقوع الجريمة في السؤال أو الخطأ في ذكره ليس سببا للنقض و يجوز للرئيس أن يصحح ذلك الخطأ إن وقع في قرار الإحالة دون أن يمس ذلك بسلامة الحكـم.
تـاريـخ الوقائـع:
مثلمـا هو الشأن في ذكر مكان وقوع الجريمة فإن عدم ذكر تاريخ ذلك بدوره لا يؤثر في سلامة السؤال مادام لا يوجد تقادم في الدعوى و تكفي الإشارة إلى أن الفعل وقع منذ زمن لم يمض عليه التقادم القانونـي.
هويـة الضحيـة:
يفترض ذكر إسم الضحية في السؤال الرئيسي إن كانت هناك ضحية لكن إغفال ذلك ليس سببا للنقض (نقض فرنسي 15- 05 -1946 و 22- 08 - 1959) إذ لا يوجد نص قانوني يفرض ذلك ما عدا سن الضحية في حالات محددة أو صفتها لأجل التكييف في تشديد العقوبة و أحيانا تبقـى هوية الضحية مجهولة كالقول مثـلا:
إختـلاس أشياء إضرارا بالغـير أو إضرارا بشخص من جنس أنثى غير معروفة الهويـة (نقـض فرنسـي 15-05- 1946 ).
العناصـر المكونة للجريمـة:
يجب أن يتضمن السؤال الرئيسي كافة الأركان المكونة للجريمة المحال بها المتهم، فإذا كان مجـزءا اعتبرت تلك الأجزاء كلها سؤالا واحدا و كل إغفال في ذكر ركن أو أكثر للجريمة يجعل السؤال ناقصا و ينجر عنه البطلان و للمحكمة العليا إجتهاد غزير في هذه النقطـة.
من أمثلة الأسئلـة الناقصـة:
ـ عـدم ذكر صفة الفاعل باعتباره موظفا في جريمة التزوير في محررات رسميـة.
ـ عـدم ذكر عنصر العلم في جريمة المشاركة بالمساعـدة.
ـ عـدم الإشارة إلى التصميم المشترك في جريمة تكوين جمعية أشـرار.
و الأمثلـة في هذا المجال كثيرة لكن القاعدة في ذلك أن يتأكد الرئيس من أن السؤال الذي يطرحه متضمن لكافة أركان الجريمة، لكن ما يلاحظ في الواقع العملي أن بعض الجهات القضائية تطرح السؤال مجزءا فتجيب على الشطر الأول منه بالنفي و على الباقي بعبارة "بدون موضوع" الأمر الذي يبقي تلك الأجزاء غير مجاب عليها مما يجعل السؤال ناقصا و يعرض الحكم للنقض إذ أن المحكمة مجبرة بالرد على كافة أركان الجريمة دفعة واحدة أو على أجزاء بالنفي أو الإيجاب.
الظـروف المشـددة:
الظـروف المشددة سواء في الجنايات أو الجنح إن توفرت مع الواقعة تزيد في خطورتها و هو ما جعل المشرع يشدد العقاب فيها، و يمكن لظروف التشديد أن تغير من طبيعة الجريمة فتحولها إلى جناية بعد أن كانت جنحة مثلما هو الشأن في جريمة السرقـة.
يجب أن يكون كل ظرف تشديد محل سؤال مستقل دون الإشارة فيه إلى عبارة "مـذنب".
تنقسم الظروف المشددة إلى نوعين من حيث نتائجها على عقوبة المتهـم.
الظـروف الموضوعيـة:
أو المادية و هي التي تتعلق بالفعل محل المتابعة و لا يمكن فصلها عنه تجاه فاعل دون آخر و منهـا على سبيـل المثال حمل سـلاح ظاهر أو مخبأ في جريمة السرقـة و تعدد الفاعلين و استعمـال العنـف و الكسـر.....إلخ.
الظروف الشخصية:
و هي التي تتعلق بالشخص وحده و منها سبق الإصرار أو كون الفاعل من أصول الضحية فـي الجرائم الأخلاقية أو من له سلطة، عليها أو حالة العـود.
و نتيجة التفريق بين الظروف المشددة الموضوعية و الشخصية تكمن في درجة العقوبة المقررة إذ أن الظروف الموضوعية تجعل الفاعلين في درجة واحدة من المسؤولية و عقوبتهم المقررة واحـدة بينما تكون الظروف الشخصيـة متعلقة فقط بمن تتصل به وحده، و تنص المادة 44 من قانـون العقوبات في هذا الصدد و في فقرتها الثانية على ألا تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبـة أو الإعفاء منها إلا بالنسبة للفاعل أو الشريك الذي تتصل به هذه الظروف، فإذا كان هناك قتل مع سبق الإصرار و المشاركة فيه فإن العقوبة المقررة هي الإعدام للقاتل الذي ارتكب فعله مع الظرف المذكور أما الشريك فإن العقوبـة المقررة له هي السجن المؤبد علـى أساس أن سبق الإصـرار لا دخل له فيه و يتعلق الفاعل الأصلي وحده، فإن وجد ترصد و هو موضوعـي أصبح الشريك في نفس درجة العقوبة المقررة للفاعل الأصلي (قرار م .ع 213058 بتاريـخ 29- 06 - 1999).
و بناء على ذلك فإن المحكمة التي تجيب على ظرف مشدد موضوعي لصيق بالجريمة بالنفي تجـاه متهم تمت إدانته في السؤال الرئيسي و بالإيجاب تجاه متهم آخر في نفس الجريمة تكون قد تناقضت في إجابتها مما يعرض حكمها للنقض. و خلاصة القول أنه إذا توفر ظرف موضوعي مشدد فـي جريمة ما تعين إدانة الفاعلين به دون استثناء على خلاف الظرف المشدد الشخصي الذي قد يثبت تجاه فاعل أو شريك دون أن يكون كذلك بالنسبة للآخريـن،
هـذا و قد قضت المحكمة العليا في قرارات عديدة لها أن وجود الترصد يفرض بالضرورة وجود سبق إصرار و أن إجابة المحكمة عن سبق الإصرار بالنفي، و عن الترصد بالإيجاب، يعرض حكمها للنقـض لتناقض الأسباب، و هو ما جعل المشرع الفرنسي يلغي الترصد من الظروف المشددة في المـادة 221 – 3 من قانون العقوبات الجديد، إذ أن سبق الإصرار وحده يكفي لتشديد العقوبة سـواء لوحده أو مع الترصـد،
تزامن ارتكاب القتل العمدي مع ارتكاب جريمة ثانية (concomitance):
إن تزامن ارتكاب جريمة القتل العمدي مع ارتكاب جناية أخرى أو إذا كان الغرض منه تحضـير أو تسهيل أو تنفيذ جنحة أو فرار مرتكبـي هذه الجنحة يشكل ظرف تشديد وفقا للمـادة 263 من قانون العقوبـات،
و لكـي تكون الأسئلة صحيحة في هذا المجال يتعين طرح السؤال الأول متضمنا لكافة أركـان جريمة القتل العمدي أولا ثم سؤالا ثانيا عن الجريمة الثانية بكامل أركانها و سؤالا ثالثا عن تزامـن الجريمة الأولى بالثانية بالصيغة التاليـة: "هل أن جريمة القتل المشار إليها في السؤال الأول سبقتها أو صاحبتها أو تلتها الجريمة الثانية المشار إليها في السؤال الثاني، مع العلم أن هذا السؤال ليـس معقدا رغم ذكره حالات وصور مختلفة يفصل بينها بحرف العطف "أو" و هو ما يسمى بالسؤال البديل، و يمكن حذف الحالات الزائدة و الإكتفاء بما هي موجودة فعلا، فإذا كان القتل من أجل تحضير أو تسهيل أو تنفيذ جنحة يمكن الإكتفاء بسؤالين الأول حول القتل العمدي و الثاني عـن الظرف المشدد الذي هو الغرض من ذلك القتل مع إعطاء كل البيانات حول الجريمة الثانية سواء بطريقة السؤال البديل أو بذكر الغرض بالذات من ارتكاب القتل العمـدي،
سـؤال المشاركـة:
سؤال المشاركة يتعين طرحه دوما بعد معاينة الواقعة الأصلية بواسطة السؤال الرئيسي للفاعل فإذا تمت مخالفة هذا الترتيب تعرض الحكم للنقض و هذا ما قضى به قرار المحكمة العليا 403242 بتاريخ 18- 10 – 2006 و هو أمر منطقـي إذ لا وجود لمشاركة في واقعة لا زالت لم تثبت، فإذا كـان الفاعل الأصلـي متواجد بالجلسة فإن الإجابة عن السـؤال الرئيسي حول الواقعة المنسوبة إليـه بالإيجاب تعتـبر معاينة لوقوعها و يكفي طرح السؤال بالنسبة للشريك بعد ذلك متضمنا أركان المشاركة حسبما ذكرتها المادة 42 من قانون العقوبات و الإحالة فيه على السؤال الرئيسي للفاعل لبيان العلاقة السببية بين المشاركة و الفعل الأصلي مع إبراز الفعل المادي الذي قام به الشريـك لأجل المساعدة و عدم الإكتفاء بالأعمال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة التي كثيرا ما يبقى دور الشريك فيها مبهمـا،
لكـن الإشكال يطرح حـين يمثل الشريك وحده أمام المحكمة نظرا لوفـاة الفاعل الأصلـي، أو سبـق الفصل في قضيته أو في حالة فرار أو بقي مجهولا و هو ما يفرض طرح سؤال مجـرد (question abstraite) يعـاين وقوع الجريمـة و ظروفهـا المشـددة و مثالـه:" هـل أنه بتاريخ .... و بمكان كذا وقعت جريمة قتل عمدي على شخص الضحيـة س و بعد الإجابة بالإيجاب عليه يطرح سؤال المشاركة في الفعل بالصيغة التاليـة: " هل المتهم ص مذنب بمشاركته في تلك الجريمة بأن ساعد الفاعل على ارتكاب الجريمة المشار إليها في السؤال عن طريق تسليمه سلاح الجريمة مع علمه بذلـك.
فالسـؤال الأول ضروري لطرح الثاني و بدونـه يعتبر هذا الأخير باطلا و قد أصدرت محكمـة النقض الفرنسية قرارات غزيرة في هذا الصدد آخر ما نشـر منها كان بتاريـخ 31- 01 – 1996.
إن الإجابة عن السؤال الرئيسي للفاعل الأصلي بالنفي لا تعني أن الشريك غير مذنب بل يجـوز طرح السؤال المجرد عن الفعل و سؤال آخر عن المشاركة فيه رغم براءة الفاعل الأصلي منه (نقض فرنسي نفس التاريـخ)،
كمـا أجاز القضـاء أيضا طرح سؤال وحيد يتضمن الفعل الأصلي و المشاركة فيه حين يمثـل الشريك وحده أمام المحكمة شرط إبراز أركان الجريمة الأصلية و أركان المشاركـة.
السؤال المصاغ بصيغة القانون لا بصيغة الواقـع:
كما هو معروف أن محكمة الجنايات قبل سنة 1941 كانت مقسمة إلى هيئتين في المداولة، الأولى مشكلة من المحلفين وحدهم و تتداول حول الإدانة عن السؤال الرئيسي بالإيجاب أو النفي، فإن كان جوابها بالإيجاب تتداول الهيئة الثانية المشكلة من القضاة المحترفين حول العقوبة التي يتعـين تطبيقها، و لكي يفهـم المحلفون السؤال يجب أن يطرح عليهم بصيغة الواقع فإذا كان بصيغـة القانون اعتبر ذلك سببا للنقض لأنهم لا يستطيعون الإجابة عليه بكل اطمئنان و ارتياح، لكن بعد التاريخ المشار إليه صارت المداولة مشتركة بين الهيئتين الأمر الذي يسهل من فهم المحلفين فأصبح السؤال المطروح بالصيغة المذكورة مقبولا مادام متضمنا كافة أركان الجريمة و قد سار القضـاء الفرنسي على هـذا المنوال و معه المحكمة العليا في الجزائر التي رفضت النقض بسبب ذلك فـي قرارات عديدة لها رغم إعتراض البعض على هذا التوجه لأن المادة 305 من قانون الإجـراءات الجزائية تنص على أن يطرح رئيس المحكمة سؤالا عن كل واقعة واردة في منطوق قرار الإحالـة و لم يقل المشرع عن كل جريمة، لكن الجريمة كثيرا ما تكون الوجه الثاني للواقعة فإزهـاق روح إنسان عمدا هو بالضرورة قتل فسواء طرح السؤال بصيغة القتل أو إزهاق روح إنسان حي عمدا فالأمر لا يختلـف.
الأسئلـة المعقـدة:
تنص المادة 305 لقانون الإجراءات الجزائية على طرح سؤال عن كل واقعة واردة بمنطوق قرار الإحالة و أن يكون كل ظرف تشديد أو عذرا قانونيا متمسكا به محل سؤال مستقـل و دون الدخول في الجزئيات يمكن إختصار الأسئلة المعقدة في الحالات التاليـة:
1 - إذا تضمن السؤال أكثر من متهـم.
2 - إذا تضمـن أكثـر من واقعــة.
3 - إذا تضمن أكثر من ضحية في حالة تعدد الأفعال.
4 - إذا تضمــن واقعة و ظرف تشديد أو أكثـر.
5 - إذا تضمن واقعة و عذرا قانونيـا.
نشـير أن السؤال المتضمن أكثر من ضحية لا يكون معقدا إذا كان الفعل وحيدا كأن يسرق شخص الأموال المشتركة للزوجين أو يضع قنبلة تخلف سقوط ضحايا عديدة، فالفعل المرتكب وحيد و السؤال الذي يطرح حوله يجب أن يكون وحيدا بغض النظر عن تعدد الضحايا كمـا يجوز طرح سؤال وحيد عن جريمة متتابعة في نفس الظروف إضرارا بنفس الضحية مثل سرقـة أموالهـا على دفعات في أوقات مختلفة و يكفـي أن يشار إلى الفترة بين تاريخ السرقـة الأولى و تاريـخ الأخـيرة.
العقـوبـة المـبررة:
لقـد استقر اجتهاد المحكمة العليا على أن الخطأ في طرح سؤال حول جريمة عقوبتها أخف بينما كان هناك سؤال حول جريمة عقوبتها أشد و طرح بصورة سليمة لا يعرض الحكم للنقـض لأن العقوبة المقضي بها مـبررة بالسؤال الصحيح للجريمة الأشد و لو أن هناك من الفقهاء من ينتقـد هذه النظرية نظرا لنتائجها السلبية في مجال التعويض عن الضرر الناتج من الجريمة التي طرح السؤال خـاطئا حولهـا.
السـؤال البديـل:
هو السؤال الذي يتضمن عدة صور و احتمالات لواقعة واحدة و يفصل بين تلك الصور بحرف العطف "أو" و أن الإجابة عنه تكون بعد اختيار الصورة التي يثبت وجودها كالقول : "هل المتهم مذنب بشهادة الزور لفائدة المتهم أو ضـده" فالواقعة واحدة هي شهادة الزور و لهيئة المحكمة أن تجيب على السؤال بعد إختيارها للصورة التي تقتنع بوجودها، و هناك أمثلة عديدة في هذا المجال كالقـول: " هل أن جريمة القتل العمدي المشار إليها سبقتها أو صاحبتها أو تلتها جناية كذا " فالسؤال هنا ليس معقدا رغم تضمينه عدة حـالات.
غـير أنه يتعين أخذ الحيطة في هذا الصدد لأن كثيرا من الجرائم يفصل بينهـا بهذا الحرف "أو" و جمعها في سؤال واحد يعرضه للتعقيد كالقـول: "هل المتهم مذنب بحبس أو حجز الضحية س دون أمر من السلطات المختصة و خارج الحالات التي يجيز القانون فيها القبض على الأفراد" لأن الحجز واقعة و الخطف واقعة أخرى أو كالقول هل هو مذنب بخطف أو إبعاد قاصرة لم تكمـل 18 سنـة فالخطف و الإبعاد واقعتان مختلفتـان.
تجزئـة السـؤال:
منـذ عهد قانون التحقيق الجنائي استقر الإجتهاد القضائي على جواز تشطير السؤال الواحد إلى عدة أجزاء تشكل في مجموعها سؤالا واحدا شرط أن تكون الإجابة عن تلك الأجزاء منسجمـة و غير متناقضة، لكن هذه الطريقة كثيرا ما لا تحترم قواعدها إذ تجيب المحكمة على الشطر الأول بالنفـي و على باقـي الأجزاء بعبارة "بدون موضوع" الأمر الذي يبقيها بدون إجابة و يعرض الحكم للنقض كالإجابة عن القتل بالنفي و عن ركن العمد "بدون موضوع" رغم أن العمد ركن من أركـان جريمة القتل العمدي و كان يتعين الإجابـة عليه بالنفي أيضا حتى تكون الإجابـة منسجمة مـع الأولـى. و فـي جميع الأحـوال يستحسن تجنب هذه الطريقة و طرح السؤال دفعة واحـدة متضمنا كافة أركان الجريمـة،
الأسئلـة الإحتياطيـة:
تجيـز المادة 306 ق.إ.ج لرئيس المحكمـة أن يعدل التهمة من جهة و أن يعيد تكييف الواقعـة من جهة أخـرى.
بالنسبـة لتعديل التهمـة تنص الفقـرة الأولى من المادة المشار إليها على أنه لا يجوز لمحكمـة الجنايـات أن تستخلص ظرفا مشددا غير مذكور في قرار الإحالة إلا بعد سماع طلبات النيابـة و شـرح الدفــاع.
و بمفهـوم المخالفة أنه يجوز استخلاص ظروف مشددة للواقعة المحال بها المتهم و طرح أسئلـة عنها شرط تمكين النيابة و الدفاع من مناقشتها و ذلك بعد صياغتها في أسئلة إحتياطية قبل إعطاء الكلمة الأخيرة للمتهم. فـإذا كان هذا الأخير محالا بالقتل العمدي فقط و ثبت من المناقشة أن ذلك وقع مع سبق إصرار يطرح سؤال إحتياطي حوله و تتم مناقشته من الأطراف أما بالنسبـة لإعـادة تكييف الواقعة أو الوصـف فإن الفقرة الثانية من المـادة المذكورة تجيز ذلك بقولهـا: فإذا خلص من المرافعات أن واقعة تحتمل وصفا قانونيا مخالفا لما تضمنه قرار الإحالة تعين علـى الرئيس وضع سؤال أو عدة أسئلة إحتياطيـة،
فقـد يكون المتهم محالا بالضرب و الجرح العمدي المفضي إلى الوفاة دون قصد إحداثها و يتبين أن الواقعة تشكل قتلا عمديا مما يوجب طرح سؤال إحتياطي حول هذا الوصف تتم مناقشته في الجلسـة من الأطراف. و قـد يتبين من المرافعات العكس أي أن المتهم محال بالقتل العمــدي و يتضح أنه ضرب الضحية دون قصد قتلها و أمثلة هذا كثيرة لا يمكن حصرهـا.
تـلاوة الأسئلـة:
تفـرض المادة 305 المشار إليها أن تتلى جميع الأسئلة في الجلسة ماعدا سؤال ظروف التخفيف الذي يطرحه الرئيس داخل قاعة المداولة بعد ثبوت الإدانـة، لكن الإجتهاد القضائي مستقر على أن عدم تلاوة الأسئلة الأصلية قبل الإنسحاب إلى القاعة المداولة لا يشكل سببا للنقض طالمـا أن محتوى تلك الأسئلة مستخلص من منطوق قرار الإحالة الذي رافعت حوله الأطراف و لم تبق غير الصياغة الفنية لتلك الأسئلة و التي لا تجوز مناقشتهـا،
لكـن طرح الأسئلة الإحتياطية قبل الإنسحاب للمداولة في قاعة الجلسات أمر إجبـاري تحت طائلة النقض، لأن المحكمة تفاجئ الأطراف بذلك فيجب تمكينها من مناقشة تلك الأسئلة،
الأسئلـة ذات الطابع الفـني:
لقد استقر الإجتهاد القضائي للمحكمة العليا على أن كل ما لا يستطيع المحلفون الإجابة عنه يمنع طرحه كسؤال و من ذلـك،
ـ هـل المتهم يستفيد من أحكام قانون الوئام المدنـي ؟.
ـ هـل أن الدعوى منقضية بالتقـادم؟.
ـ هـل أن الجريمة المتابع بها المتهم تطبق عليها المادة كذا ؟.
إن المحلفين ليست لهم دراية بمحتوى هذه الأسئلة و أن طرحها و الإجابة عنها بمشاركتهم تعرض الحكم للنقض ، فإذا ما اعترضت المحكمة حالة مثل هذه تفصل فيها دون مشاركتهـم،
ملاحظـات عامـة:
بقي لـي أخيرا أن أنبه على احترام مقومات السيادة الوطنية و فرض اللغة العربية كلغة رسميـة و وحيدة في الجلسات القضائية إذا أن مخالفة هذه القاعدة تؤدي إلى نقض الحكم إذا ما ثبت من محضر المرافعات أن جزءا من المناقشة أو كلها كانت باللغة الفرنسية و هو ما يقع أحيانا علـى مرآى و مسمع من القضاة الذين يأخذون مواقف سلبية في ذلـك،
أشكركـم على حسن الإصغـاء.