[right]
الظـروف المخففـة في ظل المـواد
53 إلــى 53 مكــــرر 8
من قانـون العقوبـات
من إعداد السيد/ سيدهــم مختــــار
مستشار بالغرفة الجنائيـة
- المحكمـة العليـا-
مقـدمـــة
جميـع التشريعات العالمية تتفق على إعطاء مساحة واسعة للقاضي الجزائي تسمح لـه بتقدير العقوبة المناسبة للمتهم، و ذلـك بوضع حدين أدنى و أقصى للعقوبة المقررة من جهة و السماح لـه بالنـزول عند الضرورة بالعقوبة المقضي بها عن الحد الأدنى من جهة أخرى حسب ظروف و ملابسات القضية، فتطبيق القانون على درجة واحدة و ثابتة من العقاب لا يحقق العدل، و هو ما جعل المشرع يتدخل صراحة في بعض الحالات ليخفف أو يعفي المتهم من العقاب فيما يسمى بالأعذار القانونية، و لم يترك في ذلك مجالا لتقدير القاضي الذي يصبح ملزما بهذا التخفيف أو الإعفاء، ثم ترك له هامشا كسلطة تقديرية ينـزل فيه بالعقوبة إلى ما دون الحد الأدنى المقرر قانونا في باقي الحالات، بل أن المشرع الفرنسي حذف نهائيا الحدود الدنيا للعقوبات المقررة و حذف معها الظروف المخففة التي لم يبق لوجودها معنى، إذ أن القضاء بعقوبة مهما كانت مخففة تعتبر عقوبة مقررة.
و فـي تشريعنـا فإن المواد 53 إلى 53 مكرر 8 من قانون العقوبـات التي استحـدث بعضهـا بموجب قانون 20 ديسمبر 2006، وضعت معالـم جديدة لظروف التخفيـف نتناولهـا فيما يلـي:
القسم الأول: مـادة الجنـايــات
الحالـة الأولى: المتهم مبتدئ في الإجـرام.
بقيـت الحدود الدنيا لتخفيض العقوبة فيمـا يخص الجناة المبتدئين على حالها و هـي 10 سنوات سجنـا إذا كانت العقوبة المقررة هي الإعدام و 5 سنوات سجنا إذا كـانت العقوبة المقررة السجن المؤبد و 3 سنوات حبسا حين تكون العقوبة المقررة من 10 إلـى 20 سنة سجنا لكن المشرع أضاف حالة جديدة هي إمكانية النـزول بالعقوبة المقضي بها إلى سنة واحدة حبسا حين تكون المقررة من 5 إلى 10 سنوات سجنا بينما في السابق لـم يكن ممكن النـزول بها إلى أقل من 3 سنوات حبسـا.
و قـد منع المشرع القضاء بأقل من الحد الأدنى للغرامة في مادة الجنايات أو النطق بها لوحدها كما سنرى لاحقـا.
الحالـة الثانية: المتهم مسبوق قضائيـا
كمـا هو معلوم فإن مفهوم المسبوق قضائيا يختلف عمن كان في حالة عود، فالأول هو كل من سبق الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية منفذة أو موقوفة التنفيذ بحكم حاز قـوة الشيء المقضي دون مراعاة للمدة التي مرت على ذلك أو طبيعة الجريمة التي سبقت إدانته بهـا، أمـا الثاني فهناك شروط في الجريمة المدان بها سابقا و أخرى في المتابع بها مجددا لا مجال لتفصيلها حددها المشرع بالمادة 54 و ما يليها من قانون العقوبـات.
عكـس ما يعتقده البعض أن الظروف المخففة يجوز إفادة المتهم بها في جميع الحالات بغض النظر عن سوابقه القضائية، لكـن المشرع أعطى للمحكمة إمكانية إضافة غرامة علـى المسبوق قضائيـا حددت مبالغها بالمادة 53 مكرر 1 و هو أمر جوازي لها بعد أن تفيده بالظروف المخففـة.
الحالـة الثالثة: المتهم في حالة العـود
تنـص المادة 53 مكرر من قانون العقوبات على أنه عندما تطبق العقوبات المشددة بفعل حالة العود فإن التخفيف الناتج عن منح الظروف المخففة ينصب على الحدود القصوى الجديدة المقررة قانونـا.
هـذا يعني أنه إذا كانت الجريمة الجديدة مثلا معاقبـا عليها بالسجن من 10 إلى 20 سنة سجنا و تمت متابعة شخصين بارتكابها أحدهما مبتدئ الإجرام و آخر معتاد عليه و أدين كل منهما بها فإن العقوبة المقررة تتحول بفعل العود إلى السجن المؤبد بالنسبة للثانـي. فإن منحته المحكمة الظروف المخففة يمكنها أن تنـزل بالعقوبة إلى السجن المؤقت ما بين 5 إلى 20 سنة سجنا فالحد الأدنى الذي لا يجوز النـزول أقل منه هو 5 سنوات سجنا بينما يجوز القضاء بعقوبة تتراوح بين 3 سنوات حبسا و أقل من 10 سنوات سجنا بالنسبة للمبتدئ رغم أن الجريمة واحدة لكل منهمـا. ثـم أن المعتاد لا يستفيد من النـزول بالعقوبة إلى أقل من ثلاث سنوات حبسا حين تكون العقوبة المقررة الجديـدة بين 5 و 10 سنوات سجنا بينما يجوز خفضها إلى سنة واحدة بالنسبة للمبتدئ و معـه المسبـوق قضائيـا.
القضاء بالغرامة مع منح ظروف التخفيف
إذا كان جائزا النـزول عن الحد الأدنى لعقوبة السجن المقررة فإنه يمنع ذلك في الغرامة سواء كانت مقررة أصلا بالنص المجرم للوقائع أو أن المحكمة أضافتها بسبب كون المتهم مسبوقا قضائيا و أفادته بالظروف المخففة و هذا تطبيقا لنص المادة 53 مكـرر 1 من قانون العقوبات التي وضعت حدودا لهذه الغرامة حسب خطورة الوقائع. و لا يجوز القضاء بها لوحدها كما هو الشأن في مادة الجنح، بل يتعين القضاء بها دوما في مادة الجنايات بين حديها الأدنى و الأقصى و لو مع إفادة المتهم بظروف التخفيف (المادة 53 مكرر 2 ق.ع) و هو تقييد لسلطة القاضي في هذا المجال بنص صريح لا اجتهاد فيـه.
حدود العقوبة المقضي بها بعد إفادة المتهم بالظروف المخففة
تعـددت الآراء حول حدود العقوبة المقضي بها بعد إفادة المتهم بالظروف المخففة، بعضهم يرى أن النـزول بالعقوبة عن الحد الأقصى المقرر قانونا يعتبر إفادة للمتهم بتلك الظروف و هو اتجاه لا نؤيده و بعضهم يرى النـزول بها إلى أدنى حد أجازه المشرع هو التطبيق الصحيح لذلك فإذا كانت العقوبة المقررة بين 10 و 20 سنة سجنا لا يجوز القضاء بأكثر من 3 سنوات حبسا و هو رأي لا نتفق معه أيضـا.
لقـد استقر اجتهاد المحكمة العليا في الجزائر منذ عشرات السنين على أن النـزول بالعقوبة إلى أقل من الحد الأدنى المقرر قانونا و لو بمدة قليلة يعتبر إفادة للمتهم بالظروف المخففة و تبقى للمحكمة سلطة تقديرية للقضاء بعقوبة تتراوح بين 3 سنوات في المثال السابق و أقل من 10 سنوات سجنـا.
إن الهدف الذي يتوخاه المشرع من هذه الظروف المخففة هو فسح المجال للقاضي كي يستطيع النـزول بالعقوبة المقضي بها إلى أقل من الحد الأدنى المقرر قانونـا و حين يريد إغلاق هذا المجال ينص صراحة على ذلك مثلما فعل بالمادة 22 من قانون مكافحة التهريب المؤرخ في 31/12/2005 و المادة 26 من قانون الوقاية من المخذرات و المؤثرات العقلية الصادر بتاريخ 25/12/2004 رغم أن تلك الجرائم لها حدود دنيا و قصوى لكنه استثنى تطبيق المادة 53 من قانون العقوبات فيها كي لا يسمح للقاضي بالنـزول عن الحدود الدنيا المقررة قانونا مما يعني قطعا أن مجال تطبيق الظروف المخففة يكون دوما دون الحد الأدنى المقرر قانونا أمـا إذا كانت العقوبة المقضى بها مساوية لذلك أو تتجاوزه فهو تطبيق للعقوبة المقـررة و لا مجال للحديث في ذلك عن تلك الظـروف.
أمـا بالنسبة للذين يرون تطبيقها بالنـزول عن الحد الأقصى المقرر قانونا فلا شك أنهم متأثرون بالقضاء الفرنسي الذي أصبح يطبق نصوصا جديدة تختلف عن تشريعنا منها إلغاء الظروف المخففة و الحدود الدنيا للعقوبة المقررة من جهة و ضرورة طرح سؤال حول تطبيق الحد الأقصى للعقوبة المقررة كما تنص على ذلك المادة 362 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي و المعدلة عام 2000 من جهة ثانية فإن كانت الإجابة عن ذلك بالنفي تطبق عقوبة أقل مما اعتبره البعض إفادة للمتهم بالظروف المخففة و هو في الواقع ليس كذلك بل هو تطبيق لعقوبة مقررة ما دامت لا توجد حدود دنيا لهـذه.
الحرمان من الحقوق الوطنية و المدنيـة
يحكـم بالحرمان من الحقوق الوطنية و المدنية وفقا للمادة 9 مكرر 1 من قانون العقوبات حتى لو نزلت المحكمة بالعقوبة إلى الحبس بسبب الظروف المخففة في واقعة جنائية (المادة 53 مكرر 3 ق.ع) لكـن المشرع إلتزم الصمت حول القضاء بالحجر القانوني في هذه الحالة رغم أن ذلك إجباري حين تكون العقوبة سجنا الأمر الذي يحول دون النطق بهذا عندما يقضي بالحبس تطبيقا لمبدأ الشرعية في العقوبات و حتى القضاء بالحرمان من الحقوق الوطنية لم يرد في النص ما يفرض إلزاميته إذ أشار إلى أنه لا يحول تخفيف العقوبة و القضاء بالحبس من الحكم بالحرمان من تلك الحقوق و الدليل على جوازية هذا الحكم ما نصت عليه المادة 9 مكرر 1 من قانون العقوبات في فقرتها الأخيرة بقولها في حالة الحكم بعقوبة جنائية يجب على القاضي أن يأمر بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها أعلاه مما يعني أن القضاء بذلك في عقوبة الحبس أمر جوازي و لو كانت الواقعة المدان بها المتهم تشكل جنايـة.
القسم الثاني: مـادة الجنــح
قلـل المشرع في تعديل المادة 53 سنة 2006 من حد النـزول بالعقوبة بعد إفادة المتهم بالظروف المخففة و جعله لا يقل عن شهرين حبسا و 20.000 دج في مادة الجنح بينما كان في الماضي يوما واحدا و 5 دج غرامة، لكنـه أبقى على إمكانية الحكم بإحدى العقوبتـين، الحبس أو الغرامة شرط ألا يقل ذلك عن الحد الأدنى المقرر قانونا لكل منهما كما أجاز استبدال الحبس بالغرامة إذا كان مقررا وحده دون النـزول بالعقوبة عن الحد الأدنى لهذه الغرامـة.
القسم الثالث: مـادة المخالفـات
خلافـا لمـا هو جائز في مادتـي الجنايات و الجنح من النـزول بالعقوبة إلـى ما دون الحد الأدنى المقرر قانونا عند إفادة المتهم بالظروف المخففة فإن ذلك لا يجوز في مادة المخالفات، لكن يمكن الحكم بالحبس أو الغرامة فقط في إطار أدنى الحدين المنصوص عليهما لكل من العقوبتين إذا لم يكن المتهم في حالة عـود.
تخفيف العقوبة على الشخص المعنوي
عـادة ما تكون الغرامة المقررة للشخص المعنوي مرتفعة بالمقارنة مع تلك المقررة للشخص الطبيعي، و في حالة إفادته بالظروف المخففة لا يجوز أن تقل عن الحد الأدنى بالنسبة للشخص الطبيعي، فإن كان مسبوقا قضائيا تعين القضاء بأقصى العقوبة المقررة للشخص الطبيعـي.
هـذا ما كان بودنا تفصيله حول تطبيق المواد 53 إلى 53 مكرر 8 من قانون العقوبات بعد أن تبين أن هناك لبسا في تطبيقهـا.
و الله ولـي التوفيق