تعريف النبي (1)
النبي – في لغة العرب – مشتق من النبأ وهو الخبر ، قال تعالى : ( عمَّ يتساءلون – عن النبإِ العظيم ) [ النبأ : 1-2 ] .
وإنّما سمّي النبيُّ نبيّاً لأنه مُخْبرٌ مُخْبَر ، فهو مُخْبَر ، أي : أنَّ الله أخبره ، وأوحى إليه ( قالت من أنبأك هذا قال نَبَّأَنِيَ العليم الخبير ) [ التحريم : 3 ] ، وهو مُخْبرٌ عن الله تعالى أمره ووحيه ( نَبِّئْ عبادي أنّي أنا الغفور الرَّحيم ) [ الحجر : 49 ] ( وَنَبِّئْهُمْ عن ضيف إبراهيم ) [ الحجر : 51 ] .
وقيل : النبوة مشتقة من النَّبْوَة ، وهي ما ارتفع من الأرض ، وتطلق العرب لفظ النبيّ على علم من أعلام الأرض التي يهتدى بها ، والمناسبة بين لفظ النبي والمعنى اللغوي ، أنَّ النبيَّ ذو رفعة وقدر عظيم في الدنيا والآخرة ، فالأنبياء هم أشرف الخلق ، وهم الأعلام التي يهتدي بها الناس فتصلح دنياهم وأخراهم .
المطلب الثاني
تعريف الرسول (2)
الإرسال في اللغة التوجيه ، فإذا بعثت شخصاً في مهمة فهو رسولك ، قال تعالى حاكياً قول ملكة سبأ : ( وإني مرسلة إليهم بهديَّةٍ فناظرة بم يرجع المرسلون ) [ النمل : 35 ] ، وقد يريدون بالرسول ذلك الشخص الذي يتابع أخبار الذي بعثه ، أخذاً من قول العرب : " جاءت الإبلُ رَسَلاً " أي : متتابعة .
وعلى ذلك فالرُّسل إنّما سمّوا بذلك لأنَّهم وُجّهوا من قبل الله تعالى : ( ثُمَّ أرسلنا رسلنا تتراً ) [ المؤمنون : 44 ] ، وهم مبعوثون برسالة معينة مُكلَّفون بحملها وتبليغها ومتابعتها .
المطلب الثالث
الفرق بين الرسول والنبيّ
لا يصحُّ قول من ذهب إلى أنه لا فرق بين الرسول والنبيّ ، ويدلُّ على بطلان هذا القول ما ورد في عدة الأنبياء والرسل ، فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ عدة الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ، وعدَّة الرسل ثلاثمائة وبضعة عشر رسولاً (3) ، ويدلّ على الفرق أيضاً ما ورد في كتاب الله من عطف النبيِّ على الرسول ( وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبي إلاَّ إذا تمنَّى ألقى الشَّيطان في أُمنيَّته ) [ الحج : 52 ] ، ووصف بعض رسله بالنبوة والرسالة مما يدُل على أن الرسالة أمر زائد على النبوة، كقوله في حقِّ موسى عليه السلام : ( واذكر في الكتاب موسى إنَّه كان مخلصاً وكان رسولاً نبيَّاً ) [ مريم : 51 ] .
والشائع عند العلماء أنَّ النبي أعم من الرسول ، فالرسول هو من أُوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه ، والنبيُّ من أوحي إليه ولم يؤمر بالبلاغ ، وعلى ذلك فكلُّ رسول نبي ، وليس كل نبي رسولاً (4) .
وهذا الذي ذكروه هنا بعيد لأمور :
الأول : أن الله نصَّ على أنه أرسل الأنبياء كما أرسل الرسل في قوله : ( وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبي ... ) [ الحج: 52 ] ، فإذا كان الفارق بينهما هو الأمر بالبلاغ فالإرسال يقتضي من النبيّ البلاغ .
الثاني : أنَّ ترك البلاغ كتمان لوحي الله تعالى ، والله لا ينزل وحيه ليكتم ويدفن في صدر واحد من الناس ، ثمَّ يموت هذا العلم بموته .
الثالث : قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ابن عباس : " عرضت عليَّ الأمم ، فجعل يمرُّ النبي معه الرجل ، والنبي معه الرجلان ، والنبي معه الرهط ، والنبي ليس معه أحد " (5) .
فدلّ هذا على أنَّ الأنبياء مأمورون بالبلاغ ، وأنَّهـم يتفاوتون في مدى الاستجابة لهم .
والتعريف المختار أنَّ " الرسولَ مَنْ أُوحي إليه بشرع جديد ، والنبيَّ هو المبعوث لتقرير شرع من قبله " (6) .
وقد " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبيٌّ خلفه نبيٌّ " .
كما ثبت في الحديث (7) ، وأنبياء بني إسرائيل كلّهم مبعوثون بشريعة موسى : التوراة وكانوا مأمورين بإبلاغ قومهم وحي الله إليهم ( ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لَّهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألاَّ تقاتلوا ... ) [ البقرة : 246 ] فالنبي كما يظهر من الآية يُوحَى إليه شيء يوجب على قومه أمراً ، وهذا لا يكون إلا مع وجوب التبليغ .
واعتبر في هذا بحال داود وسليمان وزكريا ويحي فهؤلاء جميعاً أنبياء ، وقد كانوا يقومون بسياسة بني إسرائيل ، والحكم بينهم وإبلاغهم الحق ، والله أعلم بالصواب .