أولا- ظهور مفهوم الحكم الراشد:
هناك عدة أسباب أدت إلى بروز هذا المفهوم سواءا من الناحية الفكرية أو
العملية.فما هوالا انعكاس لتطورات و تغيرات حديثة.تجلت في التغيير الذي حصل في طبيعة دور الحكومة من جانب و التطورات المنهجية و الأكاديمية من جانب آخر.حيث طرح هذا المفهوم في صياغات، اقتصادية، واجتماعية وسياسية، و ثقافية و تأثر بمعطيات داخلية و دولية، حيث يمكن بهذا الصدد الإشارة إلى:
1- العولمة كمسار وما تضمنته من عمليات تتعلق أساسا
- عولمة القيم الديمقراطية و حقوق الإنسان
- تزايد دور المنضمات الغير حكومية على مستوى الدولي و الوطني
- عولمة أليات وأفكار اقتصادية السوق .هذا ما أدى إلى تزايد دور القطاع الخاص .
- انتشار التحولات على المستوى العالي .
- زيادة معدلات التشابه بين الجماعات و المؤسسات أو المجتمعات .
2- شيوع ظاهرة الفساد عالميا وهذا ما أدى إلى ضرورة التفكير في انتهاج آليات تجعل من الأنظمة أكثر شفافية قصد القضاء على هذه الظاهرة .
3أدى إلى ظرورة إشراك القطاع الخاص و المجتمع المدني في عمليات التنمية .
إن هده التطورات أدت إلى تغير الدور التقليدي للدولة كفاعل رئيسي وذلك بفعل تزايد أهمية البيئة الدولية أي أن خيارات العامل الخارجي وسياسته هي التي تشكل بمجملها أولويات وقضايا السياسة العامة في مختلف الحكومات .
إظافة إلى وجود أسباب أخرىادت إلى ظهور هذا المفهوم كظهور مفاهيم جديدة للتنمية خاصة في فترة التسعينيات حيث وجد تيار شبه عالمي يدعو إلى نوع جديد من اللبرالية المحدثة.يستند على الحرية الفردية و الخيار الشخصي في العمل في السوق . وهي بذلك تحارب سلطة الحكومة المقيدة للفرد وكذا الأفكار و المبادئ المتعلقة بنظام الحرب الواحد وتقدم مجموعة من النظم و المبادئ الغربية على أنها عالمية .
و هذا ما اتخذته مؤسسات النظام الاقتصادي الدولي الجديد . وهذا مآله إعطاء شرعية لأعمال القطاع الخاص .وقد تضمن نموذج التنمية اللبيرالية الجديدة مفردات جديدة كالتنمية المستدامة الشفافية ، الرقابة الذاتية ، المساءلة .
- تأكيد العديد من الدراسات على أهمية إرساء الديمقراطية و الحرية ، حقوق الإنسان في عملية تحقيق التنمية الإقتصادية و التأكيد على مفهوم جديد يتمثل في التنمية الإنسانية حيث يشير إلى عملية توسيع الخيارات و الفرص مع التأكيد على المفهوم الواسع للحرية وحقوق الإنسان و اكتساب المعرفة .
1- إشكالية الترجمة:
تطرح المفاهيم في العلوم الاجتماعية عدة إشكاليات خاصة المفاهيم التي يتم ترجمتها من اللغة الإنجليزية أو الفرنسية إلى اللغة العربية . ويكمن ذلك في عدم وجود ترجمة واحدة متفق عليها و في هذا الإطار هناك العديد من المفاهيم لها ترجمات مختلفة ككلمة GLOBALIZATIONالتي ترجمت إلى العولمة، الكوكبية، الكونية وكلمة Néolibéralisme التي ترجمة إلى الليبرالية الجديدة، الليبرالية المحدثة، والنيولبيرالية.....الخ
و هذا ما نجده بالنسبة لمفهوم Gouvernance حيث لوحظ وجود عدة ترجمات لا تعكس دلالات المفهوم وأهدافه و يمكن أن نحصي العديد من الترجمات مثل:الحاكمية، الحكم، الحكمانية، إدارة الحكم، الحوكمة الإدارة المجتمعية....إلخ .
إظافة إلى تلك الترجمات ترجم مصطلح Gouvernance إلى عبارة إدارة شؤون الدولة و المجتمع و التي تبناها أكثر من مركز بحثي كمركز دراسات استشارات الإدارة العامة بجامعة القاهرة حيث يرى أنها تعكس في محتواها المعنى الأساسي كلمة Gouvernance من حيث تركيزها على طرفي المعادلة – الدولة والمجتمع و العلاقة بينهما.
كما تبنت هيئة الأمم المتحدة مفهوم-الحاكمية إلا ان مصطلح الحاكمية لا يعكس معنى المفهوم الذي يعبر عن الدولة و المجتمع و القطاع الخاص .فهو يعكس دلالات ذات صبغة دينية وتاريخية تتمثل في نظريات الحاكمية الا لاهية وما صاحب ذلك من جدليات .
و في هذا الإطار هناك من يرى أن ترجمة الحكم للمعنى Gouvernance لا يعكس المعنى الحقيقي للمفهوم الذي يشير حسب منظور الليبرالية الجديدة إلى الجمع بين الرقابة من أعلى الدولة و الرقابة من أسفل (منظمات المجتمع المدني ) وعلى هذا الأساس يستحيل استحضار هذا المعنى اذاإستعملنا لفظ حكم بالمعنى العربي للكلمة و من هنا يتم تفضيل استعمال لفظ "كوفرنونس "كترجمة حرفية للمفهوم كما هو الحال بالنسبة لمصطلحات عديدة مثل الليبرالية، الديمقراطية، الفلسفة...الخ .
ومن هنا يتم الإشارة أنه لا ينبغي تبديد الجهود في النقاش و الجدال حول ترجمة المفهوم بقدر ما يجب البحث في المعنى الإجرائي أي في الآليات المناسبة لكل مجتمع لتوظيف الحكم الراشد .
2- إشكالية التعريف :
أن الحديث عن مفهوم الحكم الراشد هو مثل الحديث عن الدين حيث المعتقدات قوية للغاية لكن البراهين القابلة للقياس معقدة.إذ أن هناك العديد من التعريفات قدمت للمفهوم الشيء الذي أثار الكثير من الجدل حول محتواه وككل التعريفات في العلوم الاجتماعية فإن تعريف الحكم الراشد تقابله عدة مشاكل عامة، منها تقديم تعريف بسيط وواضح لعناصر الظاهرة يمكن تعميمه على كافة المجتمعات أو أن يتم تبسيط التعريف بطريقة تخل بالمعنى و تعيق الباحث عن الرؤية المعمقة للمفهوم أو أن يفقد المفهوم صفة العمومية بحيث تنتفى عملية التعريف ذلك أنه يعكس خصوصية مجتمعات معينة إذ أن لكل مفهوم جنسيته و منظومته المعرفية التي تسنده وترعاه، واسترادها بغير تحرير لمضامينها تكريس للتبعية المفهومية إذن لا يمكن فصل المفاهيم عن مصالح و اهتمامات المفكرين و العلماء و الباحثين وانحيا زاتهم لمجتمعاتهم ونسقهم الحضاري...
ونظراتهم لذاتهم وللآخرين
3-إشكالية النموذج:
نقصد بإشكالية النموذج مدى ملائمة أفكار وآليات مفهوم الحكم الراشد لجميع الثقافات و الحضارات و المجتمعات .
إن هذا المفهوم كغيره من مفاهيم التنمية تعرض إلى عدةانتقادات من حيث أنه يكرس منظومة فكرية و سياسية معينة، تدخل في إطار الانتقادات الموجهة إلى العديد من المفاهيم و نظريات التنمية، كنظرية التحديث (الحداثة ) العولمة اللبيرالية الجديدة...الخ .
و بناءا على ذلك فشعار الحكم الراشد هدفه تقليص دور الدولة، وهذا إن كان مقبولا في مجتمعات مستقرة ومتطورة في بنيتها الإقتصادية الاجتماعية والثقافية.فإن صلاحيته بالنسبة لمجتمعات متخلفة تكون موضع شك، هذا فضلا على أن الليبرالية الجديدة التي تعد المرجعية الفكرية لمفهوم Gouvernance تتحرك في إطار عام يسمى العولمة التي تلقى معارضة شديدة، وفي المقابل أن هدف اللبيرالية الجديدة في إطار العولمة هو تحقيق الربح هذا مما يؤدي إلى تعميم الفقر لا تخفيفه و يتعرض مفهوم الحكم الراشد إلى انتقادات باعتبار أنه يعكس قيما غربية و بالتالي دعوة لأخذ بالنموذج الغربي ، ويعكس مصالح منظمات دولية كالبنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، و هذا ما ينفي حيادية المفهوم وللخروج من هذا الجدل يجب النظر فيما إذا كانت القيم التي يدعو إليها الحكم الراشد من شفافية ومشاركة و مساءلة تنطبق على كل المجتمعات أم أنها تخص مجتمعات معينة وكذا مدى قابلية تلك القيم للتحقيق .
- إن مفهوم الحكم الراشد يحمي معاني وأفكار، وآليات تتجاوز الحدود الثقافية لأي مجتمع، وتعكس قيم إنسانية دعت إليها مختلف الحضارات بما يناسب خصوصيتها.
ثانيا-الحكم الراشد : المفهوم ، الخصائص
يرجع مفهوم الحكم الراشد إلى تعدد أشكاله فهناك حكم راشد
أفضل من آخر في تحقيق النتائج ، وهذا ما يعبر عنه في كون الحكم الراشد لا يحمل معيارا أتوماتيكيا واحدا ، وعلى هذا الأساس يتم التمييز بين حكم راشد سيئ وحكم راشد جيد وعليه يمكن القول أنه التسيير الجيد للموارد في المجتمع سواءا كانت المالية أو البشرية أو المادية فهي حركة تشاركيه إذ تسمح بالتسيير الدقيق للأملاك العامة ، وخلق الثروة ، ولا يتم تطبيقه في الدولة فقط ، وإنما على المجتمع ككل و مختلف الفاعلين الاجتماعيين ، وهو لا يرتبط فقط بمشاكل الفساد و الانحراف ، وإنما يمتد إلى جميع مظاهر الحياة الاجتماعية ، و السلوكيات ، التربية ، التكوين ، الهياكل ، التنظيم ..إلخ .
هناك العديد من الإشكاليات التي صاحبت المفهوم الراشد تتعلق أساسا بالاختلاف و عدم الاتفاق حول الخصائص ( الأبعاد ، المميزات ، الأسس ، المبادئ ) فالمظاهر الأساسية تتمثل في :
1-إدراك مشروعية السلطة .
2- موقع المواطنين من مركز اهتمامات صناع القرار.
3-مشروع مجتمع يرتكز على مشاركة المواطنين .
4-ملائمة الإدارة العامة مع احتياجات المواطنين
وبالنسبة للثقافة الغربية يتمثل الحكم الراشد في العناصر التالية :
1- الشرعية المؤسساتية .
2- الانتخابات الديمقراطية .
3- احترام حقوق الإنسان .
4- الانفتاح السياسي .
5- استقلالية القوانين .
6- المساواة .
7- المشاركة .
8- الشفافية .
9- 1الاتفاق الحكومي للأغراض العامة .
10 -صحافة مستقلة وفعالة .
11-الكفاءة الإدارية .
12- حرية تدفق المعلومات .
و هناك من يحصر الأسس في ثلاث عناصر هي :
1- الشفافية في تسيير شؤون العامة .
2- دمقرطة و مشاركة المجتمع المدني .
3- تحسين الفعالية و الكفاءة التنظيمية .
ورغم القيمة التي تشكلها هذه الخصائص، إلا أن محاولات تطبيقها تعرف الكثير من الجدل ذلك أن بعض الخصائص تتعارض مع أخرى، أو أن الاهتمام المفرط لميزة معينة يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة، فمثلا المشاركة الشعبية قد تكون أمرا جيدا نظريا، لا كن على مستوى الممارسة فإن الإفراط في السماح بها قد يؤدي إلى إعداد سياسات عامة أو اتخاذ قرارات من أفراد ليست لديهم المعرفة الكافية، كما أن الصحافة المستقلة تكون غير مسؤولة لا تبدي أي اهتمام للأهداف العامة.
ومن هذا المنطق فإن مظاهر الحكم الراشد تختلف باختلاف أهداف وقيم المجتمعات ففي بعض المجتمعات الغربية يتم التركيز على الكفاءة وفي آخر يتم التركيز على الانسجام و الاجماع . وفي ثقافات أخرى فإن الأولوية تعطي للحقوق الفردية و البعض الآخر يعطي الأولوية لتطبيق القانون في حين يركز البعض الآخر على التقاليد و العشائر في صنع القرار ، وفي بعض المجتمعات ينحصرالهدف الأول في تحقيق النمو الاقتصادي في حين تعطي مجتمعات أخرى الأهمية الكبرى للثراء و التنوع الثقافي .
إن تعدد وتنوع الإقترابات التي تستخدمها المجتمعات لمواجهة تحدياتها يؤدي إلى الاختلاف في الدراجات و الخطوط المتبعة لتحقيق التنمية ، وهذا ما يقود إلى التساؤل حول تحديد مضامين الحكم الراشد ، و إلى الجدل حول القيم و المعايير الثقافية و حول النتائج الاجتماعية المرغوبة و هذا يمتد بدوره إلى الجدل و التساؤل عن دور الحكومة عن علاقة الحكومة مع المواطنين ، وعن العلاقة بين المؤسسات الرسمية ( تشريعية ، تنفيذية ، قضائية ) و كذلك عن أدوار مختلف القطاعات و منه نخلص إلى أن الحديث عن الحكم الراشد يعني الآخذ بعين الاعتبار التاريخ القيم ، التقاليد ، الثقافات المختلفة للمجتمعات . وهذا ما يدعم القول بأنها ليست مرتبطة بمعيار أتوماتيكي بمعنى هناك اختلاف في التطبيق و الخصائص باختلاف المجتمعات فضلا عن أن هناك سياسات للحكم الراشد أفضل من الآخر.
قياس الحكم الراشد: ( المعايير )
هناك معايير وقيم مشتركة وشاملة تتجاوز الحدود الثقافية وقد سعت
المنظمات الدولية لإيجاد خصائص مشتركة للحكم الراشد ، والبحث عن الأولويات المناسبة لتطبيقها ووضع مقاييس و مؤشرات لقياس نوعية الحكم الراشد .
- إسهامات برنامج الأمم المتحدة الإنهائي UNDP يعتبر الحكم الراشد من جهة نظر UNDP على أنه العمليات و الهياكل التي تقود العلاقات السياسية و السوسيو اقتصادية بشفافية ومسؤولية وقد حدد العوامل التالية :
المؤشرات السوسيو اقتصادية : وتتضمن التربية ، الوصول إلى الحاجات القاعدية ودور المرأة .
-الاقتصاد : النمو، التبعية المالية للموارد الخارجية .
-القدرات البشرية و الاستدامة .
-الموارد الطبيعية و التوجهات في مجال البيئة .
-التنوع الثقافي و الديني و القيمي، الهياكل، الصراعات، استقطاب الوسائل الداخلية
و تتمثل خصائص الحكم الراشد وفق UNDP في:
1- المشاركة : وتعني أن يكون للجميع رأي في صنع القرار سواءا بطريقة مباشرة أو من خلال مؤسسات الوساطة المشروعة .
2- حكم القانون : مؤسسات القانون يجب أن تكون عادلة وتولي الأهمية خاصة لقوانين حقوق الإنسان .
3- الشفافية : تبنى على حرية تدفق المعلومات حيث يمكن الوصول إليها من طرف المعنيين بها شريطة أن تكون المعلومات كافية وسهلة الفهم .
4- الاستجابة : محاولة المؤسسات خدمة العملاء و الاستجابة لمطالبهم .
5- اتجاه الإجماع : بالسعي لتسوية الخلافات في المصالح لتحقيق الاجماع حول المصالح الجيدة و التي تخدم الجماعة و السياسات و الإجراءات الممكنة لذلك .
6- العدالة : تساوي الفرص لتحسين الأوضاع و تحقيق العدالة .
7- الفعالية و الكفاءة : و المتعلقة بالمؤسسات و التي تؤدي إلى نتائج وفق الحاجات مع الاستعمال الجيد للموارد .
8- المساءلة : صناع القرار في الحكومة ، القطاع الخاص و منضمات المجتمع المدني تتم مساء لتهم من قبل الشعب .
9- الرؤية الإستراتيجية : القادة و الشعب لديهم أفاق واسعة و بعيدة المدى لتحقيق التنمية و لديهم شعور مشترك عن ما يريدونه من تلك التنمية .
ومن الملاحظ أن هذه الخصائص مرتبطة ارتباطا وثيقا ، حيث أن كل خاصية تعزز الأخرى ، بسهولة الوصول إلى المعلومات تعني الزيادة في مستويات الشفافية ، والزيادة في مستوى المشاركة ، وتعني الزيادة العالية في فعالية عملية صنع القرار و المشاركة الواسعة بدورها تساهم في تبادل المعلومات المطلوبة في عملية صنع القرار و تساهم في إضفاء الشرعية على القرار ، والشرعية تعني تنفيذ فعال و تؤدي إلى تعزيز المشاركة .و مؤسسات الاستجابة يجب أن تكون شفافة وتؤدي وظائفها وفق القانون ، وهذا ما يؤدي إلى المساواة .
وقد عبر تقرير التنمية الإنسانية العربية 2004 على أن الحكم الراشد يتجسد في تظافر جهود كل من الدولة و المجتمع المدني و القطاع الخاص .
- مساهمات البنك الدولي : WB
ينطلق البنك الدولي من فكرة تطوير المؤسسات التي تعرف على أنها مجموعة من القواعد الرسمية (الدستور القوانين و التنظيمات ، النظام السياسي ) و غير الرسمية (الثقة في المعلومات ، نظام القيم و العقائد ، المعايير الاجتماعية )التي تحكم سلوك الأفراد و المنظمات ( الشركات النقابات ، المنظمات الغير الحكومية ) .
وهذا من خلال التركيز على تسعة مواضيع :
1- المؤسسات السياسية و الحريات المدنية .
2- أمن الأشخاص و الممتلكات .
3- وظيفة الإدارة العامة.
4- حرية سير عمل الأسواق .
5- الإبداع الأحكام القانونية للمستقبل .
6- أمن المعاملات .
7- تنظيم السوق .
8- الانفتاح على الخارج .
9- التماسك الاجتماعي .
ومن جهة نظر البنك الدولي فان الحكم الراشد يتمثل في قيمتين متماثلتين :
1- التضمينية :و تتضمن هذه العملية المساواة بين كل الأطراف المشاركين و بالتالي فهي عملية دمج ولا تستبعد أي طرف .حيث تقضي آليات التعريف و حماية الحقوق الأصلية للأفراد .و الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع المواطنين .
2- المساءلة: وتشير هذه الخاصية إلى مفهوم التمثيل و يعني ذلك مساءلة كل من تم اختيارهم للحكم باسم الشعب سواءا على إ خفاقاتهم أو نجاحا تهم وهذه المساءلة تعتمد على العلم (le savoir)والمعلومات و تعتمد على المقاييس التي تشجع مسؤولي الحكومة على العمل بطريقة صادقة و فعالة و نزيهة ومن شأن المساءلة أيضا أن تشجع على الإعتراضية، أي الاعتراض على اختيارالموظفين و معارضة رجال السياسة، وتشجع على ترقية أخلاقيات الخدمة العامة وتدفع بالحرص على المصلحة العامة
وتر.كز دراسات البنك الدولي على محاربة الفساد في الإدارة العامة وتعتبر
ظاهرة الفساد الخاصية الأساسية المميزة للحكم الراشد السيئ و التي تترجم من خلال التفظيلية و المحسوبة والرشوة. فالفساد يتعارض مع التضمينية و هذا مرتبط بغياب المساءلة.
ويعرف الحكم الصالح وفق البنك الدولي على أنه ممارسة السلطة باسم الشعب، و
بالتالي ممارسة تلك السلطة بطريقة تحتمل الإدماج و القوانين والاحتياجات كل ما يتعلق بالدولة و يعني ذالك ضرورة الانتقال بالإدارة الحكومية من الحالة التقليدية إلى الحالة الأكثر تفاعلا واندماجا بين الأطراف الثلاثة ( الإدارة الحكومية، إدارة القطاع الخاص، إدارة مؤسسات المجتمع المدني ) وذالك بمشاركة الجميع في اتخاذ القرارات، وهذا ما يعد أساس الشرعية غي الأنظمة الديمقراطية. ومنه فإن مفهوم الحكم الراشد لا يقتصر فقط على إطار الدولة بل يمتد إلى القطاع الخاص هذا الأخير الذي عليه الأخذ بعين الاعتبار احتياجات المواطنين و في هذا المجال لا تقتصر وظيفة مراقبة الشفافية و الفساد و المساءلة على المساهمين فقط وإنما تشمل مختلف الجماعات ومؤسسات المجتمع المدني .
مؤشرات قياس نوعية الحكم الراشد :
هذا المفهوم هو محل تداخل العديد ن العلوم من بينها الاقتصاد، التاريخ، ا لقانون، العلوم السياسية، علم الاجتماع..الخ. .وهذا ما يؤدي إلى صعوبة قياس و تكميم الظاهرة و باعتبار أن المفهوم ارتبط ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمفهوم التنمية البشرية ويتم تصنيف الدول على أساس مؤشراتها و يشمل دلك ثلاث أبعاد هي:
- أن يعيش الإنسان حياة جيدة وبصحة سليمة .
-أن يكون متعلما.
-أن يحصل على مستوى معيشة لائق
و بالتالي فإن دليل التنمية البشرية يجمع بين المقاييس التالية :
- متوسط العمر المتوقع عند الولادة .
- الالتحاق بالمدارس .
-الاهتمام بالقراءة و الكتابة .الناتج الإجمالي للفرد ( معدل القوة الشرائية بالدولة الأمريكية
- دليل الفقر البشري : يقيس دليل التنمية البشرية إجمالي تقدم التنمية في بلد ما أما دليل الفقر البشري فيظهر توزيع هذا التقدم و يقيس تراكم شتى أنواع الحرمان في أبعاد التنمية البشرية الأساسية .
-العمر الذي يقاس باحتمال عدم العيش عن الولادة حتى سن الأربعين.
-إجمالي توفير الحاجات الإقتصادية من القطاعين العام والخاص ويقاس بالنسبة المئوية للناس الذين ليست لديهم منافد مستدامة إلى مصدر مناسب للمياه. و النسبة المئوية للأطفال دون الخمسة الناقصي الوزن المعتاد لأعمارهم .
ثالثا - مكونات الحكم الراشد (بيئة الحكم الراشد ).
مفهوم الحكم الراشد يستعمل كحكم قيمي على ممارسات السلطة السياسية لإدارة
شؤون المجتمع باتجاه تطويري ، إن إدارة شؤون المجتمع تتضمن ثلاثة أبعاد مترابطة وهي - البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة السياسية و شرعية تمثيلها ، و البعد التقني المتعلق بالإدارة وكفاءاتها و فعاليتها ، و البعد الاقتصادي ، الاجتماعي ، المتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني و مدى حيويته و استقلاليته عن الدولة من جهة ، وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي ، و تأثيرهما على المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة ، و تتفاعل الأبعاد الثلاثة مع بعضها في إنتاج الحكم الراشد .
في هذا الإطار تظهر مختلف التفاعلات ومختلف العناصر الأساسية التي يتوقف عليها التوازن والتفاعل .
1-الحكومة :
في الدولة التي تتواجد فيها عملية انتخابية تكون الحكومة منتخبة ووظائف الدولة متعددة الجوانب فهي تركز على إطار التفاعل الاجتماعي الذي يحدد المواطنة تمتلك سلطة المراقبة وممارسة القوة و لديها مسؤولية الخدمة العامة تعمل على خلق بيئة مساعدة وهذه الوظائف تعني :
- اتحاد إطار قانوني وتشريعي مستقر وثابت فعال وعادل للأنشطة العامة و الخاصة .
- تعزيز الاستقرار والمساواة في السوق .
-الاهتمام بتقديم السلع .
- تزويد الخدمات العامة بفعالية ومسؤولية .
وعلى إثر هذه الوظائف تواجه الحكومة العديد من التحديات ، ذالك أن الحكم الراشد يهتم باهتمامات الأفراد الأكثر فقرا وهذا عن طريق العمل على تزويد فرص إظهار و تحقيق وإدامة نوع الحياة الذي يريدون تحقيقه.
أن المؤسسات الحكومية تستطيع أن تمكن الناس الذين تقوم بخدمتهم و ذلك بتزويدهم بالفرص المتساوية و تدعيم الاندماج الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي و فتح المجال للحصول على الموارد لكن لا تستطيع الدولة تمكين الناس إلا بتوفير جهاز تشريعي و عمليات انتخابية وأنظمة قضائية و قانونية تعمل بشكل جيد فضرورة وجود برلمان ينتخب أعضاءه بحرية وعدالة تمثل فيه مختلف الأحزاب و مختلف المناطق من شأنه أن يسمح بزيادة المشاركة الشعبية و مساءلة الحكومة ، فوجود الثقة تؤدي إلى زيادة الشرعية السياسية فالأنضمة القانونية و القضائية الفعالة بدورها تعمل على حماية دولة القانون و حقوق الجميع
أن الحكومة سواء في الدول المتقدمة أو النامية عليها اعادة تعريف لدورها سواء في النشاط الاجتماعي أوالإقتصادي ، بتقليص هذا الدور ، وإعادة توجيهه ، و تهيئته ، ذلك لأنها تواجه العديد من الضغوطات لإحداث تغيرات تأتي من المصادر التالية :
- القطاع الخاص ييحتاج إلى بيئة مساعدة للسوق الحرة
- المواطنون يريدون زيادة المساءلة ،و الاستجابية في طرق الحكومة و المزيد من اللامركزية
- إن القوى الكبرى تفرض ضغوطا اقتصادية و اجتماعية تحد من هوية وطبيعة الدولة .
2- القطاع الخاص:
يشمل القطاع الخاص المشاريع الخاصة للتصنيع و التجارة
و المصارف ، وكذلك القطاع الغير المؤطر في السوق ، إن الدولة لها قوة كبيرة في تحقيق التنمية ، لكنها ليست الوحيدة في هذا المجال فالتنمية البشرية المستدامة تتوقف على خلق فرص للعمل و التي من شأنها تحسين مستويات المعيشة ، ومن هذا المنطلق أدركت العديد من الدول أن القطاع الخاص يمثل المصدر الأول لتوفير فرص العمل والتخفيف من البطالة ، فالعولمة الإقتصادية غيرت الطرق التي من خلالها تشتغل المنظمات الصناعية و على هذا الأساس اتخذت العديد من الدول إستراتيجيات اقتصادية تتعلق خاصة بخوصصة المؤسسات العامة وفتح المجال لمنظمات القطاع الخاص في العديد من الميادين ، إذا أصبح هذا الأخير الفاعل الأساسي في العديد من الدول في الحياة الإقتصادية .
فالحكومة يمكن أن تشجع تنمية القطاع الخاص في إطار ما يسمى بالحكمانية الاقتصادية، بحيث تعمل على جعل هذا القطاع مستداما بواسطة الآليات التالية:
- خلق بيئة اقتصادية كلية مستقرة .
- إيجاد سوق تنافسية .
- التأكيد على حصول المعوزين على القروض .
- تعزيز المؤسسات لخلق فرص عمل .
- جلب واستقطاب الاستثمارات و المساعدة على نقل المعرفة التكنولوجية .
- تقوية دولة القانون .
- تقديم الحوافز .
- حماية البيئة و الموارد الطبيعية .
3-المجتمع المدني :
أصبح مفهوم المجتمع المدني ملازما للدولة العصرية، بحيث
حل محل مصطلح المجتمع الفاضل في الفلسفة السياسية ، و بالتالي لم نعد نتحدث عن علاقات مباشرة بين المواطن و الدولة وإنما عن علاقات غير مباشرة تتوسطها مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني من أحزاب و جمعيات و هيئات و نقابات و غيرها و لتحديد مفهوم المجتمع المدني يجب التركيز على أربعة عناصر تتمثل في :
1- فكرة التطوعية .
2- فكرة المؤسسية .
3- فكرة الاستقلالية .
4- الارتباط بمنظومة من المفاهيم (حقوق الإنسان ، المواطنة ، المشاركة السياسية الشرعية ).
وتعد المنظمات الغير حكومية من المؤسسات التي لها دور متزايد وبارز في المجتمع المدني ، من خلال حرية التحرك الاجتماعي للأفراد و الجماعات ، وحرية التعبير عن التطلعات الفكرية ، و المشاركة الاجتماعية و السياسية ، حرية المبادرة ، و المساهمة في تنمية المجتمع ، ولذلك فهي تأمن بيئة مساعدة و منظمة للعمل الإنساني غير الربحي ، يعمل فيها الناس باختيارهم الخاص .
أن التغير الحاصل في مفاهيم التنمية خلال العقود الأخيرة، حيث يعد التركيز على الدخل و مؤشرات تقنية و كمية فحسب، بل امتد ليشمل مؤشرات كيفية كحرية الإنسان، المشاركة السياسية، نوعية الحياة، فظلا عن الجوانب الثقافية، كل هذا أدى إلى التغير في الأدوار بحيث لم تعد التنمية مسؤولية الحكومة وحدها بل تم التركيز على نقل العديد من الأدوار للقطاع التطوعي ( مؤسسة المجتمع المدني ) على مختلف الأصعدة الإقتصادية، و الاجتماعية، حيث أصبح يمثل شريكا فاعلا للقطاع الحكومي في تقديم العديد من الخدمات.
رابعا- علاقة الحكم الراشد بالتحول الديمقراطي
من الثابت أن هناك علاقة وطيدة بين الحكم الراشد و الديمقراطية ،
يبقى الآن تحديد طبيعة هذه العلاقة، هل هي تكاملية أم ترابطية، آم
تباينية ؟
إذا كان الحكم الراشد هو : الأسلوب الذي تشخص الحكومات و المواطنون بواسطته القيم و الاحتياجات ، و حل تلك المشاكل بالتسيير الفعال معا ، وذلك بتطبيق و إدارة الموارد المتوفرة بكل شفافية ، و تحمل كل طرف مسؤولياته كاملة من أجل الحصول على نتائج متوقعة و مقبولة ، مع الأخذ بعين الاعتبار كل الخصوصيات الممكنة و أن هذا الأسلوب يفرض إقامة جو يعلو فيه القانون و تحترم فيه حقوق الإنسان ، مع إمكانية مراقبة مؤسساته .
إن الحكم الراشد من هذا المنطلق يشترط إقامة حكومة ذات مشروعية تسعى من أجل تقوية مبدأ الفصل بين السلطات (التباين السلطوي ) لتفعيل ميكانيزمات مراقبة المؤسسات وتطوير وتعزيز استقلالية السلطة القضائية لتمكينها من تطبيق القوانين ، غير أن تجسيد هذا المبدأ يتطلب إدخال إصلاحات مؤسساتية و تربوية لتعزيز القدرة التسييرية و التخطيطية للسلطة التنفيذية ، و كذا دينامية المجتمع المدني واحترام حق المعارضة (الأقلية داخل البرلمان و خارجه) .
إن فعالية القرارات ونجاعة السياسات و البرامج تتوقف على مدى المشاركة الفعلية للمواطنين في عملية التنمية ورصد وإعداد سياساتها ، غير أن تحقيق هذه المشاركة يتطلب من السلطة العمومية ، وكذا جميع الفاعلين في مجالات التنمية ، أن تأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب و العوامل الداخلية التي تساعد على تجسيد الحكم الراشد ، وذلك بتدعيم و تعزيز روح المبادرة وتفعيل الشفافية و تجسيد مبدأ المحاسبية أي تقديم المسؤولين حصيلة أعمالهم للمواطنين ، و التي تحدد من خلال طبيعة العلاقة بين الحاكم و المحكوم ، و بالتالي تحديد درجة الاستقرار و الأمن الظروريين لتجسيد الحكم الراشد كما أن الحكم الراشد يفترض العمل على وجود صحافة حرة و مسؤولة .
انطلاقا من هذه الشروط الأساسية لإقامة الحكم الراشد، نلاحظ أن هذه الأخيرة تفترض أن رسم السياسات العامة و خاصة تحديد الأولويات في السياسات العامة وخاصة تحديد الأولويات في السياسات الاجتماعية و الإقتصادية قائم على أساس الإجماع داخل المجتمع، واتخاذ القرارات و توزيع الموارد لتحقيق التنمية، كما نلاحظ أن دور المجتمع المدني و تطوير قنواته و هياكله التعبيرية، يعتبر عاملا أساسيا في إقامة الحكم الراشد وذلك من خلال مشاركة سياسية فعالة على جميع الأصعدة ابتداء من تحديد الأولويات، وتوفير المعلومات ووضع السياسي و بالتالي تنفيذها، مما يضفي طابع المشروعية على هذه السياسات وهذا يعني أن الحكومات ليست الفاعل الوحيدة في مجال احتكار القوى المشروعة و إنما هناك هيأت أخرى تساهم في حفظ الأمن و السلم وألنظام العام، و تشارك في وضع السياسات الإقتصادية و الاجتماعية.
و على الرغم من أن الحكم الراشد لا يتمتع بتعريف إجماعي داخل الاتجاهين السياسي و الاقتصادي و مابينهما، و تباين وجهات النظر حول محتواه و مفهومه بين الدول الصاعدة و الدول المتقدمة نتيجة اختلاف ظروف بروز المفهوم تاريخيا فيها، إلا أن العناصر التي يحتويها توحي من الناحية النظرية إلى أن هناك علاقة تكاملية بينه وبين الديمقراطية، بحيث يعتبر شرط أساسيا وعاملا محركا أما من الناحية العملية فهذه العلاقة ليست فقط تكاملية وترابطية و إنما إجرائية كذلك فلكي يكون الحكم الراشد مقبولا إنسانيا و اجتماعيا عليه أن يرسم لنفسه كهدف أساسي تقوية التنمية الديمقراطية، كونه لا يستطيع أن يتجسد في جو تخلو فيه المبادئ الديمقراطية، وفي المقابل فإن احترام المبادئ الديمقراطية يعتبر شرطا أساسيا لتطبيق الرشاد ة، ذلك لتخفيف العبء السياسي و الاجتماعي الناتج عنها خاصة في جانبها الاقتصادي، ومن هنا تكون المشروعية الديمقراطية الممنوحة للحاكم أو القيادة و مشاركة المواطنين في عملية اتخاذ القرارات هي التي تؤسس الفعالية التي تعتبر من العناصر الهامة للحكم الراشد و لسياسة و إستراتيجيات التنمية، أي أن هناك علاقة ديناميكية بين الحكم الراشد و الديمقراطية و التنمية الاجتماعية و الإقتصادية، فلا يمكن إقامة نظام ديمقراطي مستقل دون تحقيق التنمية الاجتماعية و الإقتصادية القائمة على تساوي الحظوظ و التوزيع العادل للموارد المتوفرة، غير انه لا يتحقق ذلك إلا من خلال حكم رشيد قائم على مشاركة المواطنين في تسيير الموارد بكل شفافية، و تفعيل و دينامية المجتمع المدني و علو القانون و احترام حقوق الإنسان.
نستنتج مما سبق أنه لا يمكن الفصل بين الديمقراطية و الرشادة Gouvernance)، سواء في جانبها الاقتصادي أو في جانبها السياسي ، و على الرغم من أن مفهوم الرشادة لا يحتوي على تعريف إجماعي من طرف الفاعلين معه ، إلا أن ما يمكن ملاحظته هو أن الديمقراطية و الرشادة متكاملة بعضها مع بعض ، و مترابطة فيما بينها بحيث لا نستطيع الحديث عن الرشادة في نظام غير ديمقراطي ،لا تحترم فيه المبادئ الأساسية للديمقراطية و لا توجد فيه صحافة حرة و مسؤولة لتفعيل التسيير الجيد و النزيه للشؤون العامة ، و بدون مشاركة فعالة و قوية للمجتمع المدني (المسؤولية و دور المجتمع المدني ) و تحترم فيه حقوق الإنسان (دولة الحق و القانون ) .
و في الجانب الثقافي و الإيديولوجي الفكري ، نلاحظ كذلك أن الحكم الراشد و الديمقراطية كلتاهما نتاج غربي – أي نتاج الفكر الرأسمالي الليبرالي –فالرشادة سواء أكانت استجابة لأزمة الدولة الرعية عند الغرب ،أو أنها ظهرت كحل لفشل الدولة التنموية عند الدول الصاعدة لربط الإصلاحات المؤسساتية و برامج التنمية مع برامج إعادة الهيكلة التي تقدمت بها المؤسسات المالية الدولية ، إنها في الحالتين نتاج رأسمالي –غربي.
إذا كانت أنماط و أساليب تطبيق الديمقراطية تختلف من دولة لأخرى، ومن مجتمع لأخر، نتيجة الاختلافات الثقافية و الظروف الاجتماعية و الإقتصادية للدول، وبالتالي ضرورة تكييفها مع البيئة الاجتماعية و الثقافية فإن الرشادة تحتاج هي الأخرى إلى تكييفها مع بيئة كل دولة.كما أن لكل دولة الجانب الذي تنظر منه للرشادة بحيث هناك من يراها من جانب النظام المركزي ، إصلاح السلطة التشريعية و التنفيذية فعالية تسيير الموارد الاجتماعية و الإقتصادية وإصلاح المنظومة التربوية و القضائية ....إلخ .
إن ترويج الرشادة برز مع نهاية الحرب الباردة و ظهور العولمة ، مما يؤكد من جهة على قوة العلاقة بين الرشادة و الديمقراطية ، فالديمقراطية و الرشادة وجهان لعملة واحدة .
فالعلاقة، هي علاقة قيمية، معيارية، مكانية وزمنية.
1-قيمية : يعتبر الحكم الراشد نتاج الديمقراطية الليبرالية وهذا يعني محاولة هذه الأخيرة سد الثغرات و الفراغات التي بدأت تلوح في الأفق عندما حاولت مجتمعات غير المجتمعات التي نشأت فيها الديمقراطية تطبيقها و محاولة الأولى احتواء الثانية و إخضاعها لمنطقها و نمطها ، أي محاولة التكييف .
1- معيارية : إذا كانت الديمقراطية تظهر كالنظام الأقل ضررا مقارنة بالأنظمة الغربية الأخرى ، فإن الحكم الراشد (الذي قد سبق وإن قلنا أنه تناج الديمقراطية )هو الآخر ذو صفة معيارية ، بحيث أن إشكالية ترشيد الحكم قد عرفتها كل المجتمعات عبر تطورها التاريخي و حاولت الإجابة عليها لكن الجانب المعياري يكمن في تحديد نمط معين للحكم الراشد ، و ذلك بتحديد مجموعة من العناصر و الشروط التي يتحدد من خلالها هذا المفهوم .
2- مكانية : ليس من الصعب أن تكون المجتمعات الغربية ذات التوجه الليبرالي ( أوروبا الغربية ، الولايات المتحدة الأمريكية و كندا) وعلى رأسها المؤسسات الدولية و الوكالات التعاونية الثنائية و متعدد الأطراف البادئة في ترويج للحكم الراشد الذي يعتبر نتاجا للفكر الديمقراطي الغربي .
3- زمنية : إن للحكم الراشد علاقة زمنية مع ظاهرة التحول الديمقراطي التي برزت بقوة بعد نهاية الحرب الباردة ، و بروز التحديات (السياسية ، الإقتصادية ، الاجتماعية و الثقافية ، التكنولوجية و العلمية )التي أتت بها ظاهرة العولمة و التي على المجتمعات المتقدمة و الصاعدة أن تواجهها هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فشل البرامج و السياسات التنموية التي تقدمت بها مؤسسات "بروتن وودز "و التي أصبحت لا تنظر إلى عملية التنمية و تسييرها كمجرد نقص في الموارد المادية ( المالية على الأخص )، و إنما التركيز على المزاوجة و التوفيق بين الجانب السياسي و الجانب الاقتصادي في عملية التنمية ، فوجدت هذه المؤسسات في الحكم الراشد بطانتها لما يحتوي هذا المفهوم من أبعاد مختلفة سياسية ، اقتصادية ، اجتماعية و ثقافية .....ألخ.
وبالتالي السماح لهذه المؤسسات التدخل بطريقة غير مباشرة في الشؤون الداخلية لهذه المجتمعات تحت غطاء هذا المفهوم ذا المحتويات و المضامين غير المحددة .
أ.طيب بلوصيف حاليا رئيس قسم الإعلام .جامعة سطيف
مداخلة في ملتقى " الديمقراطيات الصاعدة ، قسم العلوم السياسية ، بجامعة ورقلة