البروليتاريا
مصطلح يستخدم للدلالة على الطبقات الدنيا أو الطبقات الفقيرة في المجتمع.. هناك تعريفات عديدة للبروليتاريا، فأحيانا تعرف بأنها الناس الذين لا ثروة لهم سوى أولادهم، أو الطبقة التي تكسب قوتها عن طريق بيع عملها فقط، لا من أرباح أي نوع من رأس المال، وبالتالي فهي دائما تحت رحمة تأرجحات السوق بين الازدهار والكساد، ووجودها مرهون بتوفر فرص العمل.. يصفها "ماركس" بأنها الطبقة العاملة، وتهتم الشيوعية اهتماما بالغا بالبروليتاريا، حتى إن الشيوعية توصف أحيانا بعلم تحرير البروليتاريا.
البروليتاريا
ربما كان أول استخدام لكلمة البروليتاريا كان من قِـبَل المفكر الفرنسي "سان سيمون" (1760- 1825)، وقد استخدمه لوصف الذين لا يملكون نصيبا من الثروة العامة، ولا يحظون بأية ضمانة من ضمانات الحياة، وحسب تعبيره فإنها طبقة بلا ماضي ولا مستقبل. تطور المفهوم بعد ذلك على يد "كارل ماركس" (1818– 1883)، والذي يرى أنها الطبقة التي تتحمل كل أعباء المجتمع دون أن تنال أية ميزة من ميزاته، فهي طبقة لا تعيش إلا بقدر ما تجد عملا، وبالتالي فهي تتقوّت عن طريق بيع قوة عملها، فتصبح سلعة شبيهة بأية سلعة أخرى تخضع إلى قوانين السوق من عرض وطلب. ويعمل أفرادها في المصانع بالتحديد. وهي في رأيه تمثل الضياع الكامل للإنسان، وهذا الضياع لا يعوّض سوى بالثورة ضد الطبقات الأخرى.
ومع تعقد شكل الحياة الاقتصادية والاجتماعية ظهر تعبير آخر هو (البروليتاريا الرثة)، وهي تلك الفئات التي تعيش على هامش الأعمال الاقتصادية، مثل مساحي الأحذية، وخدم المنازل وغيرهم. وفي رأي المفكرين الشيوعيين فإن هذه الفئات متخلفة في الوعي، ويصعب إكسابها الوعي البروليتاري المناضل.
بداية البروليتاريا
كانت الثورة الصناعية التي نشبت في إنجلترا في القرن الثامن عشر السبب المباشر لظهور طبقة العمال الكادحين أو البروليتاريا.
بدأ الأمر باختراع الآلات البخارية ومختلف آلات الغزل والأنوال الآلية، والتي بسبب سعرها المرتفع جدا فلم يكن بمقدور أحد شراؤها سوى أصحاب رءوس الأموال الكبيرة، بمعنى آخر الرأسماليين. أدت هذه الآلات إلى الاستغناء عن الحرف التقليدية، بسبب قيام الآلات بإنتاج المنتجات بكميات ضخمة في وقت ضئيل، وبالتالي تقليل التكلفة إلى حد كبير. وبسبب حاجة الآلات إلى عمال يقومون بتشغيلها وصيانتها، فقد ظهرت طبقة العمال وانقرضت طبقة الحرفيين التقليديين الذين كانوا يقومون بما تقوم به الآلات بشكل يدوي أقل كفاءة. وقعت كل فروع الصناعة في أيدي كبار الرأسماليين الذين أنشئوا الورشات الكبرى؛ حيث المصاريف العامة أقل وإمكانية تقسيم العمل أكبر، مما أدى إلى إفلاس الورشات الصغيرة والحرفيين الصغار.
جمع الرأسماليون الأرباح وتضخمت ثرواتهم، وانتهت الملكيّات الحرفية الصغيرة لتبتلعها المصانع الرأسمالية. انتهى الآن عهد الإقطاع وبدأت الرأسمالية التي امتلكت كل شيء وسيطرت على كل شيء. وتحول العالم إلى طبقة رأسمالية تمتلك كل شيء، وطبقة أخرى كادحة لا تمتلك شيئا.
البروليتاريا والماركسية
وفقا للنظرية الماركسية فإن البروليتاريا هي طبقة المجتمع التي لا تمتلك وسائل الإنتاج. وترى الماركسية أنه لابد أن يحدث تضارب وتصادم في النهاية بين البروليتاريا وأصحاب رأس المال. فمثلا يريد العمال في المصانع أن تكون المرتبات أكبر ما يمكن، وساعات العمل أقل مما هي، بينما تتمثل مصلحة أصحاب المصنع في زيادة ساعات العمل وتقليل الأجور. بالتالي هذه المصالح المتضادة لابد أن تؤدي إلى التصادم.
وفقا لـ"ماركس" فإن الرأسمالية هي نظام يقوم على استغلال طبقة البروليتاريا لصالح البرجوازية مالكة رأس المال. ويتم هذا الاستغلال كالتالي: العمال، الذين لا يمتلكون رأس مال أو وسائل إنتاج، يبحثون عن فرصة عمل كوسيلة وحيدة للحصول على القوت. يتم تشغيلهم بواسطة رأسمالي ليعملوا لحسابه في إنتاج نوع من البضائع أو الخدمات. تصبح هذه البضائع أو الخدمات ملكا للرأسمالي، ويقوم الرأسمالي ببيع هذه البضائع أو الخدمات ويحصل مقابلها على عائد مادي.
جزء من الثروة التي تم جمعها يتم استخدامه لدفع أجور العمال/ البروليتاريا، الجزء الآخر ينقسم إلى قسمين، واحد يضاف إلى ثروة الرأسمالي الخاصة، والثاني يستخدم لتعزيز الإنتاج. وهكذا فإن الرأسمالي يمكن أن يربح أموالا من عمل العمال لديه دون أن يقوم في الواقع بأي عمل. ويقول الماركسيون إنه مادام هناك من يكوّن ثروات جديدة دون أن يعمل، فمعنى ذلك أن هناك من يعمل دون أن يحصل على الثروة التي يستحقها. معنى ذلك أن هناك طبقة يتم "استغلالها" لجمع الثروة. هذه الطبقة هي البروليتاريا.
وهكذا كان هدف الشيوعية دوما تحرير البروليتاريا عن طريق القضاء على الملكية الخاصة. وذلك عن طريق انتزاع المصانع وفروع الإنتاج الأخرى من أيدي الأفراد الخواص المتنافسين فيما بينهم ووضعها تحت إدارة وتسيير المجتمع بأسره. مما يعني أنها ستصبح مسيّرة في خدمة المصلحة العامة طبقا لخطة مشتركة وبمساهمة جميع أفراد المجتمع. وبالتالي يتم القضاء على المنافسة ويستعاض عنها بمبدأ المشاركة والتعاون.
البروليتاريا الآن
ونحن الآن في الألفية الثانية، فقد طرأت تغييرات عديدة على العالم، منها ثورة المعلومات والتطور الهائل للصناعة والتكنولوجيا، وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات على الاقتصاد في العالم، وانهيار الشيوعية (المدافع الأعظم عن البروليتاريا) وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم كقوة عظمى وحيدة، وانتقال معظم بلدان العالم للعمل بالنظام الرأسمالي للاندماج في العولمة.
يبدو الآن أن البروليتاريا قد خرجت من حسابات التاريخ في الغرب وأصبحت هذه الطبقة تشارك إلى حد ما في الأرباح الرأسمالية نتيجة لارتفاع الأجور، وبالتالي أصبحت هذه الطبقة هناك قانعة بالأنظمة السياسية القائمة. وفي دول العالم الثالث والدول التي كانت تتبع الأنظمة الاشتراكية والشيوعية لا تبدو البروليتاريا في حالة جيدة، حيث تعاني من أنظمة إجبارية للمعاش المبكر، وعمليات بيع لمصانع القطاع العام التي تعمل بها وفقا لبرامج الخصخصة والتحول الكامل للرأسمالية.