قصة قتل قابيل لأخيه هابيل
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذ ْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } المائدة (27)
وهما هابيل وقابيل (1) . وكان سبب قربانهما على ما ذكر أن حواء كانت تلد لآدم عليه السلام في كل بطن غلاما وجارية، وكان جميع ما ولدته أربعين ولدا في عشرين بطنا أولهم قابيل وتوأمته أقليما، وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمة المغيث، ثم بارك الله عز وجل في نسل آدم عليه السلام، قال ابن عباس: لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا.
واختلفوا في مولد قابيل وهابيل، فقال بعضهم: غشي آدم حواء بعد مهبطهما إلى الأرض بمائة سنة، فولدت له قابيل وتوأمته أقليما في بطن واحد، ثم ولدت هابيل وتوأمته لبودا في بطن.
وقال محمد بن إسحاق: إن آدم كان يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة، فحملت فيها بقابيل وتوأمته أقليما، فلم تجد عليهما وحما ولا وصبا ولا طلقا حتى ولدتهما، ولم تر معهما دما فلما هبط إلى الأرض تغشاها فحملت بهابيل وتوأمته، فوجدت عليهما الوحم والوصب والطلق والدم، وكان آدم إذا شب أولاده يزوج غلام هذا البطن جارية بطن أخرى، فكان الرجل منهم يتزوج أية أخواته شاء إلا توأمته التي ولدت معه لأنه لم يكن يومئذ نساء إلا أخواتهم، فلما ولد قابيل وتوأمته أقليما ثم هابيل وتوأمته لبودا، وكان بينهما سنتان في قول الكلبي وأدركوا، أمر الله تعالى آدم عليه السلام أن ينكح قابيل لبودا أخت هابيل وينكح هابيل أقليما أخت قابيل، وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل، فذكر ذلك آدم لولده فرضي هابيل وسخط قابيل، وقال: هي أختي أنا أحق بها، ونحن من [ولادة] الجنة وهما من [ولادة] الأرض، فقال له أبوه: إنها لا تحل لك فأبى أن يقبل ذلك، وقال: إن الله لم يأمره بهذا وإنما هو من رأيه، فقال لهما آدم عليه السلام: فقربا قربانا فأيكما يقبل قربانه فهو أحق بها، وكانت القرابين إذا كانت مقبولة نزلت نار من السماء بيضاء فأكلتها، وإذا لم تكن مقبولة لم تنزل النار وأكلته الطير والسباع، فخرجا ليقربا [قربانا] وكان قابيل صاحب زرع فقرب صبرة من الطعام من أردأ زرعه وأضمر في نفسه ما أبالي أيقبل مني أم لا لا يتزوج أختي أبدا، وكان هابيل صاحب غنم فعمد إلى أحسن كبش في غنمه فقرب به وأضمر في نفسه رضا الله عز وجل فوضعا قربانهما أعلى الجبل، ثم دعا آدم عليه السلام فنزلت نار من السماء وأكلت قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل (2) فذلك قوله عز وجل: { فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا } [يعني هابيل] { وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ } يعني: قابيل فنزلوا على الجبل وقد غضب قابيل لرد قربانه وكان يضمر الحسد في نفسه إلى أن أتى آدم مكة لزيارة البيت، فلما غاب آدم أتى قابيل هابيل وهو في غنمه، { قَالَ لأقْتُلَنَّكَ } قال: ولِمَ؟ قال: لأن الله تعالى قبل قربانك وردّ قرباني، وتنكح أختي الحسناء وأنكح أختك الدميمة، فيتحدث الناس أنك خير مني ويفتخر ولدك على ولدي، { قَالَ } هابيل: وما ذنبي؟{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }.
( لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31))
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: معناه إني أريد أن يكون عليك خطيئتي التي عملتها أنا إذا قتلتني وإثمك فتبوء بخطيئتي ودمي جميعا، وقيل: معناه أن ترجع بإثم قتلي وإثم معصيتك التي لم يتقبل لأجلها قربانك، أو إثم حسدك.
فإن قيل: كيف قال إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك، وإرادة القتل والمعصية لا تجوز؟ قيل ليس ذلك بحقيقة إرادة ولكنه لما علم أنه يقتله لا محالة وطّن نفسه على الاستسلام طلبا للثواب فكأنه صار مريدا لقتله مجازا، وإن لم يكن مريدا حقيقة .
قوله عز وجل: { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ }: صوّرت له نفسه أن قتل أخيه طوع له أي سهل عليه، فقتله فلما قصد قابيل قتل هابيل لم يدر كيف يقتله، قال ابن جريج: فتمثل له إبليس وأخذ طيرا فوضع رأسه على حجر ثم شدخ رأسه بحجر آخر وقابيل ينظر إليه فعلّمه القتل، فرضخ قابيل رأس هابيل بين حجرين (3) قيل: قتل وهو مستسلم، وقيل: اغتاله وهو في النوم فشدخ رأسه فقتله، وذلك قوله تعالى: { فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وكان لهابيل يوم قتل عشرون سنة.
واختلفوا في موضع قتله [قيل: بالبصرة في موضع المسجد الأعظم فاسودَّ جسم القاتل وسأله آدم عليه السلام عن أخيه فقال لم أكن عليه وكيلا فقال: بل قتلته ولذلك اسودَّ جسدك، مكث آدم مائة سنة لم يضحك قط منذ قتله].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: على جبل [ثور] وقيل عند عقبة حراء، فلما قتله تركه بالعراء ولم يدر ما يصنع به لأنه كان أول ميت على وجه الأرض من بني آدم، وقصدته السباع، فحمله في جراب على ظهره أربعين يوما، وقال ابن عباس: سنة، حتى أروح، وعكفت عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمى به فتأكله، فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره وبرجله حتى مكن له ثم ألقاه في الحفرة وواراه، وقابيل ينظر إليه، فذلك قوله تعالى: {{ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) }.
فلما رأى قابيل ذلك قال يا ويلتا كلمة تحسر فقيل لما رأى الدفن من الغراب أنه أكبر علما منه وأن ما فعله كان جهلا فندم وتحسر { قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي } أي: جيفته، وقيل: عورته لأنه قد سلب ثيابه، { فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } على حمله على عاتقه لا على قتله، وقيل: على فراق أخيه، وقيل: ندم لقلة النفع بقتله فإنه أسخط والديه، وما انتفع بقتله شيئا ولم يكن ندمه على القتل وركوب الذنب.
قال عبد المطلب بن عبد الله بن حنطب: لما قتل ابن آدم أخاه وجفت الأرض بما عليها سبعة أيام ثم شربت الأرض دمه كما يشرب الماء، فناداه آدم أين أخوك هابيل؟ قال: ما أدري ما كنت عليه رقيبا ، فقال الله تعالى: إن دم أخيك ليناديني من الأرض، فلم قتلت أخاك؟ قال: فأين دمه إن كنت قتلته؟ فحرم الله عز وجل على الأرض يومئذ أن تشرب دما بعده أبدا.وقال مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما قتل قابيل هابيل وآدم عليه السلام بمكة اشتاك الشجر وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه، وأمرّ الماء واغبرت الأرض، فقال آدم عليه السلام: قد حدث في الأرض حدث، فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل فأنشأ يقول وهو أول من قال الشعر:
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح.
تغير كل ذي لون وطعم وقلّ بشاشة الوجه المليح.