المنظمات الدولية و منظورات العلاقات الدولية
يمكن تصنف المقاربات النظرية في العلاقات الدولية بالاعتماد غلى مفهوم البارادايم والذي يعتبر بمثابة إطار عام يمدنا بأدوات تحليلية منهجية مناسبة لبناء نظريات ولذا نجد انه ورغم تعدد المقاربات النظرية (النيوواقية النيوليبرالية البنائية الاجتماعية المعيارية التسوية (الجندر عموما ) والتفكيك وغيرها الا أنها تنتمي في المحصلة إلى البارادايامات الثلاثية:العقلانية ا/لبدائية/ التاملية
تمثيل بياني يوضح تصنيف مقاربات الغلاقات الدولية وفقا
للتمايزات الأنطولوجية. الإيستيمولوجية
السلوكية السلوكية
(النزعة العلمية الوضعية الاكثر تطرفا)
( النيواقعية/النيوليبرانية)
النطرة النقدية
المقارنة المغيارية البنائية
المقارنة ما بعد الحداثية
( التفكيكية / الجندر)
المصدر:
Rebert H.Jackson and George Sorensen .introduction to international relations Theories and Approaches (UK :Oxford University Press.2007).P.264.
المدخل العقلاني الواقعي:
(كينيث وولتز Kenneth Zqltw/جون ميرشايمز John Mearsheimer/ جوزيف قريكو Joseph Grieco)
يختلف المدخل العقلاني الواقعي و المدخل العقلاني المؤسساتي في تبني الواقعيين لتصور العقلانية الجوهرية، بينما يتبنى الثاني تصور العقلانية الإجرائية (أنظر الاطار01)
يعرف جون ميرشايمر المنظمات أو المؤسسات الدولية على أنها:
مجموعة قواعد تحدد الطرق التي يفترض ان
تتعاون الدول او تتنافس وفقها، يتضح من التعريف
ان الواقعيتيين ينظرون إلى المنظمات الدولية من
وجهة نظر ذرائعية، بمعنى أنها مجرد ترتيبات
تتعاون وفقها الدول و يثير ذلك ضمنها إمكانية
تغيير هذه الترتيبات أو التملص منها طالما
ان ميرششايمر ( و هو أحد أبرز الواقعيين
الهجوميين) يفضل بين الترتيبات المؤسساتية و المحصلات السلوكية
( أي مدى تطابق سلوكيات الدول مع القواعد التي تفرضها الترتيبات المؤسساتية للمنظمات الدولية) فالواقعيتين عموما لا يعيرون ان الدولة لديهم تمثل المرجعية التحليلية الأولى بالرعاية و الاهتمام بينما المنظمات الدولية قنوات لتمرير مصالح الدول تنتهي صلاحيتها بانتقاء الوظيفة المنوطة بها .
و في هذا السياق يشير رائد التيار الواقعي الكلاسيكي هانس مورقينتو ‘لى أنهك" عندما يتطابق سلوك دولة ما مع قواعد السلوك التي تمليها المنظمات الدولية فإن ذلك مرده تقاطع مصالح تلك الدولة أو علاقات القوة السائدة مع تلك القواعد ،فالحكومات تعمل دوما على الالتفاف على القيود التي يفرضها القانون الدولي ،أنها تعمل على توظيف القانون الدولي لخدمة مصالحها الوطنية.
و في التجارة ذاته يرى النيواقعيون من أمثال "جون ميرشايمر" و جوزيف قريكو' أن: المكاسب النسبية relative gains تمنع الدول من المضي قدما في اتجاه تعميق التعون فيما بينها، حيث أن القواعد التي تؤطر التعاون الدولي يمكن منها لتحقيق تفوق عسكري مثلا، و اذلك فإن القلق بشأن توزيع غير متكافئ للمكاسب يعمل على عرقلة التعاون المعمق و المتساند (المستديم و المعزز باستمرار)
لكن رفض الواقعيين الاعتراف بأهمية المنظمات الدولية و عدم ثقتهم فيها يتناقض مع الواقع الذي يشهد نمو مطردا لهذه المنظمات و توسعها في مجالات عملها، ولذلك عمد الواقعيون الليبراليون إلى وضع نظرية الاستقرار بالهيمنة (stabilty hegemonic) كتصور ابتكاري يربط بين توزيع القوة و إنشاء المنظمات الدولية إلا بتزكية القوى المهيمنة لها (خلال لحظة هيمنتها) و بتعبير اخر فغن فرصة تحقيق مكاسب مشتركة من خلال المنظمات الدولية سرعان ما يتلاشى حسب لويد قروبر Lioyd Gruber، ذلك أن القوى تصمم المؤسسات الدولية أمامها إلا التكيف و مسايرة و جهة نظر القوى الكبرى و هو ما جعل وضعها أسوا مما كان عليه قبل اتفاقية إنشاء المنظمة الدولية لأنها تصبح عالقة في شبكة من الالتزامات و القيود النبوية التي تضيق هامش المناورة لديها و يجبرها على الاستمرار في وضع لا يخدمها.
توجد الكثير من بمعطيات التي تدعم الطرح: فقواعد العضوية و التصويت في مجلس الأمن تعكس واقع القوة (العضوية الدائمة و حق الاعتراض :"الفيتو'(، و ينسحب الأمر على مؤسسات "بريتون وودز "("صندوق النقد الدولي "IMF ; «البنك العالمي"web" ) حيث أنها تنطوي على الدفاع عن القيم الرأسمالية رغم أنها تأسست في ظل سياق تاريخي كانت فيه الكثير من دول العالم تتبنى النمط الاقتصادي الاشتراكي، ذلك أن توزيع القوة و الثروة لحظة تأسيسها كان لصالح الدول الرأسمالية.
لقد سبق للواقعي الفرنسي "ريمون أرون" Raymo, Aron (1981) أن أشار غلى أنه لا يجب التفاؤل حيال توسيع مجال التقنيين في العلاقات الدولية ، فيجب ألا نحكم على سيادة القانون الدولي (الذي ترعاه المؤسسات الدولية) باتلركيز على فترات السلم و على المشكلات الثانوية. و يظهر الغزو الأمريكي للعراق، و رفض الولايات المتحدة الأمريكية المصادفة على "بروتوكول كيوتو" لحماية البيئة او الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، هذه المؤشرات تظهر مدى صحة الطرح العقلاني الواقعي الذي يندد على النزعة الأنانية للدول، والتي ترى المنظمات الدولية أداة لتحقيق مصالحا.
لكن إذا كانت أهمية اطرح الواقعي يكمن في تشديده على أهمية متغيرين يصعب دحضهما (القوة و المصالح)، فإن هناك سؤالا محيرا يظل دون إجابة: لماذا تضيع الحكومات الوقت و الجهد و الموارد في التفاوض من أجل إرساء قواعد و ترتيبات مؤسساتية (منظمات) إذا كانت تنوي سلفا التملص منها؟
المدخل العقلاني المؤسساتي:
]روبرت كيوهانRobert Keohane /جوزيف ناي Joseph Ney /دونكان سنيدال[Ducan Snidal
يجيب روبت كيوهان Robert Keohaneعلى السؤال المتعلق بجدوى إنشاء منظمات "لا نعير مقرراتها أي اهتمام" حسب الانتقاد الموجه للواقعيين، بالول ان المنظمات ليست بغير أهمية لأنها تساعد الدول في مسعى:
• التغلب على المشكلات التي تعرقل العمل الجماعي.
• خفض تكاليف إبرام الصفقات.
• معالجة الخلل القائم في مستويات النفاذ للمعلومة.
1. التغلب على المشكلات التي تعرقل العمل الجماعي collective action: غن نمو الاعتماد المتبادل interdependance الذي شدد عليه كل من "كيوهان" Keohane و "ناس" Nay ساهم في ظهور تحديات مشتركة للإنسانية في مجالات الأمن (منع انتشار أسلحة الدمار الشامل و الحؤول دون سقوطها في يد جماعات متطرفة،...)، التجارة (تحرير الأسواق و تسوية الخلافات التجارية و تنميط معايير الإنتاج،...) البيئة(مكافحة تلوث المحيطات و الهواء و الحقا علة الأنواع المهددة بالانقراض،...) و الصحة(محاصرة الأوبئة العابرة للحدود مثل السار، الأنفلونزة الطيور و حتى الإيدز...) مثل هذه التحديات يستحيل علة دول منفردة معالجتها فلا بد من إيجاد إطار لتنسيق الجهود بغية اتخاذ خطوات ملائمة، و في هذه الصدد تعتبر المنظمات الدولية قناة تساهم في تذليل العقبات أمام العمل الجماعي، وفضلا عن ذلك، فهي تقلص مستويات اللايقين incertain: فالدولة تنظر بالريبة إلى ما قد تقدم عليه الدول الأخرى، ووجود المؤسسات والمنظمات الدولية في حد ذاته يساهم ففي التخفيف من حدة الشكوك المتبادلة.
1 التركيز هنا سيكون على الني مؤسساتية Néo-institutionnalisme و ليس على المؤسساتية التقليدية التي بلورت تصور الأمن الجماعي (الذي دافع عنه الليبرالي و ورود ويلسون)، هذا التصور أثبت إخافة بانهيار عصبة الأمم لكن الطرح التعلق بالتفرع و لانتشار ramification (ل" ميتران"و "هانس") أثبت مجاعته في النموذج الأوروبي لكن الني وليبراليين المؤسساتيين تخلو عن تصلبهم إزاء الواقعية و اقروا بخاصية الفوضى و بأن الدول هي الفواعل المحورية في العلاقات الدولية، دون استبعاد فواعل آخرين.
2-خفض تكاليف إبرام الصفقات: المقصود بالصفقات هنا تلك الاتفاقيات التي تبرمها الدول بين بعضها البعض فالاتفاقيات هي في النهاية بمثابة صفقة تتضمن مزايا ( حقوق ) و التزامات ( واجبات ) ’ على المتعاقدين ’وإذا كانت الدول تواجه تحديات ذات بعد كوكبي كتلك التي تمت الإشارة إليها فان الاعتماد على المفاوضات الثنائية والاتفاقيات ذات الطابع الثنائي والتنسيق المحدود يتسم بتكاليف مادية مرتفعة جدا فضلا عن التكليف المرتبطة
بعامل الوقت (حيث يتطلب الأمر عقودا للتوصل إلى تفاهم عالمي بشأن المشاكل المطروحة و حينها يكون الوقت متأخرا )و من الواضح أن وجود المنضمات الدولية تساهم في تقليص تكاليف إبرام الصفقات الدولية عبر العمل المتعدد الاطراف multilateralism يضاف إلى ذلك توفرها على آليات رقابية عالمية تتيح للدول امكانية التحقيق من مدى التزام الدول الأخرى المتعاقدة معها بتنفيذ بنود الصفقة ( الاتفاقية)
3- معالجة الخلل القائم في مستويات النفاذ للمعلومات : تعتبر من النقاط الهامة التي تقدم سندا مقنعا للقيام المنظمات الدولية و للمضي في عملية المأسسة، فالحصول على المعلومات المناسبة في الوقت المناسبة حيوي جدا بالنسبة لمسعى الدول لتحقيق مصالحتها، لكن النفذ للمعلومة من جهة أخرى ليس متاحا بالقدر نفسه لكل الدول ،فهناك نوع من الاتواسق asymmetry الذي يساهم وجود المنظمات الدولية في تحقيقه لكن كيف يساعد التواسق في النفاذ للمعلومة و الذي تجسده المنظمات الدولية على زيادة مستويات التعاون الدولي؟ الإجابة يحملها عنصري الشفافة و السمعية: إذا توفر المعلومة يجعل التحقق من إيفاء الشركاء على الاهتمام بسمعهم التفاوضية مما يدفعهم لعدم التملص من الالتزامات و يعود ذلك إلى أن تشويه السمعة التفاوضية سيضر بقدر الدولة على تحصيل تنازلات في الجولات التفاوضية المقبلة حول قضايا أخرى (حسب منطق واحد بواحد ل "أكسلرود" Axelrod )
من خلال هذه الطرح يرد النيوليبراليون المؤسساتيون على النيواقعيين بالإصرار على أن فوضى النظام الدولي (غياب التراتبية) يمكن تلصيقها، بل أن الدول بحاجة لذلك الظولهر العابرة للحدود و بسبب الاعتماد المتبادل أيضا، من جهته يرى دايفيد لايك أن إضافة مستويات جديدة للحكم يساهم في محاصرة النزعة الانتهازية لبعض الدول، لكنه من جانب لايك أن إضافة مستويات جديدة للحكم يساهم في محاصرة النزعة الانتهازية لبعض الدول ، لكنه من جانب آخر يرفع تكاليف الحوكمة governance، فالدول تحاول التوفيق بين هذين المتغيرين تصميم بنيان مؤسساتي أقل تكلفة على تقليص فرص الانتهازية.
المدخل البنائي الاجتماعي:
بالنسبة للمدخل المؤسساتي، يعود إنشاء المنظمات الدولية في معالجة "إخفاقات السوق" بمعنى أن تساعد هذه المؤسسات الدولية في تسهيل عقد الصفقات و الإشراف على الالتزام بمضمونها، و هو ما يعني إعطاء أهمية كبرى المتغير أهمية كبرى لدور المتغير الاقتصادي في التحليل، غير أن البنائيين يرون أن المتغير السوسيولوجي هو الذي يمنحنا القدرة على فهم أفضل لديناميكية ات العلاقات الدولية.
و حسب ليزامارتن Lisa Marrtinتعتبر " المدرسة الانجليزية سباقة لتبني هذا المنظور السوسيولوجي،و هي تعرف المنظمات الدولية باعتبارها:"تليفة من القواعد والاتفاقات و التوظيفات و الممارسات الاجتماعية، إنها مجموعة من الافتراضات الاتفاقية المهيمنة وسط أعضاء المجتمع الدولي، و التي تزود الأعضاء بإطار يساعدهم على تحديد ما يتوجب القيام به و ما يجب عمله في ظروف معينة.
يوجه البنائيون انتقادات عدة لأدبيات "الأنساق" Regime: و من ذلك عدم وصف العالم الذاتي (الذي يشمل على الضوابط و الاعتقادات) بالاعتماد على "ابسيمولوجيا وضعية" Epistemologie Positivist تعتمد على كملاحظة السلوك إذ حسب "كراتوشفيل" يعتبر ك"تأويل أفعال و تصرفات الدول الأخرى من طرف ما جزء لا يتجزأ من وجدها الجماعي. ووراء السلوكيات المادية للدول و التي يمكن رصدها،يوجد عالم "القواعد البيذاتانية" أي تلك التي يرتبط بإقرار ذلك من طرف شخصين فأكثر يمتلكان فهما موحدا لمضمون تلك القواعد و مقاصدها)، هذه القواعد تشكل من خلال الممارسة الاجتماعية و التفاعل البيني، و لفهمها نحتاج ل "ابستيمولوجيا تأملية" releective Epimiology و بالنسبة للبناءين، فان المؤسسات الرسمية ك الامم المتحدة مثلا،يستوجب الرجوع للمؤسسات غير الرسمية التي تحتضنها كالضوابط و المبادئ التي يقوم عليها النظام الاقتصادي و السياسي لقترة ما بعد الحرب ع2.
يرى البنائيون أن هذا البيذاتي لمبادئ و مقاصد المؤسسات الدولية يؤدي الى تصميم منظمة دولية بهوية معينة،لكن هذه المنظمة أو المؤسسة و عقب تشكيلها بمرور الوقت على تقييد سلوك الفاعلين الذين أرسلوا في المقام الأول ، بل أن التفاعل البيني داخل المؤسسة قد يؤدي إلى إناطتها مهام جديدة وبالتالي مؤسسة قيم و ضوابط أخرى، بما يفضى إلى إعادة تشكيل هوية الدول التي أسست هذه المنظمة. و بالتالي فأن طبيعة العلاقات بين الدول و لمنظمات الدولية من منظور بنائي هي علاقة التشكيل المتبادل:
Actors (states) and insttutions ( international Organisations) are mutually consitude.
بالنتيجة فإن البنائيين و خلافا للعقلانيين( الواقعيين والنيومؤسساتين) لا يقبلون بوجود معطى مسبق أو محدد سلفا:
1-فلا الفاعلون المعنيون معطى ثابت(أي الدول التي تعتبر مؤهلة لتأسيس المنظمة و الانضمام إليها).
2-و لا المصالح التي تحرك هؤلاء الفاعلين (الدول) لإنشاء المنظمة الدولية معطى ثابت.
3-ولا تفسير و تأويل القواعد التي تقيد سلوك التفاعليين (الدول) يتسم بالثبات.
*إذن كل المتغيرات التي في إنشاء المنظمات الدولية تشكل و يعاد تشكيلها بتحول النظرة ل تصور الهوية فتحول هوية دول أوروبا الشرقية أدى لفتح مجال العضوية أمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
*أما المصلحة فتحددها الهوية أيضا من حيث أن البعد الإسلامي للانتماء الحضاري للجزائر جعلها تمنح الأولوية لمصالح ذاتية كدعم القضية الفلسطينية لعى حساب المصالح المادية الاقتصادية التي قد تتأتي من العلاقات مع إسرائيل.
*بالنسبة للنقطة المتعلقة بتفسير القواعد فتتجلى بوضوح في القواعد المتضمنة في ميثاق الأمم المتحدة و لتي توفر أرضية للتدخل الإنساني، فالمجموعة الدولية تحصلت على شبه اجماع بشأن إجازة التدخل الإنساني و تم وفقا لذلك شبه تزكية دولية للتدخل في كوسوفو(1999) لكن عقب إعلان الإدارة الأمريكية عن مخططها "للحروب الاستنزافية" ( تقرير الأمن القومي لسنة 2000) تراجعت مستويات الإجماع حول تفسير القواعد المجيزة للتدخل.
و يرى بعض المفكرين المنتمين للبارادايم البنائي أن سلطة المنظمات الدولية التي تكفل لها نوعا من الاستقلال، و نوعا من الشخصية المتميزة عن الأطراف التي أوجدتها في المقام الأول، تتجسد في البناء الاجتماعي الذي تضطلع به على مستويات ثلاثة:
1- تحديد مضامين المفاهيم ذات العلاقة بالعمل الميداني لهذه المنظمات.
2- فرض تصنيفات معينة للفئات و ما لذلك من تبعات على صعيد السياسات المتبناة.
3- و أخيرا بلورة ضوابط جديدة للسلوك و ضمان الإذعان لها.
(2) بالنسبة للمدخل المؤسساتي الذي ينضوي تحت البرادايم العقلاني، يعود إنشاء المنظمات الدولية إلى الرغبة في معالجة "إخفاقات السوق" بمعنى أن تساعد هذه المؤسسات الدولية في تسهيل عقد الصفقات و إشراف على الالتزام بمضمونها ،وهو يعني إعطاء أهمية كبرى لدور المتغير الاقتصادي في التحليل ، غير أن البناءتين يرون أن المتغير السيسيولوجي هو الذي يمنحنا التدرة على فهم أفضل لديناميكية العلاقات الدولية وحسب ليزا مارتن Lisa Martin، تعتبر المدرسة الانجليزية English School سباقة لتبني هذا المنظور السوسيولوجي، و هي تعرف المنظمات الدولية باعتبارها : "توليفة من القواعد و الاتفاقات و التوصيفات و المماريات الاجتماعية إنها مجموعة من الافتراضات الاتفتقية المهيمنة وسط أعضاء المجتمع الدولي، و التي تزود الأعضاء بإطار يساعدهم على تحديد ما يتوجب القيام و ما لا يجب عمله في ظروف معينة".
1. سلطة تحديد مضامين المفاهيم المفتاحية:
من وجهة بنائية فإن الحقائق الاجتماعية لا تعتبر كذلك إذا حصل اتفاق بين الأفراد بشأنها إن أهمية التوافق حول ماهية الحقيقة يعتبر عاملا حاسما لتوجيه السلوك ، فهذا التوافق بين ما هو الصواب و ما هو الخطأ، و في هذا المجال بالذات تمتلك "الخبرة" سلطة هائلة. و لتوضيح هذه النقطة يمكن إيراد الأمثلة المتعلقة بمفهومي الأمن و التنمية ،فتوسيع مفهوم الأمن ليشتمل على تحصين الدولة من مخاطر أخرى غير المخاطر العسكرية و توسيعه ليشمل أيضا تحصين الأفراد ضد المخاطر المختلفة، أدى ذلك إلى بلورة ما اصطلح على تسمية بالأمن الإنساني. لقد عزز ذلك موقف المطالبين بالتدخل الإنساني خلال التسعينات عندما شهد العالم عدة في الصومال و البوسنة و كويوفو ، وهي أعمال لم تكن ل "تشرعن" لولا النفوذ لاجتماعي الذي يمتلكه الخبراء الدوليون نظرا للشرعية التي يمتلكونها، و بفضله تمكنوا من إعادة تشكيل مضامين مفهوم الأمن.
ينسحب الشيء ذلته على مفهوم التنمية فالأعمال العلمية و التقارير التي قامت برعايتها المنظمات الدولية ساعدت على تضمين internalisation البعد الإيكولوجي لدى تصميم الخطط التنموية يخدم خاصية جديدة استطاعت المجموعة الابستيمولوجية epistemological communities فرضها في أجندات السياسات الاقتصادية للدول: خاصية التساند sustainability.
إن التحول نحو تبني مفهوم "التنمية" و تبنيه بمضامين اتسمت بديناميكية مستمرة تعكس قدرة خبراء المنظمات الدولية على السياسات العامة في مار لم تتوقعه الدول التي انشأت هذه المنظمات ، لقد بدء هذا المسار بمأسسة "التنمية" في البنية التنظيمية للمنظمات الدولية الناشئة عقب الحرب العالمية الثانية، و خلال نصف قرن تعاظم نفوذ الخبرة الدولية في هذا المجال ليتعدى فرض التنمية في شكلها الخام، إلى تحديد فرض التنمية في شكلها الخام، إلى تحديد أولويتها، و الأدوات الأكثر فعالية لتحقيقها فضلا عن الهيئات المنوط بها الإشراف على تنفيذ البرامج التنموية بل و حتى الجهات التي يتبين استهدافها بهذه البرامج.
مع بداية التسعينات أصبحت المنظمات الدولية المتخصصة في ضبط العلاقات الاقتصادية و المالية بين الدول أقرب إلى تحصيل تفويض فوق قومي supernationalو تخطى عتبة التفويض ما بين ألحكوماتي inter-governemmental الذي يميز المنظمات الأخرى. لقد كان لأزمة 1929 و تبعاتها المدمرة على الصعيد الكوكبي إضافة إلى تزايد الاعتماد المتبادل الناجم عن ترابط اقتصاديات الدول الأثر الكبير في تفويض مزيد من السلطات للمؤسسات الدولية العاملة في المجال المالي، و قد تكسرت هذه القناعة البيذاتانية intersubjactive بين الدول عقب التدخل الفعال لصندوق النقد الدولي الاقتصادي المكسيكي في 1994.
لم تتزعزع الثقة في الخبرة المالية الدولية حتى بعد إخفاق عدد كبير من برامج التثبيت الهيكلي في العالم الثالث، وبدلا من فقد تزايدان حدة تدخل 'ص.ن.د." و ل"ب.ع." wbعبر شبكة القنوات و الأدوات التي تدخل في حيز إعداد و تنفيذ السياسات العامة.
ساهمت إعادة صياغة مفهوم التنمية في :
• تدخل البعد الإنساني :تلبية " الحاجات الأساسية للفرد" basic Human Needs [BHN]
• تدخل البعد البيئي: إحلال التكنولوجيا الصيقة للبيئة و خفض غازات التدفئة.
• تدخل البعد السياسي: تحقيق مزيد من الديمقراطية democratisation و اضافة شفافية أكبر على التسيير و مكافحة الفساد.
و قد انعكست هذه المضامين الجديدة على السياسات العامة، حيث لم تعد الدول تنظر بعين الريبة إلى توصية IMFوWB التي تدعو إلى اضطلاع أطاف المجتمع المحلي companents working at grass-root level ciil society بادوار محددة في تفعيل التنمية مما أدى في النهاية إلى تحول أشكال الحكومة governance و التخلي عن المركزية المتزمتة. و رغم أن ذلك يعني لتخلي عن مراقبة حركية تمويلات ضخمة لصالح شبكة جديدة لتنفيذ السياسة تتضافر فيها جهود عدة فواعل: هيئات دولية و أخرى محلية جدا ، إلا أن الإخفاقات الراسخة في ممارسات هذه الدول لم يدع مجالا للتسليم بهذا الطرح، لاسيما أن نتائج ميدانية مثيرة للاهتمام قد تم تحقيقها فعليا على مستوى محاصرة التهديدات البيئية في أوروبا الشرقية و زيادة نصيب الفرد من المياه في الشرق الأوسط.
كانت التأثيرات المتأتية عن تحول مفهوم الأمن عميقة أيضا على مستوى الحوكمة العالمية في بعدها الأمني و تضمن ذاك:
• تدخل البعد الإنساني: بحيث أصبح بقاء الأفراد و رفاهيتهم في سلم محاصرة المخاطر الدولية.
• تدخيل البعد الهوياتي : و بفضله أصبحت المكونات المختلفة للهوية مثل الدين، و اللغة و الخصوصية أثقافية تحضي باهتمام على مستوى السياسات العامة الوطنية إزاء الأقليات و الإثنايات.
• تدخيل البعد الإيكولوجي: حيث نجحت المجموعات الاستيمولوجية في إشباع مدركات الأفراد و صناع القرار بالهواجس البيئية، و أصبح وقف التدهور البيئي و احتواء آثار الاحتباس الحراري قضية حيوية.
و هي بدورها عملت على إحداث تحول في أشكال الحكومة، بحيث أصبحت التشاركية participative اضطرارا هي المبدأ الناظم للعلاقة بين الفاعلين الرسميين و غير الرسميين،وذلك لمواجهة مخاطر مجسدة .فاثار المترتبة عن اختلال النظام البيئي مثلا لا يمكن الاستخفاف بها، إذ أن العديد من الكوارث الطبيعية من ظاهرة "النينيو" و موجات "تسونامي" وارتفاع مستولى مياه البحر، فضلا عن الجفاف المزمن و تصحر مناطق زراعية تعد كلها جبهات تستوجب تضافر الجهود: الدولة، و الوطنية و المحلية و ذلك في إطار ما اصطلح على تسمية شبكات صاعية السياية polcy-networks و هو توجه يدعمه برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP عبر مقاربته التي ترى بوجوب عدم فك الارتباط بين الأمن الإنساني و التنمية المستدامة و في المطلب التالي تتعزز وجهة النظر هذه من خلال غير ان نماذج عن قدرة المنظمات الدولية في فرض التصنيفات الاجتماعية و علاقة ذلك بالتأسيس لأنماط جديدة في صناعة السياسة.
2-سلطة فرض التصنيفات الاجتماعية:
إن الاستفادة من المعونات الإنسانية؟، أو القروض الرامية إلى تحريك عجلة الاقتصاد، إضافة إلى البرامج التنموية على مختلف المستويات ( البرامج التربوية edicational programs، البرامج التمكينية (3)empowerment programs، برامج إعادة الاعتمار reconstruction programs) هذه الاستفادة ليست متاحة لأي طرف يدعي أحقية للاستفادة من التمثيل و المرافقة التقنية لتطبيق هذه البرامج، ذلك أن الأجهزة البيروقراطية للمنظمات الدولية العامة أو متخصصة تمتلك سلطة تقديرية حصيلة لحصر "الفئات" المعنية بالاستفادة من هذه المزايا بمعنى تحديد غير مشخصون لصفات أو خصائص محددة تأهل كل من يستوفيها لأن يكون ضمن الفئة الاجتماعية التي تستهدفها هذه البرامج.
ولا يتوف الأمر عند الاستفادة من المزايا، بل يمتد إلى حجب الإعلانات ل و حتى الخضوع للتدابير العقابية على سواء، و في هذا الجانب أيضا يستوجب الأمر ملامسة خصائص غير مشخصنة يحددها سلفا الخبراء على مستوى المنظمات الدولية يستطيعون تفعيله.
و ن ذلك تقدير مدى الحاجة لقروض جديدة بناء على تقديم يفقوم به الخبراء على مستوى مؤسستي "بريتن وودز' الأساسيتين (البنك العالمي و صندوق النقد الدولي) لمدى التقدم في تطبيق برامج التصحيح الهيكلي أو ترشيد النفقات العمومية ...الخ يضاف اليها التميز التكنوقراطي البحث بين اللاجئين و المهاجرين لأغراض اقتصادية.
يعرف "دون هندلمان"don handelman سلطة التصنيف الذي تملكه الأجهزة البيروقراطية بالطريقة التي من خلالها : "تشكيل العوالم الاجتماعية المختلفة،و النمط الذي تتسق على ضوءه هذه العوالم،و الطريقة التي ننظر بها إليها " و لشرح ذلك بطريقة اوضح يقول "هندلمان " أن : هذه العملية تتم عبر تحريك الأشخاص (من حيث هم غير مشخصين) من فئة اجتماعية لأخرى، أو حتى اقتراح فئات اجتماعية جديدة و تحويلهم غليها".
لا شك أن القدرة على تصنيف الأشخاص ضمن فئات اجتماعية يعتبر أحد أهم مصادر القوة و مقومات الاستقلالية للمنظمات الدولية،و هذه العملية تحظى بقدر عال من الشرعية بحكم استناد الخبراء إلى تبريرات يتم تحيينها بناء على المضمومة القانونية الدولية و قواعد الإجراءات المتفق بشأنها على مدى وسع بين الدول ، و ينتج عن ذلك تحديد الهوية مع ما يترتب عنه من المكافأة أو الحرمان.
و في هذا الشأن نجد أن الدراسة التي قام بها Guy Granحول فئة "سكان الريف"، توضح بشكل أفضل تبعات ممارسة الخبراء لسلطتهم على آمال الأفراد و تطلعاتهم. فالبنك الدولي يقدم تصنيفا يميز فيه بين "الريفي" ، و "المزارع و "العمالة الظرفية في المناطق النائية". صحيح أن الظروف المحيطة بعمل الفئات الثلاث متقاربة إلى حد بعيد، لكن البرامج الرامية إلى مساعدة سكان الأرياف على تخطي ظروف الحياة الصعبة و توطينهم بهدف تخفيف الضغط على المدن، تحتاج إلى تحديد دقيق لمفهوم "الرفي"، و بالمقابل فإن ا التحديد الدقيق سوف يحرم "لمزارعين" في مناطق غير ريفية مثلا من مزايا الماكنة التنمية للبنك الدولي بمختلف أدوات رافعتها النمويةWorld Bank developmental leverage .
فئة اجتماعية أخرى هي اللاجئون بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في بلادهم، تولت محافظة الأمم المتحدة السامية للاجئين UNHCR تعريف الأشخاص الذين يحق لهم الإنضواء تحت مصطلح "الاجىء"، و حسب "فرايتاسFreitas فإنه عندما يتحدث خبراء UNHCRعن "الاجئين" فهم يعرفون بدقة ما يقصدونه، غذ أن الأمر لا يتعلق بالأشخاص الذين يغادرون بلدانهم لأسباب اقتصادية( بهدف البحث عن مناصب شغل على سبيل المثال) و لا يتعلق الأمر أيضا بالأشخاص الذين يهجرون قسريا داخل حدود الواحدة. خلال التسعينات مثلا، تصاعدت حدة الجدل بخصوص الأشخاص المهجرين ضمن حدود دولة معينة، و مدى أحقيتهم في أن يحملوا صفة لاجئ ميدانيا يضطر هؤلاء لترك منازلهم في الإقليم الذي يقنطونه لأسباب سياسية تقود في حالات كثيرة إلى الحرب الأهلية، و باضطرارهم لتك مجال إقامتهم يتوجه الأشخاص المهجرون داخليا بسبب المخاطر لدى حياتهم إلى مناطق أقل خطرا، إلا أنهم يجيدون أنفسهم في ظروف حياتية لا تقل قسوة عن تلك التي يعيشها اللاجئون وفق تعريف UNHCR، و هنا نتساءل لماذا يصر خبراء المحافظة السامية للاجئين على استبعاد هذه الفئة عن حمل صفة "لاجئين".
أولا العوامل المؤثرة في طريقة بلورة خبراء UNHCR، لموقفهم تجاه المسألة هو محدودية الموارد، فالموارد القليلة المتاحة لمنظمة يتعين توظيفها لتلبية الحاجات الإنسانية الأكثر إلحاحا و يتعلق الأمر هنا بأشخاص ليسو رعايا الدولة التي يتواجدون فوق إقليمها (حسب التعريف التقليدي)، ثاني هذه العوامل ، عدم مكافاة الدول التي تتخلى ع واجباتها تجاه مواطنيها، إذ يجب أن نضطلع الدول بواجباتها الإنسانية الأساسية تجاه رعاياها في ظل كل الظروف، بوجود مآسي إنسانية على أراضيها، و في حالا أخرى من هذا النوع .و ميدانا فليست كل الحكومات تعترف بوجود ماسي إنسانية على أراضيها،و في حالات أخرى تعتبر الحكومات نفسها مصدر لهذه الأسباب، فلن يكون توسيع مفهوم اللاجئ خيارا صائبا ذلك أن المنظمات الدولية تتشبث دوما بخيارات الحفاظ على بقاءها. و من ذلك ترشيد نفقاتها و عدم الدخول في مواجهة مع حكومات الدول التي أوجدتها في المقام الأول.
لقد نجحت "مم.أ.م.ش.ل" UNHCR في شرعنة هذا المنطق الاقصائي لعدد من الفئات و حرمانها من الاستفادة من الإعانات الإنسانية ، و لم يبقوا في عهدة المنظمة سوى الهاربين من ويلات الحروب و الاضطرابات الداخلية ، أما مهجري الداخل فقد تمم الاتفاق على حل وسط يقضي بمعالجة ملفاتهم وفق قاعدة حالة بحالة و في المحصون فقد بينت لنا النماذج السبقة كيف أن امتلاك القدرة على التصنيف يعتبر أداة من أدوات القوة و السلطة.
3- سلطة بلورة ضوابط قيمية:
يعتبر الحديث عن قدرة المنظمات الدولية على بلورة الضوابط العنصر الأكثر تجديدا من حيث تركيزه على جوانب قيمية، لكن المؤكد أن الحسم على هذا المستوى يعتبر ذا أثر تكويني Constiutive بالنسبة للعناصر الأخرى مؤثرا بالتالي على السياسات المتبعة إذ أن بلورة الضوابط القيمية للسلوك تنطوي على وضع حدد فاصلة بين السلوك الصحيح و السلوك الخاطئ و بين الأدوات الفاعلة و غير الفاعلة في تنفيذ السياسات العامة الوطنية و العالمية .تتجلى التبعات السياسية لتقييم السلوكيات سلبا أو إيجابا في مكافأة السلوكيات التي تصنف في خانة الإيجابية بما يضمن استمرارها، و معاقبة السلوكات السلبية مما يؤدي إلى أفولها التدريجي.
النموذج الذي تسند إليه عادة الأدبيات البنائية في هذا الشأن هوا نجاح مسعى فرض ضوابط تصفية الاستعمار على مستوى الأمم المتحدة بل إنه تم مأسسة هذه الضوابط عبر إنشاء مجل الوصايا و اللجنة السامية الخاصة بتصفية الاستعمار UN Sracial Committee On Colonialism، و كل ذلك في الوقت كانت العضوية في منظمة الأمم المتحدة منحصرة في عدد محدود من الدول لا يزيد عن خمسة، كانت أكثرها نفوذا بحكم التمتع بحق النقض دولا استعمارية.
لقد ساهم الاحترام الذي يحضا به الخبراء في رعاية العديد من الضوابط الناشئة في النظام الدولي و ذلك بفضل قدرتهم على "شرعنة" أو رفع غطاء الشرعية" عن الممارسات لمختلفة للدول ، و من ذلك الضوابط المتعلقة بنزع غطاء الشرعية عن الممارسات الإنسانية و الحضارية للدول الاستعمارية، فقد حدث تحول تدريجي فيما كان يعتبر "العالم المتمدن"، إذ أن هناك تقبلا متعا ضما و اعتناقا لضوابط أخرى ساهمت في تعضيد مساعي تصفية لاستعمار مثل"حق تقرير المصير" و الشيء ذاته ينسحب على الضوابط المتعلقة "بعدم الاعتداء"، فقد ساعدت هذه الأخيرة الدول المستقلة حديثا على أن تخطو خطوات مهمة في مسار تدولها دون تدخل خارجي "مباشر" .لكن التأثير الجلي للخبرة الدولية الناشئة بالنسبة لمسألة التدول كانت أكثر بروزا على مستوى مجلس الوصاية التبع للأمم المتحدة، حيث مكنت الولاية الممنوحة لهذا الجاز كبار بيروقرطيةمن بلورة ضوابط تحدد خصائص التدول ، و ذلك تجربة استمرت إلى غاية 1994 تضمنت الإشراف على 14 لإقليم يقع ضمن ولايتها، و قد تم ذلك دون تأثير كبير للقوى الكبرى بفضل نزع الطابع السياسي عن المسألة وإلحاقها بالمسائل التي تعاظم نطاقها باضطراد.
رافقت عملية بلورة الضوابط مسيرة تدول بلدان العالم النامية بشكل عام، بل أنها مستمرة إلى اليوم خصوصا في المناطق التي تشهد اضطرابات مزمنة أو التي أنهكتها الحروب و نخرت بنية النظام فيها .ففي البوسنة و كوسوفو و تيمور الشرقية قامت ننظمه الاتحاد الأوروبي بتصميم برامج لتدريب الشرطة المحلية، و تكوين القضاة و المحامين بهدف المساهمة في تسريع عملية الديمقراطية من أسفل، وتطبيع الحياة السياسية.
بالنسبة للمعايير الأوروبية يعتبر حصول الخارجيين عن القانون على اعتقال ظروف إنسانية و الحصول على محاكمة عادلة و ضمان استقلالية القضاء عموما، يعتبر ذلك بمثابة عنصر رئيسي في معادلة الدمقرطة.
تعرضت برامج مماثلة قامت بما هو قائم في الغرب، لانتقادات عدة منها أنها تحاول إعادة تشكيل المنظومة القيمية بدل الاكتفاء بمساعدة هذه المجتمعات على استعادة السلم.
صحيح أن النموذج الأوروبي استطاع جلب الرفاهة في موطنة الأصلي، لكن لم تظهر بوادر نجاح كبير لهذه المساعي في مناطق أخرى فضلا عن القضايا المتعلقة بالنسبة الثقافية. و زيادة على كل ذلك فإن هذه البرامج قد تمس بضوابط أخرى تمكنت من الحصول على منفذ للانتشار و التعميم استنادا إلى المعير الأوروبية المتعلقة بالحرية و هي : "احترام الخصوصية الثقافية الهوائية" التي تعتبر جوهرة مفهوم الأمن المجتمعي social security . كان تطعيم الرؤية الأوروبية في هذه البرامج ناجما ع النفوذ الطبيعي الذي تمتلكه النخب البيروقراطية أوروبية-انتمائية بحكم التكوين و الفرص المتاحة لها للالتحاق بهياكل المنظمات الدولية.
على الصعيد السياسي ، تم تكريس الضوابط التي تحيل مفردة السيادة إلى مضامين أهمها على الإطلاق: "الوحدة الترابية"، و قد تم تعزيز هذا الفهم البيشخصي intersubjective understaning عبر ترسانة من القرارات الصادرة عن مختلف أجهزة الأمم المتحدة، و كانت أزمة الكونغو خلال السينات فرصة مناسبة لتضمين هذه الضوابط في مختلف المخرجات أممية إزاء القضية، لاسيما تلك المتعلقة بالولاية.
القانونية لبعثة حفظ السلام الموفد إلى المنطقة، حيث تكررت الإشارات المباشرة و غير المباشرة إلى القيام بكل ما من شأنه صيانة الوحدة الترابية لكونغو.
و لا يتوقف الأمر على المنظمات العمة أو المتخصصة كمنفذ لبلورة ضوابط و السعي لعالميتها عبر المنضمات الدولية بل يتعداه للاحلاف العسكرية، فقد صرح وزير الدفاع الأمريكي الأسبق "ويليم بيري" wiliam Perry أن : "إحدى وظائف حلف شمال أطلسي Nato تتمثل في القيم و الضوابط "الحاثة" ضمن بني بلدان أوروبا الشرقية و جيوشها ". وفي الاتجاه ذاته فإن البنك الأوروبي لإعادة الأعمار و التنميةEBRD يتبنى صراحة مقاربة تجعل من التنمية، الديمقراطية و رعاية القطاع الخاص ثلاثية متلازمة في حين تتبنى أجندة من أجل السلام Agenda for Peace الأممية متلاومة أخرى تتمثل في : السلام و الأمن الدوليين /الدمقرطة/حقوق الانسان، بحيث يشرعن أي تدخل يهدف لإعادة الأمور إلى نصابها داخل المناطق التي تسقط فيها هذه المتلازمة المعيارية.
و أخيرا فإن البياني التالي يحاول وضع الافتراضات البنائية (ممثلة في سليلتها المدرسة الانجليزية ) بشأن ماسسة الضوابط في سياق مقارن مع الافتراضات العقلانية.
مقارنة بموقف المدرسة النجليزية:English schoolالمستلهمة منها المقاربة البنائية
الضوابط تدوم لفترة طويلة
ديمومة الضوابط
للضوابط عمر قصير
متسوى منخفض متسوى عالي
من المأسسة من المأسسة
4.مدخل الأمننة و رسم أدوار جديدة للمؤسسات الدولية:
بالنسبة لـ" بوزان" فإن إضافة الطابع الأمني securitizationعلى جال معيين من السياسة العامة يكون عبر عملية خطابية لغوية، حيث هذا الخطاب على الاستدلال بوجود تهديد يمس البقاء (المادي أو المعنوي) لمرجعية أمنية ما قد تكون الفرد أو الجماعة أو الدولة أو الهوية،... وتهدف عملية إضفاء الطابع الأمني على قضية ما إلى لجوء القائمين على رسم السياسة العامة للمؤسسة الدولية لترتيبات استثنائية الغاية منها تأمين "الكيان"( المرجعية) محل التهديد من المخاطر المحدقة به، ويتبع ذلك زحزحته من الحيز العادي للسياسة العامة إلى حيز القضايا الطارئة من السياسة العامة. حيث يمكن التعامل معها بسلاسة أكثر بمعزل عن المجتمع المدني . و من هنا نخلص إلى أن الأمن ليس له مضمون محدد سلفا بل أنه يتغير ديناميكي عبر التفاعل البيذاتاني intersubjective بين الأفراد.
و يتبنى طرح "بوزان" نخلص إلى وجود فارق بين ان يكون تدقق اللاجئين مثلا تهديدا امنيا (عبور الحدود بشكل مخالف للقوانين )، و ما يترتب ع ذلك من ضرورة دخوله حيز القضايا الأمنية، و بين أن تتبنى ( النص لا يضهر)
و بالمقابل، فغن تداول خطاب سياسي "سلطوي" يقوم على تضخيم المخاطر الناجمة عن استمرار ظاهرة اللجوء و تبعاتها على الأمن الإقليمي و الدولي بسبب الانفلاتات الأمنية المحتملة جراء تهريب أسلحة مثلا، خطاب كهذا سيؤدي إلى إقناع عناصر القضاء العام بمفهوم "هابماس" من دول و ناخبين و منظمات حقوقية بضرورة إحالة الملف إلى حيز القضايا الطارئة التي تتطلب تعجيل إبرام اتفاقيات بشأنها و إحاطتها بالسرية ما يعني استثنائية من
إن لم يكن الأمر بهذه الحدة بالنسبة لصناعة السياسة العامة على مستوى المؤسسات مقرنة بالدول إلا أن منطق الأمننة يبقى صحيحا إلى حد بعيد.و إذا راجعنا عملية أمنة مشكلة الإيدز ابتداء من التسعينات ، فإنه يمكن أن نستشف أثر الأنماط الخطابية المتبناة في وضع هذه المشكلة في خانة الأوبئة التي يتعين على الدول تعليق كل تحفظاتها إزاء رفع مستوى التفويض للمؤسسات الدولية لمنحها هامشا كافيا من المناورة قصد تطويق ما أصبح لاحقا، أي عقب نجاح مسعى الأمننة بمثابة تهديد و شيك.
يركز خطاب الأمننة السلطوي على إقناع الأفراد كيف أن الإخفاق في ضبط هذا المشكل سيجعل كل شيء أخر غير ذا معنى، و بتعبير أدق إذا لم نتمكن من ضبط هذا التهديد الأن فلن نكون هنا التعامل معه مستقبلا لأنه سيمس ببقائنا ذاته. و الاحتمال الآخر انه قد يترتب عن ال×فاق فقدان القدرة مستقبلا على التعامل مع المشكلة بالطريقة و بالحرية ذاتها التي نتمتع بها أنها، و أفضل ملف يمكن الاعتماد عليه لفهم هذه النقطة هو الملف البيئي.
إذن تتيح عملية "إضفاء الطابع الأمني " sucuritizationعلى بعض قضايا السياسية العامة، حصول صانع القرار على هامش أكبر للمناورة عندما يتعلق الأمر بقضايا حيوية، حيث يحاط عمله بالسرية الكافية، كما يتم تمكينه من اتخاذ قرارات مستعجلة لا تستوجب المرور عبر القنوات المؤسساتية للرقابة التقليدية، بما يمكنه من تعبئة الموارد الأزمة لتنفيذ هذه القرارات طالما أنه حصل على تفويض شعبي مفتوح، فالقضية هنا هي قضية بقاء و استمرار. غير أن "بوزان " يضع قيودا على عملية إضفاء الطابع الأمني فالمسألة بالنسبة إليه ليست بهذه البساطة، و غلا فإن كل معالجات السياسية العامة سيتم وضعها في دائرة الحيز الأمني، و في هذا السياق يحدد ثلاثة خطوات لنجاح عملية إضفاء الطابع الأمني:
1. توضيح كيف أن التهديد المزعوم يمس ببقاء الأفراد أو المجموعات أو الدول.
2. تحديد التدابير الطارئة التي يمكننا من خلالها ضبط هذه التهديدات و السيطرة عليها.
3. و أخيرا يتوقف الأمر كله على مدى نجاح الخطاب السلطوي في الحصول على رضا المواطنين إزاء ما يرافق علية الطابع الأمني على مسألة كعينة، و بالذات خرق القواعد المعمول بها كالشفافة و الرقابة.
يبدو من خلال طرح "بوزان" أن عملية تحويل قضايا السياسة العامة إلى حيز المعالجات الأمنية الطارئة، مثلما حصل مع قضية مكافحة الإرهاب على مستوى جل الهيئات الأممية، يتطلب تضافر عوامل سوسيولوجية تسهل مسعى صناع القرار، و بالنسبة لمسألة الرهان فقد كان استهداف برجين لا يبعدان كثيرا عن مقر الأمم المتحدة كفيلا بإيجاد ظروف مناسبة لذلك. لكن "بوزان" يركز على مسألة أخرى ليست بأثقل أهمية : هل تعتبر العملية برمنها شيئا إيجابيا أم سلبيا؟ يرى "بوزان" بأنها سلبية منطقي و هو أن تحويل معها، و لذلك فإن وجود عدد من الملفات في "الحيز الأمني" يجب أن ينظر إليه بمثابة استثناء، و الحل عنده هو نزع الطابع الأمني عنها desecuritization و تحويلها لحيز السياسة العامة لطبيعية حيث الرقابة و التقليد بالقوانين و الضوابط الديمقراطية.
تبقى وجهة نظر "بوزان"بخصوص سلبية تحويل الملفات عشوائيا نحو حيز المعالجات الأمنية موقفا قيمتا، لكن يجب ألا إن القيام بذلك يعتبر من صميم عمل السياسيين و هو بذلك يقبع خارج اداة تحليلية تساعدنا على مسألة الأمن و لا تقدم لنا بدائل بخصوص ما يجب أن يحضى بالعلاج الأمني من .
المدخل التناصي التأملي:
]دوبركس Debrix / Ashley اشلي[
1-منطلقات التحليل ما بعد البنيوي في حد ذلتها مختلفة فهي تطعن في مبدأ التأسيسية أي أنها تناهض التسليم بأن منطلقات معينة تعتبر بديهة لدى الشروع في عملية البحث . مثلا مباشرة عملية البحث من منطق كيف اهتدى الأفراد في الوهلة الأولى لتشكيل مجموعات اجتماعية و سياسية فإن المنظور ما بعد البنيوي ، يباشر المسعى البحثي من منطلق أخر مختلف عبر طرح إشكالية من قبيل ما الذي جعل الوعي الإنساني (الباحث) يقارب للجماعة من حيث أنها مجموعة أفراد؟ هل كان "الفرد" ككيان مستقل مفهوما شائعا على الدوام في ظل كل السياقات الجغرافية و التاريخية ؟ و ما هو الفرق إن وجد بين "الفرد" و "الإنسان"؟
إن الذات لا تأتي لإلى العالم المادي في شكلها المثالي النهائي، بل تكتسب محتواها بتأثير التفاعل مع البيئة و الإنسانية التي تحيط بها، بالتالي فإن التشبه تعمل على دحض فرضية التمايز المطلق بين الذات و الموضوع. و إذا سلمنا بذلك، فإننا سنضطر للتسليم بأن الذات (العضو) و النظام (البنية الاجتماعية) يشكلان بعضهما بشكل متزامن، أما النتيجة التي تحيلنا إليها هذه المقولة فتتمثل في عدم حظوة أي من المرجعيين التحليليتين (الذات و الموضوع) بسمو أنط ولوجي و ه الخطأ الذي وقعت فيه مختلف المقاربة لنظرية الوضعية في العلاقات الدولية، حسب الفهم "التكويني" constitutive.
تعتبر اللغة الأداة التي تمكن هذه الذات من إعطاء صبغة للنظام الاجتماعي أي إكسابه هوية معينة عبر تداول خطابات اجتماعية إلى أن يستقر على خطاب معين. وقبل أن تهتم ما بعد البنيوية بالكيفية التي من خلالها البنية اللغوية في تصميم النظام عبر الخطاب discourse، فإن بنيوية "سويسر"saussure، سبق و اهتمت بالبحث في الأمر و إن بطريقة أقل تعقيدا و التركيز على الجانب اللساني البحث linguistics.حيث تحدث "سوسير" عن أن المنطق الذي تتبنى عليه لغة معينة من حيث تسميتها للأشياء و تتيبها هذه المسميات و ثرائها الاصطلاحي في مجال معيين، سيجعل و لا شك ناطقي لغة معينة يفكرون بطريقة تختلف عن لغات أخرى ، فبدل أن نقول أن الإفراد ينطقون لغة معينة، فإن ما خفي من المعادلة هو أن اللغة هي ما ينطق الأفراد بطريقة متميزة. و لا شك أن تأثير اللغة يتجلى في كيفية بناء المعنى، حيث أن إطلاق لفظة عشوائية (صوتية أو مكتوبة) لا يحدد المعني بشكل مستقل لذاته و بطريقة ايجابية ، بل أن اللغات تستند إلى طريقة سلبية في تحديد المعاني، و هي مقابلة إدراكية للشيء بنقيضه مما اوجد مصيدة الثنائيات القيمة في التفكير الإنساني عموما .و بهذه الطريقة فإن إدراك المعنى لا يتم من خلال سماع (أو قراءة) ما يقابل بل عن طريقة مقابلة لم يتم قوله.
جادت ما بعد البنيوية لتربط الكثير من الاستبصار التي قد يمدنا قد بها المدخل اللغوي بتشكل البنية الاجتماعية ( الطبقة، الأثينية، الدولة وصولا للنضام الدولي). و قد حاول "مسشيل فوكو" Michel Foucault الكشف عن مظاهر تشييع اللغة في مرحلة زمنية معينة و في مجال جغرافي محدد و توصل إلى وجود علاقة هذه اللغة و تشكل "البيستيمات" أو الأنساق الابستيمولوجية في سياق محدد رمانيا و مكانيا، حيث أن اختلاف هذه الأنساق يولد طرقا مختلفة لرؤية العالم windview، بل و الأهم من رمانيا و مكانيا، فإن النسق المعرفي السائد سيكون حمالا لأفكار متميزة حول ما يعتبر بمثابة المبدأ الناظم و هو المبدأ الذي سيجعل للأشياء و الأفعال و الوجود نفسه معنى . إذ يقول" فوكو" أن هذه المباديء المنظمة تختلف من فترة لأخرى لكن "تشكل" مبدأ ناظم و "أقوله" يعتمد على مدى مسايرة الخطاب الاجتماعي للممارسات الاجتماعية، هذين المجالين يتأثران ببعضها البعض و حدوث حاد في أحدهما سيغير شكل البنية الاجتماعية.
يختلف الخطاب بمفهوم "فوكو" عنه لدى "سوسير" فهو لا يحصره في اللغة المكتوبة، بل في الأنظمة الرمزية للتفاعل في فطار جماعة إنسانية ما كالأعراف و التقاليد .إن مفهوم الخطاب لدى "ما بعد البنيويين" يمتلك قدرة تحليلية اكبر، و فلعالية أكبر أيضا، في تلقف الحركية الاجتماعية و فهم الخلفيات التي تقف وراء تكوين الوضع القائم ، و تحولاته الحالية بتوظيف مفهوم التذوت subjecthood.
2.تعليق عملية التسييس للقرار المؤسساتي و إطلاق مسارات التذوت:
هذه القدرة على التذويت توصفها البنية الاجتماعية من خلال "الخطاب المهيمن" لضمان استمراريتها، و لشرح هذه الفكرة فقد اضطر "فوكو" لكتابة مؤلف كامل حول تطور النظام العقابي في البني الاجتماعية الحديثة إذ لا القديمة، هي ان يقوم الملوك والأباطرة بتنفيذ أحكام الإعدام أمام العامة لتكون عبرة لمن ينافسهم على الحكم العرش، أما النظام العقابي الحديث فهو يعتمد على الطرق عقابية مبتكرة مثل الوضع تحت الإقامة الإجبارية، الوضع تحت التصرف الإداري، واستغلال السجناء في أشغال غير مأجورة، جمع و تخزين المعلومات عن المتابعين قضائيا أوا لمعاقبين، و في المحصلة جمع المعلومات عن الجميع في سياق تحركات تستهدف أقلية في المجتمع بحيث يتم ذلك بحجة تأمين الجميع هذه إحدى النقاط المهمة ، نقطة أخرى تتعلق باستفهام مشروع و حاسم في البحث الذي قام به "فوكو": هل نجحت السجون و مخلف النظم التأديبية الأخرى في تحقيق الهدف المرسوم لها و هو التأهيل السجناء و جعلهم أكثر انضباطا تمهيدا لاندماجهم مجددا في المجتمع .الإجابة بالنفي فأغلبية أصحاب السوابق لم يستطيعوا الاندماج بعد إطلاق سراحهم بل أن نسبة معتبرة منهم عاودت ارتكاب تجاوزات يعاقب عليها القانون ، إذن يقول "افكو" لماذا شرعن النظام الاجتماعي للعقاب بالسجن ، ولا يزال متمسكا بهذا النمط في مسعاه للحفاظ علة البنية الاجتماعية الكل