أركان اللامركزية .
تعريف اللامركزية :النظام الإداري الذي يقوم على توزيع السلطات و الوظائف الإدارية بين الإدارة المركزية (الحكومة )و هيئات ووحدات إدارية أخرى إقليمية أو مصلحية مستقلة قانونيا عن الإدارة المركزية بمقتضى اكتسابها الشخصية المعنوية مع بقائها خاضعة لقدر معين من رقابة تلك الإدارة.
يقوم النظام اللامركزي الإداري على ثلاث أركان و مقومات هي كالآتي :
الاعتراف بوجود مصالح محلية متميزة عن المصالح الوطنية , وإنشاء أجهزة محلية منتخبة مستقلة لإدارة تلك المصالح , و خضوع تلك الأجهزة نظام الرقابة الوصائية أو الرقابة الإدارية الوصائية , و بموجب هذه الأركان نحلل بشيء من الإيجاز كل ركن لوحده .
المطلب الأول : الاعتراف بوجود مصالح محلية متميزة .
يرجع بسبب و مبرر النظام اللامركزي إلى وجود مصالح أو شؤون محلية (affaires locales ) , تتمثل في التضامن الذي يعب عن اهتمامات و احتياجات سكان الإقليم متميزة عن مجموعة مصالح العامة الوطنية محددة في نطاق واضح إقليميا و جغرافيا أو فنيا مرفقيا " ترتكز سياسة اللامركزية على توزيع متزن للصلاحيات و المهام حسب تقسيم منطقي للمسؤولية داخل إطار وحدة الدولة , فعلى البلديات و الولايات حل مشاكلها الخاصة بها , و على السلطة المركزية البت في القضايا ذات الأهمية الوطنية و من هنا ينبغي للامركزية أن تخول الولايات و البلديات كامل الصلاحيات للنظر في كل المشاكل ذات المصلحة المحلية أو الجهوية بإمكانها حلها , و يجب أن تشمل هذه الصلاحيات الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية .
إن اعتراف القانون و اعتداده بهذا التميز الموجود حقيقة بين المصالح المحلية لهيئات محلية باعتبارها الأقدر على تلبيتها و إشباعها , و من أهم المسائل التي بصدد تحديد المصالح المحلية تميز الجهة المختصة بذلك و الكيفية المتبعة في عملة التحديد .
المطلب الثاني : إنشاء و قيام أجهزة محلية منتخبة و مستقلة .
يقصد بهذا الركن أن هذه الهيئات المحلية و المصلحية استقلت عن السلطة المركزية و هذا الاستقلال يمكنها من حق اتخاذ القرار و تسيير شؤونها بيدها دون تدخل من الجهاز المركزي و منه يجب الاعتراف للوحدة الإدارية المحلية أو المرفقية بالشخصية المعنوية (يتم الإعلان الرسمي لفصلها عن الدولة ) و مما يحولها الاستقلال القانوني من حيث قدرتها الذاتية على اكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات و منه أن تشكيل تلك الأجهزة المحلية بالانتخاب يعد من شروط قيام النظام اللامركزي , فمتى يتحقق استقلال الهيئات و الوحدات الإدارية و اللامركزية عن السلطات الإدارية المركزية لابد من اعتماد أسلوب الانتخاب في اختيار الأعضاء المسيرة للإدارة المركزية الذاتية لها للهيئات و المصالح اللامركزية و لكي يتجسد مبدأ الديمقراطية الإدارية و مبدأ المشاركة .
المطلب الثالث : خضوع الاجهزة لنظام الرقابة الوصائية .
بما أن أسلوب النظام الإداري اللامركزي هو مجرد وسيلة فنية و قانونية إدارية لتقنين و توزيع سلطات و امتيازات الوظيفة الإدارية فقط بين السلطات الإدارية المركزية و السلطات الإدارية اللامركزية ضمن و في نطاق مبدأ وحدة الدولة الدستورية و السياسية و الوطنية و ليسير أسلوب من أساليب تقنين فكرة السيادة الوطنية و السلطات الدستورية و السياسية و التشريعية و عليه فان الأمر يستلزم قيام علاقة بين الإدارة المركزية و وحدات الإدارة اللامركزية في صورة رقابة أو وصاية إدارية تختلف في جوهرها عن السلطة الرئاسية القائمة بين الرئيس و المرؤوس في ظل النظام المركزي , فما هي مظاهر الرقابة الإدارية المبسوطة على وحدات الإدارة اللامركزية ؟.. و ما هي المبادئ و القواعد الأساسية التي تحكم تلك الرقابة و تميزها , خاصة عن السلطة الرئاسية ؟.
1- الرقابة على الهيئات :
من حيث إنشاء و حل وحدات الإدارة اللامركزية البلدية م اختصاص القانون يتم بموجب قانون صادر عن السلطات الإدارية المركزية فان ذلك القانون المنشئ لتلك الوحدات يخول السلطات الإدارية المركزية سلطة إيقاف و حل أجهزة الإدارة اللامركزية دون المساس بالشخصية المعنوية لتلك الإدارة .
ا-الإيقاف suspension : يمكن للإدارة المركزية (سلطة ) الوصاية طبقا للشروط و الإجراءات القانونية أن تعمد إلى إيقاف و تعطيل نشاط و سير أعمال مجلس أو هيئة لفترة معينة , تستند إلى مبدأ المشروعية .
ب-الحل dissolution : يقصد به الإعدام القانوني للمجلس و تجريد الأعضاء من صفتهم كمنتخبين " و هذا من اخطر مظاهر الرقابة و الوصاية الإدارية لمساسه بمبدأ الديمقراطية و الاختبار الشعبي , و لكن هذا الحل يجب أن يكون في حدود القانون المتمثل في استقلال وحدات الإدارة اللامركزية .
2- الرقابة على الأشخاص .
تمارس السلطة الوصية إجراءات رقابتها على الأشخاص المعنيين بالوحدات اللامركزية كما يمكن الرقابة على الأشخاص المنتخبين و مثال ذلك النظام الإداري الجزائري مركز الوالي على مستوى الولاية كذلك المدير العام للمؤسسات العامة الإدارية و الشركات و الدواوين الوطنية و المكاتب العمومية و من أهم هذه المظاهر للمراقبة الإدارية على الأشخاص و الأفراد القائمين على إدارة و تسيير الهيئات المحلية في :
- توقيف العضو بالإدارة اللامركزية لمدة محددة عن ممارسة المهام (شهرا مثلا ).
- الإقالة لأسباب عملية , كتولي العضو لمهام إدارية في جهة أخرى .
- العزل أو الطرد أو الفصل بسبب ارتكاب أعمال مخالفة للقانون (جرائم).
3-الرقابة على الأعمال .
تتجلى في التعديل , لمصادقة و الحلول :
1-التعديل :لا يمكنها (سلطة الوصاية) تعديل أي تصرفات و قرارات الهيئات اللامركزية , لان يشكل في حقيقة أمرا لاحقا لها من شانه المس باستقلالها .
2-التصديق و الإلغاء: إخضاع بعض قرارات الإدارة المحلية لتزكية السلطة المركزية و أطلق عليه بالمصادقة و تكون صريحة ضمنية .
المصادقة الصريحة :عندما تلجا السلطة المركزية أو الجهة الوصاية إلى إصدار قرار يفصح فيه صراحة عن تزكيتها للقرار الصادر عن الجهة التابعة لها .
المصادقة الضمنية : عندما تلزم سلطة الإشراف الصمت و إزاء العمل المعروض عليها و ذلك لمدة حددها القانون و بعد انتهاء المدة دليل على قبول و موافقة على العمل أو القرار المعروض عليها و قد اعتبرت المحكمة العليا أن للقرار الضمني نفس آثار القرار الصحيح .
و في نفس الصياغ فان سلطة الإلغاء المحدودة و المخولة للسلطة الوصية بالنسبة لبعض قرارات الإدارة اللامركزية يمكن طلب مراجعتها و الظفر فيها أمام السلطات الإدارية (ولائيا أو رئاسيا ) أو أمام الجهة القضائية المختصة برفع دعوى قضائية لإلغائها .
الحلـول :
يقصد به حلول السلطة المركزية أو سلطة الوصاية محل السلطة اللامركزية في اتخاذ القرارات التي تؤمن سير المصالح العامة و من هذا التعريف أن الحلول يعد إجراء خطيرا لذا وجب تقييده بشروط تكفل و تضمن استقلال الهيئات اللامركزية و هو يتمثل أساسا فيما يلي :
لا حلول إلا إذا ما الزم القانون الإدارة اللامركزية بالقيام بعمل معين كما هو الحال لنفقات الإلزامية dépenses obligatoires .
تقاعس و امتناع الإدارة اللامركزية رغم اعذارها و تنبيهها عن القيام بذلك العمل .
الفرع الثاني : المبادئ .
تبيان أهم المبادئ و القواعد و الأسس التي تستند إليها الرقابة أو الوصاية و التي تميزها عن السلطة الرئاسية .
1-القاعدة العامة لا وصاية إلا بنص : بينما ممارسة السلطة الرئاسية في النظام المركزي مفترضة فالوالي لا يتدخل في شؤون البلدية بممارسة الوصاية و الرقابة عليها طبقا لنص قانون البلدية .
2-أن نظام الهيئات اللامركزية لها أهلية و حق التقاضي من حيث إمكانية الطعن في قرارات و تصرفات السلطة الوصية حيالها للدفاع عن مصالحها المحلية المتميزة .
3-من حيث المسؤولية : تبقى جهة السلطة الرئاسية مسؤولة إلى جانب مسؤولية المرؤوس بينما الهيئة اللامركزية تتحمل مسؤوليتها .
المبحث الثاني: أشكال اللامركزية (صورها ).
المطلب الأول : اللامركزية الإقليمية la desentralisation territorial
و هي الصورة الواضحة و الكاملة لتطبيق النظام اللامركزي و قد استندت الدولة إلى هذا النوع الإداري لإشباع رغبات حاجات أفرادها بعد أن لاحظت أن لكل منطقة داخل الدولة مميزاتها المختلفة و المتنوعة و التي لم تتمكن السلطات المركزية من تحقيق كل مطالب و حاجات الأفراد المختلفة من إقليم إلى آخر , لان لكل إقليم مميزاته الخاصة به .
المطلب الثاني :اللامركزية المرفقية la décentralisation par service.
و تتمثل في انفصال مرفق معين عن الدولة و تمتعه بقدر من الاستقلال ليشكل مؤسسة وعامة وطنية أو محلية , و على الرغم من عدم توافر حقيقي و تام لجميع أركان اللامركزية في شكل اللامركزية المرفقية و تشكيك جانب من الفقه في اعتبارها لامركزية إدارية و يمكن مقارنة اللامركزية المرفقية باللامركزية الإقليمية :
1-من حيث وجود المصالح المتميزة يقوم الشكلان على أساس الاعتراف بوجود مصالح متميزة ذات طابع محلي و إقليمي في اللامركزية الإقليمية (الإدارة المحلية )و ذات طابع فني و تقني في اللامركزية المرفقية .
2- من حيث استقلال الهيئات :تتمتع الهيئات في شكلي اللامركزية بالشخصية المعنوية بكل ما ترتب على ذلك من نتائج , فإذا كانت طريقة الانتخاب تشكل وسيلة مثلى لدعم استقلال وحدات الإدارة المحلية بموجب تسييرها و إدارتها من طرف مجالس منتخبة محليا , فان إدارة الشخص المعنوي المرفقي عادة ما تستند إلى فئة الخبراء الأدرى بمصلحة الهيئة اللامركزية المرفقية .
3-من حيث الوصاية (الرقابة الإدارية): يخضع شكلا اللامركزية إلى نظام وصائي محفوف باعتبارات سياسية في اللامركزية الإقليمية و باعتبارات فنية في اللامركزية المرفقية .
و اللامركزية الإدارية يطلق عليها المشرع الجزائري المؤسسات العامة الإدارية مثل : التعليم , النقل , الصحة ....الخ , فاللامركزية المرفقية أو المصلحية ترتكز على الاختصاص الموضوعي و الوظيفي .