مقدمة:
لقد خول القانون حقوق و واجبات على الأشخاص على أساس مبدأ المساواة بين الأفراد و الذي يقر به القانون كمبدأ أساسي من مبادئه، و يطبق على الأفراد بصفتهم القانونية على أساس أنهم أشخاص طبيعيون يمتلكون شخصية قانونية تتبعهم و يقصد بها القدرة أو الاستطاعة على اكتساب الحقوق و تحمل الالتزامات ، و على عكس الشرائع الغابرة التي لم تعرف هذا المبدأ بل حرم الإنسان من كل مقومات الحياة كما كان سائدا عند الرومان من خلال نظام الموت المدني la mort civil . أو ما كان يفعل بالعبيد الذين لم يكونوا يملكون اية شخصية .إلا أن تطور الحضارات مكن للأفراد من اكتساب هذه الشخصية القانونية لمدة معينة لآن الشخصية القانونية مآلها الزوال بزوال صاحبها، و الإنسان باعتباره شخصا طبيعيا يكتسب حقوقه بمجرد وجوده و تنتهي بنهايته، فكيف تبدأ الشخصية القانونية و كيف تنتهي وما هي مميزاتها؟
المبحث الأول :بداية و نهاية الشخصية القانونية
المطلب الأول : بدأ الشخصية القانونية:
تنص المادة 25 ( المعدلة) من القانون المدني الجزائري على أنه " تبدأ شخصية و الإنسان بولادته حيا و تنتهي بموته" على أن الجنين يتمتع بالحقوق التي يحددها القانون بشرط أن يولد حيا.
فشخصية الإنسان تبدأ بولادته حيا ، حيث يشترط لثبوت الشخصية أن ينفصل الجنين انفصالا تاما عن أمه و أن يولد الجنين حيا، فإذا ولد ميتا فلا تثبت له الشخصية القانونية و هذا الأمر تطبقه المحكمة العليا حيث ترى بأنه " من المقرر قانونا أن شخصية الإنسان تبدأ بتمام ولادته حيا، و على هذا الأساس كان تمتع الجنين بحقوقه المدنية و اكتسابه بذلك العنوان أهلية الوجوب خاضعا هو الآخر لشرط الولادة حيا [1].
و للتحقق من حياة الجنين وقت ولادته توجد عدة علامات مميزة كالبكاء و الصراخ،
و للقاضي التحقق من ذلك بكافة طرق الإثبات.
و قد نصت المادة 26 من القانون المدني على أنه :
- تثبت واقع الميلاد و الوفاة بالقيد في السجلات المعدة لذلك .
و إذا لم يوجد هذا الدليل أو تبين عدم صحة ما أدرج بالسجلات جاز الإثبات بأية طريقة أخرى حسب قوانين الحالة المدنية، فالميلاد عادة يثبت بشهادة رسمية تسمى شهادة الميلاد تستخرج من السجل المعد لقيد المواليد، فإذا لم يكن الشخص مقيدا في هذا السجل أو تبين عدم صحة ما أدرج فيه من بيانات جاز الإثبات بكافة الطرق الأخرى.
و إذا كانت شخصية الإنسان تبدأ أصلا بتمام ولادته حيا فقد نصت المادة 25 من القانون المدني على أن الجنين يتمتع بالحقوق التي يحددها القانون بشرط أن يولد حيا
و هذا يعني أن القانون يعترف للجنين ببعض الحقوق فيكون له الحق في ثبوت نسبه لأبيه كما له الحق في الميراث حيث يقضي القانون بحجز نصيب من تركة مورثه المتوفي على فرض أنه ذكر فإذا أتى ذكرا يحصل على نصيبه الموقوف له و إذا ظهر أنثى أخذ نصيبه و يوزع على الباقي بحسب حصة الورثة.
و في حالة ما إذا أوصي للجنين في الوصية فإن حقه فيها مضمون بشرط ولادته حيا فإذا ولد ميتا فحصته تدخل في تركة الموصي و توزع على الورثة.
المطلب الثاني: نهاية الشخصية القانونية:
باعتبار ان حياة الشخص الطبيعي محدودة لها بداية و نهاية فإن القانون وضع كذلك نهاية للشخصية القانونية له فبالرجوع إلى نص المادة 25 من القانون المدني فإن الشخصية القانونية للشخص الطبيعي التي تبدأ بولادته كذلك فإنها تنتهي بوفاته فعلا .
و كما تثبت واقعة الميلاد في السجلات المخصصة لذلك ، فالوفاة أيضا تثبت عادة بواسطة شهادة رسمية تسمى شهادة وفاة تقيد في السجلات المعدة لذلك وفق قانون الحالة المدنية.
و يجوز إثبات واقعة الوفاة من كل ذي مصلحة بأي من طرق الإثبات المعروفة حسب الفقرة 247 و ما بعدها من القانون المدني. و ذلك لإن واقعة الوفاة في الدفاتر هي مادية يجوز اثبات عكسها.
و تطبيقا للقاعدة الشرعية بألا تركة إلا بعد سداد الديون، فشخصية المتوفى تمتد بعد وفاته الى أن تصفى تركته و ديونه. فيتلقى الورثة ما بقي من أموال خالية من أية ديون، فإذا بقي لهم فائض قسم عليهم أما إذا لم تكفي تركته لتسديد ديونه فلا تمتد الديون إلى الورثة و ينقضي الدين على الدائن و لا يلزم الورثة سداد دين المتوفى و إذا كان الأصل أيضا أن الشخصية تنتهي بالموت الحقيق اليقيني، فإن مقتضيات الحالة العملية ، توجب متى توافرت شروط معينة، اعتبار المفقود الذي لا تعلم حياته من مماته في حكم الميت أي تنتهي شخصيته حتى و لو لم تثبت وفاته بدليل مادي.
و المفقود كما عرف في المادة 109 من قانون الأسرة " هو الشخص الغائب الذي لا يعرف مكانه و لا يعرف حياته أو موته و لا يعتبر مفقودا إلا بحكم"
على عكس الغائب الذي تعرفه المادة 110 من نفس القانون بأنه " الشخص الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع الى محل اقامته أو إدارة شؤونه بنفسه أو بواسطة مدة سنة و تسبب غيابه في ضرر الغير يعتبر كالمفقود."
و اجاز القانون للقاضي بأن يحكم باعتبار المفقود ميتا بشروط معينة في حالتين هما :[2]
1- حالة غلبة الهلاك : المفقود في ظروف يغلب عليها الهلاك كمن فقد في كارثة او زلزال او فيضان او حرب ففي هذه الحالة يحكم القاضي بناء على طلب ذوي الشأن بموت المفقود بعد أربع سنوات من تاريخ الحكم.
و يعتبر حكم القاضي في هذه الحالة بمثابة شهادة وفاة تقيد في السجلات معدة لذلك وفق قانون الحالة المدنية.
2- حالة تغلب فيها السلامة: في حالة ما إذا فقد الشخص في حالة لا يغلب فيها الهلاك يترك الأمر لتقدير القاضي الذي له أن يتحرى بكل الوسائل للوصول إلى معرفة حالة المفقود و معرفة حياته من وفاته.
و في جميع الأحوال لا يحكم القاضي بوفاة المفقود قبل مضي أربع سنوات على فقده و عدم ظهوره.
الآثار الناجمة عن الحكم باعتبار المفقود ميتا: إن اعتبار المفقود ميتا و صدور الحكم فيه ينجم عنه مسألتين أساستين:
المسألة الأولى: تعيين الوقت الذي يعتبر فيه المفقود ميتا حيث لا يعتبر المفقود ميتا إلا من تاريخ حكم القاضي باعتباره ميتا.
و تختلف النتائج اذا ما اعتبر المفقود ميتا من وفت الفقد أو من وقت الحكم:
فإذا فرضنا أن المفقود اعتبر ميتا من وقت الفقد فيترتب على ذلك :
1- ما أوقف على ذمته من إرث أو وصية يرد إلى ذوي الحقوق و هم ورثة المتوفي لأن شرط استحقاق الإرث أو الوصية هو حياة الوارث وقت موت المورث و حياة الموصي له وقت وفاة الموصي.
2- تقسم تركة المفقود الذي حكم باعتباره ميتا على ورثته الأحياء وقت الفقد حتى من توفي منهم بعد الفقد و هذه نتيجة غير منطقية لعدم وجود دليل على وفاة المفقود
أما إذا فرضنا أن المفقود ميت من وقت الحكم ترتب على ذلك نتائج معاكسة للفرض الأول و هي :
1- تقسم التركة من تاريخ صدور الحكم بالموت على ورثته الأحياء.
2- يدخل في ذمة المفقود المالية الإرث و الوصية التي أوقفت له و تقسم كإرث من تاريخ حكم القاضي بوفاته.
و نظرا لإختلاف النتائج في الفرضين، قرر الفقهاء اعتبار المفقود حيا في الفترة ما بين الفقد و تاريخ صدور الحكم فلا تقسم أمواله و لا تحل زوجته لغيره إلا من تاريخ الحكم بالموت بعد قضائها لعدتها.
المسألة الثانية: ظهور المفقود حيا بعد الحكم بموته : إذا حكم بموت المفقود وفقا لما سبق ، ثم ظهر حيا يترتب عن هذه الحالة ما يلي :
1- بالنسبة لزوجته : إذا لم تكن قد تزوجت بغيره فهي تعود إليه، أما إذا كانت قد تزوجت بغيره و لم يدخل بها ، فيفسخ الزواج الثاني و تعود لزوجها الأول. و إذا تزوجت و كان زوجها الثاني يعلم بحياة الزوج الأول أي كان سيئ النية فإنها تعود إلى زوجها الأول. و إذا كان الزوج الثاني حسن النية و لم يعلم بحياة الزوج الأول و قد دخل بها ففي هذه الحالة يثبت الزواج الثاني و يبقى ساريا.
2- الأموال [3]: إذا تصرف الورثة في المال لا يلتزمون بالرد في حالة عدم وجود منفعة من المال المورث.
أما في حالة وجود منفعة كاستثمار صناعي أو زراعي يضحى بمصلحة الورثة و تغلب مصلحة المفقود في رد أمواله.
المبحث الثاني : مميزات الشخصية القانونية
يتميز الشخص الطبيعي عن غيره بعدة مميزات أو خصائص، وهذه الخصائص تساعد في تحديد وضعيته القانونية هي الحالة و الإسم و الموطن و الذمة المالية
المطلب الأول : حالة الشخصية القانونية:
يقصد بحالة الشخص مجموع الصفات التي تلحق به و يترتب على توافرها آثار قانونية معينة ، وهذه الصفات منها ما يحدد مركز الشخص بالنسبة الى دولة معينة و هذه هي الحالة السياسية ، و منها ما يحدد مركزه بالنظر الى انتسابه الى اسرة معينة و هي الحالة العائلية، و يدخل فيها ما يحدد مركزه من حيث انتمائه الى دين معين[4] وهي الحالة الدينية.
1- الحالة السياسية: ينتمي كل شخص الى دولة معينة من خلال اكتسابه لجنسية تلك الدولة، و قد تكون أصلية تثبت للشخص منذ ميلاده ، أو قد تكون مكتسبة لاحقا عن طريق التجنس على أساس حق الإقليم أو قوانين معينة، ويضع قانون كل دولة الشروط الواجب توافرها لإكتساب جنسيتها فالجزائر مثلا تنظم قانون الجنسية عن طريق مختلف القوانين بدءا بالدستور في المادة 29 منه التي تنص على أن :"الجنسية الجزائرية معرفة بالقانون" كما تنص المادة 30 من القانون المدني على أنه " ينظم الجنسية الجزائرية قانون الجنسية الخاص بها" و هذا القانون هو الأمر رقم 70-86 المؤرخ في 25/12/1970 ، و المعدل و المتمم بموجب الأمر رقم 05-01 المؤرخ في 27/02/2005 .
و يترتب على تحديد الحالة السياسية للشخص التمييز بين الوطنيين والأجانب.
و عادة ما يميز بين الجنسية الأصلية على أساس حق الدم ( أحد الأصول المباشرين جزائري) و بين الجنسية المكتسبة على أساس حق الإقليم و اكتساب الجنسية يمكن صاحبه من التمتع بالحقوق السياسية المكفولة له قانون مثل الالتحاق بالوظائف العامة، و حق الإنتخاب، و حق الترشح. حيث أن القاعدة العامة في التوظيف- عادة- ما تكون حكرا على مواطني الدولة دون الأجانب ( المادة 31 من المرسوم 85-59) و كذلك بالنسبة لممارسة حق الإنتخاب ( المادة 5 من قانون الإنتخابات الوارد بالأمر 97/07 المؤرخ في مارس 1997 و المعدل و المتمم) .
2- الحالة الدينية : الأصل في الكثير من الدول هو حرية اعتناق الأديان و يترتب على الحالة الدينية بعض الحقوق و الواجبات بالنظر الى دين الشخص مع احترام القانون حيث تنص المادة 29 من الدستور الجزائري " كل المواطنين سواسية أمام القانون" و لا يمكن التذرع بأي تمييز يعود سببه الى المولد أو العرق أو الجنس، أو الرأي، أو أي شرط أو ظرف آخر، شخصي أو اجتماعي"
و إذا كانت المادة الثانية من الدستور الجزائري تنص صراحة على أن الإسلام دين الدولة، فإن المواطن المسلم له حقوق و عليه واجبات مصدرها الشريعة الإسلامية، كما يظهر خاصة في مجال الأحوال الشخصية [5].
و في الحالات الغير مسلمة( كأهل الكتاب) و هي حالات نادرة في الجزائر المسلمة يكون المرجع هو قانون الأحوال الشخصية تبعا لحالة الشخص الدينية.
3- الحالة العائلية: تتحدد الحالة العائلية للشخص بانتمائه إلى أسرة [6] معينة ، حيث نصت المادة 32 من القانون المدن على أن " تتكون أسرة الشخص من ذوي قرباه و يعتبر من ذوي القربى من يجمعهم أصل واحد"
و القرابة نوعان : قرابة نسب و قرابة المصاهرة
أ- قرابة النسب: هي التي تضم كل من يجمعهم أصل مشترك و تكون قرابة مباشرة أو قرابة حواشي حيث نصت المادة 133 من القانون المدني على أن " القرابة المباشرة هي الصلة ما بين الأصول و الفروع"
و قرابة الحواشي هي الرابطة ما بين أشخاص يجمعهم أصل واحد دون أن يكون أحدهم فرعا للآخر"
القرابة المباشرة: Parenté en ligne directe : هي الصلة بين الأصول و الفروع و يراعى في ترتيب درجة القرابة المباشرة اعتبار كل فرع عند الصعود للأصل درجة ما عدا الأصل و تكون صاعدة إذا كانت بين الإبن و أبيه و إبن الإبن و الجد و إت علا ، كما يلي :
درجة أولى
الإبن لأبيه
درجة ثانية
الحفيد لجده
درجة ثالثة
إبن الحفيد لجده
3- قرابة الحواشي :Parenté en ligne collatérale : : هي الرابطة ما بين أشخاص يجمعهم أصل واحد دون أن يكون أحدهم فرعا للآخر مثل الإخوة.
و عند ترتيب درجة الحواشي تعد الدرجات صعودا من الفرع للأصل المشترك ثم نزولا منه الى الفرع الأخير و كل فرع فيما عدا الأصل المشترك يعتبر درجة
الجد
درجة ثانية
الأخ
درجة ثالثة
الخال
درجة رابعة
بنت العم
ب- قرابة مصاهرة: و هي القرابة الي تنشأ نتيجة الزواج يبن الزوج و أقارب زوجه الآخر و بشأنها تنص المادة 35 من القانون المدني الجزائري على أنه
" يعتبر أقارب أحد الزوجين في نفس القرابة والدرجة بالنسبة إلى الزوج الآخر" فيعتبر أخ الزوجة، و هو قريب لها بالنسب في الدرجة الثانية، قريبا لزوجها في الدرجة الثانية، و والد الزوج يعتبر بالنسبة للزوجة قريبا من الدرجة الأولى. و يلاحظ أنه إذا كان الزواج ينشئ نوعا من القرابة بين أحد الزوجين و أقارب الزوج فهو لا يخلق هذه القرابة بين أقارب الزوجين.
أهمية القرابة: يترتب على القرابة ثار قانونية هامة من خلال تحديد ما له من حقوق و ما عليه من واجبات عائلية أي تحدد حقوق الأسرة، فإذا كان الشخص أبا وجب عليه الإنفاق على أسرته، و إذا كان ابنا وجبت عليه الطاعة وهما ما تحفظه المادة 65 من الدستور التي تنص على أنه " يجازي القانون الآباء بواجب تربية أبنائهم و رعايتهم، كما يجازي الأبناء على القيام بواجب الإحسان الى أبائهم و مساعدتهم. كما تنص على ذلك المادة 75 من قانون الأسرة :" تجب نفقة الولد على أبيه ما لم يكن له مال، فالنسبة للذكور إلى سن الرشد و الإناث الى الدخول و تستمر في حالة ما إذا كان الولد عاجزا لآفة عقلية أو بدنية أو مزاولا للدراسة و تسقط بالإستغناء عنها بالكسب، و في حالة عجز الآباء و بلوغ الأبناء فهنا وجب على الأبناء النفقة على أبائهم و تنص المادة 77 على انه تجب نفقة الأصول على الفروع و الفروع على الأصول حسب القدرة و الاحتياج و درجة القرابة في الإرث. كما تحدد القرابة أيضا- المحرمات- من النساء مصداقا لقوله تعالى " حرمت عليكم امهتكم وبناتكم واخوتكم وعمتكم وخلتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وامهتكم التي ارضعنكم واخوتكم من الرضعة وامهت نسائكم وربئبكم التي فى حجوركم من نسائكم التي دخلتم بهن فان لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلئل ابنائكم الذين من اصلبكم وان تجمعوا بين الاختين الا ما قد سلف ان الله كان غفورا رحيما" و هو ما أخذت به المادة 25 من قانون الأسرة التي نصت على أن " المحرمات بالقرابة هي الأمهات و البنات و الأخوات و الخالات و العمات و بنات الأخ و بنات الأخت، و كذا المادة 26 من نفس القانون التي نصت على أن المحرمات بالمصاهرة هي : أصول الزوجة بمجرد العقد عليها، و فروعها إن حصل الدخول عليها، و أرامل أو مطلقات أصول الزوج و إن علوا، و أرامل و مطلقات فروع الزوج و إن علوا.
و من اهمية القرابة أيضا عدم صلاحية القضاة للنظر في دعاوي تضم أقاربهم حتى الدرجة الرابعة حسب المادة 201 من قانون الإجراءات المدنية.
المطلب الثاني: الإسم
الإسم هو أهم ما يميز الشخص عن غيره من أشخاص الجماعة التي يعيش فيها وه وهو يتكون من الإسم الشخصي، و اللقب و هو اسم الأسرة.
و قد نص القانون على أنه " يجب يكون لكل شخص لقب و اسم فأكثر و لقب الشخص يلحق بأولاده"[7] و يجب ان تكون الأسماء جزائرية، و يستثنى من ذلك المولود من أبوين
غير مسلمين.
الطبيعة القانونية للإسم : نظرا لأهمية الإسم نشب خلاف بين رجال الفقه القانوني حول الطبيعة القانونية للإسم:
فقد ذهب البعض للقول أن للشخص حق ملكية على اسمه، و هو رأي منتقد لأنه قانونا حق الملكية يمكن التصرف فيه و التنازل عنه و هو مخالف للإسم.
بينما رأى البعض الآخر أن للإسم طبيعة مزدوجة فهو نظام إداري للتمييز بين الإرادة ، وهو أيضا حق من الحقوق اللصيقة بالشخصية و يترتب على ذلك أن الشخص وجب عليه اتخاذ اسم يعرف به، و لا يجوز التنازل عته أو التصرف فيه و لا يسقط بعد الإستعمال.
أنواع الأسماء : هناك عدة أنواع من الأسماء و هي :
1- الإسم الحقيقي: و هو ما يثبت بشهادة ميلاد رسمية و هو الإسم المستعمل في كل المعاملات الإدارية و القانونية للشخص.
2- اسم الشهرة : و هو اسم ثاني للشخص لكنه غير مثبت و غير مسجل ، فقد يشتهر شخص باسم معين و يستعمل على نطاق واسع لكنه غير مستعمل قانونيا و غير معروف ، و يمكن للشخص أن يغير اسمه الحقيقي باسم الشهرة أو أي اسم يختاره متى كان كان اسمه الأول يضايقه أو يسبب له الإحراج و يكون ذلك باتباع اجراءات القانونية وذلك عن طريق المحكمة و ايضا يمكن للشخص تصحيح الخطأ في الإسم إن وجد .
3- الإسم المستعار : هو نوع من اسم الشهرة و هو مألوف في الأوساط الأدبية و الإبداعية، و قد يهدف الإسم المستعار الى تحقيق غرضين: إما لستر الشخص الحقيقي أو لكسب شهرة معينة و القانون يعمي الإسم المستعار كالإسم الحقيقي.
4- الإسم التجاري: قد يطلق شخص اسمه على مشروع تجاري أو صناعي و هذا الإسم يتخذه التاجر ليميز به المحل او المشروع فهو بالتالي عنصر من عناصره و يعتد به في تقويمه و بالتالي له قيمة مالية و يجوز التصرف فيه و التنازل عنه كما يرد عليه التقادم و هذا الإسم يتمتع بالحماية القانونية فلصاحبه منع أي اعتداء عليه و المطابة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن هذا الإعتداء و يختلف الإسم التجاري عن الإسم المدني للشحص .
خصائص الإسم : للإسم عدة خصائص من أهمها :
- عدم جواز التصرف فيه أو التنازل عنه
- لا يكتسب و لا يسقط بالتقادم
و يستثنى الإسم التجاري من هتين الخاصيتين.
حماية الإسم : أقر القانون الجزائري مبدأ حماية الإسم باعتباره حق من الحقوق اللصيقة بالشخصية و تفرضه ضرورات التنظيم الاجتماعي حيث نص في المادة 48 من القانون المدني على أن:
" لكل من نازعه الغير في استعمال اسمه دون مبرر و من انتحل اسمه أن يطلب وقف الإعتداء و التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر"
المطلب الثالث: الوطن La domicile
تعريف الموطن: موطن الشخص هو المكان الذي يقيم فيه عادة و بصفة مستقرة و يقصد بالإقامة المستمرة على نحو يتحقق معه شرط الإعتياد و لو تخللتها غيبة متقاربة أو متباعدة[8]
و يشترط في الموطن ما يلي :
- إقامة الشخص فعلا في مكان معين و بصفة مستمرة
نية الشخص في الإستمرار بنفس المكان فإذا تركه و غادر الى مكان آخر بنفس الشروط السابقة يعتبر ذلك موطنه الجديد حيث تنص المادة 36 من القانون المدني على أن " موطن كل جزائري هو المحل الذي يوجد فيه سكناه الرئيسي، عند عدم وحود سكنى يقوم محل الإقامة العادي مقام الوطن."
و لا يجوز للشخص الواحد أن يكون له موطن واحد في نفس الوقت"
و الموطن من الحقوق التي قررها الدستور، إذ نص في المادة 44 منه على أنه :
" يحق لكل مواطن يتمتع بحقوقه المدنية السياسية، أن يختار بحرية موطن إقامته، و أن ينتقل عبر التراب الوطني"
أنواع الموطن : يأخذ الموطن عدة أشكال و أنواع و تبقى القاعدة العامة هي حرية اختيار الموطن مع وجود بعض الإستثناءات و من أهم هذه الأنواع :
· الموطن الخاص : يجوز للشخص اختيار موطن خاص لتنفيذ تصرف قانوني معين و مثال ذلك :
موطن الأعمال : جاء في القانون المدني في المادة 37 منه ما اصطلح عليه الفقهاء لموطن الأعمال على النحو التالي:" يعتبر المكان الذي يمارس فيه الشخص تجارة أو حرفة موطنا خاصا بالنسبة للمعاملات المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة" فلا يكون هذا الموطن إلا لمن له تجارة أو حرفة، فلا يصلح أن يكون للموظفين موطن أعمال.
موطن القاصر المأذون له بالتجارة : للقاصر الذي لم يبلغ سن الرشد و أذنت له المحكمة بأعمال و تصرفات يعتبره القانون أهلا لمباشرتها يكون له موطن خاص بجانب موطنه العام القانوني، كما ورد في الفقرة الأخيرة من المادة 38 من القانون المدني التي نصت على ما يأتي " غير أنه يكون للقاصر المرشد موطن خاص بالنسبة للتصرفات التي يعتبره القانون أهلا لمباشرتها"
الموطن المختار هو ما يختاره الشخص ه بالنسبة لعمل معين غالباً ما يكون ذلك مكتب المحامي بالنسبة لدعوى معينة أو المنازعات المتعلقة بعقد معين. ولما كان الموطن المختار استثناء من الأصل العام الذي يجعل موطن الشخص هو محل إقامته المعتادة، لذا يجب إثباته كتابة
قد يتدخل المشرع في حالات معينة لتحديد موطن قانوني الزامي للفرد:
· الموطن القانوني: قد يتدخل المشرع في حالات معينة في تحديد موطن إلزامي قانوني لبعض الأشخاص، دون أن يكون لإرادتهم أي دخل في ذلك (و هم القاصر، والمحجوز عليه، والمفقود والغائب). و قد جعل المشرع موطنهم هو موطن من ينوب عنهم قانونا (م 38 من القانون المدني ).
الأهمية القانونية للموطن: إن تحديد موطن الشخصية له عدة فوائد عملية منه :
1. إعلان الشخص يكون في موطنه
2. موطن المدعى عليه هو الذي ، بحسب الأصل ، يحدد الاختصاص المحلي للمحاكم المدنية .
3. المحكمة المختصة هي التي يقع دائرتها في موطن المتوفى في التركات و التفاليس التجارية
4. القاعدة العامة أنه لا يمكن للشخص أن يسجل بالقائمة الإنتخابية بالبلدية الا إذا كان موطنه بها.
كيفية تحديد الموطن :
اختلفت الشرائع فيما بينها في تحديد الموطن و ذهبت في ذلك الى مذهبين فبعضهم يأخذ بتصوير واقعي و البعض الآخر يأخذ بتصوير حكمي
فالتصوير الواقعي للموطن، يعني أن يتحدد الموطن بالمكان الذي يقيم فيه الشخص عادة و بذلك ترتبط الفكرة القانونية للموطن ارتباطا وثيقا بفكرة واقعية هي الإقامة الفعلية لذلك يعرف الموطن طبقا لهذا التصوير بانه المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة.
أما التصوير الحكمي للموطن فهو يفصل بين الموطن و الإقامة فيعتبر الموطن هو المكان الذي يوجد فيه المقر الرئيسي لأعمال الشخص و مصالحه لا المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة.
و يلاحظ أن الفصل بين الموطن و الإقامة في هذا التصوير إنما يرجع الى إختلاف عناصر كل منهما اختلافا جوهريا ، يصعب معه الجمع بينهما في فكرة واحدة ففكرة الموطن يغلب فيها الإعتبار الحكمي في حين يغلب الإعتبار الواقعي على فكرة الإقامة فأساس فكرة الموطن عوامل معنوية ليس لها وزن مادي توجد في الشعور العام و لا يمكن أن نصرف النظر عنها في تحديد موطن الشخص، إما الإقامة فهي على الضد من ذلك ذات أساس مادي هو الإستمرار المادي لشخص في مكان معين.
المطلب الرابع : الذمة المالية
1- تعريف الذمة المالية : الذمة المالية هي جميع حقوق والتزامات الشخص المالية في الحاضر أو المستقبل. فهي تقتصر على الحقوق و الإلتزامات المالية دون غيرها .
و لقد أقر المشرع الجزائري الذمة المالية للشخص و جعلها ملازمة للشخصية، فلكل شخص ذمته المالية، وهي تلزمه ومستقلة عن غيره. و في التشريع الجزائري لا يجوز للشخص أن تكون له أكثر من ذمة مالية واحدة و هذا عكس بعض التشريعات الأجنبية الأخرى كالقانون الألماني الذي يفرق بين الذمة المالية و شخصية الإنسان أي استقلال الذمة المالية عن الشخصية.
و الذمة تحتوي فقط على الحقوق والالتزامات المتعلقة بالشخص والتي تكون لها قيمة مالية، دون تلك التي ليس لها قيمة مالية كالحقوق العامة وحقوق الأسرة. وهي من هذا المنطلق تحتوي على عنصرين عنصر ايجابي(الحقوق) وعنصر سلبي (الالتزامات):
الجانب الإيجابي: وهو مجموع حقوق الشحص المالية الموجودة فعلا و كذلك الحقوق المالية التي ستتعلق به في المستقبل ( الأموال).
الجانب السلبي : هو مجموع التزامات الشخص المالية أي الديون الواجبة عليه حاضرا و مستقبلا .
و من خلال هذين العنصرين يمكن معرفة الحالة المالية للشخص كاليسر(دائن) أو العسر ( الإفلاس او مدين)
* إذا طغى الجانب السلبي للذمة على جانبها الايجابي ï يكون الشخص معسرا أو مفلسا (مدين)
* إذا رجح الجانب الايجابي للذمة على جانبها السلبي ï يكون الشخص موسرا (دائن)
نظريات الذمة المالية
ظهرت عدة نظريات بخصوص الذمة المالية لكل منها رؤيتها الخاصة لها و من أهما
أولا نظرية الشخصية
نشأت هذه النظرية على يد الفرنسيين أوبري Aubry و رو RAU. حيث ذهبا الى القول أن الذمة المالية ليست سوى الصلاحية لإكتساب الحقوق و نشأة الإلتزامات، و حيث تندمج فكرة الذمة المالية في فكرة الشخصية، و على أساس ادماجهما معا أقام أوبري و رو نظريتهما في الذمة المالية .
و قد ترتبت عن هذه النظرية عدة نتائج من بينها
1- لكل شخص ذمة مالية : فلا بد لكل ذمة مالية أن تكون مسندة الى شخص، دامت هي الجانب المالي للشخصية.
2- الذمة المالية واحدة : لما كانت الشخصية لا تقبل التجزئة فمن المنطق مادامت الذمة المالية مدمجة مع الشخصية أن تكون واحدة لا تتجزأ.
3- عدم الإنتقال من شخص لآخر: لما كانت الشحصية بطبيعتها لا تنتقل من شخص الى آخر، فإن إدماج الذمة المالية في الشخصية يقتضي أيضا عدم انتقالها من شخص لآخر، و لكون نظام الميراث يتناقض مع طرح النظرية حيث ينتقل الورثة، اضطر اصحاب النظرية الى اللجوء الى فكرة الإقتراض أو المجاز القانوني ، فقالوا أن شخصية الوارث امتداد لشخصية الموروث، وإذن فليس الميراث انتقال من شخص لآخر لأن الوارث و المورث شخص واحد.
ثانيا : نظرية التخصيص أو ذمة الغرض:
ذهب بعض الفقهاء الألمانو على رأسهم الفقيه برينز Brinz الى أنه قد يوجد مجموعة من الحقوق و الإلتزامات يجمعها جميعا غرض واحد خصصت له بغير شخص يستند إليه و قصد بذبك تفريق الذمة المالية عن الشخصية القانونية و بذلك قصدوا الإستغناء عن الشخص االإعتباري و اقتصارها على الشخص الطبيعي النظرية الحديثة حيث اقترحت هذه النظرية للإستغناء عن فكرة الشخص الإعتباري ذلك أن أنصارها يقصرون فكرة الشخصية القانونية على الشخص الطبيعي أي الإنسان أما الشركات و المؤسسات باعتبارها اشخاصا انما تقوم على المجاز أو الإفتراض.
و قد ترتب عن هذه النظرية النتائج التالية :
1- إمكان وجود الذمة: حيث يمكن إيجاد ذمة مالية دون الإستناد الى شخص و هذا يغني عن فكرة الشخصية المعنوية.
2- إمكان عدم وجود الذمة برغم وجود الشخص : و هو عكس الفرض الأول على أساس أنه يمكن الإستغناء عن أحد الطرفين أي الذمة أو الشخصية .
3- إمكان انتقال الذمة : ما دامت الذمة المالية لا تستند الى شخص بل الى غرض تتخصص به عناصرها فإنه يمكن أن تنتقل الذمة من شخص الى آخر بالميراث أو بالتصرف.
ثالثا النظرية الحديثة :
يرى أنصار النظرية الحديثة أنه لا يمكن الربط بين فكرة الذمة المالية و الشخصية فهي ليست ناحية من نواحي الشخصية وهي في نظرهم مجموعة ذهنية مستقلة .
و على هذا النحو فالذمة المالية ليست حقيقية مادية و إنما هي صياغة قانونية تقوم على كونها مجموعة معنوية و أريد بها تفسير عديد من القواعد القانونية من أهمها حق الضمان العام للدائنين و انتقال التزامات المورث مع امواله الى الورثة.
الخاتمة:
من خلال ما تقدم ذكره في هذا البحث عن الشخص الطبيعي و شخصيته القانونية التي تبدأ بولادته حيا و تنتهي بوفاته على أنه للجنين حقوق مستكنة الى غاية ولادته حيا، حيث تحفظ له حقوقه.
و كما أن للشخصية بداية فلها أيضا نهاية و نهايتها تكون بالوفاة الفعلي وهو المادي أو الحكمي الصادر بحكم يخص المفقود أو الغائب الذان تسريان فيهما احكام خاصة وجب إتباعها من ذوي الصلة أو المنفعة حتى يحكم بوفاتهما و في كل الأحوال لا يكون ذلك الا بمرور أربع سنوات عن تاريخ الفقد أو الغياب.
و للشخصية القانونية مميزات تلتصق بها بمجرد وجودها و تنتهي بنهاتها على أن الذمة المالية تمتد في حالة الورثة أو الديون حيث أن القاعدة العامة لا ميراث الا بعد سداد الديون.
و خصائص الشخصية المدرجة كالإسم و الموطن و الحالة و الذمة المالية ترتبط فيما بينها لكونها عناصر مكونة للشخصية و بغض النظر عن كون الشخص الطبيعي فاقدا للأهلية التي ستكون موضوع البحث القادم أو مكتسبا لها فإن كل شخص حي يملك شخصية قانونية تتبعه .