[right]مدة الحمل بين الفقه والطب وبعض
قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة
( د. محمد سليمان النور ( ١
ملخص البحث:
مدة الحمل تنبني عليها أحكام فقهية وقانونية كثيرة ومهمة، وهذا البحث يهدف إلى
بيان الأساس الذي بني عليه تحديدها في الفقه الإسلامي، وبيان القول الراجح فيها، وما ينبني
عليها من أحكام، مع مقارنة ذلك بآراء الأطباء، وما عليه العمل في بعض قوانين الأحوال
الشخصية المعاصرة. هذا وقد اتفق الفقهاء على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، ووافقهم في
ذلك الأطباء، وهو ما أخذت به قوانين الأحوال الشخصية ومشروعاا في كثير من البلاد
الإسلامية، إلا أن الفقهاء قد اختلفوا في أكثر مدة الحمل على الأقوال الآتية:
لا حد لأكثر مدة الحمل.
أكثرها: سبع سنين، خمس سنين، أربع سنين، ثلاث سنين، سنتان، سنة، تسعة
أشهر.
وترجح للباحث أا ثلاثمائة وثلاثون يوما، ويمكن أن تزيد إذا ثبت بالفحص
ما يسمى عند الأطباء بالسبات.
( واختلف الأطباء في أكثر مدة الحمل على ثلاثة آراء: عشرة أشهر، ( ٣١٠
يوماً، ( ٣٣٠ ) يوماً.
وذهبت قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة ومشروعاا في كثير من البلاد الإسلامية
إلى أن أكثر مدة الحمل سنة واحدة. أما غالب مدة الحمل فتسعة أشهر عند الفقهاء، وعند
الأطباء مائتان وثمانون يوما، و لم تتطرق قوانين الأحوال الشخصية إلى تحديدها. وتوجد
أحكام فقهية وقانونية مهمة مبنية على مدة الحمل، تتمثل في: ثبوت نسب الولد إلى الزوج،
ونفيه، ثبوت ميراث الحمل المولود بعد وفاة المورث، ونفيه، صحة الوصية للحمل، انتهاء
العدة.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مدة الحمل تنبني عليها أحكام فقهية وقانونية مهمة، وقد تحدث الفقهاء عن غالب مدة
الحمل وأقلها وأكثرها، ووقع الخلاف بينهم في أثرها -قديماً وحديثاً- وكذلك اختلف فيها
الأطباء، بينما اتجهت قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة في كثير من البلاد الإسلامية إلى
الأخذ ببعض أقوال الفقهاء السابقين فيها: لذا جعلت هذا البحث عن مدة الحمل في الفقه
والطب وبعض قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة؛ لبيان الراجح فيها، وبيان الأساس الذي
ينبني عليه تحديدها.
وقد سلكت في إعداد هذا البحث المنهج الآتي:
بيان أقوال فقهاء المذاهب الفقهية المختلفة وأدلتهم في أقل مدة الحمل وأكثرها
وغالبها وذلك بالرجوع للمصادر الفقهية المعتمدة في هذه المذاهب وما يتصل
ا من كتب تفسير آيات الأحكام وأحاديث الأحكام، مع المناقشة والترجيح
بين الأقوال، بناء على قواعد الترجيح المبينة في أصول الفقه.
بيان الأصل الذي بناء عليه حدد الفقهاء أقل مدة الحمل وأكثرها وغالبها.
بيان أقوال الفقهاء المعاصرين في مدة الحمل بالرجوع للكتب والبحوث
المعاصرة.
ذكر ما أخذت به بعض قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة وبعض مشروعات
هذه القوانين، مع مقارنة ذلك بما قال به الفقهاء والأطباء، والتعليق على هذه
القوانين.
بيان أقوال الأطباء المعاصرين في أقل مدة الحمل وأكثرها وغالبها، مع بيان
موقف بعض الأطباء المعاصرين من بعض آراء الفقهاء في أكثر مدة الحمل،
وذلك بالرجوع للموسوعات والكتب الطبية.
ذكر الأحكام الفقهية والقانونية المبنية على مدة الحمل، والمقارنة بينها، وذلك
بالرجوع لكتب المذاهب الفقهية المختلفة، وقوانين الأحوال الشخصية،
ومشروعات هذه القوانين.
وقد تضمن البحث ما يلي:
مقدمة
تمهيد: معنى مدة الحمل.
المبحث الأول: أقل مدة الحمل في الفقه والطب والقانون.
المبحث الثاني: أكثر مدة الحمل في الفقه والطب والقانون.
المبحث الثالث: غالب مدة الحمل في الفقه والطب والقانون.
المبحث الرابع: الأحكام المبنية على مدة الحمل.
الخاتمة.
قائمة المصادر والمراجع.
تمهيد: معنى مدة الحمل
معنى الحمل لغة:
قال ابن فارس -رحمه الله- : "الحاء والميم واللام أصل واحد يدل على إقلال
.( الشيء"( ٢
والحَمل بفتح الحاء: ما تحمل الإناث في بطوا، يقال: امرأة حامل، وحاملة إذا كانت
.( حبلى( ٣
.( قال ابن منظور- رحمه الله-: "أما حمل البطن فلا خلاف فيه أنه بفتح الحاء"( ٤
والحَمل بفتح الحاء: ثمرة الشجرة، والكسر في لغة، وقال بعضهم: ما ظهر من الشجرة
فهو حِمل بكسر الحاء، وما بطن فهو حمل بفتح الحاء.
وقيل: الحَمل بالفتح ما كان في بطن، أو على رأس شجرة، والحِمل بالكسر ما حمل
.( على ظهر أو رأس( ٥
الحمل في اصطلاح الفقهاء:
يطلق على معنيين:
١- حمل المتاع.
.( ٢- ما في بطن الأنثى من الأولاد( ٦
المراد بالحمل في هذا البحث:
ما في بطن الأنثى من الأولاد.
المراد بمدة الحمل:
.( الزمن الذي يمكثه الجنين في بطن أمه( ٧
المبحث الأول
أقل مدة الحمل في الفقه والطب والقانون
وفيه ثلاثة مطالب:
١- المطلب الأول: أقل مدة الحمل في الفقه.
٢- المطلب الثاني: أقل مدة الحمل في الطب.
٣- المطلب الثالث: أقل مدة الحمل في بعض قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة.
المطلب الأول
أقل مدة الحمل في الفقه
اتفق الفقهاء( ٨) على أن أقل مدة للحمل -يعيش إذا ولد بعدها- ستة أشهر.
الأدلة على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر:
الدليل الأول: القرآن الكريم:
الدليل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر آيتان من القرآن الكريم، هما: قوله تعالى:
(وو صينا الْإِنسانَ بِوالديهِ إِحساناً حملَته ُأمه كُرهاً ووضعته كُرهاً وحمُله وفِصاُله َثلَاُثونَ
[ شهراً) [الأحقاف: ١٥
وقوله تعالى: (والْوالدا ت يرضِعن َأولاَد ه ن حولَينِ كَاملينِ لِمن َأراد َأن يتِ م
ال رضاعةَ) [البقرة: ٢٣٣ ] فالآية الأولى دلت على أن مدة الحمل والرضاع ثلاثون شهرًا،
ودلت الآية الثانية على أن مدة الرضاع حولان، أي أربعة وعشرون شهرًا، فإذا أسقطت
مدة الرضاع من مدة الحمل والإرضاع، بقيت ستة أشهر، هي أقل مدة للحمل( ٩)، وهذا
الاستدلال مروي عن علي وابن عباس -رضي الله عنهم- وفيما يلي ذكر الروايات التي
وردت في ذلك:
أولا: الروايات عن علي -رضي الله عنه-:
ورد استدلال علي -رضي الله عنه- اتين الآيتين على أقل مدة الحمل في قصتين:
إحداهما في عهد عمر، والأخرى في عهد عثمان، وفيما يلي ذكرهما:
١- أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن قتادة قال: رفع إلى عمر امرأة
ولدت لستة أشهر، فسأل عنها أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال
علي: "ألا ترى أنه يقول: (وحمُله وفِصاُله َثلَاُثونَ شهراً)، وقال: "وفصاله في
عامين" فكان الحمل -ها هنا- ستة أشهر فتركها، ثم قال: بلغنا أا ولدت
،( آخر لستة أشهر( ١٠ )، وروى هذه القصة أيضا سعيد بن منصور في سننه( ١١
.( والبيهقي في السنن الصغرى( ١٢
٢- عن مالك أنه بلغه أن عثمان بن عفان أتي بامرأة قد ولدت في ستة أشهر فأمر
ا أن ترجم، فقال له علي بن أبي طالب ليس ذلك عليها: إن الله -تبارك
وتعالى- يقول في كتابه: (وحمُله وفِصاُله َثلَاُثونَ شهراً) وقال: (والْوالِدا ت
يرضِعن َأولاَد ه ن حولَينِ كَامِلَينِ لِمن َأراد َأن يتِ م ال رضاعةَ) فالحمل يكون
ستة أشهر؛ فلا رجم عليها. فبعث عثمان بن عفان في إثرها، فوجدها قد
.( رجمت( ١٣
ثانياً: الروايات عن ابن عباس:
ورد استدلال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قصتين كذلك: إحداهما في عهد عمر،
والأخرى في عهد عثمان، وفيما يلي ذكرهما:
١- أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال: إني
لصاحب المرأة التي أتي ا عمر وضعت لستة أشهر، فأنكر الناس ذلك، فقلت
لعمر لم تظلم؟ فقال: كيف؟ قال: قلت له: اقرأ
وحمُله وفِصاُله َثلَاُثونَ
شهراً) وقال
والْوالِدا ت يرضِعن َأولاَد ه ن حولَينِ كَامِلَينِ) كم الحول؟ قال:
سنة، قال: قلت كم السنة؟ قال: اثنا عشر شهرًا، قال: قلت: فأربعة وعشرون
شهرًا حولان كاملان، ويؤخر من الحمل ما شاء الله، ويقدم؛ فاستراح عمر
.( إلى قولي( ١٤ )، ووردت هذه القصة في أخبار المدينة كذلك( ١٥
٢- في سنن سعيد بن منصور: أتي عثمان في امرأة ولدت في ستة أشهر، فأمر
برجمها، فقال ابن عباس: أدنوني منه، فأدنوه، فقال: إا تخاصمك بكتاب الله،
يقول الله -عز وجل-: (والْوالِدا ت يرضِعن َأولاَد ه ن حولَينِ كَامِلَينِ) ويقول
في آية أخرى: (وحمُله وفِصاُله َثلَاُثونَ شهراً) فردها عثمان وخلى
.( سبيلها( ١٦
وهذه القصة أوردها -كذلك- عبد الرزاق في مصنفه( ١٧ )، وقد صحح ابن حجر -
رحمه الله- سند هذه القصة في تلخيص الحبير حيث قال: "ورواه ابن وهب بسند صحيح
عن عثمان، وأن المناظر له ابن عباس"( ١٨ )، كما أن الحاكم -رحمه الله- أخرج في المستدرك
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "إذا حملته تسعة أشهر أرضعته واحدا وعشرين
شهرًا، وإن حملته ستة أشهر أرضعته أربعة وعشرين شهرًا، ثم قرأ: (وحمُله وفِصاُله َثلَاُثونَ
.( شهراً)"، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه( ١٩
الجمع بين الروايات السابقة:
يمكن الجمع بين هذه الروايات المتعددة بأن القصة وقعت أولا في عهد عمر، وتطابق
فيها قول علي وابن عباس -رضي الله عنهم-، ثم تكررت الواقعة في عهد عثمان، وقال فيها
علي وابن عباس -رضي الله عنهم- بقولهم السابق في عهد عمر: وفي مصنف عبد الرزاق ما
يدل على هذا، فقد قال: "عن الثوري عن عاصم عن عكرمة وذكر غير واحد أن عمر أتي
.( بمثل الذي أتي به عثمان، فقال علي فيها نحو ما قال ابن عباس"( ٢٠
الدليل الثاني: السنة
ثبت بالنص أن الولد تنفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر، كما ذكره في حديث ابن
مسعود -رضي الله عنه-: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما وأربعين ليلة، ثم
يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات: فيكتب
رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح"( ٢١ ) وبعد ما تنفخ فيه يتم
.( خلقه بشهرين؛ فيتحقق الفصال لستة أشهر مستوي الخلق( ٢٢
هذا الدليل ذكره السرخسي -رحمه الله- في المبسوط إلا أن الحديث الذي استدل به
يدل على نفخ الروح بعد أربعة أشهر كما ذكر، لكن ليس في الحديث دلالة على أنه يتم
خلقه بعد شهرين من نفخ الروح، والله أعلم.
الدليل الثالث: الإجماع:
،( حكى الإجماع على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر: الجصاص( ٢٣ )، وابن عبد البر( ٢٤
وابن عطية( ٢٥ )، وابن الهمام( ٢٦ )، والماوردي( ٢٧ )، وابن تيمية( ٢٨ ) -رحمهم الله-، قال
الماوردي: "وأما انعقاد الإجماع فما روي أن رجلا تزوج امرأة على عهد عثمان -رضي الله
عنه- فولدت، فرفعها إليه، فهم عثمان برجمها، فقال له ابن عباس: إن خاصمتك المرأة
خاصمتك بالقرآن، فقال عثمان: ومن أين ذلك؟ فقال: قال الله: (وحمُله وفِصاُله َثلَاُثونَ
شهراً)، وقال: (والْوالِدا ت يرضِعن َأولاَد ه ن حولَينِ كَامِلَينِ لِمن َأراد َأن يتِ م ال رضاعةَ)
فإذا ذهب الحولان من ثلاثين شهرًا كان الباقي لحمله ستة أشهر، فعجب الناس من
استخراجه، ورجع عثمان ومن حضر من الصحابة -رضي الله عنهم -إلى قوله فصار
.( إجماعاً"( ٢٩
الدليل الرابع: الوجود
فقد وجد الحمل الذي ولد بعد ستة أشهر وعاش كما سبق في القصص التي حدثت
في عهد عمر وعثمان، وحكي أن الحسين بن علي ولد بعد ستة أشهر من ولادة أخيه
.( الحسن( ٣٠ )، وأن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر( ٣١
نقص أقل مدة الحمل عن ستة أشهر:
١- ذهب بعض المالكية إلى أن أقل مدة الحمل يمكن أن تنقص عن الستة أشهر
بثلاثة أيام: وذلك لعلة نقص الشهور وزيادا، وقد حكى هذا ابن عطية
بقوله: "وهذه الستة أشهر هي بالأهلة، كسائر أشهر الشريعة، ولذلك قد
روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك.. إنه إن نقص من الأشهر الستة
.( ثلاثه أيام، فإن الولد يلحق؛ لعلة نقص الشهور وزيادا"( ٣٢
٢- ذهب الدرير( ٣٣ ) والدسوقي( ٣٤ ) والصاوي( ٣٥ ) وعليش( ٣٦ ) من المالكية إلى أن
أقل مدة الحمل ستة أشهر إلا خمسة أيام، وتعليلهم لهذا النقص مقارب للتعليل
السابق، ففي بلغة السالك: "قوله (وتعتبر الأشهر ناقصة) أي فتعتبر ستة أشهر
إلا خمسة أيام وإن كانت كاملة في الواقع؛ لأنه لا يتوالى النقص في الستة...
لأنه لا يتوالى أربعة أشهر على النقص، فغاية ما يتوالى ثلاثة ناقصة، ويحسب
شهران ناقصان بعد الرابع؛ فيكون أقل أمد الحمل ستة أشهر إلا خمسة أيام؛
.( لعدم تأتي النقص في الستة متوالية"( ٣٧
والذي يظهر لي أن من يقول: مدة الحمل ستة أشهر إلا ثلاثة أيام أو خمسة أيام لا
يخرج قوله عن كوا ستة أشهر، وإنما ذكروا استثناء الثلاثة أيام أو الخمسة احتياطاً لنقص
الشهر أحيانا عن الثلاثين، كما أشار إلى ذلك تعليلهم، والشهور التي بالأهلة يكون الشهر
منها أحيانا ثلاثين يوماً، وأحيانا تسعة وعشرين كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنا أمة أمية، لا
،( نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين"( ٣٨
والله أعلم.
ملاحظات حول أقل مدة الحمل:
بعد استعراض الأدلة التي استدل ا الفقهاء على كون أقل مدة الحمل ستة أشهر؛
يظهر لي ما يلي:
١- دلالة القرآن الكريم على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ليست دلالة قطعية؛ فلم
تنص آية من الآيات على أن مدة الحمل ستة أشهر، بل مجموع الآيتين المستدل
ما يفيد عن طريق دلالة الإشارة( ٣٩ ) أن مدة الحمل يمكن أن تكون ستة
أشهر، وليس فيهما ما يدل على منع كوا أقل من ذلك؛ فقوله تعالى:
(وحمُله وفِصاُله َثلَاُثونَ شهراً) يفيد أن الحمل والفصال -أي: الرضاع-
مدما ثلاثون شهرًا، وقوله تعالى: (والْوالِدا ت يرضِعن َأولاَد ه ن حولَينِ
كَامِلَينِ لِمن َأراد َأن يتِ م ال رضاعةَ) يدل على أن مدة الرضاعة لمن أراد أن
يتمها سنتان، لكن ليس في هذه الآية ما يمنع زيادة مدة الرضاعة على السنتين،
وجواز زيادة الرضاع على السنتين هو إحدى الروايتين عن ابن عباس -رضي
.( الله عنهما- وقول بعض العلماء( ٤٠
٢- الإجماع المذكور على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، يظهر لي بعد تأمله أنه
إجماع على أن مدة الحمل يمكن أن تكون ستة أشهر، وليس فيه ما يدل على
أن أقل مدة الحمل لا تكون إلا ستة أشهر؛ ومم__________ا يؤكد ذلك: رواية مالك عن
علي السابق ذكرها: "الحمل يكون ستة أشهر"، ويؤكده كذلك وقائع القصة
التي حدثت في عهد عمر وعثمان، وهي ولادة امرأة حملاً استمر ستة أشهر،
وأخذ فيها عمر وعثمان بقول علي وابن عباس، ففيها: أن المرأة ولدت لستة
أشهر، والصحابة أقروا بصحة نسب ولدها من زوجها، ولم يصرح أحد منهم
-فيما اطلعت عليه من روايات- بأن أقل مدة الحمل لا تقل عن ستة أشهر،
إلى جانب أن هذا النوع من الإجماع -على فرض أم أجمعوا على أن أقل مدة
الحمل ستة أشهر- إجماع سكوتي، والإجماع السكوتي مختلف فيه بين
الأصوليين: هل هو إجماع أو ليس بإجماع؟ وهل هو حجة أو لا؟ قال الغزالي-
رحمه الله-: "إذا أفتى بعض الصحابة بفتوى، وسكت آخرون لم ينعقد
الإجماع، ولا ينسب إلى ساكت قول، وقال قوم: إذا انتشر وسكتوا فسكوم
كالنطق، حتى يتم به الإجماع....، وقال قوم: هو حجة، وليس بإجماع، وقال
،( قوم: ليس بحجة، ولا إجماع، ولكنه دليل تجويزهم الاجتهاد في المسألة"( ٤١
وقال الزركشي -رحمه الله-: "وفيه ثلاثة عشر مذهباً: أحدها: أنه ليس
بإجماع، ولا حجة"( ٤٢ )، بل من العلماء من صرح بأن أقل مدة الحمل يرجع
فيها إلى عادة النساء، وهذه هي أقوالهم في ذلك:
قال النووي -رحمه الله-: "كما يرجع إلى العادة في أقل مدة الحمل
.( وأكثرها( ٤٣
قال القرطبي -رحمه الله-: "قال ابن خويز منداد: أقل الحيض والنفاس وأكثره
وأقل الحمل وأكثره مأخوذ من طريق الاجتهاد؛ لأن علم ذلك استأثر الله به؛
فلا يجوز أن يحكم في شيء منه إلا بقدر ما أظهره لنا، ووجد ظاهرًا في النساء،
.( نادرًا أو معتادًا"( ٤٤
والمرجع في معرفة عادة النساء في أقل مدة للحمل يعيش الجنين إذا ولد بعدها هم
الأطباء، و أقل مدة للحمل عندهم هي ستة أشهر -كما سيأتي-؛ فبهذا تتفق أقوال الفقهاء
والأطباء في أقل مدة الحمل. والجنين الذي يولد في الشهر السادس كان في الماضي نادرًا ما
يعيش؛ لعدم توفر الرعاية الطبية التي تلائمه، فقد جاء في الموسوعة الطبية الفقهية "وفيما
مضى كان من النادر أن يعيش الولد الذي يولد في شهره السادس؛ لما يحتاجه من رعاية طبية
فائقة، لكن مع التطور الذي حصل في حقول الطب ورعاية الطفولة فقد أصبح بالإمكان
.( اليوم المحافظة على نسبة كبيرة من هؤلاء الخدج( ٤٥ ) بفضل الله- تعالى__________-"( ٤٦
ومن التطورات التي حدثت في الأجهزة الطبية: "تمكن الخبراء في جامعة أدنبرة
البريطانية من تطوير جهاز جديد ينقذ حياة الأطفال الخدج المولودين قبل الأوان، أو قبل
اكتمال مدة الحمل الطبيعية، من خلال مراقبة العلامات الحيوية للمولود والتنبيه لإصابته بأي
اعتلال صحي. وأوضح هؤلاء أن الجهاز الجديد موصول بمهد الطفل ليقيس علاماته الحيوية:
كنبضات القلب، ومعدل التنفس، والتحذير لوجود أية أمراض، أو خلل، أو قصور ما في
أعضاء الأطفال الخدج قبل حدوثها فعلاً، وتنبيه الأطباء لضرورة التدخل الوقائي السريع.
وأشار الباحثون إلى أن الجهاز المذكور يمثل نظام تحذير مبكر بسيط، وسهل الاستخدام،
بدلا من أجهزة المراقبة التقليدية المكلفة، والتي تزود بقراءات آنية عن وضعية المريض فقط،
دون التنبؤ عن فرص إصابته بأي مشكلات صحية محتملة، فعلى سبيل المثال: إذا تعرضت
رئتا الطفل للتمزق والانفجار بسبب التهوية فإن تشخيص ذلك سيستغرق ساعتين، ويؤدي
إلى وفاة حوالي أربعين في المائة من الأطفال، أما باستخدام الجهاز الجديد يصبح من الممكن
.( الكشف عن الخلل في غضون عشر دقائق فقط؛ مما يسمح بسرعة التدخل والعلاج"( ٤٧
وقد أوردت جريدة الخليج الإماراتية في عددها رقم ( ٩٦٠٧ )، بتاريخ الثالث من
٢٠٠٥ م خبرًا بعنوان: (إنقاذ مولودة بعد حمل خمسة /٩ / شعبان ١٤٢٦ ه الموافق ٧
أشهر)، ونص الخبر: "تمكن مستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة من إنقاذ حياة طفلة
( ولدت قبل اكتمال فترة الحمل بأربعة أشهر وخمسة أيام من زمن الحمل وبلغ وزا ( ٥٠٠
جرام فقط وطولها لا يزيد على ( ٣٣,٥ ) سنتيمتر. وصرح الدكتور علي مرسال استشاري
الأطفال الحديثي الولادة بأن المولودة حظيت بالاهتمام والرعاية الطبية من أفراد الطاقم الطبي
المشرف على الحالة الذين تابعوا نموها حتى وصل إلى أكثر من كيلو جرامين وطولها إلى نحو
٤٨ ) سنتيمترا وهو المعدل الطبيعي للمواليد. )
وأضاف: أن الأبحاث أثبتت أن نسبة بقاء المواليد الخدج على قيد الحياة في زمن حمل
كهذا لا تتعدى ( ٣٠ ) بالمائة، مما يجعل حالة الطفلة من الحالات النادرة التي يكتب لها
النجاح".
المطلب الثاني
أقل مدة الحمل في الطب
( أقل مدة للحمل يعيش الجنين إذا ولد بعد تمامها هي ستة أشهر عند الأطباء.( ٤٨
والجنين لا يكون قابلاً للحياة إذا ولد قبل اية الشهر السادس وبداية الشهر السابع؛ لأن
الجهاز العصبي المركزي والجهاز التنفسي لم يتطورا بعد بشكل ملائم.( ٤٩ ) ويقرر الأطباء أن
الجنين الذي يبلغ عمره ستة أشهر يتميز بصفة مهمة وهي قدرته على التنفس بانتظام لعدة
أيام إذا ولد وهو في هذا العمر، بل وتكون لديه فرصة العيش إذا وضع داخل حضانة
.( مناسبة، والستة أشهر هي أقل مدة للحمل يمكن أن يولد فيها المولود تام الخلقة( ٥٠
المطلب الثالث
أقل مدة الحمل في بعض قوانين
الأحوال الشخصية المعاصرة
ذهبت قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة ومشروعات قوانين الأحوال الشخصية في
كثير من البلاد الإسلامية إلى أن أقل مدة الحملة ستة أشهر، ومن ذلك ما يلي:
١- القانون السوري: قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم
١٩٥٣ م، المادة ( ١٢٨ ) منه: "أقل مدة الحمل مائة /٩/ ٥٩ ) وتاريخ ٧ )
.( وثمانون يوما"( ٥١
٢- القانون الأردني: قانون الأحوال الشخصية رقم ( ٦١ ) لسنة ١٩٧٦ م، المادة
١٤٨ ): "ولد الزوجة من زواج صحيح أو فاسد بعد الدخول أو الخلوة )
الصحيحة إذا ولد لستة أشهر فأكثر من تاريخ الدخول أو الخلوة الصحيحة
يثبت نسبه للزوج..."( ٥٢ )، والمراد بالأشهر في هذا القانون الأشهر القمرية ففي
المادة ( ١٨٥ ): "المراد بالسنة الواردة في هذا القانون السنة القمرية
.( الهجرية"( ٥٣
٣- القانون الكويتي: قانون الأحوال الشخصية رقم ( ٥١ ) لسنة ١٩٨٤ م، المادة
.( ١٦٦ ): "أقل مدة الحمل ستة أشهر قمرية..."( ٥٤ )
٤- القانون المغربي: ففي شرح مدونة الأحوال الشخصية المغربية -طبعة فريدة
ومنقحة مع تعديلات سنة ١٩٩٣ م-: الفصل الرابع والثمانون: "أقل مدة
.( الحمل ستة أشهر"( ٥٥
٥- القانون السوداني: ففي قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لسنة ١٩٩١ م
(قانون رقم ٤٢ لسنة ١٩٩١ م) نص المادة ( ١٠٠ ): "أقل مدة الحمل هي ستة
.( أشهر"( ٥٦
٦- قانون الأحوال الشخصية الإماراتي: قانون اتحادي رقم ( ٢٨ ) لسنة ٢٠٠٥ م
في شأن الأحوال الشخصية، المادة ( ٩١ ): أقل مدة الحمل مائة وثمانون
يوما"( ٥٧ )، وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون: "حددت هذه المادة أقل
الحمل وأكثره بالأيام، منعا للخلاف الذي يحصل احتمالا إن حددت بغير
.( ذلك"( ٥٨
( ٧- مشروع القانون العربي الموحد لس وزراء العدل العربي: ففي المادة ( ٨٠
.( منه: "أقل مدة الحمل ستة أشهر"( ٥٩
٨- مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الخليجي:
.( ففي المادة ٧٤ : "أقل مدة الحمل ستة أشهر"( ٦٠
ويلاحظ على أقل مدة الحمل في القوانين السابقة ما يلي:
أن القوانين ومشروعات القوانين المشار إليها متفقة على أن أقل مدة الحمل
ستة أشهر، وهي في هذا قد أخذت بما اتفق عليه الفقهاء والأطباء.
حددت غالب القوانين السابقة أقل مدة الحمل بستة أشهر، ولم تحدد هذه
الأشهر هل هي قمرية أو شمسية، باستثناء القانونين الأردني والكويتي الذين
نصا على كوا أشهرا قمرية.
أن القانونين السوري والإماراتي قد حددا أقل مدة الحمل بالأيام، وهو
الأفضل؛ لكونه أضبط عند التطبيق من التحديد بالأشهر.
المبحث الثاني
أكثر مدة الحمل في الفقه والطب والقانون
وفيه ثلاثة مطالب:
١- المطلب الأول: أكثر مدة الحمل في الفقه.
٢- المطلب الثاني: أكثر مدة الحمل في الطب.
٣- المطلب الثالث: أكثر مدة الحمل في بعض قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة.
المطلب الأول
أكثر مدة الحمل في الفقه
اختلف الفقهاء في أكثر مدة الحمل على أقوال عدة.
القول الأول: لا حد لأكثر مدة الحمل.
وهذا قول أبي عبيد( ٦١ )، وإحدى روايات ثلاث عن الإمام مالك( ٦٢ )، ورجحه من
.( العلماء المعاصرين: محمد الأمين الشنقيطي( ٦٣
ودليل هذا القول: أن الشارع لم يحدد مدة لأقصى الحمل، قال محمد الأمين
الشنقيطي- رحمه الله-: "لأن كل تحديد بزمن معين لا أصل له، ولا دليل عليه، وتحديد زمن
.( بلا مستند صحيح لا يخفى سقوطه"( ٦٤
القول الثاني: أكثر مدة الحمل سبع سنين.
وهو قول الزهري( ٦٥ )، وبعض المالكية( ٦٦ )، ولعل دليل هذا القول هو: وجود أخبار
فيها أن بعض النساء حملن سبع سنين، ففي المدونة: "سحنون عن الليث بن سعد عن ابن
عجلان أن امرأة له وضعت له ولدًا في أربع سنين، وأا وضعت مرة أخرى في سبع
سنين"( ٦٧ ) وفي المدونة -أيضاً- هذا الخبر عن ابن وهب عن الليث بن سعد عن ابن
عجلان( ٦٨ )، وعن الإمام مالك أنه سمع أن امرأة ولدت لسبع سنين( ٦٩ )، وقد رد ابن حزم
الأخبار التي فيها أن مدة الحمل أكثر من تسعة أشهر بقوله: "وكل هذه أخبار مكذوبة
راجعة إلى من لا يصدق، ولا يعرف من هو، ولا يجوز الحكم في دين الله -تعالى- بمثل
.( هذا"( ٧٠
القول الثالث: أكثر مدة الحمل خمس سنين.
وهو قول عباد بن العوام( ٧١ )، ورواية عن مالك( ٧٢ )، وهو المشهور في مذهب
،( المالكية( ٧٣ ) على خلاف في المذهب: هل المشهور خمس سنين أو أربع؟( ٧٤
.( ودليل هذا القول: وجود نساء حملن لخمس سنين( ٧٥
القول الرابع: أكثر مدة الحمل أربع سنين.
،( وهو رواية عن الإمام مالك( ٧٦ )، ومذهب الشافعية( ٧٧ )، وظاهر مذهب الحنابلة( ٧٨
.( ورجحه من العلماء المعاصرين: صالح بن فوزان الفوزان( ٧٩
أدلة هذا القول:
الدليل الأول: أن ما لا نص فيه يرجع فيه إلى الوجود، وقد وجد الحمل لأربع سنين،
فروى الوليد بن مسلم قال. قلت لمالك بن أنس: حديث جميلة بنت سعد عن عائشة: لا
تزيد المرأة على السنتين في الحمل، قال مالك: سبحان الله من يقول هذا؟ هذه جارتنا امرأة
محمد بن عجلان تحمل أربع سنين قبل أن تلد. وقال الشافعي بقي محمد بن عجلان في بطن
أمه أربع سنين. وقال أحمد نساء بني عجلان يحملن أربع سنين، وامرأة عجلان حملت ثلاث
بطون كل دفعة أربع سنين( ٨٠ ). وقيل: إن الضحاك ولدته أمه لأربع سنين، وولدته بعد ما
نبتت ثناياه، وهو يضحك؛ فسمي ضحاكا، وعبد العزيز الماجشوني ولدته أمه لأربع سنين،
وهذه عادة معروفة في نساء ماجشون أن يلدن لأربع سنين( ٨١ )، وبقي محمد بن عبد الله بن
الحسن بن علي في بطن أمه أربع سنين، وإذا تقرر وجوده وجب أن يحكم به، ولا يزاد عليه:
.( لأنه ما وجد( ٨٢
مناقشة هذا الدليل:
نوقش هذا الدليل من وجهين:
أحدهما: عدم صحة الأخبار التي فيها الحمل لأربع سنين: فقد كذب ابن حزم -رحمه
الله- هذه الأخبار كما سبق، وقال السرخسي- رحمه الله-: "وبقاء الولد في بطن أمه أكثر
من سنتين في غاية الندرة؛ فلا يجوز بناء الحكم عليه، مع أنه لا أصل لما يحكى في هذا الباب؛
فإن الضحاك وعبد العزيز ما كانا يعرفان ذلك من أنفسهما، وكذلك غيرهما كان لا يعرف
.( ذلك؛ لأن ما في الرحم لا يعلمه إلا الله -تعالى-"( ٨٣
الثاني: التباس الأمر على المرأة وخطؤها في حساب مدة الحمل، قال ابن الهمام- رحمه
الله-: "والمرأة يحتمل خطؤها، فإن غاية الأمر أن يكون انقطع دمها أربع سنين ثم جاءت
بولد، وهذا ليس بقاطع في أن الأربعة بتمامها كانت حاملاً فيها؛ لجواز أا امتد طهرها
سنتين أو أكثر، ثم حبلت، ووجود الحركة مثلا في البطن لو وجد ليس قاطعاً في الحمل؛
لجواز كونه غير الولد، ولقد أخبرنا عن امرأة أا وجدت ذلك مدة تسعة أشهر من الحركة،
وانقطاع الدم، وكبر البطن، وإدراك الطلق، فحين جلست القابلة تحتها أخذت في الطلق،
فكلما طلقت اعتصرت ماء، هكذا شيئاً فشيئاً إلى أن انضمر بطنها، وقامت عنها قابلتها من
غير ولادة، وبالجملة مثل هذه الحكايات لا يعارض الروايات"( ٨٤ )، وهو يشير بالروايات إلى
ما روي عن عائشة -رضي الله عنها-: "لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من سنتين" وسيأتي
ذكره عند أدلة الحنفية على أن أكثر مدة الحمل سنتان.
الدليل الثاني: أن امرأة غاب عنها زوجها سنتين، ثم جاء وهي حامل، فرفعها إلى
عمر، فأمر برجمها، فقال معاذ: إن يكن لك عليها سبيل، فلا سبيل لك على ما في بطنها.
فقال عمر: احبسوها حتى تضع، فوضعت غلاما له ثنيتان، فلما رآه أبوه قال: ابني، فبلغ
.( ذلك عمر، فقال: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ هلك عمر( ٨٥
قال السرخسي -رحمه الله-: "فقد وضعت هذا الولد لأكثر من سنتين، ثم أثبت نسبه
.( من الزوج"( ٨٦
مناقشة هذا الدليل:
نوقش من وجهين:-
أحدهما: لا حجة فيه؛ لأن عمر إنما أثبت النسب بالفراش القائم بينهما في الحال، أو
بإقرار الزوج.
الثاني: يحتمل أن معنى قوله: إنه غاب عن امرأته سنتين أي قريباً من سنتين( ٨٧ )، وهذا
مبني على قول الحنفية الآتي: أن أكثر مدة الحمل سنتان.
الدليل الثالث: أن عمر ضرب لامرأة المفقود أربع سنين؛ ولم يكن ذلك إلا لأنه غاية
.( الحمل( ٨٨
القول الخامس: أكثر مدة الحمل ثلاث سنين
وهو قول الليث( ٨٩ ) -رحمه الله-، ويفهم من كلام ابن قدامة -رحمه الله- أن دليل
هذا القول هو الوجود، فقد قال: "وقال الليث أقصاه ثلاث سنين، حملت مولاة لعمر بن
عبد العزيز ثلاث سنين"( ٩٠ )، وفي سنن البيهقي عن محمد ابن عمر ابن واقد في ذكر مالك بن
.( أنس: أن أمه حملت به في البطن ثلاث سنين( ٩١
القول السادس: أكثر مدة الحمل سنتان
.( وهو قول المزني( ٩٢ )، والثوري، والحسن بن حي( ٩٣ )، ومذهب الحنفية( ٩٤
أدلة هذا القول:
الدليل الأول:
عن جميلة بنت سعد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما تزيد المرأة في الحمل
على سنتين، ولا قدر ما يتحول ظل عود المغزل"( ٩٥ )، والظاهر أا قالت ذلك سماعاً من
الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن هذا باب لا يدرك بالرأي والاجتهاد، ولا يظن أا
.( قالت ذلك جزافاً وتخميناً، فتعين السماع، وهو مقدم على المحكي عن امرأة ابن عجلان( ٩٦
مناقشة هذا الدليل:
.( قال ابن حزم -رحمه الله-: "جميلة بنت سعد مجهولة؛ فبطل هذا القول"( ٩٧
الدليل الثاني:
أن الأحكام تنبني على العادة الظاهرة، وبقاء الولد في بطن أمه أكثر من سنتين في غاية
الندرة؛ فلا يجوز بناء الحكم عليه، مع أنه لا أصل لما يحكى في هذا الباب( ٩٨ )، أي: الزيادة
على سنتين.
القول السابع: أكثر مدة الحمل سنة.
وهو قول محمد بن عبد الله بن عبد الحكم من المالكية، وقد نسب له القول بأن أكثر
مدة الحمل سنة من علماء المالكية: ابن رشد الحفيد في بداية اتهد( ٩٩ )، وأبو عبد الله
،( القرطبي في الجامع لأحكام القرآن( ١٠٠ )، ومحمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان( ١٠١
وتجدر الإشارة إلى أن الطحاوي( ١٠٢ ) وابن حزم( ١٠٣ ) نسبا إلى محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم -رحمهم الله- أن أكثر مدة الحمل تسعة أشهر، والذي يرجح الباحث نسبته إلى محمد
بن عبد الله بن عبد الحكم من هذين القولين: أن مدة الحمل سنة؛ لأن الحاكي لذلك هم من
علماء مذهب المالكية الذي ينتمي إليه؛ فيكون نقلهم لقوله أرجح من نقل غيرهم، والله