(1)
أهوى المطالعة وأعشق الأدب واللغة،وكم أسعد عندما أبدأ بقراءة رواية ما وكم أشتاق لها عند تركها لسبب ما،وكم أشتاق للعودة إليها ومواصلة قراءتها ومعرفة ما حدث لشخصياتها،و ينتابني حزن طفيف عندما أنتهي منها....ولا أدعي أنني اطلعت على روايات كثيرة،لكنها البداية _إن شاء الله_،وبالموازاة أقرأ من وقت لآخر بعض الكتب النقدية وبعض البحوث في الأدب واللغة العربية،وما يشد انتباهي تلك الكتب السميائية التي أرجوا من الله أن أتعمق فيها أكثر وأكثر.....وفي كل مرة أسمع قصيدة جيدة أو أقرأ مقالة أدبية أشعر بأنني سموت بنفسي فوق السحاب وأن الحبور والسرور اختلطا مع دمائي وأصبحت كالطير أريد أن أحلق مع نغمات اللغة العربية الموسيقية.
وما يثير تساؤلاتي إن لم أقل سخطي،هو ما يتناوله نقادنا الأكابر في نقدهم للأعمال الأدبية خاصة الأعمال الروائية،إذ ينحازون جميعا_دون استثناء_ إلى تطبيق المناهج الغربية على هذه الأعمال،وكأنها جثة هامدة وليفعل كل ناقد ما شاء بها،فهذا يطبق المنهج البنيوي،وذاك التاريخي،وآخر النفسي،و الشكلي والسميائي والأسلوبي.....يدرسون الأحداث ويتفلسفون في ذلك،ويحللون الشخصيات ويفككون بنية الزمن والمكان ولا يتركون صغيرة ولا كبيرة إلا وتعرضوا لها،من لغة وطريقة وتقنية و أسلوب.....
و لم أسمع بناقد مغمور معروف على الساحة الأدبية خالف سيرة سابقيه أو معاصريه في ممارسة نقده وإن اختلف الطريقة من ناقد لآخر،كلهم في هاوية واحدة....و أتعجب كل العجب من نقدهم هذا الذي في الحقيقة إن دل على شيء فإنما يدل على سذاجة العقل العربي عند من يحسبون ويعدون أنفسهم نخبة وصفوة العقل العربي...لا لشيء إلا أنهم أحسن مثال على انقياد الأمة العربية وراء الغرب_التقليد وإتباع الخطى والمناهج_...ليس في صناعة أو تجارة،بل في فكر وأدب أستغفر الله..........................
وأعود لأتعجب وأستغرب كيف يهتمون بهذا وذاك،ولا ينتبهون للموضوع المعالج؟،إن كان يوافق الدين والعقيدة أم لا؟ إن كان منافيا للأخلاق ؟ أو العادات والتقاليد المتعارف عليها أم لا؟ إن كان يشكل خطرا على تنشئة الجيل الصاعد أو يساهم في انتشار الانحلال الخلقي أم لا؟ وأشياء من هذا القبيل.................
إن السبب الرئيسي لكتابة هذه الأسطر،هو رواية كثر عليها الطلب في المؤسسة _التي أعمل بها_ من قبل التلاميذ،الرواية متواجدة بالمكتبة وقد لاحظت إحدى الأستاذات أن العديد من التلاميذ_الإناث_ يقرأنها داخل الأقسام،وبعد أن اطلعت عليها طلبت من المسئول عن المكتبة حجبها ومنع التلاميذ من الاطلاع عيها،وبررت موقفها بأن الرواية تحوي كوارث_حسب قولها_ الأمر الذي بعث في نفسي الفضول واكتشاف هذه الكوارث،فاستعرتها وقرأتها..............
وكم كانت دهشتي كبيرة وغريبة ومقززة في الوقت ذاته،فكيف لرواية مثل هذه أن تصل لأيدي أطفال لم يبلغوا بعد،أنا لا ألوم مدير المؤسسة ولا المسئول عن المكتبة،بل الكاتب والنقاد والمسئولين عن الرقابة...........خاصة الفئة الأخيرة التي تدعي أنها تقوم بدور الغربال،فلا يصل للقارئ إلا ما ينمي قدراته ويصف واقعه وما يلاءم معتقداته....كلام فارغ.......بل على العكس،تمنع أي عمل إبداعي ينتقد السلطة والحاكم وتسمح بما يخرب البيوت ويلهي الفرد عن حقوقه المهضومة،الرقابة لا تريد منه أن يستيقظ بل تتمنى أن لا يغفوا من سباته العميق...فكم من كتاب إصلاحي مفيد مازال في الأدراج....وكم من كتاب خليع مملوء بالتهريج والزيف في الأسواق .....................؟.
إليكم مقطع من رواية"ظل الأفعى"لصاحبها العبقري يوسف زيدان"ضغط بقوة،فصارت مصلوبة على الأرض من تحته،كادت تصرخ،فأغلق فمها بشفتيه،....أطلقت صرخة مكتومة،فزاد اندفاعه بداخله...ظل يتدافع داخلها بكل قواه،حتى انهارت قواها" ،ويضيف "أفرغ في كهفها كل دفعات النمل اللزج،كان يلهث وهو يهتز فوقها بقوة لا قبل لها بها" وفي مقطع آخر يقول"كانت حين يشتعل بهما الشوق ويستقر قاربه فوق مياها،تشعر أن الذي بداخلها منه،أنما جزء منها،غريب عاد لداره" ،وأيضا"...زحف إلى قلب السرير منتشيا،تقلبا حتى كاد يغرس بخيمتها الوتد" ....والمقاطع المشابهة لا تعد ولا تحصى وذكرت ما ذكرت لأنه الأقل جرحا وخدشا لأشياء نسميها نحن القيم والأخلاق...السؤال المحير:إن كانت هذه الألفاظ محرم أن يتكلم بها الناس علانية والمتحدث بها يقال عنه قليل الأدب والتربية،فكيف يجوز قراءتها وتداولها وهي مكتوبة؟والذي يقرأها يقال عنه مثقف وأديب وناقد ولا أدري ماذا...............أم أن القراءة شيء والكلام بما هو مقروء شيء آخر؟ وفي أدبنا الجزائري من هو أوقح من زيدان هذا،فقد أبصرت مقطعا لعبد الحميد بن هدوقة "فلم يلاقي العسكري كبير العناء في السيطرة على الموقف،وأحست بعضوه التناسلي يلامس فرجها،ثم ينفذ إلى الداخل بعنف" لما لم يكتفي بالتلويح فقط،أم أن القارئ العربي غبي لهذه الدرجة....درجة أن يحتاج إلى مثل هذا التصريح الوقح...كيف يسمح لكتب تحمل مثل هذا الفساد أن تنشر وتباع في الأسواق؟كيف...........
لا حول ولا قوة،وأعوذ بالله من أدب مثل هذا،ومن أدباء يمثلون هذا النوع من الأدب...؟
وفي الأخير إليكم ما قاله صلاح فضل عن رواية ظل الأفعى:"يقتحم يوسف زيدان بروايته الأولى هذه،قدس الإبداع الفني بجسارة لافتة،مجربا تنويعات جديدة في الشكل الأدبي،إنها تجربة فذة،فيها من القوة والمعرفة ما يطيح أحيانا بالتقنيات الروائية التي نعرفها،وفيها من المكر الشديد والقدرة البلاغية ما عجز عنه الكثير من علماء اللغة...وفيها من المقدرة على إثارة التساؤلات العميقة "...لن أحاول نقد هذا العلم_صلاح فضل_ لكن أليس من المعروف أن الأشياء السيئة العفنة وإن تواجدت بقلة قليلة وسط الأشياء الجيدة الكثيرة الطاهرة،فإن رائحة العفن والنتن تقوى على الرائحة الزكية الطاهرة...وكذلك النص الأدبي مهما كان بديعا جميلا متلألئا فإن فكرة بذيئة أو منافية لتعاليم ديننا تشينه وتسوئه...يقول الله تعالى:"قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون"المائدة 100.
ولينظر نقادنا إلى نظرائهم الغرب،كيف يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا تناول أديب ما قضية دينية تتنافى ودينهم المحرف...وبالمقابل لا يجدون ضيرا في أن يكتبوا حول الجنس والعلاقات غبر الشرعية وكل ما بذيء مادام الأمر لا يثير حفيظة أحد_هذا ما يبيحه دينهم المحرف_....وللأسف ناقدنا هذا من خلال نقده _عفوا تشجيعه_ ليوسف زيدان،فهو لا يمانع أن يجد هذه الرواية بين أيدي ابنته أو حفيدته..........................



***







(2)
إن الكلام السابق عن الأدب السائد في الأمة العربية يقودني إلى محاولة الحديث عن الأدب الذي يرتجيه أبناءنا،أدب ينور العقول ويساعد في نشر الفضيلة وقيم التسامح...أدب بناء واع.
أتحدث هنا عن روايات وقصص نفتخر بها ونحن نقدمها لأبنائنا،أعمال إبداعية نتوق للحصول عليها دون الحاجة لتوقيع من صاحبها...قصائد نحفظها من أول وهلة،ومختارات نوظفها في مناقشاتنا،ومقاطع روائية تنسينا الواقع المر وتذكرنا في الوقت نفسه بما ينتظرنا.بالله عليكم,,,ألا توافقوني الرأي أن الأدب المتواجد على الساحة أدب لا يتفق مع مبدأ،ولا يحمل معنى ساميا،ولا يعالج القضايا المهمة،ما لنا وللإلحاد واللامنتمي والشتات الأوروبي والشدود الجنسي والصراع النفسي القابع في النفوس المريضة،نريد أدبا ينشر رسالتنا الخالدة،ويعرف الغرب بأفضل ما لدينا،وهل هناك أفضل من نعمة الإسلام،أدب اليوم متدبدب،ومواقف كتابه تتغير حسب المصلحة والغرض والمنافع،أدب اليوم يلبي نزوات الفكر الإنساني ويتغاضى عن الحرام على حساب الحق...كيف نرضى بأدب كاتبه أول من ينفيه ويفنده.
أدب اليوم قلب الموازين...جعل من اللص أمينا ومن الديكتاتور فاتحا...من إمام المسجد إرهابيا متطرفا متعصبا،ومن صاحب الوجه الجميل والاسم اللامع عبقريا وفدا،هدا النوع من الأدب فصل الدين عن الأمة نهائيا.....فحتى يطبع لك العمل الإبداعي عليك ألا تذكر المسجد أو القرآن،أو تنبه لأهمية الصلاة وتؤكد ضرورة مساعدة الفقير والمحتاج....وحتى يتناولها النقاد والباحثين بالدراسة والتحليل يجب أن تتفادى ذكر الكعبة أو ماء زمزم,,,وحتى تترجم للغات عالمية إياك أن تتغنى بصلاح الدين أو بدر وحطين،وإن شئت توظيف أسطورة فلا تفكر في خالد أو عمر،وشعر اليوم إما يصف الزوارق البحرية على شواطئ اللهو والانحراف،أو يتحدث عن دبابة الليمون ومذاق اللحم المجمد،شعر اليوم يبكي على موت الأرانب في الصحراء،ويرثي كلب الرئيس الذي أصاب بسكتة دماغية.
أدب اليوم غاية صاحبه حفلة تكريم،أو وسام شرف ودكتوراه فخرية...وعلى أكثر الحدود ابتسامة من أمير المؤمنين.
***

شكرا وبارك الله فيكم